حسين عبدالحسين
حرص الرئيس الاميركي دونالد ترامب على إعادة ربط ملف ايران النووي بميليشياتها، بعد قرابة عقد أو أكثر سعت فيه الادارات السابقة الى فصل المفاوضات النووية مع طهران عن ما دأبت واشنطن على تسميته "نشاطات ايران المزعزعة لاستقرار الشرق الاوسط".
وكان الرئيس السابق باراك أوباما كرر في تصريحاته انه يمكن لاتفاقية نووية مع ايران أن تولّد ايجابية يمكن البناء عليها في علاقات أميركا مع ايران وفي شؤون المنطقة عموماً. لكن الايجابية التي وعد بها أوباما لم تتبلور، ومضت إيران، من وجهة نظر اميركية، في التوسع اقليمياً، وفي تقويض مواقف حلفاء الولايات المتحدة، وتهديد المصالح القومية الاميركية.
ربما اعتقدت ايران، بدورها، أن بمقدورها امتصاص نقمة العالم ضدها نووياً، والاستمرار في التوسع اقليمياً. لكن العالم لم يفصل بين الملفين، على غرار ما فعل أوباما والايرانيين، بل إن المشككين بالاتفاقية النووية راحوا يتساءلون عن الايجابية الموعودة بعد الاتفاقية.
ولما لم تتوقف أنهر الدماء التي تشارك ايران في اهراقها في سوريا والعراق واليمن، قفز معادو الاتفاقية النووية الى الواجهة، واقنعوا الاميركيين ورئيسهم ان السبيل الوحيد للتعامل مع ايران هو مواجهة شاملة على كل الصعد، باستثناء الانخراط في حرب عسكرية مباشرة ضدها.
هكذا أطل ترامب على الاميركيين بخطاب لم ينحصر بإعلانه وقف اصدار افادات حول التعاون الايراني في الملف النووي، بل قدّم فيه رؤية أميركية شاملة تجاه ايران، استعادت العداء بينهما، منذ تفجيرات السفارة الاميركية ومقر المارينز في بيروت في الثمانينات، فتفجير مقر الجيش الاميركي في الخبر السعودية في التسعينات، وصولاً لاتهام إيران بدعم "تنظيم القاعدة" وايواء قياداته، ومنهم نجل زعيم التنظيم الراحل اسامة بن لادن.
ومع أنه من نافل القول إن أميركا تفرض عقوبات على مؤسسات وافراد "الحرس الثوري" الايراني منذ زمن بعيد، الا ان ترامب حرص على اعلان أن أميركا ستعلن "الحرس" بأكمله تنظيماً إرهابياً، وهذه سابقة في الديبلوماسية الدولية، إذ إن تصنيف الارهاب لا يشمل الحكومات، بل يشمل مجموعات غير حكومية، مع الاكتفاء بالاشارة إلى أن هذه الحكومة أو تلك "راعية للارهاب" أو تدعمه.
مع إعلان ترامب "الحرس الثوري" الايراني بأكمله تنظيماً ارهابياً، تجعل الولايات المتحدة من التعامل مع وكالة حكومية بأكملها بمثابة التعامل مع تنظيم ارهابي، مع ما يستدعي ذلك من تسخير لماكينة محاربة الارهاب الاميركية لفرض عقوبات مالية ومطاردة المصنفين ارهابياً حول العالم.
بعد خطاب ترامب، لم تعد "الحرب على الارهاب" التي اعلنها الرئيس السابق جورج بوش اولوية الولايات المتحدة في السياسة الخارجية، خصوصاً مع الاقتراب من إلحاق الهزيمة الكاملة بتنظيم "الدولة الاسلامية" في العراق وسوريا، بل اصبحت مكافحة ايران وميليشياتها هي الاولوية الاميركية في الشرق الاوسط، وهو ما يعني تغييراً جذرياً في السياسة الاميركية، خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان.
في المستقبل القريب، وعد ترامب بتعديل بعض البنود التي تحرم المجتمع الدولي التدقيق في بعض نواحي التزام ايران بالاتفاقية النووية، مثل حرمان المفتشين الدوليين دخول مواقع عسكرية مثل موقع "بارشين"، لا للبحث عن مواد اشعاعية فحسب، بل للتحقق من عناصر اخرى صناعية تدخل في برامج التسليح النووي.
وفي المستقبل القريب أيضاً، من المتوقع أن تتجاوب أوروبا مع الغضب الاميركي وتقنع ايران وروسيا والصين بضرورة تعديل بعض بنود الاتفاقية لتجنب نفسها. لكن في المدى المتوسط، يشي خطاب ترامب بأن أميركا تستعيد موقعها التصعيدي في السياسة الخارجية. هذه المرة، بعد الاطاحة بصدام حسين في العراق، لم يعد امام الاميركيين غير الاعداء الايرانيين، وهذا العداء كانت باكورته ربط "القاعدة" بالايرانيين، وهو بالضبط ما فعله الاميركيون في بداية حملتهم التصعيدية ضد صدام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق