| واشنطن من حسين عبدالحسين |
تعكف دوائر رسم السياسة الخارجية الاميركية على اجراء «تقييم» روتيني للدور التركي في منطقة الشرق الاوسط، في ضوء المستجدات في المنطقة، وخصوصا في سورية وايران.
وما يزيد في تعقيد الرؤية الاميركية تجاه تركيا الاعتقاد بأن الوضع الصحي لرئيس الحكومة رجب طيب اردوغان قد يرغمه على اعتزال السياسة في المستقبل القريب، ما يفتح باب «خلافته» على مصراعيه بين مرشحين محسوبين على تيارات ورؤى تركية مختلفة داخل الحزب الحاكم.
«خدمة ابحاث الكونغرس» اصدرت دراسة وصفت فيها السياسة التركية الخارجية بـ «المليئة بالتناقضات» و«الخليط غير الممكن استمراره» خصوصا لناحية «استمرار التحالف مع الولايات المتحدة والمواجهة مع اسرائيل»، اضافة الى نموذج تركيا «الاقتصادي - الاجتماعي المبني على دخول اوروبا في وقت لاتزال المحادثات مع الاتحاد الاوروبي متوقفة».
وتحدثت الدراسة عن تناقض «بين الحماسة التركية للديموقراطية الاسلامية، واستمرار علاقات (انقرة) مع ديكتاتوريات»، فضلا عن «اظهار التقوى الاسلامية في الحياة السياسية وفي الوقت نفسه دعم الدستور العلماني».
الا ان اكثر ما يقلق مخططي السياسة الاميركية هو «اقتران التناقضات التركية باعتماد انقرة لسياسة الوجهين»، حسب احد المشاركين في الدراسة التقييمية الاميركية تجاه تركيا وسياساتها. ويقول الباحث الاميركي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، ان «تركيا وافقت على نشر درع ناتو المضادة للصواريخ على اراضيها، وهي خطوة موجهة ضد ايران، وفي الوقت نفسه يستمر الدفاع التركي عن اي اجراءات عقابية ضد البرنامج النووي الايراني».
وكان وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو، الذي زار العاصمة الاميركية ووصف اثناء زيارته اي ضربة عسكرية الى ايران بـ «الكارثة»، اعرب عن معارضة بلاده لفرض عقوبات اقتصادية ضد طهران، وشدد على المفاوضات كمخرج وحيد للأزمة بين العالم وايران حول برنامج الاخيرة النووي.
الا ان تصريحات اوغلو اثارت حفيظة عدد كبير من السياسيين الاميركيين، وخصوصا من الحزب الجمهوري، فتصدرت رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس اليانا روس ليتنن الهجوم على المسؤول التركي، وحضّت، في بيان، تركيا على اعادة النظر في سياساتها وعلى «فعل كل ما تقدر عليه من اجل زيادة الضغط على ايران لدفعها للتخلي عن برنامجها النووي».
على ان ما لم يقوله الاميركيون علنا هو اقل ما يشغل بالهم حيال تركيا، فمسؤولو الادارة يدركون ان تركيا لا تدير ظهرها الى المجتمع الدولي فحسب في الموضوع الايراني، بل «تحاول انقرة المحافظة على الخط التجاري مع طهران والذي يقدر حجمه السنوي بخمسة مليارات دولار».
كما يعتقد عدد من المسؤولين الاميركيين ان اوغلو هو احد ابرز المرشحين لخلافة اردوغان، وان وزير الخارجية التركي، وهو «من اكثر الاسلاميين قربا الى طهران»، يتموضع بهذا الشكل في سياسته الخارجية لاسباب داخلية تتعلق في السباق على الخلافة في انقرة.
على ان اكبر خيبات الامل الاميركية من الحليفة التركية يكمن في فشل انقرة في تقديم اي حلول ملموسة للوضع السوري.
ومع انه لم يتسرب الكثير من مضمون لقاءات اوغلو مع المسؤولين الاميركيين، الا ان مسؤولا رفيعا اكد لـ «الراي» ان «اوغلو كرر مرارا عبارة ان تركيا تعتبر سورية بمثابة الشأن الداخلي، وان انقرة لا تعتقد ان الازمة السورية تدخل في مضمار سياساتها الخارجية».
لكن رغم «الحساسية الداخلية» التركية حيال الاوضاع في سورية، يأخذ المسؤولون الاميركيون على نظرائهم الاتراك «كثرة الاقوال وقلة الافعال».
وقال المسؤول الاميركي ان واشنطن اعتقدت لفترة انه يمكن ان تقوم انقرة «بمد الجيش السوري الحر بالدعم اللوجستي لمساعدته في حسم المعركة في وجه (الرئيس السوري) بشار الاسد».
كما انه سبق لوزارة الدفاع الاميركية ان وضعت مسودات لخطط تدخل عسكري في سورية، سبق ان نشرت «الراي» لمحات منها، تتصدر فيها تركيا الحملة العسكرية، بمشاركة عربية واسناد اميركي اوروبي، وتؤدي الى انشاء حزام آمن، شمال سورية، للثوار والمدنيين السوريين الفارين من عنف قوات الاسد.
الا ان «تركيا لم تبد أي حماسة لأي تدخل عسكري في سورية، وهي لم تبادر الى قطع علاقاتها التجارية مع نظام الاسد الى أن توقفت التجارة بين البلدين من تلقاء نفسها بسبب تدهور الاوضاع الامنية»، يضيف المسؤول الاميركي.
وعن تسليح الثوار السوريين، سبق للديبلوماسي فردريك هوف، الذي زار انقرة مرارا، ان قال في جلسة استماع في الكونغرس في 14 ديسمبر الماضي: «ما قاله لنا الاتراك، ونحن ليس لدينا سبب لعدم تصديقهم، انهم لا يسلحون الجيش السوري الحر وارسالهم عبر الحدود الى سورية». واضاف هوف في حينها «اكيد ان تركيا تدرس خيارات كثيرة جدا جدا بناء على سيناريوات متعددة، لكن حسب علمي، لا توجد حتى الان خطط قريبة لاقامة احزمة آمنة على الاراضي السورية».
هذا الموقف التركي نفسه حيال سورية، اي درس خط وخيارات وعدم تسليح الثوار او نية التدخل العسكري، سمعه المسؤولون الاميركيون من اوغلو الاسبوع الماضي. «بعد ما يقارب العام على اندلاع الثورة في سورية، ورغم تصريحاتهم النارية ضد الاسد، مازال الاتراك يدرسون خياراتهم... هذه سياسة تبدو كأننا في انتظار قطار لن يصل»، يختم المسؤول الاميركي.
«الراي» سألت كذلك ديبلوماسيين اوروبيين في واشنطن عما رشح اليهم حول زيارة اوغلو والموقف الاميركي من تركيا. يقول احد الديبلوماسيين: «هناك احباط اميركي من الاتراك بعد ان راهنت واشنطن انه بامكان انقرة انهاء الازمة السورية واخراج الاسد من الحكم».
يضيف الديبلوماسي الاوروبي: «لكن ماذا تتوقع من دولة تعارض الحرب للتخلص من حكم (الليبي معمر القذافي)، ثم يقوم مسؤولوها بأول زيارة الى بنغازي عاصمة الثوار». ويختم: «وفي يوم آخر، يرسل الاتراك سفينة لكسر الحصار الاسرائيلي على غزة ويتوعدون اسرائيل بالحرب، وهم خلف الكواليس يبتاعون الطائرات من دون طيار وعتاد اسرائيلي من انواع مختلفة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق