الخميس، 27 ديسمبر 2012

مشكلة واشنطن في العراق اليوم... المالكي

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

بعد مقتدى الصدر واياد علاوي وصالح المطلك وطارق الهاشمي ومسعود بارزاني والاخوين النجيفي، يحاول رئيس حكومة العراق نوري المالكي تحييد وزير المالية رافع العيساوي، فيما يستخدم اجهزة الاستخبارات العراقية التابعة له لمراقبة تحركات منافسين محتملين من أمثال ابراهيم الجعفري وعمار الحكيم.
حتى مستشاره المقرب منه والناطق باسمه في الماضي القريب، علي الدباغ «رمى به تحت الباص»، على حد تعبير مصادر اميركية، «للتغطية على اعضاء في عائلة المالكي يبدو انهم متورطون في فساد مالي ناتج عن صفقة اسلحة روسية لم تتم». 
ويقول مسؤول رفيع المستوى في الادارة الاميركية تحدث لـ «الراي» على شرط عدم ذكر اسمه انه «صار يصعب على اي مسؤول اميركي التحدث مع اي سياسي عراقي من دون سماع شكاوى متواصلة من تصرفات المالكي، واسلوب عمله، وتفرده بالقرار والسلطة، وتسخيره موارد الدولة كالاجهزة الامنية والاعلام الرسمي والاموال من اجل بناء زعامته ومحاربة خصومه، وتاليا القضاء على مؤسسات الدولة والعملية الديموقراطية».
ومن نافل القول ان اهتمام واشنطن بالشأن العراقي تراجع كثيرا في عهد الرئيس باراك اوباما، فحصرت ادارته مصالحها بالعراق بعدم تحوله مركزا لتنظيم «القاعدة»، وبعدم تشكيله خطرا على دول الجوار كما في عهد صدام حسين، وباستمرار - بل زيادة - تدفق النفط العراقي الى السوق العالمية، وهو ما من شأنه خفض سعر النفط، ما ينعكس ايجابا على الاقتصاد العالمي، وخصوصا الاميركي.
ويبدو ان المالكي ادرك مبكرا ان تدفق النفط العراقي يتصدر اولويات اوباما «وهو يتصدر اولويات المالكي كذلك، اذ يمنحه واردات كبيرة يحولها الى مال سياسي يبني بها زعامته»، على حد قول المسؤول الاميركي. 
تدفق النفط العراقي، الذي تخطى المليوني ونصف المليون برميا يوميا ومن المتوقع ان يبلغ سبعة ملايين مع نهاية العقد الحالي فيصبح العراق ثاني اكبر دول منتجة للبترول في العالم بعد السعودية، يزعج ايران، اذ يخفف من وطأة المقاطعة الدولية لنفطها بموجب العقوبات المفروضة بسبب برنامج طهران النووي. 
«زيادة انتاج النفط العراقي يزعج طهران، ما يعني ان المالكي ليس بيدها»، هي عبارة غالبا ما كررها اعلى مسؤول في ادارة اوباما يشرف على الملف العراقي، انطوني بلينكن، مستشار الامن القومي لنائب الرئيس جو بيدن. بلينكن يتطلع اليوم الى منصب آخر في ادارة اوباما الثانية، وهو كان من المرشحين ليخلف مبعوثة اميركا في الامم المتحدة سوزان رايس لو قيض للاخيرة ان تصبح وزيرة للخارجية خلفا لهيلاري كلينتون.
مع تراجع دور بلينكن ودفاعه المستميت عن المالكي، وجدت ادارة اوباما نفسها من دون حلفاء ذوي وزن في العراق، باستثناء بارزاني. وما زاد في ازمة واشنطن العراقية ان المالكي، لا يوغل في «التخبيص» داخليا فحسب، بل اقليميا كذلك، فهو يسمح لطائرات ايرانية محملة بالسلاح بالمرور عبر المجال الجوي العراقي في طريقها الى قوات بشار الاسد في سورية، والمالكي في حال عداء شديدة مع ابرز حلفاء اميركا في المنطقة رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان، وعلاقته بالمملكة العربية السعودية في اسوأ حالتها، وباستثناء الكويت والاردن، يندر اصدقاء المالكي الشرق اوسطيون.
واخيرا، وردت تقارير الى العاصمة الاميركية تفيد ان كل من طهران ودمشق تستخدمان المصرف المركزي العراقي والمصارف العراقية عموما من اجل الحصول على نقد اجنبي وتجاوز العقوبات المفروضة على النظامين. هذه المساندة العراقية لايران وسورية ادت الى ضغوط على الدينار العراقي، ما دفع بحاكم المصرف المركزي سنان الشبيبي الى التدخل لمحاولة ابعاد بغداد عن الورطة المالية الايرانية والسورية. على اثر ذلك، قام المالكي منفردا، باخراج الشبيبي من المصرف «بعدما فبرك له تهما مالية»، حسب المصادر الاميركية.
لكن المسؤول الاميركي قال ان اخراج الشبيبي «لم يكن كافيا للمالكي، فرئيس حكومة العراق يمسك بحقيبتي الدفاع والداخلية وسائر الاجهزة الاستخباراتية والامنية، وهو يسيطر على وزارة النفط عن طريق حليفه ونائبه حسين الشهرستاني، ويدير سياسة خارجية من دون المرور بالوزير هوشيار زيباري، وكل ما يحتاجه لبسط سلطته كاملة هو الاطباق على موارد الدولة المالية بعيدا عن اي رقابة، لذا اخرج الشبيبي، وارسل قوات تابعة له للقبض على افراد في حماية وزير المالية رافع العيساوي بهدف اخراجه من البلاد كما فعل قبل اشهر مع نائب الرئيس طارق الهاشمي».
واضاف: «هذه المرة يبدو ان المالكي قضم لقمة اكبر مما يتسع فمه. فتكرار سيناريو الهاشمي مع زعيم سني آخر يبدو انه القشة التي قصمت ظهر البعير، واظهرت المالكي كديكتاتور جديد يسعى الى بناء حكم منفرد بالتخلص من معارضيه وفبركة اتهامات لهم».
واوضح المسؤول الاميركي ان «المهمة الاولى لمن يخلفون بيلنكن هي البحث عن حلفاء لواشنطن بدلا عن المالكي». وتابع ان «(كتلة) العراقية (البرلمانية) تبعثرت سياسيا، وباستثناء الكرد، لا توجد كتل برلمانية ذات وزن الا الصدر وتياره، والعلاقة مع هؤلاء معقدة وهناك الكثير من التاريخ السييء بيننا وبينهم».
وقال المسؤول الاميركي ان «اميركا تبحث عن حلفاء عراقيين لان ايران تعمل بجد لانشاء حزب الله آخر في العراق، وهو ما نراه يحدث في علاقة (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم) سليماني مع تنظيم عصائب اهل الحق». 
واشار المسؤول الاميركي الى ان تنظيم «عصائب اهل الحق» بقيادة قيس الخزعلي يواجه صعوبة في الفوز بتأييد شعبي عراقي، خصوصا بوجود منافسهم التيار الصدري الذي يتقدمهم شعبية كثيرا. مقتدى الصدر اظهر نضوجا عبر نبذه العنف وحصر نشاطه بكتلة الاحرار البرلمانية التابعة له، وتواصله مع التيارات العراقية الاخرى مثل الكرد والسنة في الانبار».
من يخلف المالكي صديقا لواشنطن في العراق الى جانب الكرد والسنة؟ الولايات المتحدة تبدو في مرحلة استدراج عروض، ويبدو ان ضخ النفط العراقي وحده لم يعد يكفي، وواشنطن صارت بحاجة الى سياسيين يتمعون بحكمة اكبر وبشعبية اكثر.

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012

«مجلس العلاقات الخارجية» في واشنطن يرجّح انعكاس العنف في سورية على المصالح الأميركية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

توقع «مركز العمل الوقائي» التابع لـ «مجلس العلاقات الخارجية»، وهو احد ابرز مراكز الابحاث الاميركية، ان يزداد العنف في سورية في العام 2013، وان يشكل العنف السوري ابرز تحد للمصالح الاميركية، 
متقدما على 30 ازمة دولية اخرى مرجح حدوثها حول العالم.
وكان تقرير العام 2012 رجح «اتساع دائرة العنف الاهلي في سورية»، ما دفع ميكا زنكو، وهو احد الباحثين ممن يشرفون على اعداد التقرير سنويا، الى القول ان «سيناريو العام الماضي تحول الى حقيقة للأسف، ويبدو ان اللاستقرار في سورية مازال بعيدا عن نهايته». لذا، رجح زنكو ان يكون «ازدياد العنف في الحرب الاهلية السورية هو الازمة الوحيدة الطارئة والممكن حدوثها العام المقبل»، ما دفع معدي التقرير الى وضع الازمة السورية في خانة «الازمات التي تنعكس سلبا على مصالح الولايات المتحدة، والتي يرجح حدوثها».
مشكلة اخرى في سورية، يقول التقرير، هي «امكانية وقوع الاسلحة الكيماوية في ايدي لاعبين غير حكوميين»، وهو ما دفع تصنيف الازمة السورية الى «الدرجة الاولى» من اصل ثلاث درجات يمنحها التقرير للازمات بحسب فداحتها وامكانية حدوثها.
وكتب زنكو: «ان تحذيرات الرئيس (باراك) اوباما من ان استخدام هكذا اسلحة هو بمثابة عبور خط احمر يشير الى انه يمكن ان تتورط الولايات المتحدة في صراع طويل يزداد عمقا».
وحذر التقرير من امكان «تجدد العنف الطائفي في لبنان بسبب تمدد الصراع في سورية».
ويعتمد التقرير على استطلاع آراء 1500 مسؤول حكومي واكاديمي وباحث اميركي حول ترتيبهم وتقييمهم لاكثر 30 ازمة تواجه الولايات المتحدة حول العالم العام المقبل.
وبعد سورية، حلت في الترتيب امكانية «اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة»، وامكانية «حصول اضطرابات شعبية واسعة في الصين بسبب عدم الرضى الشعبي من تراجع الاقتصاد والتأخير في الاصلاحات السياسية». كذلك، حذر التقرير من امكانية اندلاع مواجهة عسكرية واسعة بين اميركا والصين على اثر احتمال وقوع حادثة بين القوات الاميركية وحلفائها، من جهة، والقوات الصينية، من جهة اخرى، في بحار الشرق الادنى.
وحذر التقرير ايضا من امكان نشوب حادثة مشابهة تؤدي الى مواجهة اوسع بين الولايات المتحدة وايران في الخليج. وفي السياق الايراني، حذر التقرير من امكانية حدوث ازمة اثراعلان ايراني مفاجئ في التوصل الى صناعة سلاح نووي، ما قد يتبعه من عمل عسكري اسرائيلي ضد ايران.
ورأى التقرير ان العراق يعاني من «ارتفاع في العنف الطائفي»، و«ازدياد في الضغوط نحو الانفصال» في بعض الاقاليم.
في مصر، تخوف معدو التقرير من «وقوع اضطرابات بسبب التأخر في عملية الاصلاح، يترافق ذلك مع تدهور في االاوضاع الاقتصادية»
اما الازمات الاخرى فتتضمن امكانية نشوب نزاع حدودي صيني - هندي، وامكانية ان تؤدي الانتخابات الاثيوبية الى عدم استقرار في البلاد، وموت فيديل كاسترو الحاكم السابق لكوبا او عجز اخيه راول
عن الامساك بوضع الجزيرة ما يؤدي الى اضطرابات، وهو سيناريو قد يحدث ايضا في فنزويلا حيث 
يعاني حاكم البلاد الاوحد هوغو شافير من مرض عضال قد يؤدي الى موته او يتسبب بعدم مقدرته على الحكم


الأحد، 23 ديسمبر 2012

قرن أميركي جديد من دون الشرق الأوسط

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم يكن في بال المرشح الرئاسي السناتور باراك اوباما ان بلاده ستعود الى صدارة الدول المنتجة للنفط والغاز في عهده يوم حضر جلسة استماع كانت تعقدها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، في ابريل العام 2008، ليسأل قائد القوات الاميركية في العراق دايفيد بترايوس والسفير رايان كروكر حول امكانية تحويل العراق الى دولة بـ «التي هي احسن، لا تشكل خطرا على جيرانها، ولا تكون مقرا لتنظيم القاعدة».
يومها لم يكترث اوباما للعراق، ولا لاحتياطه النفطي الذي يأتي في المرتبة الرابعة او الخامسة عالميا. كان المرشح اوباما يعتقد، حسب ما ورد في كتابه «جرأة الامل»، انه لا يمكن للولايات المتحدة ان تنفق «800 مليون دولار على النفط الاجنبي يوميا»، وان عليها ان تمول ابحاثا وبنية تحتية لموارد الطاقة البديلة للاستغناء عن النفط كمصدر رئيسي للطاقة.
ومما كتبه اوباما ان «كمية كبيرة» من الـ 800 مليون دولار الاميركية «تذهب الى اكثر الانظمة المتقلبة في العالم».
بعد اقل من 5 سنوات، صار استغناء اميركا عن العراق، وعن «الانظمة المتقلبة» عموما، ممكنا، ولكن ليس بسبب جهوزية الطاقة الاميركية البديلة، التي انفق اوباما على ابحاثها وانتاجها قرابة المليار دولار في ولايته الاولى، بل بسبب توافر تقنية ضاعفت من احتياطي النفط الاميركي، البالغ 20 مليار برميل، بنسبة 40 في المئة. والرقم مازال في تصاعد.
هذا يعني ان انتاج الولايات المتحدة النفطي ارتفع بنسبة 30 في المئة منذ العام 2008، ليصل الى ستة ونصف مليون برميل يوميا الشهر الجاري، وهو رقم مرتفع مقارنة بانتاج السعودية، الاولى في العالم، والذي يبلغ 9 ملايين و700 الف برميل في اليوم. وهذا يعني ان الولايات المتحدة قد تسبق حتى التقارير التي تتوقعها ان تتحول الى الاولى في العالم للانتاج النفطي مع حلول العام 2020، مع العلم انه صار من المحسوم انها ستصبح الاولى في انتاج الغاز في العام 2016 او قبل ذلك.
الارقام تشير كذلك الى ان الزيادة في الانتاج النفطي الاميركي في العام 2011 هي الاعلى منذ ان تم اكتشاف هذه المادة للمرة الاولى في ولاية بنسلفانيا في العام 1859. 
ماذا تعني هذه الارقام النفطية في لغة السياسة؟
تعني ان اميركا ستصبح مكتفية ذاتيا على صعيد الطاقة في غضون السنوات الخمس المقبلة، للمرة الاولى منذ العام 1952، وسيستمر ذلك حتى العام 2035، ما سيعطي واشنطن ربع قرن من الاستقلالية في الطاقة، ويعفيها من السباق مع دول العالم الاخرى للوصول الى الاسواق النفطية او لمحاولة تثبيت دولها امنيا وسياسيا. 
وتشير التقارير الاميركية الى انه بسبب التقنية ذاتها، يمكن للاستقلالية النفطية الاميركية ان تستمر لخمسة عقود اضافية بفضل استغلال موارد كندا النفطية الشاسعة، والتي تضاهي السعودية من حيث ضخامة الاحتياطي.
«هذا يعطينا حرية اكثر للحديث عن الشرق الاوسط الذي نريد ان نراه، والعالم الذي نريد ان نراه»، يقول اوباما في مقابلته الاسبوع الماضي مع مجلة التايم، التي اختارته رجل العام.
ولا مبالغة في تصريح اوباما. فاكتشاف تقنية الاستخراج الجديدة لم تؤد الى ثورة في قطاع الطاقة فحسب، بل في التفكير والرؤية الجيوسياسية للحكومة الاميركية ككل، ودور الولايات المتحدة في العالم في القرن المقبل.
في منتصف سبتمبر 2008، كانت اميركا تشعر بأن ايامها كقوة عظمى اصبحت من الماضي: الاقتصاد في انهيار، حربا العراق وافغانستان زعزعتا الثقة بالقوة الاميركية، صعود قوى اخرى حول العالم وفي طليعتها الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا، او ما عرف بدول البريكس، كان ينذر بأفول الامبراطورية الاميركية.
«اين هي مجموعة دول البريكس اليوم؟» يتساءل احد العاملين في مجلس الامن القومي في مجلس خاص. صحيح ان روسيا والصين مارستا حق النقض الفيتو في مجلس الامن في الموضوع السوري، لكنهما نجحتا في ذلك غالبا بسبب عدم الاكتراث الاميركي لما يحدث في سورية.
انتاج روسيا من النفط والغاز يعاني تراجعا بسبب عدم تحديث بنيته التحتية وقلة الاستثمارات التي تهرب من حكم فلاديمير بوتين. نمو الناتج المحلي في البرازيل لا يتعدى النصف نقطة مئوية. الهند تعاني من فساد يرهق نموها ويعطله. الصين تواجه مأزق شيخوخة سكانية وارتفاع اسعار يدها العاملة مقارنة بدول الجوار، فيما فشلت بكين حتى الآن في تحويل اقتصادها من صناعات ثقيلة الى صناعات ذكية وتكنولوجية.
اما في اميركا، فيخلق قطاع الطاقة المزدهر حديثا وظائف جديدة، ويعيد الى الحياة صناعات كانت هربت الى دول اخرى، مثل البتروكيماويات، لانخفاض سعر البترول داخل البلاد. وتفيد هذه القطاعات الاميركية من بنية تحتية وموارد بشرية لا مثيل لها في العالم. 
هكذا، فيما الاقتصاد الاميركي ينمو، اوروبا واليابان تعانيان، والصين مهزوزة. 
في واشنطن شعور ان الطفرة النفطية الجديدة ستعيد اميركا الى الصدارة كقوة عالمية عظمى للعقود الخمسة المقبلة، وهذه فترة زمنية ستكون كافية لاكتشاف موارد طاقة بديلة والاستغناء تاليا عن النفط والغاز. في هذه الاثناء، ينصب اهتمام واشنطن على اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، والتي ستقيم سوقا مشتركة وتحالفات سياسية وعسكرية بين اميركا ودول الشرق الادنى واستراليا، من دون الصين. اما احدث الانباء السارة في هذا السياق فجاءت من اليابان، حيث عاد الليبراليون برئاسة شينزو آيب الى الحكومة، فيما المعروف ان الحزب الليبرالي الياباني يسعى دائما الى علاقة مميزة مع واشنطن.
وواشنطن اليوم تفكر في قرن اميركي ثان، بعدما سمى الرئيس السابق بيل كلينتون، في خطاب قسمه لولاية ثانية في العام 1996، القرن الماضي بـ «القرن الاميركي».
في وسط هذه الصورة الاميركية العالمية، يأتي الشرق الاوسط بثوراته وحروبه وبرامجه النووية. اوباما اراد الخروج منه ومسايرة حكامه، بمن فيهم بشار الاسد في سورية وعلي خامنئي في ايران، حتى قبل الفورة النفطية الاميركية، متبنيا بذلك مدرسة وزيري الخارجية السابقين هنري كيسينجر وجيمس بيكر في السياسة الخارجية العملانية، والتي تقضي بالتعامي عن المبادئ، والبحث عن المصالح، حتى لو كان ذلك يعني صداقات مع اعتى الديكتاتوريات حول العالم.
يقول مسؤولون أميركيون انه مع الفورة النفطية الاميركية، حتى هذه الصداقات مع الديكتاتوريات لم تعد في خانة المصالح الاميركية الحيوية، وصارت واشنطن تشعر انها ليست بحاجة الى الشرق الاوسط، الذي يلعب دور خزان النفط لها وللعالم منذ العام 1970.
اوباما يشعر فعلا ان بامكانه الالتفات الى شؤون اكثر الحاحا، مثل استعادة قوة اميركا والتفاتها للمواجهة مع القوة الوحيدة التي يمكن ان تقترب منها في الطليعة، اي الصين.
الشرق الاوسط، بدوره، يمكنه الانتظار، حتى يتسنى لاوباما، او من سيخلفه في الرئاسة، ان يأخذ ما يريده من الوقت للوصول الى «الشرق الاوسط الذي نريد ان نراه». ولكن حتى ذلك الحين، لا يبدو ان الشرق الاوسط هذا يدخل في حسابات القرن الاميركي الجديد.

السبت، 22 ديسمبر 2012

أوباما قال لمقربين إنه لا يخشى الهبوط في طهران ولقاء خامنئي

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في الظاهر، تبدو المعركة سياسية قاسية حول امكانية اختيار الرئيس باراك اوباما للسناتور الجمهوري السابق تشاك هيغل وزيرا للدفاع خلفا لليون بانيتا. في الواقع هي معركة بين اللوبين الاسرائيلي والايراني داخل العاصمة الاميركية حول فتح حوار مباشر وغير مشروط بين الولايات المتحدة والنظام في طهران.
اصدقاء اسرائيل اعترفوا بارتكابهم خطأ عندما شن الحزب الجمهوري حملة ضروس من اجل اقصاء مبعوثة الولايات المتحدة الى الامم المتحدة سوزان رايس عن منصب وزيرة الخارجية خلفا لهيلاري كلينتون، بسبب تصريحات رايس حول حادثة مقتل اربع اميركيين بينهم السفير اثناء الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في 11 سبتمبر الماضي.
رايس كانت قد قادت عملية تشكيل تحالفات دولية ساهمت في استصدار اقسى عقوبات اقتصادية اممية ضد النظام الايراني. كذلك قادت رايس حملة ضد النظام السوري ورئيسه بشار الاسد، ولكن لان الموضوع السوري ليس في اولوية الرئيس الاميركي، لم تلق سفيرته الدعم الكافي واكتفت بمشاهدة الروس والصينيين يهزمون ثلاثة قرارات في مجلس الامن حول سورية باستخدامهم حق النقض (الفيتو)، ما ادى الى اشتباكات كلامية متعددة، في السر كما في العلن، بين رايس ونظيرها الروسي فيتالي تشوركين.
وبعدما سحبت رايس ترشيحها الى منصب وزيرة خارجية وتسلطت الاضواء على المرشح البديل السناتور الديموقراطي جون كيري، بطل «سياسة الانخراط» مع الرئيس السوري بشار الاسد، ادرك الجمهوريون، وخصوصا قائد الحملة السناتور جون ماكين، انهم اخطأوا باخراجهم حليفة طبيعية هي رايس، واستبدالها بوزير قد يتبنى مواقف معاكسة لكل مواقف الجمهوريين في السياسة الخارجية.
على ان الخطأ الجمهوري الاكبر هو في استنزاف رصيدهم في المعارضة لاخراج رايس، ما سيسمح لاوباما بتعيين ليس كيري فحسب، بل هيغل الذي يتقدم على كيري بدعوته الى فتح حوار مباشر وغير مشروط مع ايران، اذ على اثر معركة رايس، سيبدو الجمهوريون الآن في موقف المعرقل في حال استخدم اعضاؤهم في مجلس الشيوخ «حق تجميد» تعيين هيغل، خصوصا جون ماكين، احد ابطال حرب فيتنام الذي سيجد من الصعب ممارسة «حق التجميد» في تعيين زميل سابق له وحامل اوسمة من حرب فيتنام مثل هيغل.
بدوره، سيبدو اوباما في موقف الضعيف على صعيد اختياره افراد فريقه اذا ما تراجع عند كل منعطف امام رغبات الجمهوريين.
لكن مشكلة اصدقاء اسرائيل وحلفائهم الجمهوريين مع هيغل كبيرة، واعمق بكثير من تحفظهم ضد رايس، بسبب مواقف هيغل من الحوار مع ايران.
ولفهم سبب اندفاعة هيغل تجاه طهران، يجب التأمل في تجربته الحياتية، فهيغل عاد من حرب فيتنام في السبعينات للبحث عن عمل، وكان الرئيس الجمهوري الراحل ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسينجر قد عادا للتو من رحلة مفاجئة بدأت حوارا مع الصين الشيوعية. الحوار مع الصين كان يهدف الى التعامي عن المبادئ المتضاربة والحديث عن المصالح المشتركة، وخصوصا الاقتصادية منها، وهو ما ادى الى انفتاح اقتصادي بين البلدين، وكان اول المستفيدين منه هيغل، الذي اسس شركة اتصالات في الصين، وجمع منها ثروة كبيرة.
هيغل يعتقد انه كما نجحت اميركا في التعامي عن تباينها عقائديا وسياسيا مع الصين، وكما نجحت في استيعاب مصالح الصين الاقليمية، يمكن لاميركا التعامي عن الاختلاف السياسي والعقائدي مع ايران، واستيعاب اجندتها الاقليمية، في مقابل انفتاح اقتصادي يعود على الاميركيين والايرانيين بمنافع كبيرة.
اوباما، بدوره، يتبنى نظرية الحوار المباشر وغير المشروط مع ايران، حتى انه قال لمقربين انه لا يخشى الهبوط في طائرة في طهران وعقد لقاء مع مرشد الثورة علي خامنئي وكبار مساعديه ان كان ذلك يساهم في اقناع ايران في التخلي عن ملفها النووي في مقابل انفتاحها على اميركا والعالم والاعتراف بدورها الاقليمي.
المشكلة التي تواجه اوباما هي ان سيناريو الحوار مع ايران تكلفته السياسية كبيرة جدا داخل واشنطن، فمن غير الممكن لاميركا التعامي عن دور ايران في المنطقة من دون ان يثير ذلك خوف وغضب اسرائيل، التي تتمتع بثقل سياسي هائل داخل واشنطن.
اذن، سيجد هيغل او اي داع اميركي الى حوار غير مشروط مع ايران نفسه في مواجهة سياسية مع اسرائيل واصدقائها الاميركيين الكثر، وهو ما بدأ يحصل فعلا مع هيغل الذي وجد نفسه فجأة في مواجهة هجوم ساحق ضد فكرة توليه منصب وزير دفاع.
وللدفاع عن نفسه، حاول هيغل شن حملة مضادة، لكن «فرص هيغل، السناتور المتقاعد والذي انحل فريق عمله وتبعثر، ضئيلة مقارنة برايس مثلا التي مازالت في دائرة الضوء بسبب منصبها في الادارة والفريق الضخم الذي يساعدها»، حسب المعلق الاميركي جوش روغان.
روغان اجرى مقابلة مع آدم باراسيليتي، وهو مستشار هيغل سابقا للشؤون الخارجية ويعمل اليوم رئيسا لتحرير صحيفة «آل مونيتور»، وهذه الاخيرة يملكها رجل النفط الاميركي من اصل سوري جمال دانيال الذي يملك حصة كبيرة كذلك في صحيفة «السفير» اللبنانية.
باراسيليتي وصف من يشنون الحملة ضد هيغل بانهم «منحطون»، وقال ان اعتبار ان هيغل هو «ضد اسرائيل هو هراء، ولا ينعكس في سجل تصويته في مجلس الشيوخ، وهو يعرف الامور واللاعبين هناك (في اسرائيل) مثل اي سياسي آخر في واشنطن».
وفي وقت لاحق، وزع مناصرو هيغل من مساعديه السابقين بيانا تضمن تصريحات تزكية من يهود اميركيين هم سفير اميركا السابق في اسرائيل دان كيرتزر، والباحث دايفد آرون ميلر، ولوبي «جاي ستريت باك» المناهض لـ «آيباك». لكن كيرتزر وميلر من ابرز الداعين الى الانفتاح على ايران، وهو ما يعني ان تصريحاتهم لا تساهم في كسب اصدقاء اسرائيل الاميركيين لمصلحة ترشيح هيغل.
وفي مفارقة لافتة، برز الموقع الانكليزي لقناة «برس تي في» الايرانية كأحد المدافعين عن هيغل وترشيحه، وهو ما يعد ادانة اكثر منه تزكية لهيغل في اوساط واشنطن.
بدورها، هاجمت كل من «واشنطن بوست» في افتتاحيتها، وصحيفة «ويكلي ساتندرد» اليمينية، وعدد من الجمعيات اليهودية - الاميركية هيغل وامكانية تعيينه وزيرا للدفاع.
ومع انه من المتوقع ان يعلن البيت الابيض ترشيح اوباما لكيري في اية لحظة، ستستمر المعركة حول ترشيح هيغل، وتاليا حول امكانية فتح حوار اميركي رسمي ومباشر وغير مشروط مع ايران.
وأوضح المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني الخميس بجلاء مدى تمسك أوباما بهيغل.
وقال دون ان يقر بأن مسألة هيغل قيد البحث كي يخلف بانيتا: «حارب السناتور هيجل واراق دمه من اجل بلاده. ابلى بلاء حسنا في سبيل بلاده. انه سناتور ممتاز».

الخميس، 20 ديسمبر 2012

وزيرا المفاوضات الأميركية – الإيرانية

حسين عبد الحسين

“عليك بالتخلي عن قهوتك وعصيرك في الصباح، كانت نصيحة عملية جدا قدمها لي وزير الخارجية السابق جيمس بيكر”. هكذا يصف السيناتور الجمهوري السابق وأبرز المرشحين حاليا لتولي وزارة الدفاع تشاك هيغل جانبا من لقائه في دمشق مع الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد في كتابه الصادر صيف العام 2008، والذي حمل عنوان “اميركا: الفصل القادم” ودعا فيه الى انفتاح اميركي فوري على كل من سوريا وايران.

في ذلك الصيف، كان السيناتور الديمقراطي باراك اوباما مرشحا للرئاسة، وكانت ابرز وعوده انه فور انتخابه، سيعمل على ايفاد وزيري خارجيته ودفاعه الى طهران لمباشرة الحوار مع النظام الايراني، من دون شروط، لانهاء حال العداء بين الدولتين.

لكن واقع الرئاسة جاء مختلفا عن وعود الترشيح، فاضطر اوباما الرئيس الى الابقاء على وزير الدفاع روبرت غيتس ليشرف الاخير على الانسحاب من العراق، واجبر على عقد صفقة مع آل كلينتون لانسحاب هيلاري من الترشيح الى الرئاسة لمصلحته في مقابل تعيينه لها وزيرة للخارجية.

وفي صيف 2009، انفجرت “الثورة الخضراء” في ايران، التي لم تكبح جماح اوباما نحو حوار غير مشروط مع النظام الايراني اذ وجد فيها فرصة لارسال رسائل بعيدة عن الانظار حول نيته عدم التدخل في الشؤون الداخلية الايرانية في مقابل موافقة الايرانيين على الحوار وتخليهم عن صناعة السلاح النووي. لكن حتى تلك المبادرة الاميركية لم تثمر مع النظام الايراني.

مع انتخابه لولاية رئاسية ثانية، قد يجد اوباما حواره غير المشروط مع الايرانيين صار ملائما اكثر، فكلينتون في طريقها الى التقاعد، وكذلك وزير الدفاع ليون بانيتا، فيما صار من شبه المؤكد ترشيح البيت الابيض للسيناتور الديمقراطي جون كيري وزيرا للخارجية، بطل “سياسة الانخراط” مع بشار الاسد حتى بعد اشهر قليلة من اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، في وقت يكثر الحديث عن نية اوباما تعيين هايغل، حامل لواء الانفتاح على ايران وسوريا، وزيرا للدفاع.

يقول هايغل في كتابه ان على واشنطن التعالي عن الصغائر والمبادرة الى حوار يهدف “الى تبريد الخواطر بدلا من اشعالها،” ويتابع ان “اميركا هي القوة العظمى، لا ايران. ولان مسؤولية كبيرة تقع على عاتق اميركا بسبب قوتها، علينا تقديم اقتراحات تنهي حالة اللاثقة المتبادلة، والاشتباه بالنيات، والعدوانية المستمرة منذ عقود”.

وعلى عكس الشعوب العربية، يقول هايغل – حتى من دون الاستناد الى ارقام استطلاعات في ايران لعدم توفرها – ان اكثرية الشعب الايراني تؤيد الصداقة مع الولايات المتحدة على عكس النظام الايراني الحاكم. ويكيل هايغل المدائح لما يسميها الديمقراطية في ايران، التي يقول ان علّتها فقط انها تشوبها “بعض المشاكل”.

اما الشرط الوحيد الذي يتوقعه هايغل من الايرانيين، للفوز بصداقة اميركا، فيحدده على الشكل التالي: “على ايران تغيير تصرفاتها، لا نظامها، كشرط لتحسين علاقتها مع الولايات المتحدة… ان تغيير النظام الايراني مستحب، ولكن هذا لا يجب ان يكون هدفنا… لا يجب ان نضع شروطا على المحادثات الثنائية”.

و”تغيير التصرفات” هي العبارة التي كررتها واشنطن في خضم حوارها مع بشار الاسد بين مطلع العام 2009 وربيع العام 2011، حتى ان كل من كيري وكلينتون التزما بهذا الموقف لاشهر قليلة بعد اندلاع الثورة وقبل ان يطل اوباما في شهر آب (اغسطس) من العام الماضي لينسف موضوع الحوار ويطلب من الاسد “افساح الطريق” امام التغيير في سوريا.

هكذا، في حال وصول هايغل الى وزارة الدفاع، من المتوقع ان يلعب دورا اساسيا في ارسال الضمانات الى النظام الايراني بأن واشنطن لا تسعى الى تغييره، فيبدأ الحوار بين البلدين، فيما تلتزم اميركا بتكرار عبارة “تغيير التصرفات”عند كل اشارة الى ايران.

“اياكم الوقوع في الخطأ”، يكتب هايغل وكيري في مقالة مشتركة لهما نشرتها صحيفة وال “ستريت جورنال” في حزيران (يونيو) 2008. “ان التعاون مع سوريا لا يستند الى قيم مشتركة، بل الى مصالح مشتركة”، يضيف السياسيان المرشحان الى وزارتي الدفاع والخارجية في مقالة دعيا فيها الى مراعاة مصلحة الاسد في العراق ولبنان، بل الافادة من تعاونه في هذين البلدين.

اليوم، انتهى الحوار الاميركي مع الاسد بسبب الثورة السورية، لكن يمكن استخدام الشعارات نفسها التي استخدمت لبدء حوار اميركي غير مشروط مع ايران، وربما التوصل معها الى اتفاق يراعي مصالح النظام الايراني في سوريا ولبنان وغيرهما، ودول عربية اخرى، خصوصا ان الحوار المطلوب للتوصل الى اتفاق، قد يشهد ارسالا فوريا لكيري وهايغل الى طهران، والرجلان يبدوان مستعدان تماما ولا ينقصهما الا اقرار تعيينهما ليباشرا ذلك.

الاثنين، 17 ديسمبر 2012

رايس تخلّت عن «الخارجية» وكيري المرشح الأبرز

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في مفاجأة للأوساط الأميركية المتابعة، أعلنت المندوبة الدائمة لدى الأمم المتحدة سوزان رايس انها طلبت من الرئيس باراك أوباما سحب ترشيحها إلى منصب وزيرة خارجية، وردّ أوباما، في بيان صادر عن البيت الابيض، قبوله عزوف رايس. في نفس الاثناء، برز اسم السناتور الديموقراطي جون كيري مرشحا إلى هذا المنصب، فيما تم تداول اسم السناتور الجمهوري السابق تشاك هايغل لمنصب وزير دفاع خلفا لليون بانيتا. والمعروف عن كيري وهايغل انهما من اكثر المؤيدين للحوار مع النظام في ايران.
وقالت رايس في بيان وجهته إلى أوباما ووزعته شبكة «ان بي سي» انه «في حال ترشيحي، صرت مقتنعة ان عملية المصادقة ستكون طويلة، ومشتتة للانتباه، ومكلفة لكم وللقضايا الوطنية والدولية الاكثر الحاحا». هذه العملية، حسب الديبلوماسية الأميركية، «لا تستأهل كل هذه التكلفة، لذلك اطلب باحترام ألا تعتبرون اني مرشحة في هذا الوقت».
بدوره، قال أوباما في بيانه: «اليوم تكلمت مع السفيرة سوزان رايس، وقبلت قرارها سحب اسمها من التداول لمنصب وزيرة خارجية». وفي لهجة اكدت على بقاء رايس في منصبها الحالي، اثنى الرئيس الأميركي على دور سفيرته عموما، وخصوصا على ما اعتبره نجاحها في التوصل إلى اقرار عقوبات دولية على ايران وكوريا الشمالية، وفي «عملها لحماية الشعب الليبي، وفي مساعدتها في تحقيق استقلال جنوب السودان».
واضاف أوباما: «فيما اشجب بشدة الهجمات غير العادلة والمضللة ضد سوزان رايس في الاسابيع الماضية، يظهر قرارها (العزوف) قوة شخصيتها، والتزامها التعالي عن اللحظة السياسية الراهنة ووضع مصلحتنا الوطنية اولا».
وفور انتشار الخبر، سلطت وسائل الاعلام الاضواء على رئيس «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس الشيوخ السناتور جون كيري مرشحا بديلا.
وسارع نائب رئيس تحرير صحيفة «واشنطن بوست» والمعلق المعروف بقربه من الادارة دايفيد اغناتيوس إلى تدبيج مقالة حملت عنوان «في وجوب تعيين كيري وزيرا للخارجية».
وكتب اغناتيوس ان كيري يؤيد «الديبلوماسية الصامتة، خصوصا الآن، من اجل احراز تقدم في رعاية عملية انتقالية في سورية، والبحث عن خيارات الحوار مع ايران، وتقييم احتمالات استئناف محادثات السلام الاسرائيلية - الفلسطينية».
وتابع المعلق الأميركي ان «أوباما سيحتاج إلى مبعوث سري»، وانه من الصعب على أي وزير خارجية العمل «بطريقة صامتة»، لكن «كيري يعرف اهمية الصمت في هذا الوقت»، وهو بسبب سفراته الكثيرة في الماضي بسبب موقعه رئيسا للجنة الشؤون الخارجية، «يمكنه تخطي جولات التعارف».
واضاف ان كيري مستعد دائما «لتحدي التفكير السائد، خصوصا في ما يتعلق بالانخراط مع اعداء اميركا».
يذكر ان كيري زار دمشق والتقى بشار الاسد في صيف 2007، وتحول منذ ذلك الحين إلى ابرز دعاة فك العزلة الدولية عن النظام السوري التي كانت مفروضة على اثر اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري في فبراير 2005. ومع وصول أوباما إلى البيت الابيض مطلع العام 2009، قاد كيري حملة لدفع واشنطن إلى «الانخراط مع الاسد»، ولم تتوقف حملة كيري الا بعد اشهر على اندلاع الثورة السورية المطالبة بانهاء حكم الاسد في مارس 2011.
اغناتيوس ختم بالقول ان اميركا اكثر ما تكون بحاجة إلى امثال كيري، «فالعالم غير مستقر، واصدقاء واعداء اميركا بحاجة إلى التذكير بقوتها ومثابرتها، اذ
(نحن) امام ديبلوماسية شرسة مع ايران وسورية ومصر وروسيا واسرائيل والفلسطينيين».
من جهتهم، تلقى المحللون المحسوبون على الديموقراطيين خبر عزوف رايس بتوجيه اصابع اللوم إلى الجمهوريين، خصوصا إلى السناتور المخضرم جون ماكين. واعتبر بعضهم ان أوباما مقبل على مجموعة من المواجهات الشرسة مع الجمهوريين في الكونغرس بسبب المفاوضات الجارية حول مواضيع الموازنة، وامور الرعاية الصحية والهجرة والضرائب، وان الرئيس الأميركي شعر انه لا يحتاج إلى معركة «كسر عظم سياسية» اضافية، فتخلى عن رايس، ويبدو انه يتجه إلى ترشيح كيري، الذي تبدو فرص المصادقة على تعيينه بين زملائه في لجنة الشؤون الخارجية شبه مضمونة.
من ناحية اخرى، اعتبر المحللون ان الجمهوريين حققوا نصرا بهزيمتهم رايس، المقربة من أوباما، وانهم باخراجهم كيري من الشيوخ، ستتم اقامة انتخابات فرعية في ولاية ماساشوستس لاختيار من يكمل السنتين المتبقيتين في ولاية كيري، ويبدو السناتور الجمهوري السابق سكوت براون الاوفر حظا للفوز بها. ومن شأن عودة براون ان تساهم في تقليص الاكثرية الديموقراطية في مجلس الشيوخ إلى 54 مقعدا من اصل 100، من دون ان تلغيها.
على صعيد متصل، اشعل الحديث عن ترشيح كيري للخارجية النقاش حول من سيخلف بانيتا في الدفاع. وتم تداول اسم السناتور الجمهوري السابق تشاك هيغل، الذي تقاعد في العام 2008.
وهيغل من المقربين من أوباما، وجمع ثروة طائلة من استثماراته في قطاع الاتصالات في الصين في الثمانينات، ويعتقد ان تجربة الانفتاح الاقتصادي على الصين، من دون اي تغيير يذكر في المواقف السياسية في واشنطن او بكين، يمكن تكرارها مع ايران، وانه يمكن للأميركيين الانفتاح الاقتصادي الفوري على طهران من دون اي تغيير في مواقف اميركا او ايران.
على ان تعيين هيغل يواجه معارضة شديدة من اللوبي الموالي لاسرائيل، خصوصا من «لجنة العلاقات العامة الأميركية الاسرائيلية» المعروفة بـ «ايباك»، وهو ما من شأنه ان يثني أوباما عن السير في تعيين من شأنه ان يدخله في مواجهة سياسية هو في غنى عنها، تماما كما حدث مع رايس.

طهران بعد موسكو تتصل بالغرب لإيجاد تسوية... تشمل الأسد

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

لم تكد عطلة «عيد الشكر» تنتهي في 25 نوفمبر الماضي حتى اتصل المسؤولون الروس بنظرائهم الأميركيين للتعبير عن قلقهم من وصول القتال في دمشق الى ساحة العباسيين، وطلبوا عقد اجتماعات ثنائية افتتحها لقاء وزيري الخارجية سيرغي لافروف وهيلاري كلينتون في دبلن، ثم لقاء نائبيهما ميخائيل بوغدانوف ووليام بيرنز. وطالب الروس بحل سياسي يضمن بقاء بشار الأسد على اساس اتفاق جنيف، ليسمعوا رفضا ضمنيا من واشنطن، ما دفع بوغدانوف الى الاطلالة، اول من امس، ليتحدث عن اعتقاد بلاده بقرب انتصار الثوار السوريين، وهو اول تصريح من نوعه لمسؤول روسي.
وبعد موسكو، يبدو ان طهران ايضا صارت مقتنعة بحتمية انهيار الأسد. وقال ديبلوماسي أوروبي مقيم في واشنطن تحدث لـ «الراي» شرط عدم الافصاح عن هويته ان «إيران تحاول الخروج من الازمة السورية بأقل الخسائر الممكنة، وهي لذلك عمدت الى الاتصال بعواصم غربية بهدف تحديد موعد لاستئناف المفاوضات بشأن ملفها النووي».
وأوضح الديبلوماسي الأوروبي ان وكيل وزراة الخارجية الإيرانية للشؤون السياسية علي باقري اتصل بنظيرته نائبة منسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي هليغا شميد طالبا تحديد موعد لعقد جولة جديدة من المحادثات بين النظام الإيراني ومجموعة دول «خمسة زائد واحد»، التي تضم ممثلين عن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن والمانيا.
ويبدو ان موسكو تحاول اقناع العواصم الاخرى بضرورة الاستماع الى مطالب طهران و«ادراج سورية» على جدول اللقاء من اجل التوصل الى ما يسميه الروس «حلا شاملا» في منطقة الشرق الاوسط، ولهذا الغرض، طالب الروس نظراءهم الأوروبيين والأميركيين بـ «تعديل العرض الدولي الذي تم تقديمه للإيرانيين» اثناء جلسة المفاوضات التي انعقدت في بغداد في مايو الماضي.
وروى الديبلوماسي الأوروبي ان باقري اعلن اثناء حديثه مع شميد استعداد بلاده «لوضع كل الامور العالقة على الطاولة بما فيها التوصل الى اتفاق يحدد 20 في المئة سقفا لتخصيب اليورانيوم الإيراني، والسماح للمفتشين الدوليين بزيارة موقع بارشين العسكري».
وكانت وكالة الطاقة الذرية أعربت في الماضي عن قلقها من قيام الإيرانيين بتجارب للتسليح النووي في هذا الموقع، وعن احتمال قيام طهران بتدمير الموقع على اثر اكتشاف المجتمع الدولي لنشاطها هذا.
وتابع الديبلوماسي ان باقري طالب بإدراج «مواضيع اخرى تهم طهران على جدول المفاوضات، بما فيها الوضع في سورية والبحرين»، وان باقري اعتبر ان «من مصلحة الشعب السوري والمنطقة ان يتم التوصل الى وقف فوري لاطلاق النار في سورية، وهذا ما يتطلب وقف الغرب لتسليح المعارضين السوريين، وبعد ذلك، يتم عقد حوار بين السوريين للتباحث في شكل مستقبل بلادهم السياسي».
ويعتقد الديبلوماسيون الأوروبيون ان «الإيرانيين يرسلون رسالة واضحة مفادها انهم مستعدون للتوصل الى تسوية بشأن ملفهم النووي، في مقابل ايجاد مخرج لحليفهم الأسد»، وان هذا المخرج «صار الآن عبارة عن محاولة ابقاء الأسد كأحد اللاعبين السوريين في مرحلة ما بعد وقف اطلاق النار».
كما يعتقد هؤلاء الديبلوماسيون انه «على غرار الروس، توصل الإيرانيون الى خلاصة مفادها ان حتمية انهيار الأسد وقواته صارت محسومة، وان من مصلحتهم محاولة انقاذ ما تبقى عن طريق الديبلوماسية، وربما محاولة ابقاء حليفهم الأسد كواحد من بين اللاعبين المتعددين في السياسة السورية في المرحلة الانتقالية والمراحل التالية».
«الراي» سألت الديبلوماسي حول اعتقاده ان كانت إيران مستعدة للتخلي عن برنامجها النووي من اجل تخليص الأسد من ورطته، فاجاب ان «طهران تدرك ان العام 2013 هو آخر محطة للتوصل الى حل ديبلوماسي لازمتها مع الغرب»، وانه «بعد ذلك ترتفع جدا حظوظ توجيه ضربة عسكرية لمفاعلاتها النووية ومنشآتها العسكرية، وفي حال حصل ذلك وحليفهم الأسد قد انهار، تصبح إيران في وضع عسكري اضعف لاثارة البلبلة في المنطقة كرد فعل على تلقيها ضربة عسكرية دولية».
واوضح هذا الديبلوماسي ان الاعتقاد السائد هو ان إيران في طريقها الى التوصل الى حل ديبلوماسي لملفها النووي في مطلق الاحوال ولكنها «تحاول استخلاص افضل تسوية ممكنة من الغرب، وتحاول ادراج بقاء الأسد في متن التسوية المنشودة».
كذلك، قال الديبلوماسي الأوروبي ان «إيران تحاول ادراج البحرين في جدول اعمال جلسات المفاوضات المقبلة، رغم انه لا يبدو ان لدى الإيرانيين تصورا فعليا لمطالبهم في تلك المملكة الخليجية الصغيرة».
وتابع ان الاعتقاد السائد ايضا هو ان «طهران صارت تشعر باقتراب لحظة الحسم في دمشق واقتراب انهيار الأسد، لذا نراها تبادر الى المطالبة باستئناف المفاوضات على وجه السرعة»، وهي رسالة على عجل مشابهة للرسالة الروسية التي أدت الى لقاء لافروف - كلينتون، ونائبيهما في ما بعد.
وقال الديبلوماسي، من دون ان يجزم، ان الأوروبيين يعتقدون ان هناك «قناة خلفية مفتوحة اليوم بين واشنطن وطهران من اجل التوصل الى تسوية نووية واقليمية»، ولكن «اصدقاءنا الأميركيين لم يطلعونا حتى الآن على اي تفاصيل، ويبدو ان النقاشات الثنائية وغير الرسمية بين أميركا وإيران مازالت متعثرة».

الجمعة، 14 ديسمبر 2012

زوال “حفلة الشاي” وبقاء أحزاب السجائر

سارة بالين حاكمة ألاسكا السابقة والمرشحة عن الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس في ‬2008 في تجمع لحركة الشاي في 3 سبتمبر 2011 بولاية أيوا قبل أن يتراجع تأثيرهما معا من الحياة السياسية في أميركا


حسين عبد الحسين

لم يكد جستن عمّاش يتم أعوامه الثلاثين حتى وجد نفسه عضوا في الكونغرس عن الدائرة الثالثة في ولاية ميشيغان بعدما اكتسح منافسه الديمقراطي باتريك مايلز بفارق ضعف الاصوات في انتخابات العام 2010. عمّاش، وهو من اصل فلسطيني وسوري، حقق نجاحه الانتخابي الباهر بعدما تبنته ما عرف بـ”حركة الشاي” عندما أوصلت 87 عضوا الى الكونغرس. اليوم، بعد عامين، عاد عماش الى الكونغرس لولاية ثانية، ولكنه وجد نفسه هذه المرة خارج “لجنة الموازنة” التي تم اختياره عضوا فيها في ولايته الاولى.
وعندما حاول عمّاش الاستنجاد بحركة “حفلة الشاي” وجدها مهزوزة، بعد أن قدم أبوها الروحي وزعيم الاقلية الجمهورية في الكونغرس سابقا ديك آرمي استقالته من “جمعية فريدوم ووركس”، بعد خلافات مع مديرها التنفيذي مات كبي، حيث اتهم آرمي كبي بانتزاع حقوق النشر لكتاب اصدرته الحركة والحصول بموجب ذلك على ثمانية ملايين دولار من ارباح مبيعاته.
وفي مجلس الشيوخ، قدم عراب الحركة الآخر السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولاينا جيم ديمينت استقالته من الكونغرس، واعلن انضمامه الى مركز ابحاث “مؤسسة تراث” اليميني بصفة رئيس. ومن المتوقع ان يتقاضى ديمينت اكثر من مليون دولار كراتب سنوي بعدما كان يتقاضى 174 الف دولار هو الراتب السنوي لاعضاء مجلس الشيوخ. وانتقد بعض “الرفاق” في الحركة تصرف ديمينت، واعتبروه تخليا عن “النضال”، وانه فضل المال على السياسة بقبوله وظيفة براتب مليون دولار، فيما يبلغ معدل راتب الباحث في اي مركز ابحاث اميركي 80 الف دولار سنويا.
وكانت “حفلة الشاي” بشكل عام عرضة لانتقادات قاسية من الحزب الجمهوري ككل، اذ اتهمها الجمهوريون بخطف القاعدة الحزبية نحو اليمين المتطرف، ودفعها الى الواجهة مرشحين حزبيين متطرفين لا يمكنهم الفوز في وجه الديموقراطيين، بدلا من ترشيح يمينيين معتدلين يمكنهم تحقيق نتائج، وهو ما ادى في المحصلة النهائية الى افلات الاكثرية في مجلس الشيوخ من ايدي الحزب الجمهوري، بعدما رجح معظم الخبراء فوزه بها هذا لعام.
اول من التقط انهيار “حركة الشاي” هو رئيس الكونغرس الجمهوري جون باينر، الذي قام “بحملة تنظيف” داخل لجان الكونغرس اخرج بموجبها كل مرشحي الحركة والمحسوبين عليها من هذه اللجان، ومنهم عمّاش، الذي حاول ورفاقه المبعدين شن هجوم مضاد بتلويحهم بعدم التصويت لباينر للرئاسة الشهر المقبل، حسبما صرح عمّاش لشبكة “سي ان ان” التلفزيونية.
الا ان المنافس الجدي الوحيد لباينر هو زعيم الاكثرية الجمهورية اريك كانتور، الذي كان هو نفسه من اعلن ترشيح باينر لولاية ثانية في الرئاسة، ما يعني ان خيارات المناورة السياسية لدى عمّاش ورفاقه شبه معدومة.
الاحداث المتسارعة في الكونغرس وداخل الحزب الجمهوري تظهر بأن المجموعة الحاكمة في الحزب، وهي يمينية معتدلة في معظمها، نجحت في القضاء على “حفلة الشاي” اليمينية المتطرفة بعد عامين من الصعود الهائل للاخيرة، وهو ما دفع احد كبار القياديين في الحزب الى القول ان “حركة حفلة الشاي انتهت صلاحيتها”. واضاف: “لقد كانت مفيدة لنا في الحزب الجمهوري قبل عامين واعادت لنا الاكثرية في مجلس النواب، ولكن الفورة انتهت اليوم”.
الثورة داخل الحزب الجمهوري حدثت هذا الاسبوع بصمت ووراء الكواليس الى حد ما. لا تظاهرات ولا ربيع ولا مواجهات. فقط تغييرات في القيادة عكست انقلابا في المزاج العام لدى الجمهوريين.
هذا التغيير الهادئ يدفعنا الى مقارنته بالتغيرات المنشودة لدى بعض الثورات العربية المندلعة.
“حركة الشاي” لعبت دورها وتلاشت، اما الاحزاب العربية التي يقود بعضها الثورات اليوم، فقديمة وأزلية هي وقياداتها وشعاراتها وخطابها ومفاهيمها.
في بيروت، تظهر “الامانة العامة” لتحالف “14 آذار” في اللقطات الاخبارية التلفزيونية دائما هي نفسها. الاشخاص نفسهم منذ قيام التحالف في العام 2005. الخطاب السياسي، نفسه. الشعارات والمطالب، نفسها.
في القاهرة، قياديو “ثورة يناير” هم انفسهم منذ عام: الاحزاب القومية والناصرية والليبرالية، وخطابها وشعاراتها نفسها، يظهرون في اللقطات التلفزيونية وهم يجلسون حول طاولات للتباحث.
وكما في بيروت، كذلك في القاهرة، لا تغيب السجائر ودخانها عن المشهد السياسي الثوري، ما قد يدفع الكثيرين الى الاسف أن “احزاب السجائر” العربية هذه باقية، فيما “حفلة الشاي” الاميركية التي شغلت العالم هي الى زوال بعد اقل من عامين على قيامها وبسبب انتهاء دورها.

الاثنين، 10 ديسمبر 2012

موسكو تقترح «طائف» سورياً برئيس علوي ورئيس حكومة سني

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

ذكرت مصادر اميركية رفيعة المستوى ان «الحل السياسي» الذي قدمه الديبلوماسيون الروس لنظرائهم الاميركيين تمحور حول التوصل الى «طائف سوري»، على غرار الاتفاق الذي وافقت عليه الفصائل اللبنانية المتنازعة في مدينة الطائف السعودية في العام 1989 وادى الى انهاء الحرب الاهلية اللبنانية وادخال تعديلات على الدستور وعلى تركيبة السلطة السياسية.
واوضحت لـ «الراي» على اثر اجتماع وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف واميركا هيلاري كلينتون في دبلن الخميس الماضي، انه تمت متابعة اللقاء الوزاري المذكور بآخر على مستوى نواب وزراء الخارجية، فالتقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف نظيره الاميركي وليام بيرنز، اول من امس، بحضور مبعوث الامم المتحدة وجامعة الدول العربية الاخضر الابراهيمي. 
واوضحت المصادر ان الروس قدموا مطالعة اعتبروا فيها انه «بغض النظر عن الوضع العسكري على الارض، فان الحسم متعذر في سورية، ولن يكون هناك غالب ولا مغلوب». 
ويعتقد الروس انه من اجل «ان تتمكن المعارضة السنية من حسم المعركة في وجه الاسد، سيكون عليها التخلص من اكثر من مليوني سوري علوي، وقرابة مليوني سوري من الاقليات»، وهذا، حسب رأي الروس، غير ممكنا، ما يفرض تعادلا في النتيجة على الارض ويحتم التوصل الى حل سياسي يرضي الجميع.
وتابعت المصادر ان «الروس اسهبوا في المقارنة بين اتفاق الطائف في لبنان وبين الحل المرتجى في سورية»، وانهم اعتبروا «ان لا حل ممكن في سورية من دون الحفاظ على حقوق الاقليات ودورها وتمثيلها السياسي».
وتعتقد موسكو انه «من المبكر الحديث في التفاصيل التي يجب ان يتوصل السوريون في ما بينهم الى اتفاق حولها، لكن ما يمكن فعله الآن هو ان تقوم الدول الداعمة للثوار السوريين باقناعهم بوقف اطلاق النار، والمشاركة في محادثات سلمية مع الحكومة السورية للتوصل الى صيغة سياسية جديدة تضمن حقوق الاقليات، ويكون ممكنا البدء بالعمل على تنفيذها في العامين المقبلين».
وشدد الروس على انه «يمكن للمعارضين والحكومة التوصل الى اتفاق حول صيغة الحكم المقبلة، ويبدأ العمل بموجبها مع نهاية ولاية الرئيس بشار الاسد في العام 2014».
وعلى نسق «الطائف اللبناني»، يرى الروس انه ممكن بقاء الاسد أو من يسميه رئيسا لسورية، الى جانب رئيس حكومة سني تختاره المعارضة وربما رئيس برلمان كردي، «ويكون القرار بيد مجلس الوزراء السوري مجتمعا، الذي يمثله بدوره كل الطوائف». 
الا ان «القرار الاخير في التفاصيل يبقى بيد السوريين»، ينقل المسؤولون الاميركيون عن نظرائهم الروس.
بدورهم، رد الاميركيون انهم مع «الحوار بين السوريين، والحل السياسي، وكل ما يقرره الشعب السوري». 
واضافوا ان «الهدنة التي يطالب بها الروس يبدأ تنفيذها بسحب الاسد لدباباته من المدن ووقف غارته الجوية واستخدام المروحيات والمدفعية». واكد الاميركيون للروس انه «من غير المعقول الطلب الى مجموعة سوريين يدافعون عن انفسهم بالقاء السلاح قبل ان تتوقف القوات الحكومية عن مطاردتهم وقتلهم ودك منازلهم واحيائهم وقراهم».
واتهم الاميركيون الاسد بعدم التزامه خطة النقاط الست، وانه ان «كان يريد الهدنة، فعليه اولا امر قواته بالتوقف عن قتل السوريين».
ويقول المسؤولون الاميركيون انهم شددوا انه بغض النظر عن الصيغة السياسية المقبلة للحكم في سورية، «لا يمكن للأسد او اي ممن يعملون بأمرته وممن ارتكبوا جرائم بحق السوريين ان يكونوا جزءا من الحل». 
وتابعوا ان «المجموعات الدولية، والمعارضة السورية، واطراف اخرى عمدت على توثيق الجرائم التي تم ارتكابها بحق سوريين، وان المسؤولين عن هذه المجازر ستتم احالتهم الى محاكم سورية مستقلة، وان تعذر ذلك، تقوم المؤسسات الدولية بمحاكمتهم على جرائمهم».
لكن «الراي» علمت من مصادر اوروبية ديبلوماسية في واشنطن ان «الاميركيين قالوا للروس انهم لا يمانعون ان يكون عناصر من النظام جزءا من الحل، وهو ما اعتبره الروس نافذة اختراق، وربما يعتقد الروس انه يمكن للأسد اختيار هذه العناصر للمشاركة في حوار المرحلة الانتقالية».
ويقول الاروبيون ان هذا الاتفاق الضيق هو «الذي جعل الابراهيمي والامم المتحدة يخرجان على الملأ بتفاؤل، لكن من الصعب رؤية كيفية التوصل الى اتفاق من هذا النوع عند الخوض بالتفاصيل».
ويضيف الاروبيون ان «المشكلة التي تبدو انها عالقة هو مصير الاسد فقط، والروس يعتقدون انه يمكن ايجاد مخرج مشرف له وابقاءه بصفته زعيما للاقلية العلوية التي يفترض ان يكون لها حصة في الحل، فيما يعتقد الاميركيون انه ممكن استبدال الاسد بعناصر علوية من نظامه ممن لم تتلطخ ايديهم بالدماء، وبذلك ترضى روسيا، وتبدأ العملية الانتقالية من دون بشار».
وعلق الديبوماسيون الاوروبيون على مجريات المحادثات الروسية - الاميركية في شأن سورية بالقول ان «بعض الحسابات الروسية خاطئة»، وانها «مبنية على اعتبار انه يتعذر الحسم العسكري بسبب وقوف مليوني علوي خلف الاسد، ولكن اي استعراض لاحداث الاشهر الثمانية عشر الاخيرة يظهر ان الاسد في تراجع مستمر». 
ويختم هؤلاء انه «لو لم يكن الاسد في وضع حرج، لما بادر الروس الى طلب الحوار مع الاميركيين للتوصل الى مخرج هو بمثابة وعد منهم ومن الاسد بقبوله مشاركة السلطة مع الاطراف السورية الاخرى... ولكن الاقتراح الروسي يبدو انه جاء متأخرا بعض الشيء».

الجمعة، 7 ديسمبر 2012

واشنطن تعد لضربة خاطفة ضد الأسد تدمر «الكيماوي» والدفاعات الجوية

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

وفقا لما أوردته «الراي» في 27 اكتوبر الماضي، صار من المؤكد أن موسكو تعتقد ان انهيار الرئيس بشار الاسد ونظامه اصبح حتميا وقريبا، ما دفع بالمسؤولين الروس الى الاتصال بنظرائهم الاميركيين على وجه السرعة للتباحث في مرحلة ما بعد الاسد. 
المباحثات بين الطرفين ادت الى عقد اجتماع بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيرته الاميركية هيلاري كلينتون في دبلن، اول من امس، بطلب روسي وبحضور مبعوث الامم المتحدة وجامعة الدول العربية الاخضر الابراهيمي.
واشارت المصادر الاميركية المتابعة الى ان «لافروف اقترح وقفا فوريا لاطلاق النار في سورية تنفيذا لاتفاقية جنيف، لتبدأ اثر ذلك العملية السياسية التي تتضمن حوارا سوريا بين الاطراف المتنازعة». بدورها، ردت كلينتون ان بلادها - كما روسيا - تؤيد الحل السياسي للازمة، ولكنها اصرت على انه لا يمكن للاسد ان يكون جزءا من هذا الحل.
واضافت المصادر انه خلافا للمرات السابقة، لم يردد لافروف ان «الحوار السوري يجب ان يتم من دون شروط مسبقة كاستبعاد الاسد من الحل، وانه هذه المرة تجاهل هذه اللازمة واقترح المباشرة في تطوير الحوار الروسي - الاميركي على مستوى وكلاء وزراء الخارجية ومساعديهم من الديبلوماسيين للتوصل الى حل في سورية. واتفق لافروف وكلينتون على عقد مساعديهما لاجتماع ديبلوماسي من هذا النوع الاسبوع المقبل».
وكانت مصادر اميركية نقلت عن مسؤولين روس التقوا الاسد انطباعهم انه بدا يائسا ومحبطا، وصار يعرف ان قواته تتراجع باستمرار، وان لا قدرة لديها على القيام بأي هجمات مضادة لاسترجاع اي من البلدات او الاحياء التي تقع في ايدي مقاتلي الجيش السوري الحر. كما نقل الروس عن الاسد شعوره انه «فات الاوان على خروجه الى المنفى» وانه «سيخوض معركته الاخيرة في دمشق وهو في قصر الرئاسة».
بيد ان المفارقة تكمن في ان حتمية انهيار الاسد صارت تفرض على الولايات المتحدة التدخل عسكريا، لا خوفا من قيام النظام الاسد اليائس باستخدام الاسلحة الكيماوية، بل لخوفهم من انهيار النظام بسرعة ووقوع هذه المواد بأيدي ميليشيات متطرفة، مثل جبهة النصرة، التي وضعتها واشنطن على لائحة المجموعات الارهابية والتي يعتقد انها ترتبط بتنظيم القاعدة».
وتقول المصادر الاميركية ان كلينتون ابلغت لافروف ان القضاء على هذه الترسانة السورية هو هدف اي عملية عسكرية لاميركا وحلفائها، وان بلادها ليست مهتمة بترجيح كفة طرف ضد آخر.
في هذه الاثناء، تتسارع وتيرة الاستعدادات العسكرية الاميركية للقيام بالعملية العسكرية المطلوبة، ويسود انطباع في العاصمة الاميركية مفاده ان التدخل سيقتصر على ضربات جوية فقط، تقوم بالقضاء اولا على دفاعات الاسد الجوية بما فيها مقاتلاته، ثم تدمر المواقع التي تخزن فيها قوات الاسد نوعين من الغاز، ايزوبروبانول وميتيفوسفونيل دايفلورايد.
يذكر ان مزج هذين الغازين يؤدي الى انتاج غاز السارين الذي يمكن وضعه داخل رؤوس متفجرة.
وقبل اختتام الحملة الجوية، تقوم مقاتلات واشنطن وحلفائها بتدمير اهداف عسكرية حساسة للأسد، مثل مراكز «القيادة والسيطرة» في قيادة الاركان، والقصر الجمهوري، ومقار الاستخبارات، واهداف عسكرية اخرى.
وتتحدث الاوساط العسكرية عن ان الضربة الجوية الاميركية لن تتجاوز الاربع والعشرين ساعة، على غرار افتتاح الولايات المتحدة للحملة الجوية التي شنها «تحالف الاطلسي» ضد قوات معمر القذافي، مع فارق ان الحملة الجوية في سورية ستتوقف مع نهاية الغارات الاميركية هذه المرة.
وفيما انضم وزير الدفاع ليون بانيتا الى كل من كلينتون والرئيس باراك اوباما في تهديد الاسد والعاملين بامرته من عواقب استخدامهم للاسلحة الكيماوية، تواترت الانباء من داخل مجلس الشيوخ عن ان اعضاءه من الحزبين يعملون على مواكبة قرع طبول الحرب.
وكان السناتور الجمهوري جون ماكين قدم يوم الاثنين اقتراح قانون طلب بموجبه من وزارة الدفاع تقديم «تقييم» للعمل العسكري في سورية، وحاز الطلب على تأييد 96 من اصل 100 عضو في مجلس الشيوخ. 
ويوم اول من امس، عقد ماكين وزملاؤه الجمهوري ليندسي غراهام، والمستقل جو ليبرمان، والديموقراطي كريس كونز مؤتمرا صحافيا عبروا فيه عن «دعم حزبيهما» لاي قرار يتخذه اوباما للقيام بعمل عسكري ضد الاسد. وقال الشيوخ انه من غير المستبعد ان يقوم الاسد «الذي قتل حتى الآن اكثر من 40 الفا من شعبه باستخدام اسلحة كيماوية لقتل المزيد».
وفي وقت لاحق، انضم السناتور الديموقراطي ورئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الاوسط بوب كايسي الى المجموعة المطالبة بتوجيه ضربة عسكرية، مطالبا بتدمير سلاح جو الاسد. واعتبر كايسي اثناء حديثه في مؤتمر «جمعية الدفاع عن الديموقراطيات»، اول من امس، انه يمكن لواشنطن تدمير مقاتلات الاسد وهي جاثمة على الارض بصواريخ «توما هوك».
ودعا كايسي الى ممارسة الضغط على بغداد لوقف شحنات الاسلحة الايرانية الى دمشق، كما طالب بمشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الحلفاء من اجل تحديد توجهات المجموعات الثورية المقاتلة، وتقديم الدعم المالي للمعارضين داخل سورية.
وفي المؤتمر نفسه، تحدث السفير الاميركي في سورية روبرت فورد، الذي قال ان «ايام الاسد معدودة». واعتبر فورد ان القتال على طريق مطار دمشق الدولي يشي بأن المعركة اقتربت من الحسم، وان على الاسد «قراءة الكتابة على الحائط» التي تشير الى قرب انهيار نظامه. 
واعتبر فورد ان مليون ونصف المليون من اصل 23 مليون سوري هم في عداد اللاجئين اليوم، وان بلاده حثت على تشكيل «الائتلاف الوطني السوري» في الدوحة، وهي تعمل معه على التخفيف من الازمة الانسانية الناتجة عن المعارك الدائرة.
ويوم امس، تواترت انباء عن قيام اعضاء في مجلس الشيوخ من الحزبين بتدارس سبل تمويل اي عمل عسكري اميركي في سورية ورصد الاموال اللازمة له. ومن المعلوم ان لدى وزارة الدفاع الاميركية مبالغ سنوية يتم رصدها لنشاطات غير منظورة او غير مخطط لها مسبقا، لكن الشيوخ يعملون على ضمان ان الاموال المرصودة كافية للعمل العسكري المطلوب للعملية المحتملة في سورية.

الخميس، 6 ديسمبر 2012

أميركا: لا «هاوية مالية» ولا من يحزنون

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تسيطر عبارة «الهاوية المالية» على المشهدين السياسي والإعلامي في الولايات المتحدة، إذ يترقب الأميركيون «انهياراً اقتصادياً» مزعوماً بحلول نهاية العام، أي بعد 25 يوما تقريبا.
ويعود هذا الترقب إلى أمرين اثنين: الأول، هو انتهاء صلاحية التخفيض الضرائبي الذي أقره الرئيس السابق جورج بوش في العامين 2001 و2003، والثاني دخول خطة التقشف التي تم اقرارها الصيف الماضي، والتي تقضي بتخفيض ما يقارب من ترليون دولار، أو 10 في المئة من الموازنة السنوية، التابعة لمخصصات وزارة الدفاع والوزارات الأخرى على مدى العقد المقبل.
ويلي هذين الاستحقاقين المذكورين، استحقاق ثالث، ألا وهو قرب بلوغ وزارة الخزانة حدها الأقصى من الاستدانة، المحددة بنحو 16.5 تريليون دولار في يناير المقبل، ما يعني أنه ينبغي على الكونغرس الموافقة على رفع السقف، او اجبار الحكومة الاميركية على الإخلال ببعض التزاماتها المالية، وهو ما من شأنه أن يحدث بلبلة وفوضى اقتصادية ومالية في البلاد وحول العالم.
كل هذه التوقعات أدت إلى خلق صورة قاتمة حول مستقبل الاقتصاد الأميركي خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ودفعت السياسيين من الحزبين الديموقراطي والجمهوري إلى تكثيف الاجتماعات بينهما للتوصل الى اتفاق حول كيفية التعاطي مع هذه الاستحقاقات.
الحزب الديموقراطي يرى أن الحل يكمن في زيادة الضريبة، أو على الأقل السماح للنسبة الضريبية المفروضة على الـ 2 في المئة، الأعلى دخلا من الأميركيين بالعودة الى معدلاتها للعام 2000، أي قبل أن يقوم بوش بخفضها.
في المقابل، يعارض الحزب الجمهوري أي زيادة في المدخول الحكومي تأتي عن طريق الضرائب، ويدعو عوضا عن ذلك الى تقليص حجم الحكومة وخفض انفاقها، وخصوصا تقليص صناديق الرعاية الاجتماعية التي تزداد تكاليفها بسبب الازدياد في عدد المسنين والمتقاعدين.
أما إذا ما فشل الحزبان في التوصل إلى تسوية في شأن هذا الملف، فستنتهي تلقائياً صلاحية ضرائب بوش، وتعود النسب الى تلك التي اقرها الرئيس السابق بيل كلينتون، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك الى تحقيق مدخول للخزانة الأميركية يبلغ 7 ترليونات دولار على مدى العقد المقبل. هذه الضرائب، فضلا عن التخفيض في الانفاق، من شأنها أن تؤدي الى انكماش اقتصادي اميركي، وهو ما يطلق عليه معظم الاميركيين اليوم اسم «الهاوية المالية»، ويحذرون من بلوغها، ويشيرون الى ان رؤوس الأموال بدأت تتوقف عن العمل ترقباً لما سيحدث خلال الاسابيع الثلاثة المقبلة، وهو ما أدى إلى إبطاء العجلة الاقتصادية الاميركية للربع الأخير من العام.
لكن، كل هذه التحذيرات بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال عدم التوصل الى اتفاق بين الحزبين تبدو مبالغا بها، وتجافي التقارير الاقتصادية الدورية، التي اشار أحدثها (صادر عن جمعية صانعي وبائعي السيارت)، ان الاميركيين اشتروا في نوفمبر الفائت، اكبر عدد من السيارات منذ منتصف العام 2007، وهو ما لا يشي بخوف المستهليكن من مقبل الايام، بل يعكس ثقة متنامية وحركة اقتصادية قوية.
وأظهرت تقارير شركة «فولكسفاكن» الالمانية ان الشركة باعت اكبر عدد لها من السيارات في السوق الاميركية منذ دخولها هذه السوق في العام 1973، في حين أشارت أرقام «بي ام دبليو» إلى أن نوفمبر كان قياسيا للشركة من حيث المبيعات في اميركا في تاريخها، كذلك شركة «هوندا» اليابانية، والشركات الاميركية الثلاث «جي ام»، و«فورد» و«كرايزلر» التي أكدت أن نوفمبر شهد افضل اداء في المبيعات منذ فترة طويلة.
تقارير التحسن في سوق السيارات جاءت في أعقاب تقرير «جمعية تجار العقارات والمقاولين» التي اظهرت ان معدل سعر العقار الاميركي الواحد ارتفع بنسبة ثلاثة في المئة الشهر الماضي، وهو ما دفع المعلقين الى اعتبار ان سوق العقارات الاميركية بلغت ادناها، وهي من الان وصاعدا ماضية في التحسن والارتفاع.
هذه المؤشرات دفعت الخبير الاقتصادي البريطاني، العامل في وكالة «رويترز»، اناتولي كاليتسكي الى كتابة مطالعة اعتبر فيها ان الاقتصاد الاميركي ينمو بغض النظر عن وضع الدين العام، الذي تحاول الحكومات الغربية لجمه خوفه من التأثير سلبا على النمو، لان جزءاً كبيراً من الدين العام الاميركي، كما البريطاني، يعود للمصرفين المركزيين في واشنطن ولندن.
ولفت كاليتسكي الى ان الحكومة البريطانية تنبهت الى انها غير مضطرة الى تسديد 35 بليون جنيه استرليني هي الفائدة المتوجبة عليها لمصرفها المركزي، «وهذا ما يعني ان خطوتها التالية المقبلة ستكون شطب 375 بليون استرليني تستدينها من البنك المركزي، وهو ما سيخفض الدين العام البريطاني قياسا بالناتج المحلي بواقع 25 في المئة.
وكما في لندن، كذلك واشنطن، حيث اعتبر «صندوق النقد الدولي» ان دينها العام سيستقر على 89 في المئة من ناتجها المحلي بين السنوات 2014 و2017، ثم يمكن للـ «الاحتياطي الفيديرالي» مسامحة الحكومة الاميركية من ديونها المستحقة له، وهو ما يخفض الدين العام الاميركي الى نسبة 65 في المئة من الناتج المحلي، وهي نسبة طبيعية وغير مقلقة، حتى لو لم يتوصل الحزبان الاميركيان الى حلول سياسية للاقتصاد.
ويعتقد الاقتصاديون ان الخوف من التضخم، كما في السبعينات، هو الذي اثنى المصارف المركزية عن طباعة العملة واستخدامها للانفاق الحكومي. لكن في العام 2008، وفي وقت كانت السوق بحاجة الى السيولة النقدية وساد الخوف من الانكماش بدلا من التضخم، زود الاحتياطي الفيديرالي المصارف والمؤسسات المالية الاميركية بـ 14 ترليون دولار من العملة النقدية من دون اصدار الحكومة لسندات استدانة، ما يعني ان المصرف المركزي قام فعليا بخلق هذه الاموال من العدم عن طريق طباعتها.
في ذلك العام، لم تؤد هذه الخطوة الى تضخم، فعمد الفيديرالي الى طبع المزيد في ما بعد، على ثلاث دفعات، واشترى بها ديون الحكومة، ثم قام رئيسه بن برنانكي قبل اسابيع بالإعلان ان المصرف سيشتري ديونا حكومية بواقع 40 بليون دولار شهريا من محفظته، اي من نقد يطبعه، وهو ما لا يبدو انه يساهم في رفع نسبة التضخم حتى الآن.
تحسن النشاط الاقتصادي الاميركي، على الرغم من قلق الاسواق المزعوم، وتدفق السيولة النقدية من دون ان يتسبب ذلك بتضخم، بالاضافة الى نمو سريع في قطاعي انتاج الغاز والبترول الاميركيين، كلها تنبأ بأن تعافي الاقتصاد الاميركي العام المقبل صار حتمية، بغض النظر عن قرارات السياسيين الاميركيين المنشغلين بصراعاتهم حول نسب الضرائب وحجم الانفاق.
ولأن اميركا هي اكبر سوق في العام، ولان الاميركين يشترون اكبر نسبة من الانتاج العالمي، فان عودة الاميركيين الى بحبوحتهم ينبئ كذلك بأن الاقتصاد العالمي على موعد مع عودة الى النمو، مع او من دون «الهاوية المالية» في واشنطن.

المستبدّون الجدد

حسين عبد الحسين

يقول أمبروز بيرس، الكاتب الأميركي الساخر الذي عاش في القرن التاسع عشر، إن “الثورة هي تغيير مفاجئ في سوء الحكم”، وهي نبوءة تكاد تتحقق في بعض الدول العربية. فمن بغداد، حيث يدخل رئيس الحكومة المنتخب نوري المالكي عامه السادس وهو ما زال متمسكا بكرسي الحكم بحجة مكافحة “أذناب النظام البائد”، الى القاهرة حيث يدخل الرئيس المنتخب محمد مرسي شهره السادس وهو يفوض نفسه صلاحيات مطلقة لمحاربة “فلول النظام الفاسد”، الخلاصة تتكرر: ربيع العرب هو كخريفهم وصيفهم كشتائهم والديمقراطية مؤجلة مع وقف التنفيذ.

المستبدّون الجدد، كما القدامى صدام حسين وحسني مبارك، يستخدمون الحيلة نفسها: يبدأون حياتهم السياسية كمناضلين أشاوس، يحاربون ظلم النظام القائم، يتغلبون على الصعاب، ويصلون الحكم بتأييد شعبي واسع، ثم يتحولون الى مهووسين بالحكم كسابقيهم بحجة ضرورة بقائهم لاستكمال اهداف الثورة وحمايتها من اعدائها، وهؤلاء هم غالبا النظام السابق او من يتم نسبه إليه بعد الثورة.

في الماضي، كانت العادة السائدة لاقتناص الحكم هي الانقلابات العسكرية. اليوم، اصبحت التظاهرات الشعبية هي الطريقة الانجع. في الحالتين، النتيجة هي اضطراب امني وشعبي تتصارع فيه قوى متعددة حتى تنجح واحدة منها في القضاء على الآخرين، ثم الحكم، على ما يحلو للمالكي غالبا القول في تصاريحه العلنية، “بيد من حديد”.

لكن كيف السبيل الى الانتقال من الحالة الثورية الى حالة ديمقراطية أفضل من سابقتها؟

تقول دراسة صادرة هذا الاسبوع عن “معهد بروكنغز للأبحاث” ان “عملية كتابة الدستور عن طريق الشعب تشوبها الكثير من المخاطر”. وتقدم الدراسة التي اعدها بروفسور القانون في جامعة كولومبيا وليام بارتلت مقارنة للحالة العربية مع حالة الدول السوفياتية السابقة، لتخلص انه على الرغم من الاختلاف في الوسيلة، فإن النتيجة بين الدول الشيوعية والعربية يبدو انها متشابهة.

يقول بارتلت ان معظم الدول الاشتراكية السابقة لم تعتبر التغيير الدستوري التالي للانهيار السوفياتي امرا خارجا عن المألوف، بل تعاملت معه وكأنه موضوع سياسي يومي، فقامت البرلمانات بإدخال تعديلات على دساتير البلاد القائمة، اما النتيجة، فكانت ان حصرت هذه البرلمانات السلطة التنفيذية بأشخاص، بعضهم بسبب شعبيتهم والكاريزما التي كانوا يتمتعون بها لحظة تعديل الدساتير.

في المحصلة، تنشأ حكومة تتمتع بصلاحيات اكثر من اللازم الى حد يخولها القضاء على الحريات الفردية والعامة شيئا فشيئا، ومن ثم الاستمرار في الحكم والقضاء على مبدأ تداول السلطة. اما المثال الابرز، فلا شك انه يأتي من روسيا فلاديمير بوتين، حيث حول الرئيس الروسي فكرة الدستور والديمقراطية الى صورة كاريكاتورية صارت مثارا للسخرية حول العالم، في وقت يقوم هو وفريقه بالقضاء على معارضيه السياسيين، ومنافسيه الماليين، وكل من يحلو لهم التخلص منه عن طريق السجن او السم او الاخفاء.

اما في الدول العربية، فتمسك التظاهرات الشعبية بالشرعية مؤقتا لاعادة انتاج دستور الدولة ومؤسساتها، وهو امر جائز قانونيا حسب بارتلت. بيد ان النتيجة تنطوي على مخاطر، فمن الذي يحدد من هي القوة الشعبية الثورية، ومن ينطق باسمها؟ وما العمل ان اصرت الحركة الشعبية الثورية على التمسك بالشرعية من دون تسليمها الى برلمان او حكومة؟ وماذا ان قامت هذه الحركة نفسها، او جزء منها، بانتاج سلطة تنفيذية ذات صلاحيات مطلقة واستبدادية، وهو ما يبدو انه يحصل في مصر اليوم.

ويكتب ايفان هيل في مجلة “فورين بوليسي” ان “انتصاراتهم في صناديق الاقتراع اعطت الاخوان المسلمين في مصر جرعة زائدة من الثقة، او ربما العجرفة، وجعلتهم يصدقون الاعتقاد السائد ان المعارضة غير الاسلامية لمبارك هي صغيرة وهامشية، اي انه يمكن التغلب عليها بالاقتراع والتفوق عليها عدديا في الشارع من اجل تنفيذ اجندة الاخوان”.

في هذه الاثناء، تجددت الدعوات في العراق لاستجواب المالكي في البرلمان ونزع الثقة عنه، ما حدا برئيس الحكومة الى التهديد باعتقال من يلجأ الى التصويت ضده. اما في مصر، فعاد الثوار الى ساحة التحرير في خطوة تنذر بأن عودة الديكتاتورية، وان كان عن طريق بعض من الشرعية الشعبية، لن يكون سهلا، على الاقل حتى الآن.

من سيخرج منتصرا من هذه المواجهة؟ تبدو الاجابة حتى الآن في مصلحة “المستبدّين الجدد”، على الرغم من انه قد يكون للمصريين المنتفضين على انقضاض مرسي على الحكم رأيا آخر.

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

غاز السارين يدفع واشنطن للإعداد لتدخل عسكري في سورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في غضون 24 ساعة، انقلبت واشنطن من وضعية مراقب للوضع السوري الى خلية ازمة تحاول الاستعداد على وجه السرعة لسيناريو تدخل عسكري في سورية يهدف الى «تأمين الترسانة الكيماوية بعيدا عن ايدي قوات الرئيس بشار الاسد»، وذلك بعدما توالت تقارير من داخل اروقة القرار الاميركي تفيد بأن «الاسد اعطى الامر لقواته فعلا بمزج نوعين من الغاز، ايزوبروبانول وميتيفوسفونيل دايفلورايد، بهدف انتاج غاز السارين».
وانعكس الانقلاب في المزاج الاميركي في تصريحات كبار المسؤولين، اذ بعد ساعات على قول وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ان استخدام الاسد للاسلحة الكيماوية هو بمثابة «خط احمر» سيقتضي تدخلا عسكريا دوليا، وجه الرئيس باراك اوباما رسالة حازمة الى الاسد واعوانه اثناء خطاب ادلى به في «كلية الدفاع الوطني» في واشنطن، اول من امس، وقال فيه ان «استخدام الاسلحة الكيماوية لم ولن يكون مقبولا».
وقال اوباما: «حول سورية، دعوني اقول التالي... سنستمر في دعمنا للطموحات المشروعة للشعب السوري، وفي انخراطنا مع المعارضة، وفي العمل على سورية انتقالية خالية من نظام الاسد».
وتابع الرئيس الاميركي: «اليوم اريد ان اقول بكل وضوح للاسد ولمن هم تحت امرته، العالم يشاهد، واستخدام الاسلحة الكيماوية لم ولن يكون مقبولا، واذا ما ارتكبتم الخطأ الفادح باستخدامكم هذه الاسلحة، فستكون هناك عواقب وسوف يتم تحميلكم المسؤولية».
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» اولى الوسائل الاعلامية التي اشارت الاحد الى قيام الاسد بتحريك قطع من ترسانته الكيماوية في وسط البلاد. بعد ذلك، نقلت شبكة «سي ان ان» التلفزيونية عن مصادر في وزارة الدفاع قلقها من نشاط قوات الاسد على هذا الصعيد، ثم اوردت مجلة «وايرد» ان قوات الاسد قامت بمزج مكونات السارين الاسبوع الماضي، ونقلت عن مسؤولين عسكريين قولهم ان هذه القوات «لم تفعل ذلك على نطاق واسع، وانما بكميات متواضعة». واضاف المسؤولون: « لا نعلم ما هي النية خلف هذه الخطوة».
«الراي» سألت خبراء عسكريين حول سبب التأهب الاميركي المفاجئ، فكانت الاجابة ان «مدة حياة غاز السارين قصيرة نسبيا، وتقاس بالاسابيع». ما يعني، حسب الخبراء، ان «قوات الاسد لم تكن لتنتج غاز السارين لو لم تكن تنوي استخدامه لانه، بعد مزجه، لا يعمر طويلا، ويتلف بسرعة اذ ينتهي مفعوله».
وتقول المصادر الاميركية ان «كمية من غاز السارين صارت متاحة لقوات الاسد لاستخدامه اما عن طريق المقاتلات، او المروحيات، او حتى المدافع البعيدة المدى».
وتأثير غاز السارين على البشر هو كتأثير مبيدات الحشرات، اذ يعطل الاشارات الدماغية التي تأمر العضلات بالتوقف، فتتحرك العضلات بسرعة من دون توقف، ويسقط الشخص بعد مدة قصيرة جدا بسبب الارهاق وفشل الرئتين في تأمين الاوكسجين المطلوب لحركة الجسم.
ورغم المحاولات المتكررة للاتصال بالمسؤولين الاميركيين لمحاولة الوقوف على رأيهم حول توقيت «الخط الاحمر» الاميركي، ومتى تعطي واشنطن الضوء الاخضر للتدخل وفي اي ظروف، لم تتمكن «الراي» ولا وسائل الاعلام الاخرى من الحصول على اجابة حاسمة.
على ان الانطباع السائد هو ان العاصمة الاميركية بدأت فعلا الاتصال بالحلفاء، خصوصا في «حلف شمال الاطلسي»، لتدارس شكل التدخل العسكري في سورية وتوقيته اذا ما استمرت التقارير الاستخباراتية حول استمرار نشاط قوات الاسد الكيماوي.
وبالفعل اصدر الحلف تحذيرا الى دمشق من ان استخدام الاسلحة الكيماوية من جانب النظام السوري سيدفع المجتمع الدولي الى القيام برد فوري.
وكانت مصادر اميركية اشارت قبل فترة الى ان اي تدخل يهدف الى تأمين الترسانة الكيماوية السورية، بعيدا عن ايدي مقاتلي الاسد، سيحتاج الى 75 الف مقاتل، وهي عملية كبيرة وتحتاج الى حشد وتخطيط مسبق. 




