واشنطن - من حسين عبدالحسين
قبل دقائق من بدء انطلاق سلسلة من صواريخ كروز «توماهوك» اميركية في الخليج لاستهداف قواعد عسكرية داخل ايران لتدمير رادارات وبطاريات صواريخ دفاع ارض - جو، رداً على اسقاط طائرة استطلاع من دون طيار اميركية، تراجع الرئيس دونالد ترامب، واصدر اوامره بتعليق الهجوم حتى اشعار آخر.
وقال مقربون من الادارة ان تراجع ترامب كان سببه «مبادرة عُمانية» لاحت في ربع الساعة الاخير، ما حمل الرئيس الأميركي على «اعطاء الديبلوماسية العمانية فرصة اخيرة» للتوصل الى تسوية.
وفي السياق، نشرت وكالة «رويترز»، نقلاً عن مسؤولين ايرانيين، انهم سمعوا من نظرائهم العمانيين ان واشنطن تسعى للحوار، وان هؤلاء المسؤولين وعدوا بايصال الرسالة الى المرشد الأعلى السيد علي خامنئي. لكن وسائل اعلام عربية وايرانية نقلت، عن مصادر في طهران، عدم تسلم أي رسالة من العُمانيين.
وفي واشنطن، ذكر المقربون من ادارة ترامب ان واشنطن لم تكن هي من بادرت الى اعادة احياء «قناة الديبلوماسية العُمانية»، بل مسقط هي التي بادرت، وعندما سمع ترامب، وافق على الغاء الضربة التي كانت في طريقها لاستهداف الداخل الايراني.
وكتبت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس عبر «تويتر» مساء الجمعة: «التقارير التي تتحدث عن نقل رسالة إلى الإيرانيين عبر قناة خلفية عمانية عارية من الصحة تماما، وهي دعاية إيرانية بحتة».
وأضافت أن «على إيران أن تواجه ديبلوماسيتنا بالديبلوماسية».
واضافت مصادر الادارة ان ترامب ارفق موافقته بتحذير الايرانيين بان الولايات المتحدة ستبقى جاهزة للرد على اسقاط ايران طائرة الاستطلاع «ار كيو 4»، وهي واحدة من اكثر القطع العسكرية الأميركية تطورا وتبلغ تكلفة الواحدة منها نحو 130 مليون دولار.
وفاجأت خطوة الرئيس الأميركي غالبية المعنيين في العاصمة الأميركية. وكانت البنتاغون ابلغت وسائل الاعلام ان يستعدوا لتغطية الضربة مع اقتراب موعد الفجر بتوقيت طهران. وبعد مرور الوقت المتوقع، استغرب الاعلاميون التأخير، ونجحت صحيفة «نيويورك تايمز» في الحصول على تفسير، عبر مصادرها العسكرية، ومفاده بأن السفن الأميركية كانت في موقعها المقرر، وان القوات في الخليج كانت في حالة تأهب، وقبل وقت قصير جدا على موعد انطلاق الصواريخ، سمعت القيادة العسكرية اوامر مباشرة من البيت الابيض، طلبت الغاء الهجوم.
وكان قرار ترامب جاء بعد يوم طويل في واشنطن، تباحث فيه اركان الادارة، وتوصلوا الى قرار الرد العسكري. وبعد قرارهم، ارسل البيت الابيض في طلب قادة الكونغرس من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، وعقد اركان الادارة لقاء مع المشرعين في «غرفة الاوضاع» واطلعوهم على التقارير السرية، وعلى خطة الرد. ودعم قادة الحزبين، ترامب، في خطوته، وادلت رئيسة الكونغرس الديموقراطية نانسي بيلوسي بتصريح لفتت فيه الى سلوك ايران «الخطير»، في اشارة واضحة على وقوف الحزبين خلف الخطة الرئاسية.
ثم تراجع ترامب في الليل، واستفاقت واشنطن على بلبلة: هل بدأت الديبلوماسية مع الايرانيين؟ هل هناك موعد نهائي لرد ايراني، قبل ان تعود اميركا الى الرد العسكري؟ اسئلة لا تزال في انتظار اجابات من واحد من اكثر الرؤساء الاميركيين ممن يصعب التكهن بكيفية تفكيره او ماهية خطوته المقبلة.
