| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
بعد مقتدى الصدر واياد علاوي وصالح المطلك وطارق الهاشمي ومسعود بارزاني والاخوين النجيفي، يحاول رئيس حكومة العراق نوري المالكي تحييد وزير المالية رافع العيساوي، فيما يستخدم اجهزة الاستخبارات العراقية التابعة له لمراقبة تحركات منافسين محتملين من أمثال ابراهيم الجعفري وعمار الحكيم.
حتى مستشاره المقرب منه والناطق باسمه في الماضي القريب، علي الدباغ «رمى به تحت الباص»، على حد تعبير مصادر اميركية، «للتغطية على اعضاء في عائلة المالكي يبدو انهم متورطون في فساد مالي ناتج عن صفقة اسلحة روسية لم تتم».
ويقول مسؤول رفيع المستوى في الادارة الاميركية تحدث لـ «الراي» على شرط عدم ذكر اسمه انه «صار يصعب على اي مسؤول اميركي التحدث مع اي سياسي عراقي من دون سماع شكاوى متواصلة من تصرفات المالكي، واسلوب عمله، وتفرده بالقرار والسلطة، وتسخيره موارد الدولة كالاجهزة الامنية والاعلام الرسمي والاموال من اجل بناء زعامته ومحاربة خصومه، وتاليا القضاء على مؤسسات الدولة والعملية الديموقراطية».
ومن نافل القول ان اهتمام واشنطن بالشأن العراقي تراجع كثيرا في عهد الرئيس باراك اوباما، فحصرت ادارته مصالحها بالعراق بعدم تحوله مركزا لتنظيم «القاعدة»، وبعدم تشكيله خطرا على دول الجوار كما في عهد صدام حسين، وباستمرار - بل زيادة - تدفق النفط العراقي الى السوق العالمية، وهو ما من شأنه خفض سعر النفط، ما ينعكس ايجابا على الاقتصاد العالمي، وخصوصا الاميركي.
ويبدو ان المالكي ادرك مبكرا ان تدفق النفط العراقي يتصدر اولويات اوباما «وهو يتصدر اولويات المالكي كذلك، اذ يمنحه واردات كبيرة يحولها الى مال سياسي يبني بها زعامته»، على حد قول المسؤول الاميركي.
تدفق النفط العراقي، الذي تخطى المليوني ونصف المليون برميا يوميا ومن المتوقع ان يبلغ سبعة ملايين مع نهاية العقد الحالي فيصبح العراق ثاني اكبر دول منتجة للبترول في العالم بعد السعودية، يزعج ايران، اذ يخفف من وطأة المقاطعة الدولية لنفطها بموجب العقوبات المفروضة بسبب برنامج طهران النووي.
«زيادة انتاج النفط العراقي يزعج طهران، ما يعني ان المالكي ليس بيدها»، هي عبارة غالبا ما كررها اعلى مسؤول في ادارة اوباما يشرف على الملف العراقي، انطوني بلينكن، مستشار الامن القومي لنائب الرئيس جو بيدن. بلينكن يتطلع اليوم الى منصب آخر في ادارة اوباما الثانية، وهو كان من المرشحين ليخلف مبعوثة اميركا في الامم المتحدة سوزان رايس لو قيض للاخيرة ان تصبح وزيرة للخارجية خلفا لهيلاري كلينتون.
مع تراجع دور بلينكن ودفاعه المستميت عن المالكي، وجدت ادارة اوباما نفسها من دون حلفاء ذوي وزن في العراق، باستثناء بارزاني. وما زاد في ازمة واشنطن العراقية ان المالكي، لا يوغل في «التخبيص» داخليا فحسب، بل اقليميا كذلك، فهو يسمح لطائرات ايرانية محملة بالسلاح بالمرور عبر المجال الجوي العراقي في طريقها الى قوات بشار الاسد في سورية، والمالكي في حال عداء شديدة مع ابرز حلفاء اميركا في المنطقة رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان، وعلاقته بالمملكة العربية السعودية في اسوأ حالتها، وباستثناء الكويت والاردن، يندر اصدقاء المالكي الشرق اوسطيون.
واخيرا، وردت تقارير الى العاصمة الاميركية تفيد ان كل من طهران ودمشق تستخدمان المصرف المركزي العراقي والمصارف العراقية عموما من اجل الحصول على نقد اجنبي وتجاوز العقوبات المفروضة على النظامين. هذه المساندة العراقية لايران وسورية ادت الى ضغوط على الدينار العراقي، ما دفع بحاكم المصرف المركزي سنان الشبيبي الى التدخل لمحاولة ابعاد بغداد عن الورطة المالية الايرانية والسورية. على اثر ذلك، قام المالكي منفردا، باخراج الشبيبي من المصرف «بعدما فبرك له تهما مالية»، حسب المصادر الاميركية.
لكن المسؤول الاميركي قال ان اخراج الشبيبي «لم يكن كافيا للمالكي، فرئيس حكومة العراق يمسك بحقيبتي الدفاع والداخلية وسائر الاجهزة الاستخباراتية والامنية، وهو يسيطر على وزارة النفط عن طريق حليفه ونائبه حسين الشهرستاني، ويدير سياسة خارجية من دون المرور بالوزير هوشيار زيباري، وكل ما يحتاجه لبسط سلطته كاملة هو الاطباق على موارد الدولة المالية بعيدا عن اي رقابة، لذا اخرج الشبيبي، وارسل قوات تابعة له للقبض على افراد في حماية وزير المالية رافع العيساوي بهدف اخراجه من البلاد كما فعل قبل اشهر مع نائب الرئيس طارق الهاشمي».
واضاف: «هذه المرة يبدو ان المالكي قضم لقمة اكبر مما يتسع فمه. فتكرار سيناريو الهاشمي مع زعيم سني آخر يبدو انه القشة التي قصمت ظهر البعير، واظهرت المالكي كديكتاتور جديد يسعى الى بناء حكم منفرد بالتخلص من معارضيه وفبركة اتهامات لهم».
واوضح المسؤول الاميركي ان «المهمة الاولى لمن يخلفون بيلنكن هي البحث عن حلفاء لواشنطن بدلا عن المالكي». وتابع ان «(كتلة) العراقية (البرلمانية) تبعثرت سياسيا، وباستثناء الكرد، لا توجد كتل برلمانية ذات وزن الا الصدر وتياره، والعلاقة مع هؤلاء معقدة وهناك الكثير من التاريخ السييء بيننا وبينهم».
وقال المسؤول الاميركي ان «اميركا تبحث عن حلفاء عراقيين لان ايران تعمل بجد لانشاء حزب الله آخر في العراق، وهو ما نراه يحدث في علاقة (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم) سليماني مع تنظيم عصائب اهل الحق».
واشار المسؤول الاميركي الى ان تنظيم «عصائب اهل الحق» بقيادة قيس الخزعلي يواجه صعوبة في الفوز بتأييد شعبي عراقي، خصوصا بوجود منافسهم التيار الصدري الذي يتقدمهم شعبية كثيرا. مقتدى الصدر اظهر نضوجا عبر نبذه العنف وحصر نشاطه بكتلة الاحرار البرلمانية التابعة له، وتواصله مع التيارات العراقية الاخرى مثل الكرد والسنة في الانبار».
من يخلف المالكي صديقا لواشنطن في العراق الى جانب الكرد والسنة؟ الولايات المتحدة تبدو في مرحلة استدراج عروض، ويبدو ان ضخ النفط العراقي وحده لم يعد يكفي، وواشنطن صارت بحاجة الى سياسيين يتمعون بحكمة اكبر وبشعبية اكثر.