السبت، 1 ديسمبر 2012

عون يسعى إلى إقناع واشنطن بالتحالف مع تياره

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

للمرة الثانية في اقل من شهرين، يزور الولايات المتحدة جبران باسيل، وزير الموارد المائية والكهربائية اللبناني وصهر النائب ميشال عون، حليف «حزب الله»، في جولة تشمل مدن الجنوب والغرب، بعد جولة سابقة له في سبتمبر شملت مدنا في الشمال الشرقي للبلاد.
وتشمل جولة باسيل هذه المرة لقاءات مع الجالية اللبنانية في مدن ميامي وتامبا، في ولاية فلوريدا، وفي مدينة هيوستن في تكساس، وفي سان دييغو في كاليفورنيا، حيث يعمد خلال هذه اللقاءات الى حشد تأييد المغتربين اللبنانيين للانتخابات البرلمانية المقررة الصيف المقبل. كما يحاول باسيل جمع التبرعات لحملة حزبه «التيار الوطني الحر» الانتخابية.
وكان باسيل قد قال في مناسبات جمعته مع بعض افراد الجالية ان حزبه يحاول ان يضم باقي الاحزاب اللبنانية الى تحالفه مع «حزب الله». كما حذر المسؤول اللبناني من حتمية صعود التيارات الاسلامية المتشددة، خصوصا في سورية، وتأثير ذلك السلبي، على حد تعبيره، على مسيحيي سورية ولبنان.
زيارات باسيل ومواقفه اثارت اعتراضات لبنانيين اميركيين، تصدرهم «تحالف الاميركيين اللبنانيين» القريب من «حزب القوات اللبنانية»، الذي اعرب في بيان عن «قلقه العميق» تجاه الزيارة، معتبرا ان باسيل هو قيادي بارز في «الحركة العونية، ابرز حليف لحزب الله في لبنان». 
وقال البيان ان «باسيل يعتبر من مهندسي تحالف حركته مع حزب الله، وايران ونظام (الرئيس السوري بشار) الاسد، وهو لا شك احد ابرز المدافعين عنهم في لبنان». وحذر البيان من «عواقب» الزيارة، وحض المسؤولين الاميركيين على مقاطعة باسيل وعدم عقد اي لقاءات رسمية معه.
على انه يبدو ان للمسؤولين الاميركيين رأيا آخر يقضي باستضافة الوزير اللبناني، كما يبدو ان لباسيل وحزبه وجهات نظر مختلفة امام الاميركيين خلف الابواب الموصدة وبعيدا عن انظار الجالية اللبنانية والاعلام.
«الراي» علمت من مسؤولين اميركيين ان باسيل، وقياديين آخرين من حزبه زاروا واشنطن اخيرا. وقال هؤلاء المسؤولون ان «العونيين يعملون على اقناع الولايات المتحدة ان مصالحها تكمن في التحالف مع عون وتياره»، وان الاسباب الموجبة لهذا التحالف تتضمن: 
- اولا: امكانية حصول شركات الغاز الاميركية على حقوق تنقيب واستخراج كميات من الغاز التي يتوقع اكتشافها في المياه الاقليمية اللبنانية وقريبا من الساحل اللبناني.
ويقول المسؤولون الاميركيون ان باسيل لوح لهم بأن موسكو والشركات الروسية كما طهران وشركات ايرانية مهتمة بالاستثمار في قطاع الغاز اللبناني، ولكنه «يفضل التعامل مع الاميركيين».
- ثانيا: يقدم باسيل نفسه وتياره على انه يمثل مسيحيي المشرق في المساحة الممتدة من العراق الى الساحل اللبناني، مرورا بشمال سورية. ويقول باسيل ان الدور المسيحي سيكون مفصليا في المرحلة الحالية والمرحلة المقبلة، وان «المسيحيين سيلعبون دور الحكم للفصل والمواءمة بين المجموعتين الكبريين المتصارعتين في المنطقة، اي السنة والشيعة».
ثالثا، يعتبر باسيل نفسه انه يمثل تيار الاعتدال في المنطقة عموما، وانه تجمعه بالولايات المتحدة مصلحة مشتركة تكمن في «محاربة الاصولية السنية المتطرفة التي تنتشر من العراق الى سورية ولبنان». 
ويقول المسؤولون الاميركيون انه في لقاءاته معهم، غالبا ما يكيل باسيل كل انواع الاتهامات لرئيس حكومة لبنان السابق سعد الحريري وللمملكة العربية السعودية وقطر. ويقول باسيل ان «الحريري والرياض والدوحة يسعون الى دعم المجموعات السنية المتطرفة، خصوصا في سورية، وتسليحها». 
وفي هذا السياق، اقترح باسيل تقديم «دلائل»، على شكل تسجيلات صوتية تثبت ان الحريري يسعى مع مستشاريه الى تسليح «جبهة النصرة»، وهي فصيل من «الجيش السوري الحر» يعتقد البعض ان لديه ارتباطات مع تنظيم «القاعدة».
زيارتا باسيل وغيره من مستشاري عون الى الولايات المتحدة تتسارع وتيرتها، ويمكن اضافتها الى مجهود مماثل تقوم به شخصيات لبنانية اخرى، على غرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في استمالة واشنطن لناحيتها وبعيدا عن الحريري وتحالف 14 اذار. 
وكان ميقاتي نجح، قبل نحو عام، في تجنيد ابرز اميركية تعمل في مجال اللوبي وكانت عملت في الماضي لمصلحة رئيس الحكومة المغدور رفيق الحريري، وثم لمصلحة نجله سعد، لتنتقل فيما بعد لجهة ميقاتي.
كذلك يحاول سياسيون لبنانيون آخرون مقربون من «حزب الله» مضاعفة نشاطهم السياسي في العاصمة الاميركية، وفي اقامة جمعيات وبرامج بحثية سياسية مع جامعات لاستمالة اكاديميين وباحثين اميركيين ولبنانيين لجهتهم. 
لكن واشنطن تبدو، حتى الآن على الاقل، اقرب الى الحريري و«14 اذار»، وهو ما بدا جليا في الزيارة الاخيرة التي قام بها رئيس الحكومة السابق ورئيس كتلة الحريري البرلمانية فؤاد السنيورة، منتصف الشهر الماضي، حيث شملت لقاءاته كبار المسؤولين في البيت الابيض و«مجلس الامن القومي» ووزارة الخارجية.
على ان تفوق «14 اذار» الطفيف داخل واشنطن قد لا يدوم، خصوصا في ظل النشاط المضاعف الذي يقوم به التحالف المناوئ لقلب الصورة.

الخميس، 29 نوفمبر 2012

رايس تستعد لخلافة «العملاقة» كلينتون في «الخارجية»

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

تقترب المبعوثة الاميركية الى الامم المتحدة سوزان رايس من منصب وزيرة خارجية بعدما عقدت، اول من امس، لقاء مع ثلاثة من اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، تصدرهم جون ماكين، لتبديد هواجسهم حول تصريحاتها التي تلت الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في 11 سبتمبر الماضي واعتبرت فيها ان الهجوم كان وليد تظاهرة عفوية ضد الفيلم المسيء للاسلام.
ومع حلول رايس بدلا من هيلاري كلينتون، من المتوقع ان تشهد السياسة الخارجية للولايات المتحدة تغيرات في الفريق المشرف على اعدادها، كما في الاسلوب، وفي عدد لا يستهان به من الاولويات.
ولفهم التغيير المتوقع، لا بد من العودة الى العام 2008، فرايس، التي سبق ان عملت في ادرة الرئيس السابق بيل كلينتون، تخلت عن زوجته هيلاري المرشحة الرئاسية وقفزت الى جانب المرشح باراك اوباما لتعمل ككبيرة مستشاريه للشؤون الخارجية، وكذلك فعل عدد من الديبلوماسيين الذين كانوا محسوبين على كلينتون.
في ذلك العام، وحتى لا تتحول معركة الترشيح الى الرئاسة الى معركة دامية، انسحبت كلينتون لمصلحة اوباما بعدما اثقلت كاهلها ديون الحملة الانتخابية، في مقابل قيام حملة اوباما بتسديد ديون كلينتون، وتعيينها وزيرة للخارجية. 
ديبلوماسيو الرئيس بيل كلينتون ممن راهنوا على اوباما على أمل الفوز بمناصب ديبلوماسية رفيعة، وجدوا انفسهم في ورطة، اذ صارت المرشحة التي تخلوا عنه قبل اشهر هي نفسها وزيرة الخارجية، وتوقعوا ان تجبرهم كلينتون على دفع ثمن باقصائهم، وهو ما دفع اوباما الى تعيينهم في مناصب رفيعة، وانما خارج سلطة وزارة الخارجية.
رايس كانت لها جائزة الترضية الكبرى، فمنصب مبعوث الى الامم المتحدة لا يتبع لوزارة الخارجية، بل للمبعوث مقعد مخصص للحضور في اجتماعات الحكومة الاميركية التي تنعقد برئاسة اوباما. وبالطريقة نفسها، عيّن اوباما دينيس روس مبعوثا رئاسيا خاصا للملف الايراني من دون المرور بالوزيرة. وكذلك فعل مع دان شابيرو، سفير اميركا في اسرائيل اليوم، والذي تم تعيينه كمسؤول ملف الشرق الاوسط في «مجلس الامن القومي» التابع للرئيس من دون الخارجية، وتم تكليفه الاشراف على سياسة «الانخراط» او الانفتاح على النظام السوري.
ومن الذين فازوا بـ «جوائز ترضية» في صناعة وتقرير السياسة الخارجية، من دون تعيينهم في الوزراة، انتوني بلينكن، وهو سبق ان عمل مديرا لموظفي «لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ» عندما كانت برئاسة السناتور جو بيدن، نائب الرئيس اليوم. 
وكما رايس، شارك بيلنكن في حملة اوباما - بيدن الرئاسية، ولمجهوده، تم تعيينه اعلى مسؤول لملف العراق، تحت اشراف بيدن، وحمل صفة مستشار الامن القومي لنائب الرئيس.
على ان كلينتون لم تقم بأي اعمال «انتقامية» بحق ديبلوماسيي زوجها السابقين ممن تخلوا عنها، بل هي عينت منهم في مناصب رفيعة، مثل جيم ساتيبرغ، الذي عينته نائبا لها وكلفته الملف الايراني، وكذلك آن ماري سلوتر التي عينتها كلينتون في منصب «مديرة تخطيط السياسات» في الوزارة.
وحرصت كلينتون على تأكيد انها وضعت خلافها الانتخابي المحموم مع اوباما خلف ظهرها، وشددت سرا وعلنا على التزامها بالسياسة الخارجية كما يحددها الرئيس الاميركي بحذافيرها، ونجحت في ذلك الى حد بعيد.
الا ان كلينتون احتفظت لنفسها بمساحة في السياسة الخارجية، فهي عملت على خلق برامج ومؤتمرات كثيرة مخصصة لدعم المرأة حول العالم، كما عملت على تحسين شروط عمل المرأة في وزارة الخارجية، وخصصت للنساء عددا اكبر من المناصب الرفيعة داخل الوزارة. 
وفي الوقت نفسه، ارتكزت فلسفة كلينتون في السياسة الخارجية على مبدأ «القوة الناعمة»، الذي استلهمته من الاكاديمي جوزيف ناي، والذي يعتبر ان قوة الولايات المتحدة تتجلى بنفوذها الثقافي والاقتصادي حول العالم اكثر منها بسطوتها العسكرية. 
واثناء توليها الوزارة، قامت كلينتون بأكثر من الف زيارة دولة، وحققت نجاحات جعلت من شعبيتها بين الاميركيين ترتفع الى حدود دفعت كثيرين الى الحديث عن حلولها مكان بيدن في انتخابات هذا العام. لكن وزيرة الخارجية كانت اعلنت انها تشتاق لعائلتها ولتمضية الوقت معها، ما يقتضي خروجها من الحياة العامة مع نهاية الولاية الاولى لاوباما. ويعتقد كثيرون اليوم ان امام كلينتون فرصة ذهبية للترشح عن الحزب الديموقراطي للرئاسة في العام 2016.
مع خروج العملاقة كلينتون، ابنة الـ 65 عاما، من الخارجية، تستعد رايس، البالغة من العمر 48 عاما، للحلول مكانها، مع ما يعني ذلك من دخول افكار شبابية ومتجددة الى الوزارة والسياسة الخارجية ككل.
ورايس هي ابنة واشنطن، سبق ان عمل والدها ايميت، الذي توفي العام الماضي، عضو مجلس «البنك الاحتياطي الفيديرالي»، وهي تسلقت سلم السياسة واصبحت كمسؤولي الادارة من الحزبين: تتولى مناصب في الادارة عندما يحكم الرئيس من حزبها وتنضم كباحثة مع احد مراكز الابحاث بانتظار عودة حزبها الى الحكم وعودتها معه.
هكذا خرجت رايس من ادارة كلينتون الى مركز ابحاث «بروكنغز». وفي 2005، انشأت رايس «مبادرة الفينيق»، وبعد ذلك بثلاث سنوات، حررت بالاشتراك مع بلينكن وسلوتر وستاينبرغ دراسة بعنوان «قيادة استراتيجية: اطار لاستراتيجية للامن القومي للقرن الواحد والعشرين»، وكانت تلك اولى الوثائق التي تحدثت عن ضرورة تخفيض الحضور العسكري الاميركي في الشرق الاوسط ونقل اهتمام وتركيز واشنطن الى الشرق الادنى.
ومع ان الكثير تغيّر منذ صدور تلك الوثيقة، الا ان الجزء المخصص للشرق الاوسط مازال حاضرا في السياسة الاميركية، وهو يرتكز على خمسة محاور: الاول، «تطوير استراتيجية مفصلة ومتكاملة للمنطقة بأكملها»، والثاني «خفض عسكري وبناء ديبوماسي في العراق»، والثالث «اعتماد استراتيجية ذات مسارين، ردع وانخراط، مع ايران»، والرابع «تأكيد مشاركة ديبلوماسية رفيعة في مجهود السلام الاسرائيلي - الفلسطيني»، والخامس «تطوير آليات للتعاون الامني والتطوير الاقتصادي والاصلاح الديموقراطي».
وتذكر الوثيقة ان العمل العسكري ضد نظام الجمهورية الاسلامية من شأنه «تقوية المعادين للتغيير السياسي»، اما اعتماد خيار الديبوماسية والانفتاح، فمن شأنه ان «يخلق بيئة موائمة للتغيير الديموقراطي» في ايران.
كذلك، يبدو ان الوثيقة لا تمانع مشاركة ايران في تحديد مصير ملفات اقليمية، وهي كانت دعت بأن تقوم واشنطن باشراك كل من «جامعة الدول العربية، وايران، والاردن، والسعودية، وسورية، وتركيا» للتوصل الى حلول في العراق لمرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي. 

أين هي الولايات المتحدة؟

حسين عبدالحسين

كتبت وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس في صحيفة “واشنطن بوست” في عدد نهاية الاسبوع: “أين هي الولايات المتحدة؟ لقد أمضت اميركا شهورا وهي تحاول اقناع روسيا والصين بقبول قرارات من دون أسنان في الامم المتحدة”.
صحيح ان مقال المسؤولة الاميركية السابقة كان مخصصا للوضع السوري، لكن وصفها ينطبق على غياب الدور الاميركي في الشرق الاوسط عموما.
في العراق، كاد الجيش وقوات البيشمركة التابعة لاقليم كردستان يخوضان حرب كاملة على اثر خلاف بدأ فرديا في طوزخورماتو في شمال البلاد. وفي بغداد، استقال وزراء “كتلة العراقية” واصبحت حكومة نوري المالكي ذات لون طائفي واحد، وهو ما يطلق عليها مساعدوه تسمية “حكومة الاغلبية”.
في سوريا، تخطى عدد القتلى 45 الفا منذ اندلاع الثورة المطالبة بإنهاء حكم الرئيس بشار الاسد في 15 آذار (مارس) من العام الماضي، فيما قواته تتقهقر وتنذر بأن انهياره صار وشيكا، وفي هذه الاثناء تخشى عواصم العالم ان لا تنجح فصائل “جيش السوري الحر” بأن تتوحد على اثر انهيار الاسد، فتتحول الى مجموعات مسلحة ومتناحرة.
في غزة، خاضت الفصائل الفلسطينية حربا غير متكافئة ضد اسرائيل. سقط قرابة 150 فلسطيني وستة اسرائيليين، وعانى الغزاويون دمارا هائلا بسبب الغارات الاسرائيلية التي تجاوز عددها الألف طلعة.
في مصر، المواجهات في الشارع اتسعت بعد اعلان الرئيس محمد مرسي قرارا تشريعيا قيد بموجبه صلاحيات السلطة القضائية، ما يجعل منه حاكما بصلاحيات تتجاوز صلاحيات اي رئيس دولة في العالم. ومع ان المتحدث باسم الرئاسة ياسر علي اعلن ان هذه القرارات ستبطل بمجرد اقرار دستور جديد وانتخاب برلمان جديد بعد شهرين، الا ان نزعة مرسي للتفرد بالسلطة، ومن خلفه “الاخوان المسلمين”، صارت تقلق عواصم كثيرة حول العالم، هذا ما لم تدخل مصر في مواجهة “ما بعد ثورية” قد تؤدي الى انتشار الفوضى لاجل غير معلوم من الزمن، فيما الوضع الاقتصادي المصري ينتقل من سيء الى اسوأ.
وفي لبنان، النار تحت الرماد اذ قد تندلع حرب طائفية شاملة في اية لحظة، فيما ايران تمضي في تخصيبها لليورانيوم وفي برنامجها للتسلح النووي، الذي يقلق “وكالة الطاقة الذرية” قبل غيرها.
المجتمع الدولي، اي مجلس الامن في الامم المتحدة، شبه معطل بسبب الفيتو والفيتو المضاد الذي تمارسه روسيا والصين من جهة، واميركا وحلفاؤها من جهة اخرى، ما يجعل من قيادات المنظمة الدولية مجموعة من المحللين السياسيين الذين يزورون العواصم ويطلقون التحذيرات والتحليلات السياسية، على غرار ما يفعله الامين العام بان كي مون، ومبعوثه الى سوريا الاخضر الابراهيمي.
اكثر دلالة على غياب اميركا وانهماكها في اقرار اتفاقية “الشراكة عبر المحيط الهادي”، وفي بناء تحالفات بهدف احتواء صعود الصين في الشرق الادنى، هو توجه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من بورما الى الشرق الاوسط للمساهمة في التوصل الى وقف اطلاق نار بين حماس والاسرائيليين.
كلينتون لم تقطع زيارتها، حيث كانت ترافق الرئيس باراك اوباما في اول زيارة لرئيس اميركي لهذا البلد الاسيوي، الا بعد انتهاء المراسيم البروتوكولية كافة، وبعد عدة ايام على نشوب القتال في غزة، ما يشير الى ان واشنطن، في عهدة اوباما، لا تولي الشرق الاوسط الكثير من اهتمامها.
غياب الولايات المتحدة يبدو جليا في احداث الشرق الاوسط. اما الى متى يستمر هذا الغياب، فلا يبدو ان الاحداث المندلعة، على الرغم من فداحتها مثلما في سوريا او في غزة، هي التي تملي السياسة الاميركية، بل الارجح ان اوباما مصمم على تقليص دور بلاده في هذه المنطقة، وتركيز اهتمامه تماما على الصين وجوارها، وهي سياسة بدأت اولى نتائجها تطفو على السطح.

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

مسؤولون أميركيون لـ «الراي»: ديبلوماسيون روس اتصلوا بنا لبحث مرحلة ما بعد الأسد

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

على وقع الانتصارات التي يحققها الثوار السوريون وتراجع قوات الرئيس السوري بشار الاسد في عموم أنحاء سورية، علمت «الراي» من مصادر أميركية رفيعة ان ديبلوماسيين روسا عمدوا الى الاتصال بنظرائهم الاميركيين «للتباحث في الشأن السوري لمرحلة ما بعد الاسد».
ويقول المسؤولون الاميركيون ان الاتصالات الروسية أخذت شكلا مستعجلا وطارئا، إذ حاول المسؤولون الروس التحادث معهم اثناء عطلة عيد الشكر، والتي تمتد اربعة أيام كان آخرها يوم اول من امس. 
واضاف احد المسؤولين الاميركيين ممن قابلتهم «الراي» ان «رسالة روسية وصلتني تقول ان علينا التباحث في موضوع سورية، فالقتال وصل ساحة العباسيين في دمشق».
وتابع انه يعتقد ان الروس حاولوا الاتصال كذلك بالفرنسيين، ولكنهم سمعوا تصلبا فرنسيا ضد الموقف الروسي، ما دفع رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف الى مهاجمة فرنسا علنا. وتابع: «سنقوم بالاتصال بالفرنسيين للوقوف على حقيقة الموضوع».
المسؤول الاميركي قال: «يبدو ان الروس يحاولون الحصول على مكاسب للمعارضين السوريين الذين لموسكو نفوذ لديهم مثل هيئة التنسيق». وتابع: «أبلغنا الروس انهم لا يعتبرون ان الائتلاف السوري المنبثق عن لقاء الدوحة يمثل كل المعارضة السورية، وان على المجتمع الدولي الاخذ بعين الاعتبار، في المرحلة المقبلة، ان هناك عددا من المعارضين ممن لم يشتركوا في الاعمال العسكرية، وممن آثروا الحل السياسي، وان لهم دورا في المستقبل».
وبحسب المسؤولين الاميركيين، طالب الروس واشنطن «بالعمل معاً من اجل انهاء الوضع القائم بصورة سلمية»، والحفاظ «على الدولة السورية وتأكيد مشاركة الجميع في المرحلة المقبلة بمن فيهم بعض المعارضين الذين تعتبرهم روسيا غير متمثلين في اعلان الدوحة».
في هذه الاثناء، كثر الحديث داخل أروقة القرار الاميركي عن ضرورة قيام واشنطن بالاشراف على توحيد وتنظيم صفوف «الجيش السوري الحر» للتسريع من عملية سقوط نظام الاسد، ولضمان وجود قوة عسكرية يمكنها ضمان امن سورية بعد انهيار النظام.
مسؤولون في «مجلس الامن القومي» توقعوا في دردشة مع صحافيين «انهيار الاسد الاسد ونظامه في مهلة ثمانية الى اثني عشر اسبوعا». الا انهم اضافوا ان المعارضين السوريين والثوار «يعتقدون ان الانهيار سيحصل قبل ذلك بكثير».
على ان المسؤولين والخبراء الاميركيين لا يتفقون على المهلة التي سيتطلبها انهيار نظام الاسد، فجيفري وايت، الباحث في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى»، يعتقد ان «وتيرة الحرب تتسارع بشكل غير مسبوق»، وان «هناك امكانية كبيرة ان نرى انهيارا مفاجئا للنظام على وجه السرعة». ويضيف: «ليس مرجحا ذلك، لكنه محتمل، ثم يصبح الشباب ممن يحملون السلاح هم المسؤولون عن الامن في سورية».
امكانية الانهيار هذه تدفع واشنطن الى محاولة الاسراع في تنظيم صفوف الثوار. ويقول المسؤولون الاميركيون ان «مشاركة الولايات المتحدة في تنظيم الثوار تتطلب اربعة الى ستة اسابيع». 
وفي هذا السياق، نقل المعلق في «صحيفة واشنطن بوست» دايفيد اغناتيوس عن مصادر قولها انه «من اجل اقامة وحدة عسكرية (بين الثوار)، ستحتاج وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي ايه) الى الضغط على اجهزة الاستخبارات الصديقة من اجل تجميع تمويلها ووسائل دعمها الاخرى خلف قيادة موحدة».
وكتب اغناتيوس ان «المسؤولين الاميركيين يأملون ان هذه العملية ستحصل في غضون الشهر المقبل، فيما يعتقد قادة الثوار ان هذه المدة ستكون متأخرة جداً».
لكن المتابعين الاميركيين يعتقدون ان عملية توحيد الجهود العسكرية للثوار السوريين ستكون عملية «شاقة ومضنية»، بسبب التباين في وجهات نظر الجهات الداعمة لها، رغم ان هذه الجهات الاقليمية صديقة مع بعضها البعض وللولايات المتحدة الاميركية.
ويقول المسؤولون الاميركيون: «هناك جهات تقدم دعما اكبر للمجموعات الاسلامية، وهناك جهات قلقة بسبب النشاط الكردي وتحصر دعمها بالمجموعات العسكرية التي تتصدى له، وهناك من الثوار السوريين من يتسلمون مساعدات من رجال أعمال عرب من دون المرور بأجهزة الاستخبارات الاقليمية او الدولية، وهو ما يعقد اكثر مجهود تحديد من يفعل ماذا».
على ان الاتجاه العام لواشنطن، «منذ اليوم الاول»، هو توحيد صفوف المعارضة والثوار السوريين، اذ يكرر المسؤولون الاميركيون انهم كانوا من اوائل المطالبين بتوحيد صفوف المعارضة، على غرار ما حصل في الدوحة، وانهم في السياق نفسه طالبوا وما زالوا يعملون على «توحيد صفوف المقاتلين في صفوف الثوار».

الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

"14 آذار" هي مشكلة "14 آذار"



بقلم حسين عبدالحسين- واشنطن

"14 آذار" في ورطة. فالتحالف الذي ولد وطنياً جامعاً، اصبح اليوم مجرد تحالف حزبي طائفي بين "تيار المستقبل" السني بقيادة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري و"القوات اللبنانية" المسيحية بزعامة الدكتور سمير جعجع. 
قياديو التحالف يعرفون ورطتهم، ولكنهم يعزون ذلك الى استحالة الحفاظ على وتيرة الاستقطاب الشعبي في ظل التهديد الدموي المباشر والمستمر الذي يطاولهم. اما أول الحلول لأزمتهم فهو القاء "حزب الله" سلاحه، ولكن هذا موضوع يرتبط بقضايا اقليمية تتضمن ملف ايران النووي، وعلاقته بالدول العربية والعالم.
اذن، يخلص قياديو "14 آذار" الى ان ما باليد حيلة، وان على اللبنانيين تأييدهم، في دورات الانتخابات النيابية المقبلة، علّ وعسى ان تنجح اكثريتهم البرلمانية يوما ما في استعادة بعض النفوذ في القرار اللبناني الذي يطبق عليه اليوم "حزب الله" منفردا.
لكن هل عودة "14 آذار" الى دائرة النفوذ غاية بذاتها؟ وما الهدف الاسمى وراء عودة كهذه؟
الاجابات لدى هذا التحالف مبعثرة ومتضاربة، وغالبا سطحية، خصوصا بعد مقتل او موت اوخروج معظم المثقفين من هذا التحالف، وبقاء مثقفي البلاط وحدهم. 
في بداياتها العفوية في العام 2005، اكتسبت حركة "14 آذار" ابعادا تجاوزت بلاهة السياسة اللبنانية، ولعب العزيز المغدور سمير قصير دورا محوريا في صوغ الحالة الفكرية المرافقة للحظة الولادة، وتجلت رؤية سمير عندما ساوى ما بين "14 آذار" و"الربيع العربي"، قبل 6 سنوات من انطلاقه، فأطلق "ربيع بيروت" كتسمية مرادفة لـ "14 آذار" او "انتفاضة الاستقلال"، وربط موعد تفتح الورود في دمشق بحلول الربيع في بيروت. 
طبعا لم ينجح سمير في فرض رؤيته، فكان غالبا ما يطل متصديا لعنصرية العامة ضد السوريين في ساحة الشهداء، فيما كان ناشطون وسياسيون في "14 آذار" يعملون على تصوير ثورتهم وكأنها تجلٍ محمود للمناصفة المسيحية الاسلامية في البلاد، ولصيغة التعايش البعيدة اصلا عن الربيع المنشود ودولته، التي يفترض ان تكون مدنية لا طائفية.
رحل سمير، ولكن كثيرين بقوا في "14 آذار"، البعض كرمى لذكراه. وراحت الاحزاب المكونة لهذا التحالف ترتكب الخطيئة تلو الاخرى، في خطواتها السياسية، ترافق ذلك مع فشل ذريع في تقديم اية رؤية يمكن ان تجعل من التحالف او خطته التعايشية المتواضعة المرتبطة باتفاق الطائف، الركيك نصا ومضمونا، عملا يرقى الى كونه ثورة او ربيعا. 
بعد سبع سنوات على تجربة "14 آذار"، يبدو ان المشكلة لا تكمن في علاقة الطوائف اللبنانية ببعضها، ولا في علاقات هذه مع القوى الاقليمية الراعية لها وتضارب مصالح الأخيرة. ومع ان سلاح "حزب الله"، الذي لم يقاوم منذ ست سنوات ومن غير المرجح ان يقاوم في المستقبل المنظور، هو مشكلة قائمة بذاته، الا ان هذا السلاح لا يعوّق وحده بناء دولة حديثة في لبنان، والارجح انه في غياب السلاح، يعود التنوع الى دائرة القرار، لكن هذا التنوع لن يتجاوز حدود لعبة الطوائف والملل المعروفة التي تسود منذ العهد العثماني، ولن يؤدي الى بناء دولة بمواصفات ربيعية.
ويبدو ان المشكلة هي في "14 آذار" نفسها، وفي الاحزاب المشكّلة لها، اذ كيف يمكن احزاباً لا تمارس الديموقراطية داخلها ان تبني دولة ديموقراطية في لبنان لو قيّض لها ان تتسلم الحكم؟ 
هذه المشكلة هي التي قضت على امكان ان تكون "14 آذار" بمثابة "ربيع لبناني" تعيد تشكيل العقد الاجتماعي وتساهم في كتابة دستور جديد، مبني على فلسفة حديثة في المواطنة والحرية والديموقراطية، وفي ضرورة تداول السلطة، حتى لو ثبت ان الرئيس الفلاني قام باداء استثنائي، يبقى خروجه، واقاربه في الحالة العربية واللبنانية، من الحياة الحزبية والسياسية ضرورة لتجديدها، وضرورة ليقوم النظام باصلاح نفسه دوريا، وابقاء المنافسة مشتعلة بين الكفاءات والرؤى.
لكن بدلا من ان تتحول "انتفاضة الاستقلال" ربيعاً، تحولت "دكاناً" طوائفياً آخر، وصارت منهمكة بتقديم ضمانات للطوائف في الابقاء على رئيس هنا، وعدم انتخاب رئيس هناك بأكثرية برلمانية بسيطة، والتصقت بمبدأ المناصفة، المتأرجح اصلا بسبب التغيرات الديموغرافية المستمرة. 
واوغلت "14 آذار" في تأييدها فكرة التعايش المريعة (بدلا من المساواة المدنية)، حتى انها طالبت وايدت منع عرض مسلسل يتناول حياة السيد المسيح على قنوات لبنانية، وهو ما يجعل من مطالبتها بالحرية صورة كاريكاتورية، ثم قدم نواب في هذا التحالف مشروع قانون يحظر على المسيحيين بيع املاكهم للمسلمين وبالعكس، واطل نواب آخرون من "14 آذار" يطالبون بفيديرالية وباستبدال العربية بالسريانية، وما الى هنالك من افكار بائدة تلامس العنصرية.
تاليا، ابتعد معظم غير الحزبيين عن هذا التحالف، وهم وان مازالوا يؤيدونه سياسيا، الا انهم يفعلون ذلك لأنه، بالنظر الى "حزب الله" وسلاحه المنفلت من عقاله، تبدو "14 أذار" اهون الشرّين. لكن تأييداً من هذا النوع ينم عن احباط ويأس من امكان قيام دولة لبنانية حديثة او امكان اندلاع "ربيع لبناني". 
في واشنطن، حضر احد قياديي "14 آذار" وطالب المجتمعين بالدعم في الانتخابات النيابية العام المقبل. احد الحاضرين، مستلهما من الانتخابات الاميركية، اجاب ان كل عملية انتخابية مبنية على امرين: الاداء الماضي وخطة المستقبل. "14 آذار"، حتى بعد فوزهم بالغالبية البرلمانية في انتخابات 2005 و2009، بقي اداؤهم في الحكم وخارجه، وفي السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع عموما، مزريا في اقل تقدير. اما خطة "14 آذار" المستقبلية فهي متطابقة مع ادائهم الماضي، وهي عبارة عن القاء اللائمة على سلاح "حزب الله"، ما يعني انه حتى لو فاز تحالف "14 آذار" بالغالبية للمرة الثالثة على التوالي العام المقبل، فلن يغير فوزه في شيء.
بعد سبع سنوات على "14 آذار"، وبعد العراق والربيع العربي ومصائبهما، قد تكون الشعوب العربية غير مستعدة لحكم نفسها بعد، ربما بسبب سيطرة الامية السياسية والاهواء القبلية.
هذا لا يعني انه كان من الافضل عدم حدوث الربيع العربي، لكن من المفيد التذكير بأن الربيع الحالي لا ينذر الا بالمزيد من الشقاء، وهذا ربما جزء من عملية المخاض التي تكون دائما عسيرة.