ووسط هذه الأسئلة، بدأ ترامب في سلسلة تغريدات ومقابلات، راوحت بين قرب فرض عقوبات إضافية، وإن العمل العسكري لا يزال مطروحا على الطاولة... لكن في حال تخلى الايرانيون عن برنامجهم النووي فانه سيكون «أفضل اصدقائهم».
وقال في حديقة البيت الابيض، أمس، «لن نسمح لايران بحيازة سلاح نووي وحين يقبلون بذلك، سيكون لديهم بلد غني، وسيكونون سعداء جدا وسأكون أفضل اصدقائهم. آمل أن يحدث ذلك».
وأعاد الرئيس الأميركي إلى الأذهان شعاره الانتخابي «لنجعل أميركا عظيمة من جديد»، ليقول أمس: «لنجعل إيران عظيمة من جديد».
وأضاف قبل توجهه الى المقر الرئاسي في كامب ديفيد حيث سيبحث هذه الازمة مع العديد من المسؤولين «ولكن اذا تصرف المسؤولون الايرانيون بشكل سيء، فانهم سيمرون بفترة بالغة السوء».
وتابع «لنأمل أن يكونوا اذكياء... واذا تمكنا من إعادة ايران الى سكة اعادة الاعمار الاقتصادي، سيكون ذلك أمرا رائعا».
بيد أنه في الانتظار «سنواصل ونفرض عقوبات اضافية».
وقال ترامب الجمعة إنه تخلى في آخر لحظة عن توجيه ضربات انتقامية بعد اسقاط طهران طائرة أميركية مسيرة.
وعلق أمس مازحاً «الجميع كان يقول عني إنني اهوى الحروب والآن يقولون إنني حمامة».
وأوضح أنه لم يتقرر أي شيء حتى الان بشأن ايران، مشيرا الى أنه محاط بمستشارين يدلون بوجهات نظر متباينة جدا.
واذا كان جون بولتون مستشار الامن القومي من «الصقور» وكثيرا ما يدافع عن «سياسة متشددة»، فان آخرين «يتبنون سياسة أخرى» و»الوحيد الذي سيتحمل (المسؤولية) هو أنا»، بحسب ترامب.
وكان ترامب غرّد بإن «الاتفاق النووي الفظيع الذي وقعه باراك أوباما أنقذ إيران».
وأضاف أن «الاتفاق النووي منح إيران 150 مليار دولار، وفتح طريقها أمام انتاج السلاح النووي».
والجمعة، أكّد الرئيس الأميركي، أنه ألغى في اللحظة الأخيرة الضربات لتفادي سقوط خسائر بشرية فادحة.
وروى في سلسلة تغريدات صباحية ما جرى مساء الخميس بالتفصيل، في واقعة غير مسبوقة بالنسبة إلى رئيس أميركي.
وكتب: «كنا مسلّحين وجاهزين للردّ الليلة الفائتة (عبر استهداف) ثلاثة مواقع مختلفة حين سألت عن عدد الأشخاص الذين سيقتلون. وكان الجواب من أحد الجنرالات: 150 شخصاً سيدي. قبل عشر دقائق من الضربة أوقفتها، كان ذلك غير متكافئ بالنسبة إلى هجوم على طائرة مسيّرة».
وفي مقطع من مقابلة مع قناة «ان بي سي»، أكد ترامب أن الطائرات الأميركية لم تكن قد أقلعت حين اتّخذ قراره، وقال «لكنها كانت قادرة على التحليق سريعاً. وكانت الامور ستحصل إلى درجة لن نكون قادرين على التراجع».
وصرح في مقابلة مساء الجمعة مع شبكة «إن بي سي»، مخاطباً الزعماء الإيرانيين: «لا أسعى إلى حرب إن وقعت فستكون محوا لم تروه من قبل أبدا. غير أنني لا أسعى إلى فعل ذلك».
وتشاور ترامب هاتفيا الجمعة مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، وطلبت الولايات المتحدة ان يعقد مجلس الامن، غداً، اجتماعاً يبحث فيه آخر التطورات.
وأعلن البيت الأبيض في بيان، أنّ ترامب وبن سلمان «ناقشا دور السعودية الكبير في ضمان استقرار الشرق الأوسط وسوق النفط العالمية. كما بحثا التهديد الذي يشكّله السلوك التصعيدي للنظام الإيراني».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق