| واشنطن - من حسين عبد الحسين |
في النصف الاول من العام 2009، اثر خروج الرئيس السابق جورج بوش من الحكم ودخول الرئيس باراك اوباما وفريقه، تنفست دمشق الصعداء، فأوباما المرشح كان حاسما في خياره في الانفتاح على سورية. بدأ الاعلام السوري بالحديث عن الهزيمة التي الحقها نظام الرئيس بشار الاسد ببوش، والحديث عن مرحلة جديدة بشروط سورية.
أرسل جيفري فيلتمان، وهو مساعد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالوكالة حينذاك، في طلب السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى لفتح صفحة جديدة واعادة استئناف العلاقات بين البلدين. ولدى وصول مصطفى الى مدخل مبنى الوزارة على شارع «سي»، كان السجاد الاحمر مفروشا لان كلينتون كانت تتوقع وفدا دوليا رفيعا. بيد ان مصطفى اعتقد ان الحفاوة كانت مخصصة لاستقباله، فمشى بأبهة على السجاد الاحمر وهو يهم بالدخول.
هذه الهفوة صارت في ما بعد مادة للتندر في الاوساط السياسية للعاصمة الاميركية.
إلا أن السفير السوري كان هو الذي ضحك اخيرا، فسياسة واشنطن التي كانت تقول بضرورة عزل سورية حتى «يغير نظام الاسد من تصرفاته» تغيرت تماما، ويعود لمصطفى شخصيا الفضل الكبير في تحسين صورة الاسد في العاصمة الاميركية وفي كسب حلفاء سياسيين اميركيين من الوزن الثقيل من امثال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور الديموقراطي جون كيري، وناشطين مثل مدير اللوبي الاسرائيلي السابق توم داين، وعضو «مجموعة الازمات الدولية» روب مالي، والصحافي في مجلة نيويوركر سيمور هيرش وكثيرين غيرهم.
وأبدى مصطفى نشاطا ملحوظا في الاتصال بالاميركيين من اصل سوري، خصوصا اليهود منهم، وافاد من علاقاتهم حتى انه كاد ينجح في اعادة اطلاق المفاوضات بين بلاده واسرائيل نهاية العام الماضي مع زيارة مالكوم هونيلين، القيادي اليهودي الاميركي وصديق رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، الى دمشق ولقائه الاسد.
على اثر اندلاع الثورة السورية منتصف مارس الماضي، بدأ عدد كبير من افراد الجالية السورية، بمؤازرة عربية، بتنظيم تظاهرات منددة بالاسد ونظامه امام السفارة السورية والبيت الابيض. كما بدأ عدد من الناشطين السوريين الاتصال باعضاء الكونغرس والادارة في محاولة لكسبهم الى جانب الثورة والثوار، واطل العديد من هؤلاء على الفضائيات العربية والاميركية. لم يعجب مصطفى ما رآه من تمرد للجالية السورية في الولايات المتحدة ضد الاسد.
وعلى غرار السفراء والبعثات الديبلوماسية السورية حول العالم، عمد مصطفى الى تحريض من يمكن تحريضهم من سوريين، خصوصا المجموعة المقيمة في ولاية نيوجيرزي، على التظاهر في واشنطن، تأييدا للأسد.
إلا أن غلطة الشاطر بألف.
حاول مصطفى ترهيب السوريين المؤيدين للثورة، فأرسل من جماعته من شارك في التظاهرات والاجتماعات وكتب تقارير بما ومن رآه وسمعه وارسلها الى مصطفى.
ثم قام السفير السوري بخطوة استخباراتية اكبر من ذلك. ارسل من جماعته من قام بتصوير المتظاهرين السوريين والناشطين، وعمد الى التعرف اليهم وارسال صورهم الى دمشق حتى تقوم اجهزة الأمن السورية بتهديد عائلاتهم في سورية في عملية ابتزاز واضحة لدفع الناشطين السوريين في اميركا للتوقف عن نشاطاتهم.
هنا، استطاع «مكتب المباحث الفيديرالي» (اف بي آي) في الامساك «بدلائل قاطعة» تظهر عماد مصطفى متورطا شخصيا، ومساعديه، في ارسال المواد الى دمشق. ولأن ارسال تقارير بحق مواطنين اميركيين الى حكومات اجنبية يندرج في خانة اعمال التجسس التي يحاسب عليها القانون الاميركي، قامت الـ «اف بي آي» اولا بتحذير الناشطين السوريين، وعرضت عليهم الحماية الامنية، ثم قام مساعد وزيرة الخارجية لأمن البعثات الديبلوماسية اريك بوزوال الى الارسال في طلب مصطفى، الذي حضر الى الخارجية في الاسبوع الاول من هذا الشهر، وابلغه ان لدى الحكومة الاميركية دلائل تشير الى تورطه في اعمال تجسس ضد مواطنين اميركيين.
طلب مصطفى الاطلاع على هذه الدلائل، فرفض بوزوال اطلاعه عليها بحجة انها دليل يمكن استخدامه امام المحاكم الاميركية. ادرك مصطفى ان باستطاعة السوريين الاميركيين «جرجرته» الى المحاكم واستخلاص حكم ضده.
حتى ان عضو الكونغرس الديموقراطي عن ولاية فلوريدا تيد دويتش حاول، اثناء جلسة الاجتماع التي عقدتها الاربعاء اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية بحضور مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان،الاستفسار عما آلت اليه الامور مع مصطفى، فأجابه فيلتمان ان بيد الحكومة دلائل لا يمكنه تقديمها في جلسة علنية بل سيأخذها شخصيا الى مكتب دويتش لاطلاعه عليها.
ومع انه يمكن لمصطفى الاختباء خلف حصانته الديبلوماسية، الا انه يمكن لواشنطن، على اثر صدور حكم محتمل ضده، اعلانه «شخصا غير مرغوب فيه» وترحيله حتى تقوم دمشق بارسال سفير بديل، وهذه عملية مختلفة عن عملية طرد السفير او قطع العلاقات المعروفة. ولان في الاوضاع الراهنة، لن يتمكن الاسد من الخوض في عملية تعيين بديل لمصطفى في واشنطن، ولان خروج مصطفى بهذه الطريقة من شأنه ان يهز اكثر صورة الاسد، آثر السفير السوري العودة الى بلاده بهدوء والبقاء فيها.
ويبدو انه قبل رحيله بقليل، اوعز مصطفى الى الناطق باسم السفارة احمد السلقيني الى «الالقاء بنفسه» عن سفينة السفارة السورية في واشنطن.
والسلقيني لا يتمتع بأي حصانة ديبلوماسية، فهو جاء الى البلاد في العام 1999 كطالب جامعي في ولاية اوهايو، ثم درس الماجستير في واشنطن حيث تعرف على مصطفى في عشاء أقامه الاخير على شرف الطلبة السوريين في يناير 2006. ومنذ ذلك الحين، عمل السلقيني ناطقا اعلاميا ومستشارا امينا لمصطفى، ويعتقد البعض انه متورط ايضا في عملية التجسس التي قادها السفير السوري.
في 12 يوليو، خرج السلقيني من السفارة بعد ان ارسل ايميلا يعلن فيه انه سينتقل الى العمل في القطاع الخاص، واعتذر لصمته منذ اندلاع الثورة السورية، الا انه لم يعلن تأييدها، ما أبعد خروجه من دائرة «الانشقاقات»، التي لم يحصل اي منها في السلك الديبلوماسي السوري حتى الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق