واشنطن - من حسين عبدالحسين
منيت «صفقة العصر»، المزمع التوصل إليها لعقد سلام عربي - إسرائيلي، بخيبة، حتى قبل انعقاد أول المؤتمرات المخصصة للإعلان عنها وإطلاقها في المنامة، مع تواتر تقارير في العاصمة الأميركية، أشارت إلى أن واشنطن عدلت عن دعوة الحكومة الإسرائيلية، أو أي من المسؤولين فيها، عن الحضور، وأنها ستكتفي بدعوة رجال أعمال إسرائيليين، من القطاع الخاص، للمشاركة في المؤتمر المقرر انعقاده يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين.
وكانت واشنطن أبدت تردداً في دعوة تل أبيب، وهو ما دفع الإسرائيليين، على غير عادة البروتوكولات الديبلوماسية المعمول بها، إلى إعلان أسماء الوفد الذي كان مقرراً مشاركته في المنامة، وهو سيكون برئاسة وزير المال موشي كحلون. وبررت الولايات المتحدة تأخر توجيهها الدعوة لإسرائيل بالقول إنها كانت تنتظر الحصول على موافقة كل الحكومات العربية المشاركة، وهي موافقة جاءت على دفعات، كان أولها موافقة السعودية والإمارات وقطر، تلاها إعلان مصر والأردن والبحرين عزمها الحضور.
وبعد ذلك، قرر الأميركيون تفادي دعوة الإسرائيليين «لتفادي إحراج بعض الأطراف العربية المشاركة»، ولتفادي «إجبار بعض الوفود العربية على الانسحاب من قاعات الجلسات التي يشارك فيها مسؤولون إسرائيليون»، وهو إن حدث، فسيسرق بلا شك الأضواء، وسينعكس سلباً على المؤتمر ونتائجه.
وسارع المسؤولون الأميركيون المولجون تنظيم المؤتمر إلى القول، في حوارات خاصة مع الصحافيين، إن هدف المؤتمر هو تحسين أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية، وأن الهدف المنشود لا يتطلب مشاركة إسرائيلية. على أن المشككين لفتوا المسؤولين إلى أن تحسين أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية يتطلب، بأقل تقدير، حضور الفلسطينيين انفسهم، وهم كانوا اعلنوا مقاطعتهم المؤتمر الذي يعتقدون أنه يقوض أسس عملية السلام، التي انطلقت قبل نحو ربع قرن، والمبنية على حل الدولتين، واحدة فلسطينية إلى جانب جارتها الإسرائيلية.
وفي أساس «صفقة العصر» للسلام، التي أعدها ثلاثة يهود أميركيين محافظين هم مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره جارد كوشنر، ومحامي ترامب العقاري جايسون غرينبلات، وصديقهما دايفيد فريدمان الذي يعمل حالياً سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل. والثلاثة هم من مؤيدي الحركة الاستيطانية الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية، وهي أراض مصنفة دولياً وأميركياً على أنها محتلة من قبل إسرائيل.
ويعتقد فريق السلام الأميركي أن الحل الأمثل هو التخلي عن حل الدولتين، وربط المدن الفلسطينية التسع الكبرى في الضفة الغربية بالضفة الشرقية لنهر الأردن، الواقعة تحت السيادة الأردنية. أما المطلوب من تحسين الوضع الاقتصادي لفلسطينيي الضفة فيرتكز حول إقامة مشاريع اقتصادية على الجهة الأردنية من الحدود مع الضفة الغربية، وربما تمويل بناء مئات آلاف المساكن على الجهة الأردنية لاستقطاب الفلسطينيين للعيش فيها، وهي عملية من شأنها أن تؤدي إلى نمو اقتصادي فلسطيني ـ أردني واسع.
ومثل الضفة، كذلك في غزة، يعتقد الفريق الأميركي أنه يمكن ربط القطاع الفلسطيني بالأراضي المصرية، مع ضخ أموال تؤدي إلى نهوض اقتصادي على جانبي الحدود بين غزة وسيناء، مع قيام الحكومة المصرية بدور الراعي للحكم الذاتي الفلسطيني في القطاع.
أما الأراضي الفلسطينية المتبقية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فمصيرها، مثل هضبة الجولان السورية، الضم إلى إسرائيل، مع اعتراف أميركي بهذا الضم، وهو اعتراف ينحصر برئاسة الولايات المتحدة فحسب، ولا يتمتع حتى بمصادقة في الكونغرس، أو بموافقة دولية، ولا حتى أوروبية.
هكذا، تحول لقاء المنامة من «مؤتمر صفقة العصر» إلى «ورشة عمل»، مع إعلان الاتحاد الأوروبي إيفاد «بيروقراطي تقني»، وهو ما قد تحذو حذوه الدول العربية المُشاركة، التي قد تختصر وفودها بمشاركة تقنية على مستوى وكلاء وزراء الاقتصاد والمال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق