| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
تناقلت الأوساط السياسة والإعلامية تقارير مفادها أن إدارة الرئيس دونالد ترامب عاكفة على إجراء مراجعة لسياستها تجاه سورية. واستبشر المُطالبون بقيام الولايات المتحدة بدور أكبر لإنهاء الحرب السورية بتصريحات لوزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون قال فيها ان بلاده متمسكة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، في دلالة على أن واشنطن لن تقبل أي أمر واقع عسكري يسعى لفرضه الأسد، بدعم ومساعدة حلفائه، وفي طليعتهم إيران وروسيا.
لكن عملية «إجراء مراجعة» للسياسة الأميركية في سورية لا تعني بالضرورة أن الولايات المتحدة ستسعى لدفع الأمور في مصلحتها أو مصلحة حلفائها في المنطقة. حتى لو أعلنت واشنطن مجموعة مبادئ تختلف عن سياستها الماضية تجاه الأحداث في سورية، لا يعني ذلك بالضرورة ان أميركا ستضع سياستها الجديدة موضع التنفيذ، وهي حتى لو فعلت ذلك، ليس بالضرورة أن تعرف الادارة الحالية، صاحبة الخبرة الشحيحة في شؤون الحكم وتطبيق السياسات، كيفية تطبيقها.
ومن يعرف العاصمة الاميركية يعلم ان عبارة «إجراء مراجعة» يتم استخدامها في الغالب من باب «كسب الوقت» والإيحاء أن الإدارة لا تجلس متفرجة، بل انها تولي أمراً ما أهمية، وأنها عاكفة على دراسته ومعالجته. مثلاً، يوم وقعت أحداث مصر في يوليو 2013، ارتبكت واشنطن، وآثرت عدم اتخاذ موقف من الموضوع، فأعلنت ادارة الرئيس السابق باراك أوباما أنها تجري «مراجعة شاملة» لسياستها تجاه مصر. ومع مرور الوقت، وافقت الولايات المتحدة، بصمت، على الأمر الواقع الجديد في مصر، وراحت تتعامل مع الحكام الجدد على أساسه.
إدارة ترامب، بدورها، سبق أن أعلنت أنها قامت بإجراء مراجعة لسياستها تجاه إيران، وأعلن ترامب نيته تبني سياسة جديدة تجاه ايران، وقال انه اصدر تعليماته الى الوزارات الاميركية باتخاذ إجراءات جديدة. ثم مرت الأيام، وبدا وكأن سياسة ترامب الجديدة تجاه طهران لا تتعدى خطابه، وأن لا هو، ولا ادارته، تنوي أو تعرف كيفية تبني سياسة جديدة تجاه الجمهورية الاسلامية تكون أكثر تشدداً من سياسة سابقتها. وعلى الرغم من تهديدات ترامب لإيران بالهول والثبور وعظائم الأمور، إلا أن موقف الولايات المتحدة تجاه ايران ما يزال فعلياً على حاله كما أورثه أوباما لترامب، على الرغم من «المراجعة» التي قامت بها ادارة ترامب لتحديث سياستها تجاه إيران، أي أنه حتى الآن، لم تفتعل أميركا مشكلة أو تطالب بدخول المفتشين الدوليين أماكن محظورة في إيران، وهو ما من شأنه أن يتسبب بجدل يتم طرحه أمام مجلس الأمن الدولي للتوصل إلى حل، فإن تعذر ذلك، تعود العقوبات الدولية تلقائياً على إيران من دون الحاجة إلى قرار جديد في مجلس الأمن.
لكن كل الوعود التي أطلقها فريق ترامب تجاه ايران تلاشت مع نهاية خطابه، وهو ما يشي بفارق شاسع داخل الإدارة بين من يرسم السياسات، من جهة، ومن ينفذها، من جهة أخرى، ويبدو أن أقوال ترامب ومجلس الأمن القومي لا تجبر الوكالات الحكومية الاميركية، وفي طليعتها وزارتي الخارجية والدفاع، على الالتزام بها وتنفيذها، باستثناء تأييدها لفظياً.
وإذا كانت هذه حال إدارة ترامب بعد مراجعتها سياستها تجاه إيران، الأكثر وزناً بما لا يقاس من سورية، فماذا ستكون نتائج مراجعة سياسة أميركا تجاه سورية؟
الأرجح أن إدارة ترامب قد تُصعِّد كلامياً ضد نظام الأسد، ولكنها لن تقوم بأي خطوات لتعديل سياستها المتذبذبة تجاه الحرب السورية، وهي سياسة تتأرجح بين إسقاط مقاتلة «سوخوي» روسية تابعة للأسد، وعدم الاكتراث في أيام أخرى تتعرض فيها تنظيمات محسوبة على الأميركيين لحروب عنيفة تشنها عليهم القوات روسية.
المشكلة في واشنطن ليست السياسات والافكار، فهذه متوافرة وبكثرة. مشكلة واشنطن اليوم هي غياب القدرة لدى ادارة ترامب على تنفيذ غالب ما تقوله، باستثناء «المراسيم التشريعية»، التي تعثر كثير منها، وأدى بعضها الآخر إلى بلبلة بسبب غموض النصوص وانعدام الخبرة الحكومية المطلوبة لدى كاتبيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق