الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

إيران تقيم قاعدة جديدة جنوب سورية

حسين عبدالحسين

فيما كان زعماء روسيا وألمانيا وفرنسا وتركيا يجتمعون في اسطنبول ويصدرون مواقف حول سورية، كانت إيران منشغلة بإقامة احدث قاعدة عسكرية لـ «الحرس الثوري» في الجنوب السوري، وهي قاعدة تقلق بعض متابعي الوضع الشرق أوسطي من الاميركيين، وخصوصاً من اصدقاء اسرائيل في العاصمة الأميركية. 
ويردد اصدقاء اسرائيل في واشنطن، ان طهران تلتزم الاتفاقية مع روسيا، والتي قضت بابتعاد القوات الموالية لإيران مسافة 85 كيلومترا عن المنطقة المنزوعة السلاح في هضبة الجولان السوري، التي تحتلها اسرائيل. 
التزام إيران بالمسافة المذكورة سمح لها بالعمل على اقامة قاعدة عسكرية في منطقة اللجاة على الحدود بين محافظتي درعا والسويداء، جنوب سورية. والقاعدة التي يعمل «الحرس الثوري» على بنائها هدفها تدريب وتسليح ميليشيات محلية، وتخزين اسلحة، التي قد يكون من بينها صواريخ يمكنها تهديد المناطق الاسرائيلية. 
ويقول الخبراء الاميركيون ان سبب طلب تل أبيب ابتعاد ايران مسافة 85 كيلومتراً، يقدم للاسرائيليين افضلية كبيرة في مواجهة اي هجمات قد يشنها «حزب الله» اللبناني، أو الميليشيات الاخرى الموالية لايران، انطلاقا من الاراضي السورية ضد الدولة العبرية... والمسافة الاسرائيلية المطلوبة تبطل فاعلية الصواريخ الصغيرة والقصيرة المدى، مثل «كاتيوشا»، التي تستخدمها هذه الميليشيات، والتي يمكن اطلاقها من دون منصات، ما يجعل الرد الاسرائيلي الاوتوماتيكي ضد موقع اطلاق الصاروخ من دون جدوى.
أما الصواريخ ذات المدى الابعد، وهي اكبر حجماً، فتحتاج الى منصات اطلاق صواريخ، في الغالب مثبتة على شاحنات، وهذه يمكن للمقاتلات الاسرائيلية العثور عليها وتدميرها، حتى قبل ان تطلق صواريخها. 
ويتابع الخبراء الاميركيون انه حتى لو لجأ الايرانيون وقواتهم في سورية الى الصواريخ الكبيرة ذات المدى البعيد، فان مسافة 85 كيلومتراً تعطي اجهزة الدفاع الاسرائيلية اعتراض هذه الصواريخ قبل ان تشكل خطرا على التجمعات السكانية. 
لكن التدبير القاضي بدفع الميليشيات الموالية لايران الى مسافة 85 كيلومترا عن الحدود لا يكفي لانهاء القلق الاسرائيلي، فانتشار «الحرس الثوري» في قواعد سورية، مثل في السخنة والقلمون، وقريباً في اللجاة، يعطي الايرانيين قدرة على التجنيد والتدريب والتمويل لميليشيات يمكنها ان تشن هجمات ضد اسرائيل، وهي هجمات لا يمكن للرئيس السوري بشار الأسد، او حلفائه الروس، وقفها. 
ويشير اصدقاء اسرائيل الى ان موسكو عمدت الى نشر الشرطة العسكرية لتثبيت الامن في بعض المناطق التي استعادها النظام من معارضيه في عموم سورية، الا ان إمساك الروس وقوات الأسد بهذه المناطق لم يؤثر ولم يتعارض مع عمل «الحرس الثوري» والميليشيات الموالية له. ويتابع هؤلاء ان المقاتلين الموالين لطهران انكفأوا علنا وحاولوا الابتعاد عن الاضواء، لكن هذا لا يعني انسحابهم من سورية، وهو انسحاب تصرّ اسرائيل على حصوله، وتدفع روسيا لمساعدتها في تحقيقه. 
وتقول المصادر الأميركية ان الشق الاكبر من محادثات مستشار الأمن القومي جون بولتون، في موسكو أخيراً، تمحورت حول طرد القوات الموالية لطهران من سورية. ومن الامور التي تقترحها واشنطن على موسكو ما مفاده ان التعجيل في طرد الايرانيين من سورية يسرّع في عملية اعادة تأهيل الأسد، ويثبت سورية كمنطقة نفوذ للروس وحدهم. 
لكن يبدو ان الايرانيين، الذين يغيبون عن المحادثات الدولية المخصصة لسورية، لا يغيبون عن الأرض السورية، بل هم ينشغلون في تثبيت اقدامهم فيها، بغض النظر عن نتائج المؤتمرات الدولية والبيانات الصادرة عنها.

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

تفاهة المقاطعة الأكاديمية

حسين عبدالحسين

تحولت ندوة كان مقررا أن يتحدث فيها الفيلسوف جيف ماكماهان، في "الجامعة الأميركية في بيروت"، إلى جلبة وصخب أثاره بعض الطلاب ممن صرخوا ضد "التطبيع الثقافي" مع إسرائيل.

وعلى الرغم من أن ماكماهان أميركي من أصول إيرلندية ويعمل في جامعة أوكسفورد البريطانية، كانت زمالته في الجامعة العبرية في القدس كافية لدفع بعض الطلاب ووسائل الإعلام اللبنانية الموالية لإيران لاعتباره موظفا في الجامعة العبرية، أو إسرائيليا بالكامل؛ وهو ما تطلب، برأيهم، مقاطعته رفضا للتطبيع، وتمسكا بحق الفلسطينيين بالسيادة على كل الأرض، من النهر إلى البحر.

دفعت الغوغاء الطلابية منظمي الندوة من دائرة الفلسفة في "الجامعة الأميركية في بيروت" إلى محاولة تأكيد أن آراء ماكماهان قاسية بحق إسرائيل، وأنه يعتبر الحروب الإسرائيلية غير مبررة أخلاقيا، ويناصر الفلسطينيين. لكن هذا الدفاع، على قصوره، لم يثن الغوغاء الطلابية عن بث الفوضى.

تكمن مشكلة المدافعين عن حرية رأي ماكماهان في أنهم ربطوها برأيه، أي أنه يستحق الكلام لأنه مع الفلسطينيين ضد الإسرائيليين، فيما حرية الرأي مطلقة، غير مقيدة بفحوى أو مضمون الرأي، ولا هي مقيدة بهوية المتحدث، عربيا كان أم إسرائيليا.

اقرأ للكاتب أيضا: العدالة لجمال خاشقجي

وللإنصاف، لا ينفرد طلاب "الجامعة الأميركية في بيروت" في الغوغائية ومحاولات قمع حرية الرأي، بل هم يشتركون في غوغائيتهم مع مجموعات واسعة من المثقفين والجامعيين حول العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة وأوروبا. إذ كلما تم الإعلان عن ندوة أو حوار أو محاضرة لشخص لا يتفق الغوغاء مع آرائه، يعلنون حملة مقاطعة، ويخرجون في تظاهرات تصل أحيانا إلى حد الصراخ والتدافع وبعض العنف.

في الماضي القريب، حاول تنظيم طلابي إسلامي في "الجامعة الأميركية في بيروت" إقامة محاضرة عن المثلية الجنسية بمشاركة طبيب ممن يتمسكون بمقولة إن المثلية مرض نفسي يمكن الشفاء منه بالمعالجة. ثارت ثائرة بعض المجموعات، فتظاهرت، وصرخت، وشتمت، بدلا من أن يحضر المتمسكون بالرأي القائل إن المثلية حرية مثل الحريات البشرية الأخرى، وأن ينخرطوا في نقاش مع الطبيب الإسلامي المذكور.

وقبل أسابيع، أثارت دعوة مجلة "نيويوركر" الأميركية المستشار السابق للرئيس الأميركي، ستيف بانون، للمشاركة في مؤتمر استياء بعض المشاركين الآخرين، فهددوا بمقاطعة المؤتمر ما لم يتم تعليق الدعوة إلى بانون، فتراجعت المجلة اليسارية عن استضافة صاحب الرأي المخالف. والمستشار السابق من غلاة اليمين، وهو من الداعين إلى برنامج قومي في أميركا وأوروبا، وهو يعارض العولمة والهجرات والتجارة المفتوحة. آراء بانون معروفة، ولن يحجبها غيابه عن أي مؤتمر. كان الأجدى بالمقاطعين محاولة اغتنام فرصة مشاركته للانخراط في نقاش معه، ومحاولة إفحامه، وإظهار تهافت آرائه، أو التراجع أمام ما يقوله ـ إن ثبت تفوقه ـ وإعادة النظر بما يعتقده المقاطعون.

من غير المعروف من الذي ابتكر وعمّم اعتبار أن الحوار لا يكون بين المتخاصمين، بل بين الأصدقاء وحدهم! فالخصومة والمقاطعة والحرب تجري بسبب غياب الحوار، الذي يهدف لإنهاء الخصومة والحرب، أو على الأقل تنظيم الاختلاف في الرأي ووجهات النظر حتى لا يتطور الاختلاف إلى تضارب وعنف.

إن مناداة بعض العرب والفلسطينيين بمقاطعة إسرائيل، أو أي دولة أخرى تحلو لهم، هو في صميم حقوقهم السياسية. لكن المقاطعة وسيلة وليست هدفا، ومن أهدافها إجبار الخصم على الحوار للتوصل إلى تسوية، أو مواجهة خطر الخسائر المالية والمعنوية. أما مزج الاثنين ـ باعتبار الحوار جزء من المواجهة ـ فمشكلة.

والحوار غالبا ما يقتصر على النخبة بسبب تمتعها بالإمكانيات المطلوبة للمحاججة وفنون الكلام. أما تحويل المثقفين إلى "مقاومين" و"ممانعين" فهو يعني الطلب إليهم وضع إمكانياتهم الفكرية في خدمة المواجهة، وتحويلهم إلى أبواق دعائية، بدلا من الركون إليهم للخروج بأفكار خلاقة يمكنها أن تنهي المواجهة وتؤدي إلى تسوية.

ومع تحول المثقفين إلى "مقاومين" وغوغاء، تخلو ساحة القيادة الفكرية للديماغوجيين والشعبويين ممن يبنون زعاماتهم على الصراخ والعنف، وهو عنف ـ في حالة العرب ـ موجه في بعضه ضد الخصوم، وفي غالبيته ضد العرب الآخرين من أصحاب الرأي المغاير.


في السياق الجامعي، لا مشكلة في النقاش بين عرب وإسرائيليين، وهو نقاش لا يعني بالضرورة معادلة شهادات الجامعات الإسرائيلية في الدول العربية أو العكس، ولا يعني الاعتراف بوجود إسرائيل، على الرغم من أنه وجود معترف به في الأمم المتحدة ولدى غالبية حكومات العالم، بما فيها كبرى الحكومات الإسلامية والعربية، مثل تركيا ومصر.

إن الحوار بين الخصوم هو في أساس إنهاء الخصومة، أما من يسعون لإطالة الخصومة والصراع والانتقام، فهؤلاء لا تليق بهم ثقافة ولا جامعات.

الخميس، 25 أكتوبر 2018

مركز أميركي: الكويت الأكثر حرية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أظهرت نتائج استطلاع رأي صدرت عن مركز أبحاث أميركي أن «أكبر نسبة من المواطنين العرب ممن يعتقدون أن حرية الصحافة وحرية التعبير مكفولة في بلادهم هي في الكويت». 
وشمل استطلاع «الباروميتر العربي» 13 دولة عربية، تم التوجه إلى المستفتين فيها بسؤالين: الأول إن كانوا يعتقدون أن حرية الصحافة مكفولة في بلادهم، والثاني إن كانوا يرون أن حرية التعبير مكفولة أيضاً.
وأظهر الاستطلاع أن 82 في المئة من الكويتيين يعتقدون أن حرية الصحافة مكفولة في بلادهم، وان 84 في المئة يرون أن حرية التعبير مكفولة كذلك. وحلّ الأردن في المركز الثاني بنسبتي 74 و77 في المئة على التوالي، تلاه لبنان بنسبتي 72 و69 في المئة، وتونس بنسبتي 70 و72 في المئة، فيما جاء في المركزين الاخيرين كل من السودان (46 و41 في المئة)، وفلسطين (43 و40 في المئة). 
و«الباروميتر العربي» هو مجهود مشترك بين عدد من الجامعات الاميركية، منها برينستون العريقة، ويتلقى تمويله من عدد من المؤسسات الاميركية، مثل جامعات برينستون وهارفرد وميتشيغن، فضلاً عن وكالات حكومية أميركية وعربية.
وتحتل الكويت المركز الثالث في حرية الصحافة بالعالم العربي، خلف تونس ولبنان، حسب تصنيف جمعية «مراسلون بلا حدود»، كما يصنف مركز أبحاث «فريدوم هاوس» الأميركي الكويت في مرتبة «حرة جزئياً» مع لبنان والاردن، فيما يمنح تونس وحدها، عربياً، مرتبة «حرة» بالكامل، ويمنح بقية الدول العربية تصنيف «غير حرة». 
وتعتبر مراكز الأبحاث أن الحرية والديموقراطية تعانيان تراجعاً حاداً حول العالم، على مدى السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك في دول الغرب التي تسود فيها الديموقراطية الليبرالية. 
وكان مركز أبحاث «فريدوم هاوس»، قد حسم، في تقريره الأخير، 10 نقاط مئوية من تصنيف الولايات المتحدة، لتتراجع من 95 إلى 85 نقطة على سلم الحريات، عازياً خطوته إلى الهجوم المتواصل الذي يشنه الرئيس الاميركي دونالد ترامب ضد وسائل إعلامية واعلاميين، كما ضد خصومه السياسيين، وهو ما ينتقص من الحريات الأميركية بشكل عام، حسب المركز.

الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

تحسن لافت في العلاقات الأميركية - التركية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

ساهمت أزمة موت الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول، بتحسن كبير في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، خصوصا بعد قيام أنقرة بالإفراج عن القس الأميركي أندرو برونسون. 
وفي سياق التحسن في العلاقات، وصفت مصادر البيت الأبيض المحادثة الهاتفية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، مطلع هذا الأسبوع، بـ «الممتازة»، وقالت إنه مرّ زمن منذ كانت العلاقة بين واشنطن وأنقرة بهذا الدفء، وهو ما تزامن أيضا مع اتصال مشابه بين وزيري خارجية البلدين مايك بومبيو وداود جاويش أوغلو، ومع قيام مديرة «سي آي ايه» جينا هاسكل بزيارة إلى تركيا حيث عقدت لقاءات رفيعة المستوى، «لم تقتصر على قضية خاشقجي، بل تعدتها لتشمل مواضيع متعددة أخرى»، وفق ما أضافت المصادر. 
وتتابع المصادر أن المحادثات على أرفع المستويات شملت مواضيع متعددة، كان في صدارتها وعود تركية بإعادة النظر في شراء تركيا منظومة الدفاع الصاروخي الروسية «اس 400». 
وتركيا هي من حلفاء الولايات المتحدة القلائل الذين تسلموا مقاتلات «اف 35» الأميركية الأحدث طرازاً. 
وفي الشق العسكري أيضاً، من المتوقع أن تباشر القوات الأميركية المتمركزة في مناطق شرق الفرات في سورية بدوريات مشتركة مع نظيرتها التركية في المنطقة المحيطة ببلدة منبج الشمالية القريبة من حلب. وتقول المصادر الأميركية إن تفاهما أميركيا - تركيا حول سورية يقضي بقيام كل من الدولتين بالتمسك بالسيطرة على المناطق التي يسيطر عليها حاليا، الأميركيون في الشرق وتركيا في الشمال، وعدم تسليم هذه المناطق إلى السيادة السورية قبل التوصل إلى تسوية بين الرئيس السوري بشار الأسد ومعارضيه، تضمن انتقالاً للسلطة. 
سياسياً، تقول المصادر إن واشنطن تدرس إعادة النظر في التعريفات الجمركية التي كانت فرضتها على وارداتها من الحديد والفولاذ من تركيا. كما تدرس السيناريوات التي تمكنها من مواجهة أية أزمة قد تواجه الاقتصاد التركي، الذي يقترب من استحقاقات متعددة لناحية اقتراب موعد إعادة تغذية بعض ديون الدولة. 
وعلى وقع أنباء تحسن العلاقات، واصلت الليرة التركية تحسنها مقابل الدولار، وهو تحسن يعتقد الأميركيون أنه سيتواصل، وإن ببطء، في الأسابيع القليلة المقبلة. 
ختاما، تشير مصادر واشنطن إلى أنه يمكن لتركيا أن تلعب دورا محوريا في إنجاح العقوبات الأميركية على إيران، والتي يدخل الشق الثاني منها، وهو الأقسى، حيز التنفيذ في الرابع من الشهر المقبل. 
وفي هذا الإطار، يسعى الأميركيون إلى تكثيف جهودهم الديبلوماسية لإبقاء معدلات ضخ النفط العراقي شمالاً عبر الأراضي التركية في أقصاها، بواقع 600 ألف برميل يومياً، في وقت يحتل العراق المركز الثاني في معدلات إنتاجه وتصديره في مجموعة دول «أوبك» حاليا. ويمكن لزيادة الصادرات النفطية العراقية أن تساهم في التعويض عن عملية تصفير الصادرات النفطية الإيرانية من دون أن يؤدي ذلك لاهتزازات في سعر النفط العالمي. 
وكانت صادرات العراق النفطية عبر تركيا انخفضت إلى 150 ألف برميل يوميا، قبل أيام، بعد انتزاع الجيش السيطرة على حقول نفط في كركوك كانت بعهدة البيشمركة الكردية.

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

العدالة لجمال خاشقجي

حسين عبد الحسين

فيما تتباحث عواصم العالم في كيفية التعامل مع مقتل الصحافي جمال خاشقجي، لابد من تصحيح بعض الآراء التي انخرطت في النقاش، ربما من باب التشويش.

إن العدالة في قضية خاشقجي وإنزال العقاب بالمسؤولين عن مقتله، هي الهدف الوحيد؛ لا لأنه كان صحافيا ولا لأنه كان سعوديا ولا لأنه كان مقيما في الولايات المتحدة، بل لأنه مظلوم ولأن تغاضي البشر عن مقتل أبرياء ينتقص من حضارتنا الإنسانية، وينتقص من ثقتنا ببعضنا البعض وبحكوماتنا، وبالأنظمة البشرية التي أقمناها وطلبنا بموجبها من الناس التخلي عن استخدامهم العنف ضد بعضهم البعض، والوثوق بأن النظام البشري يحميهم، ويقتص ممن يعتدي عليهم.

لا يهم إن كان جمال خاشقجي من "الإخوان المسلمين"، ولا يهم إن كانت آراؤه متعاطفة مع آرائهم البائسة. لا يهم إن كان هو حسن البنا نفسه، كما لا يهم إن كان خاشقجي معاديا لإسرائيل أو للسامية. طالما أن حكما لم يصجدر بحقه، فهو بريء، وأمنه وأمانه من أمننا وأماننا، فردا فردا على هذا الكوكب. حتى أعتى قادة النازية من المجرمين الذين اصطادتهم الدول، لم تقتلهم اغتيالا ولا انتقاما، بل أحضرتهم أمام محاكم استمعت لأقوالهم في دفاعهم عن أنفسهم.

لا يهم إن كانت العدالة لجمال خاشقجي ستنهي عقودا تسليحية بقيمة مئات مليارات الدولارات بين الولايات المتحدة والسعودية؛ ولا يمكن أن تكون الإجابة حول الاقتصاص من المسؤولين عن موت خاشقجي إجابة فيها أرقام عن الدولارات أو عن عدد الوظائف الأميركية، إذ أننا عندما نربط العدل بالمصالح، تنتهي العدالة وتصبح الأرزاق مجبولة بدماء الأبرياء.


لا يهم إن كانت العدالة ستؤدي إلى زعزعة التحالف الدولي القائم ضد إيران، فنحن ضد النظام الإيراني لأنه يقتل من يعارضونه حول العالم، ولا سبب لاستمرار التحالف ضده إن كان هذا التحالف سيتبنى أساليبه وألاعيبه. نحن في تحالف دولي ضد إيران لأن مبادئنا أقوى من مبادئها، ولأننا نتمسك بالحرية والعدالة، فيما هي تنافق.

نحن ضد حكومات وحكام إيران وروسيا والصين، لأننا نريد إخضاعهم لنفس المحاسبة التي نخضع أنفسنا وحكوماتنا لها، فإن تعذر إخضاع أنفسنا لقوانين العدالة، كيف نفرضها على الآخرين؟

نحن مع العدالة لخاشقجي، بغض النظر عما تبثه "قناة الجزيرة" القطرية، وبغض النظر عما يسربه مسؤولو الحكومة التركية.

خاشقجي مات، والقصاص لمن تسبب بمقتله هو الهدف. أما الأزمات العالمية والأميركية والخليجية، ورئيس روسيا فلاديمير بوتين، وصعود الصين عالميا، فهذه من باب الثرثرة السياسية، وهي ثرثرة يجب أن تبقى بعيدة عن العدالة، وأن تصمت في حضرة الموت.

إن رمز العدالة هو سيدة تحمل ميزانا وترتدي عصبة على عينيها. هدف العصبة هو عدم الانحياز، وعدم التأثر بالتشويش السياسي والتجاري والمصالحي وغيره.

من عايش "انتفاضة الاستقلال" في لبنان، قبل عقد أو أكثر، قد يتذكر الشعور بالفاجعة الذي كان يصيب كثيرين في ما كان يعرف بـ"تحالف 14 آذار"، وهو قد يكون واحدا من الحركات السياسية التي تعرضت لأكبر عدد من الاغتيالات في التاريخ المعاصر. اغتيل رفيق، ثم سمير، ثم جورج، ثم جبران، ثم بيار، ثم وليد، ثم انطوان، ثم فرنسوا، ثم وسام، فوسام آخر، ثم محمد. تنظر إلى وجوه أقرباء المغدورين وأصدقائهم بعد كل اغتيال، تراها صفراء لا دماء فيها. الأمهات والأرامل يبكين، وأعدادهن تتزايد. شعور بالعجز أمام قاتل يقتل ويرحل. بلا رسالة، ولا بيان. لم نعرف لم قتل من قتلهم، ولم نعرف من الذي كان سيقتله بعد كل اغتيال. كل ما عرفناه هو أن رسالة القاتل كانت واحدة: اخرسوا!

اقرأ للكاتب أيضا: رأي الجماعة والرأي الآخر

على عكس كثيرين ممن كتبوا في رثاء خاشقجي، أنا لم ألتقه يوما، ولم أكن من المعجبين بكتاباته العربية. لكني أريد العدالة في قضيته، ليس من أجله وأجل عائلته وأحبابه فحسب، وإنما من أجلنا جميعا، فلا حكمة ولا حكومة بلا عدالة، ولا عدالة بلا حساب للمرتكبين.

هذه السطور ليست اتهاما للسعودية، ولا لتركيا، ولا للولايات المتحدة؛ فالاتهام يكون في المحكمة، لا في المقالات. هذه السطور هي دعوة إلى تحقيق عدالة تسمح لنا أن نعلّم أولادنا أن الشر لا يمر من دون حساب، وأن عليهم أن يتواصوا بالحق، وأن يتمسكوا بالعدل.

السبت، 20 أكتوبر 2018

ترامب والجمهوريون يخشون خسارة الكونغرس

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قبل نحو 17 يوماً على موعد الانتخابات النصفية المقررة في السادس من نوفمبر المقبل، يجد الرئيس دونالد ترامب نفسه وحزبه الجمهوري في مأزق، اذ تظهر استطلاعات الرأي حتمية خسارتهما مجلس النواب في الكونغرس، فيما تحتدم المعركة بين الحزبين على مجلس الشيوخ، الذي تسعى الغالبية الجمهورية للاحتفاظ بسيطرتها عليه. 
ومن شأن خسارة الجمهوريين لأي من غرفتي الكونغرس، ان يعطي الديموقراطيين اداة يمكنها تعطيل غالبية مشاريع ترامب، خصوصا في شؤون الاقتصاد. لكن بقاء مجلس الشيوخ في ايدي الجمهوريين يحفظ للرئيس الأميركي امكانية السيطرة على التعيينات المختلفة في الوزارات، وفي المناصب القضائية الفيديرالية، بما فيها مقاعد المحكمة الفيديرالية العليا التسعة، في حال تعذر استمرار أي من القضاة الحاليين لأي سبب طارئ. 
في انتخابات النواب، يجمع الخبراء الاميركيون والناشطون من الحزبين ان «موجة انتخابية زرقاء»، اي ديموقراطية، مقبلة، ومن شأنها ان تطيح بسيطرة الجمهوريين على هذه الغرفة في الكونغرس. كما تظهر استطلاعات الرأي تقدم الديموقراطيين في الانتخابات المحلية للولايات، بما في ذلك احتمال انتزاعهم منصب محافظ في ست ولايات، فضلا عن انتزاعهم السيطرة على المجالس التشريعية المحلية، وهو ما يقلص من سطوة الجمهوريين في عموم البلاد في المدى المنظور. 
الى الموجة الشعبية الديموقراطية المقبلة، يتحدث الاميركيون عن كمية التبرعات الانتخابية الهائلة التي اغدقتها قاعدة الحزب على قيادته. والاموال هذه تأتي من «متبرعين صغار»، وتراوح بين ثلاثة و20 دولاراً للمتبرع الواحد، فيما يستند الحزب الجمهوري إلى عطايا كبار المتمولين من اصدقاء الحزب، مثل شيلدون اديلسون، اليهودي الاميركي صاحب كازينوات القمار في لاس فيغاس وصديق رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو. 
وكان الجمهوريون نجحوا، في العام 2008، في الاستحصال على حكم من المحكمة الفيديرالية العليا قضى بالسماح بنسف سقف التبرعات الانتخابية، والسماح للشركات والجمعيات بالتبرع، وهو ما يسمح للمتمولين الكبار بالتبرع مع الاختباء خلف اسماء جمعيات وهمية. لكن على الرغم من اصدقائهم المتمولين، يعاني الجمهوريون في الدورة الانتخابية الحالية من حماسة غير مسبوقة لدى الاميركيين العاديين في التبرع للحزب الديموقراطي. 
ورغم تمركز المتمولين خلف الجمهوريين، حقق الديموقراطيون رقما قياسيا تمثل في جمعهم اكثر من مليار دولار في هذه الدورة الانتخابية، مقارنة بـ700 مليون جمعها الجمهوريون. وكان الرقم القياسي الماضي حققه الجمهوريون في انتخابات العام 2012، والتي جمعوا فيها 900 مليون دولار. 
وكان بعض الولايات افتتحت مراكز اقتراع التصويت المبكر، وهذه اظهرت اقبالاً غير مسبوق لدى الناخبين بنسبة ثلاثة اضعاف معدل الدورات الماضية. والاقبال على الانتخاب هو في مصلحة الحزب الديموقراطي، الذي يتمتع بغالبية عددية، بما في ذلك تفوق مرشحتهم الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون على منافسها ترامب بأربعة ملايين صوت، ومع ذلك، منيت بخسارة بسبب قانون الكلية الانتخابية الاميركي المعقد. 
ولعلمهم ان الغالبية الشعبية تساند الديموقراطيين، ولعلمهم ان الحماسة بين انصار الديموقراطيين في أعلى مراحلها بسبب الغضب العارم على ترامب وسياساته، راح الجمهوريون - عبر محازبيهم ممن يشغلون مناصب في الحكومات المحلية - يصدرون قوانين متشددة في الاوراق الثبوتية المطلوبة في اقلام الاقتراع، وهو ما يجعل من الاصعب على الديموقراطيين، الذين تأتي غالبية ناخبيهم من طبقات اقل اقتدارا، على الانفاق للاستحصال على اوراق هوية محدثة. 
وفي ولاية جورجيا وحدها، قام المسؤول عن تنظيم الانتخابات، وهو مرشح جمهوري الى منصب محافظ، بشطب 50 الف ناخب من الاميركيين من أصل افريقي، وهؤلاء يقترعون بغالبيتهم الساحقة لمصلحة الديموقراطيين. وكذلك في ولاية نورث داكوتا، عمد المسؤولون الجمهوريون إلى اصدار قانون يفرض على الناخبين تقديم هوية تظهر مكان الاقامة، وهو ما يتعذر على السكان الاصليين من افراد القبائل ممن يعيشون في محميات لا اسماء شوارع فيها، ما يلغي اصوات 30 الفاً من الناخبين من سكان الولاية البالغ عددهم 670 الفاً، وما يعطي الجمهوريين افضلية. الا ان الديموقراطيين سعوا، بالتنسيق مع القبائل، إلى استصدار هويات حديثة للسماح للاميركيين الاصليين بالاقتراع.

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2018

الفساد ينخر الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية

حسين عبدالحسين

الصديقة ليزا، ديبلوماسية سابقة في وزارة الخارجية الأميركية. عملت على مدى سنوات على الأزمة في سورية، وهو ما تطلب منها القيام بعدد كبير من الرحلات العابرة للقارات. تشكي ليزا أن الحكومة الأميركية تجبر ديبلوماسييها على السفر في كابينة "الدرجة السياحية"، التي تفرض مقاعدها الضيقة على المسافرين التلاصق إلى حد العناق.

وفي كتابه الأخير، يروي السفير الأميركي السابق في روسيا مايكل ماكفول، أن الحكومة تمنح السفراء وعائلاتهم بطاقات درجة "رجال الأعمال" في الرحلتين الأولى والأخيرة لهم إلى العاصمة التي يتم تعيينهم فيها. أما الرحلات الكثيرة التي قام بها ماكفول، أثناء عمله سفيرا، فكانت في مقصورة "الدرجة السياحية"، على الرغم من أن مدة الرحلة بين واشنطن وموسكو تقارب الساعات العشر.

شروط التقشف المفروضة على العاملين في الحكومة الأميركية تطال كذلك رحلات العاملين في أي مؤسسة غير حكومية تنفذ برامج بتمويل حكومي، مثل مؤسسات التنمية البشرية، وهو ما يثير السؤال التالي: كيف يطلب "البنك الدولي" من حكومات العالم محاربة الفساد وترشيد الإنفاق، فيما يطير موظفوه في درجة "رجال الأعمال" الباهظة الثمن؟ ولماذا يتقاضى رئيس "البنك الدولي" راتبا يبلغ 120 في المئة راتب رئيس الولايات المتحدة؟

و"البنك الدولي" ليس وحيدا في البذخ، بل هو كما "صندوق النقد الدولي" والأمم المتحدة، يقدمون عقودا وظيفية تجعل أكثر حكومات العالم فسادا في العالم تبدو متقشفة. فالعاملون في "البنك" أو "الصندوق" أو الأمم المتحدة يفيدون من تعويضات سكن وطب وتعليم للأولاد بالغة السخاء، فضلا عن إجازات سنوية يكاد يبلغ عدد أيامها عدد أيام العمل، وغيرها من التقديمات الفائقة الكرم الممولة من جيوب دافعي ضرائب الدول المانحة.

والبذخ ليس المشكلة الوحيدة في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، بل هو يقترن بفساد ومحاباة، إذ لا يحاسب الأمم المتحدة و"البنك" و"الصندوق" هيئات منتخبة أو مسؤولة، وتقتصر المراقبة على "التدقيق الداخلي"، وغالبا ما تكون تقارير المراقبة غامضة وغير مفهومة. لذا، لم يكن مستغربا أن يتورط ابن أمين عام راحل للأمم المتحدة في صفقة نفط مقابل غذاء مع حكومة العراق في زمن صدام حسين. وليس مستغربا أن يمنح بعض رؤساء "البنك الدولي" المتعاقبون صديقاتهم، أو حتى عشيقاتهم البديلات لزوجاتهم، عقود عمل ووظائف، ويطلقون أيدي العشيقات في توظيف الأصدقاء والمحاسيب والأزلام.

حسنا فعلت حكومة الولايات المتحدة بوقف تمويل بعض مغارات اللصوصية في الأمم المتحدة، وحسنا تفعل الولايات المتحدة إن هي انقضّت على هذه المؤسسات العالمية التي تحولت إلى إمارات يديرها أحيانا فاسدون، وأحيانا متحرشون جنسيا. وعلى هذه المؤسسات الدولية الاقتداء بمحاضرات الحوكمة الرشيدة وترشيق الإنفاق التي تعطيها لحكومات العالم. وفي هذا الباب، علينا التساؤل: كيف يمكن لـ"البنك الدولي" إسداء نصائح لحكومات العالم بتعيين أشخاص أكفاء وذوي اختصاص في وزاراتهم ومناصبهم، فيما البنك نفسه ـ يتولى إدارة مشاريع اقتصاد وتنمية ـ يديره طبيب؟

ليست المطالبة بالإطاحة بعشرة طوابق من مبنى الأمانة العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك من باب الافتراء على المنظمة الدولية أو تقويض القانون الدولي، بل هي مطالبة بإخضاع هذه المنظمات الدولية لمراقبة ولقوانين مشابهة للتي يخضع لها من يشغلون وظائف حكومية مشابهة في الدول المانحة، إذ لا يجوز الإغداق في الإنفاق على متخصصين يفترض أنهم انضموا للأمم المتحدة أو البنك الدولي بدوافع إنسانية، ثم الادعاء أن إغراءهم بحوافز مالية هدفه منافسة القطاع الخاص الذي يسعى خلف هذه الخبرات.

العاملون في حكومات دولهم لا يعملون في الغالب للكسب المالي، بل يقدمون سنوات من عمرهم، وأحيانا عمرهم بأكمله، في خدمة وطنهم، وإن برواتب أقل من نظرائهم في القطاع الخاص. وبالطريقة نفسها، على العاملين في الأمم المتحدة و"البنك الدولي" و"صندوق النقد" النظر إلى وظيفتهم كشرف في خدمة الكوكب، ومحاربة الفقر، ومكافحة الفساد، ونشر التعليم، لا التوقع بأن ثمن خبرتهم في خدمة الإنسانية توازي ما يمكن أن يتقاضونه في القطاع الخاص! فإذا كانت ليزا تطير في "درجة سياحية" للتخفيف من وطأة الكارثة السورية على اللاجئين وللتسريع في إنهائها، فلا شك أنه يمكن للعاملين في "البنك الدولي"، ممن يسعون لبناء شبكة مياه حديثة للباكستانيين مثلا، أن يتكبدوا كذلك بعض العناء من دون أن يكلفّونا، نحن دافعي الضرائب حول العالم، ثمن رفاهيتهم الفارهة، أو، فلنعطي أموالنا لمؤسسات القطاع الخاص مباشرة ونطلب منهم مكافحة الفقر ومحو الأمية.

اقرأ للكاتب أيضا: تونس الكرامة وبصيص الأمل

قبل أعوام قليلة، أعلن رئيس "البنك الدولي" عطلة لبضعة أيام بهدف "رفع المعنويات المتدهورة" للموظفين. لم يلاحظ العالم غياب "البنك" ولا موظفيه، بالطريقة نفسها التي لن يلاحظ أحد فيها الإطاحة بعشرة طوابق أو أكثر من مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.

على هذه المؤسسات الدولية الإصلاح الفوري والخضوع لمراقبة خارجية، وإن تعذّر، فلتحل نفسها!

الاثنين، 15 أكتوبر 2018

هل يوافق الأسد على بيع الجولان؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تتداول الأوساط الأميركية المعنية بشؤون الشرق الأوسط، عرضاً إسرائيلياً إلى الرئيس السوري بشار الأسد يقضي بشراء تل أبيب أجزاء واسعة من هضبة الجولان، التي تحتلها الدولة العبرية منذ العام 1967.
وبموجب العرض، يحصل الأسد على «عشرات مليارات الدولارات، شرط أن تكون مخصصة لعملية إعادة البناء، وهو ما يسمح بعودة اللاجئين إلى بلداتهم وقراهم المدمرة».
ويقوم العرض على الأخذ بالاعتبار المصلحة القومية لكل الدول المعنية وحكوماتها، وهذه الدول هي، إلى إسرائيل، روسيا وسورية برئاسة الأسد، فضلا عن لبنان والأردن وتركيا والدول التي تستضيف لاجئين سوريين. أما الخاسر الوحيد من الخطة الإسرائيلية، فهي إيران، وحليفها «حزب الله»، التي تتمحور الخطة على طرد قواتهما من سورية، وإنهاء الارتباط بين هذه القوات والأسد. وتعتبر الخطة أن لروسيا مصلحة في تثبيت وجودها العسكري في قاعدتي حميميم وطرطوس، وتقليص تكاليفها العسكرية الناتجة عن الحرب، وتثبيت حليفها الأسد في السلطة، مع ما يعنيه ذلك من حاجته الماسة لأموال إعادة البناء.
أما لبنان والأردن وتركيا، فالإفادة الأكبر لهذه الدول تتمثل بتثبيت الوضع الأمني في دولة مجاورة لها، فضلا عن عودة اللاجئين، الذين يكبدون موازنات بيروت وعمّان وأنقرة أموالاً طائلة.
وفي سياق الخطة، كتب العقيد احتياط في استخبارات الجيش الإسرائيلي أوري هالبرين مقالة اعتبر فيها أن من الصعب أن يوافق الكونغرس على أي تطبيع ديبلوماسي مع الأسد، وهو ما يحرمه من أي أموال يحتاجها لإعادة الإعمار. لكن «خطة سلام إسرائيلية - سورية تتطلب التفاوض مع المستبدين من أجل تحقيق أهداف جيواستراتيجية كبرى». ويعتبر هالبرين، أنه إذا تبنت أميركا وروسيا معادلة «الأرض مقابل المال، تقوم إسرائيل بالانسحاب من مواقع أساسية في الجولان، ويتم تعويض سورية عن الأراضي المتبقية (تحت السيادة الإسرائيلية) بمبلغ كبير».
مصدر الأموال التي ستشتري بموجبها إسرائيل بعض أراضي الجولان، وتالياً السلام مع الأسد، ستأتي من إسرائيل، وكذلك من «الشركاء في الاتفاقية»، أي من أميركا وأوروبا وبعض الدول الأخرى.
ويعتقد هالبرين أن الانسحاب الإسرائيلي من الجولان يسحب الذرائع من إيران، التي تسعى لإقامة بنية تحتية في جنوب سورية محاذية للهضبة المحتلة. ومن شأن الانسحاب الإسرائيلي من الجولان أن يتضمن انسحاباً مشابهاً من مزارع شبعا المتنازع عليها بين لبنان وسورية، والتي تحتلها إسرائيل حاليا. ومع الانسحاب الإسرائيلي من المزارع، يتم سحب المزيد من الذرائع التي يستند إليها «حزب الله» في عمله المسلح، ويسمح بالتوصل لاتفاقية سلام إسرائيلية مع لبنان، ومع دول عربية أخرى.

الأحد، 14 أكتوبر 2018

الرئيس الاميركي يصف ماتيس بالمتعاطف مع الديموقراطيين

واشنطن - من حسين عبدالحسين

هزّ وصف الرئيس دونالد ترامب، الجمهوري، وزير دفاعه جيمس ماتيس بالمتعاطف مع الحزب الديموقراطي أوساط وزارة الدفاع والشؤون الخارجية في العاصمة الاميركية.

وكان ترامب رفض تأكيد بقاء ماتيس في منصبه، وقال في مقابلة اجرتها معه قناة ”سي بي اس“ التلفزيونية ان ”الجميع يرحلون في واشنطن، وان لا احد يبقى في منصبه“. وقال ترامب انه كان تناول وجبة غداء مع ماتيس قبل يومين من المقابلة، وان وزير دفاعه رجل جيد. لكن الرئيس الاميركي رفض تأكيد بقاء الوزير في منصبه، وقال انه لا يعرف ما هي خطط ماتيس او ان كان الاخير ينوي الرحيل.

وفي وصف ترامب لماتيس، وهو جنرال متقاعد، بالمتعاطف مع الحزب الديموقراطي، سابقة، اذ ان الاعراف السياسية في الولايات المتحدة تقضي بتفادي الحديث عن حزبية الضباط والديبلوماسيين، واعتبار ان وطنيتهم تسمو على الحزبية، اذ هم يخدمون بلادهم بغض النظر عن الهوية الحزبية لرئيسها وحكومته.

وماتيس هو أقدم المسؤولين في ادارة ترامب، وهو كان حصل اثناء المصادقة على تعيينه في مجلس الشيوخ على ما يشبه الاجماع من مشرعي الحزبين الجمهوري الحاكم والديموقراطي المعارض. والمعروف عن ماتيس شجاعته وذكائه في المعارك التي شارك فيها في الحروب الماضية في يوغوسلافيا السابقة والخليج، وهو كان من الداعين لتوجيه ضربات عسكرية الى الداخل الايراني للرد على قيام الميليشيات العراقية الموالية لايران بقتل جنود اميركيين في العراق، ما دفع الرئيس السابق باراك أوباما، وهو من الديموقراطيين، الى الاطاحة به من منصبه قائدا للمنطقة الوسطى في الجيش الاميركي.

لكن اندفاعة ماتيس ضد ايران، اثناء عمله ضابطا، توقفت بعد تبوأه منصب وزير دفاع، اذ ان الوزير الاميركي يعتقد اليوم ان العمل العسكري مطلوب فقط في حال تعذرت الديبلوماسية، او في حالة الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وجنودها ومواطنيها حول العالم. لكن ماتيس يكره المغامرات العسكرية وفتح جبهات جديدة بدون اهداف سياسية واضحة في الأفق. 

ويتردد في اروقة القرار الاميركي ان مستشار الأمن القومي جون بولتون، وهو من الاكثر تشددا بين الصقور في الادارة، يرى في ماتيس عائقا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، خصوصا في الشرق الاوسط. ويرغب بولتون في التعويل الاكبر على القوة العسكرية الاميركية لتحقيق اهداف سياسية، خصوصا في الضغط على ايران وحلفائها في سورية والعراق. 

تصريحات ترامب حول ماتيس فاجأت اوساط السياسة الخارجية للولايات المتحدة، في وقت علّق كثيرون بالقول ان تلميحات ترامب قد لا تؤدي بالضرورة الى التخلص من وزير الدفاع، خصوصا في حال خسر حزبه الجمهوري الغالبية في الكونغرس في الانتخابات المقررة في السادس من المقبل، ما من شأنه ان يضعف الرئيس سياسيا ويدفعه الى التمسك بمن في فريقه بدلا من خوض معارك سياسية للحصول على موافقة من كونغرس ذات غالبية ديموقراطية لاستبدال وزرائه الحاليين بوزراء جدد.

الخميس، 11 أكتوبر 2018

أميركا تمضي عبر 3 نقاط محورية في سياسة مواجهة إيران

حسين عبدالحسين

تكاد السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب، ان تنحصر بمواجهة إيران، وهي سياسة تتمحور حول ثلاث نقاط: الاولى هي «تصفير» صادراتها النفطية، والثانية فرض عقوبات على ايران وعلى ما تسميه واشنطن «اذرعها حول العالم»، والثالثة انهاء او تجميد الصراعات التي يمكن لطهران فرض نفوذ عبرها، خصوصا في افغانستان والعراق. 
على ان كل واحدة من هذه النقاط الثلاثة هي بمثابة سياسة قائمة بذاتها، تعمل عليها «فرق مشتركة» من وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي التابع للبيت الابيض، فضلا عن وزارتي الخزانة والعدل المنهمكتين في مطاردة مصادر تمويل الارهاب وتبييض الاموال، التي تلجأ اليها إيران للالتفاف على العقوبات الأميركية. 
في «تصفير» الصادرات النفطية، تشير مصادر الادارة الأميركية الى ان واشنطن نجحت في تحقيق انجازين: الأول يتمثل في توصل الرياض مع موسكو لاتفاق على زيادة انتاجيهما للنفط، بواقع نصف المليون برميل يومياً، وهو ما من شأنه ان يؤدي للتعويض عن اخراج صادرات إيران من السوق النفطية. 
وكان ترامب حثّ خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في اتصال هاتفي بينهما قبل اسبوعين، على زيادة الانتاج النفطي السعودي لتثبيت سعر البرميل عالميا، على الرغم من اخراج الايرانيين. 
ويعتقد الخبراء، ان لدى الرياض امكانية ضخ مليون إلى مليون ونصف المليون برميل نفط اضافية يوميا للتعويض عن النفط الايراني، لكن بعض المسؤولين الاميركيين يعتقدون ان الرياض قد تتأخر في تلبية السوق العالمية لان لها مصلحة في رفع سعر البرميل، الذي كان بلغ سعره مستواه الادنى في السنتين الماضيتين، قبل ان يعاود الارتفاع في الاشهر القليلة الماضية. 
الانجاز الثاني الذي حققته واشنطن، تمثل في الحصول على وعد بكين بوقف وارداتها النفطية من ايران بالكامل. والصين كانت الدولة الوحيدة القادرة على استيراد النفط الايراني من دون ان تتأثر بالعقوبات، ما يعني ان تراجع بكين يغلق آخر سوق نفطية خارجية في وجه الايرانيين.
الانجاز الثالث الذي يسعى الى تحقيقه الديبلوماسيون الاميركيون يتمثل في محاولتهم التواسط للتوصل الى تسوية بين الكويت والسعودية لاستئناف انتاج النفط في المنطقة المقسومة على الحدود بين البلدين. ويعتقد الخبراء انه يمكن لهذه المنطقة اضافة نصف المليون برميل اضافية الى السوق. صحيح ان الولايات المتحدة لا تستورد النفط الكويتي على شكل واسع، الا ان رفد السوق بهذه البراميل الاضافية يؤدي الى خفض السعر عالمياً، وهو ما يفيد الاقتصاد الاميركي بشكل غير مباشر. 
ومن المعروف ان سعر النفط يؤثر في الحظوظ الانتخابية للمرشحين الاميركيين، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية في السادس من نوفمبر المقبل. ومن شأن ارتفاع سعر النفط ان يضعضع شعبية الحزب الجمهوري الحاكم، وان يعطي الحزب الديموقراطي المعارض حظوظا اكبر، والعكس صحيح. 
المحور الثاني في السياسة الأميركية لمواجهة ايران مبني على مطاردة «اذرع ايران» العسكرية والاستخباراتية والمالية حول العالم، وذلك عبر فرض عقوبات تستهدف اشخاصا، كان آخرها اللبناني المدعو محمد عبدالله الأمين، والذي تعتقد واشنطن ان اعماله تتم في دول افريقية ذات انتشار لبناني، وانه يساهم في تبييض الاموال لمصلحة «حزب الله» والايرانيين بشكل عام. 
وتقول المصادر الأميركية ان لدى وزارة الخزانة لائحة طويلة من «المرتبطين» بايران وحلفائها في المنطقة، وان العقوبات ستطولهم جميعا من دون استثناء، وان الغالبية من هؤلاء هم من اللبنانيين المقيمين في لبنان وكذلك من المغتربين. 
المحور الثالث للسياسة الأميركية في مواجهة ايران يقضي بالتوصل الى تسويات او انهاء صراعات في الدول المجاورة لايران، خصوصا افغانستان، التي يزورها وفد اميركي برئاسة المبعوث الرئاسي زلماي خليلزاد، وفي العراق، الذي يعتقد الاميركيون، انه يشهد تراجعا لحلفاء ايران وتقدما للوجوه المستقلة والبيروقراطيين، كما بدا في انتخاب برهم صالح رئيسا واختيار عادل عبدالمهدي رئيسا للحكومة. 
ويرى المسؤولون في ادارة ترامب ان تقليص مساحة الصراعات الشرق اوسطية يقلّص من الاوراق التي يمكن لايران استخدامها للرد على السياسة الأميركية القاسية ضدها، وانه مع التوصل الى تسويات في هذه الدول التي يمكن للايرانيين التلاعب بها، تكون واشنطن نجحت في انتزاع بعض عناصر القوة الايرانية. 
أميركا تريده نظاماً ايرانياً معزولاً دولياً واقتصادياً ومفلساً مالياً، وهي سياسة يقودها ترامب ولكن من المرجح ان تستمر حتى في حال وصول رئيس من الديموقراطيين الى البيت الابيض. اما في حال قررت ايران المواجهة مباشرة، مثل عسكرياً، فقد تكون تلك فرصة يتحينها الصقور في واشنطن والعواصم الغربية للانقضاض على النظام الايراني وتكبيده اكبر خسائر، على أمل اجباره على الرحيل.تكاد السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب، ان تنحصر بمواجهة إيران، وهي سياسة تتمحور حول ثلاث نقاط: الاولى هي «تصفير» صادراتها النفطية، والثانية فرض عقوبات على ايران وعلى ما تسميه واشنطن «اذرعها حول العالم»، والثالثة انهاء او تجميد الصراعات التي يمكن لطهران فرض نفوذ عبرها، خصوصا في افغانستان والعراق. 
على ان كل واحدة من هذه النقاط الثلاثة هي بمثابة سياسة قائمة بذاتها، تعمل عليها «فرق مشتركة» من وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي التابع للبيت الابيض، فضلا عن وزارتي الخزانة والعدل المنهمكتين في مطاردة مصادر تمويل الارهاب وتبييض الاموال، التي تلجأ اليها إيران للالتفاف على العقوبات الأميركية. 
في «تصفير» الصادرات النفطية، تشير مصادر الادارة الأميركية الى ان واشنطن نجحت في تحقيق انجازين: الأول يتمثل في توصل الرياض مع موسكو لاتفاق على زيادة انتاجيهما للنفط، بواقع نصف المليون برميل يومياً، وهو ما من شأنه ان يؤدي للتعويض عن اخراج صادرات إيران من السوق النفطية. 
وكان ترامب حثّ خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في اتصال هاتفي بينهما قبل اسبوعين، على زيادة الانتاج النفطي السعودي لتثبيت سعر البرميل عالميا، على الرغم من اخراج الايرانيين. 
ويعتقد الخبراء، ان لدى الرياض امكانية ضخ مليون إلى مليون ونصف المليون برميل نفط اضافية يوميا للتعويض عن النفط الايراني، لكن بعض المسؤولين الاميركيين يعتقدون ان الرياض قد تتأخر في تلبية السوق العالمية لان لها مصلحة في رفع سعر البرميل، الذي كان بلغ سعره مستواه الادنى في السنتين الماضيتين، قبل ان يعاود الارتفاع في الاشهر القليلة الماضية. 
الانجاز الثاني الذي حققته واشنطن، تمثل في الحصول على وعد بكين بوقف وارداتها النفطية من ايران بالكامل. والصين كانت الدولة الوحيدة القادرة على استيراد النفط الايراني من دون ان تتأثر بالعقوبات، ما يعني ان تراجع بكين يغلق آخر سوق نفطية خارجية في وجه الايرانيين.
الانجاز الثالث الذي يسعى الى تحقيقه الديبلوماسيون الاميركيون يتمثل في محاولتهم التواسط للتوصل الى تسوية بين الكويت والسعودية لاستئناف انتاج النفط في المنطقة المقسومة على الحدود بين البلدين. ويعتقد الخبراء انه يمكن لهذه المنطقة اضافة نصف المليون برميل اضافية الى السوق. صحيح ان الولايات المتحدة لا تستورد النفط الكويتي على شكل واسع، الا ان رفد السوق بهذه البراميل الاضافية يؤدي الى خفض السعر عالمياً، وهو ما يفيد الاقتصاد الاميركي بشكل غير مباشر. 
ومن المعروف ان سعر النفط يؤثر في الحظوظ الانتخابية للمرشحين الاميركيين، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية في السادس من نوفمبر المقبل. ومن شأن ارتفاع سعر النفط ان يضعضع شعبية الحزب الجمهوري الحاكم، وان يعطي الحزب الديموقراطي المعارض حظوظا اكبر، والعكس صحيح. 
المحور الثاني في السياسة الأميركية لمواجهة ايران مبني على مطاردة «اذرع ايران» العسكرية والاستخباراتية والمالية حول العالم، وذلك عبر فرض عقوبات تستهدف اشخاصا، كان آخرها اللبناني المدعو محمد عبدالله الأمين، والذي تعتقد واشنطن ان اعماله تتم في دول افريقية ذات انتشار لبناني، وانه يساهم في تبييض الاموال لمصلحة «حزب الله» والايرانيين بشكل عام. 
وتقول المصادر الأميركية ان لدى وزارة الخزانة لائحة طويلة من «المرتبطين» بايران وحلفائها في المنطقة، وان العقوبات ستطولهم جميعا من دون استثناء، وان الغالبية من هؤلاء هم من اللبنانيين المقيمين في لبنان وكذلك من المغتربين. 
المحور الثالث للسياسة الأميركية في مواجهة ايران يقضي بالتوصل الى تسويات او انهاء صراعات في الدول المجاورة لايران، خصوصا افغانستان، التي يزورها وفد اميركي برئاسة المبعوث الرئاسي زلماي خليلزاد، وفي العراق، الذي يعتقد الاميركيون، انه يشهد تراجعا لحلفاء ايران وتقدما للوجوه المستقلة والبيروقراطيين، كما بدا في انتخاب برهم صالح رئيسا واختيار عادل عبدالمهدي رئيسا للحكومة. 
ويرى المسؤولون في ادارة ترامب ان تقليص مساحة الصراعات الشرق اوسطية يقلّص من الاوراق التي يمكن لايران استخدامها للرد على السياسة الأميركية القاسية ضدها، وانه مع التوصل الى تسويات في هذه الدول التي يمكن للايرانيين التلاعب بها، تكون واشنطن نجحت في انتزاع بعض عناصر القوة الايرانية. 
أميركا تريده نظاماً ايرانياً معزولاً دولياً واقتصادياً ومفلساً مالياً، وهي سياسة يقودها ترامب ولكن من المرجح ان تستمر حتى في حال وصول رئيس من الديموقراطيين الى البيت الابيض. اما في حال قررت ايران المواجهة مباشرة، مثل عسكرياً، فقد تكون تلك فرصة يتحينها الصقور في واشنطن والعواصم الغربية للانقضاض على النظام الايراني وتكبيده اكبر خسائر، على أمل اجباره على الرحيل.

الاثنين، 8 أكتوبر 2018

هل يستطيع رئيس الوزراء العراقي الجديد إجراء إصلاحات ومكافحة الفساد؟

حسين عبدالحسين

كتب “عادل عبد المهدي، قبل ثلاثة أسابيع من اعلانه رئيس الوزراء، مقالة افتتاحية له وأشار فيها إلى أنه لا يجب أن يكون المقصود بالمنصب ذلك الشخص المكلف بالمهام، بل المنصب هو جميع ما يخص “القواعد والمؤسسات.” وأضاف عادل، أنه من الواجب بمكان أن يلتزم الوزراء باللوائح، وتوفير سلطة قضائية مستقلة، وتأسيس قوات شرطة لمكافحة الفساد، وتوفير مراجعين ماليين لمراقبة الحكومة. ورغم ذلك، وبالنظر إلى الكتل البرلمانية والتي وافقت هذا الأسبوع على اختيار “عبد المهدي” رئيسًا للجمهورية فضلاً عن اعتماد أداؤه السابق، أعرب العديد من العراقيين عن شكوكهم إيذاء ما يمكن أن يقدمه هذا الرئيس لمكافحة الفساد.

وشغل عبد المهدي في وقت سابق منصب نائب رئيس الجمهورية من الفترة 2014 حتى 2016، وعمل وزيرًا للنفط.

وتسائل “حارث حسن القروي”، زميل في الجامعة الأوروبية المركزية في “بودابست”، كيف للجماعات التي طرحت اسم “عبد المهدي” لمنصب الرئيس أن تسمح له بالبدء في إجراء التغيير الهيكلي الذي تحتاج إليه العراق بشدة. وتولى “عبد المهدي” رئاسة الوزراء بموجب صفقة ويبدو أنها لن تدوم طويلاً، وقد يجد نفسه وحيدًا دون أن تدعمه أي كتلة سياسية في البرلمان.” واستطرد “القروي” قائلاً، “بدون كتلة برلمانية تسانده، كيف سيحصل على الدعم….، وفي الوقت نفسه يبدأ في إجراء الإصلاحات بالهجوم على الكتل البرلمانية التي تدعمه”؟

وما يزيد مهام الرئيس “عبد المهدي” تعقيدًا، وفقًا لأحد العلماء العراقيين، ذلك العامل الجديد وهو الشارع العراقي المضطرب.” فعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، شهدت محافظة البصرة والعددي من المدن العراقية في الجنوب أعمال شغب والتي تحولت في بعض الأحيان إلى مواجهات دامية.

ويبدو أن تجربة الدول الأخرى والتي شهدت تغييرات جذرية قد تكون مفيدة. ويحدث التغيير عادة بسبب تحول في الثقافة السياسية، وفي هذا إشارة إلى تأرجح المزاج الشعبي. ولو كان “عبد المهدي” قد وضع التغيير على رأس حركة الإصلاح عند توليه رئاسة الوزراء، أو أنشئ تحالفًا برلمانيًا ليحتضن رؤيته عن الإصلاح، على النحو الذي صرح به في مقالته الافتتاحية، فمن المعقول أن يحدث التغيير. بيد أنه من غير الممكن أن يتمكن رئيس الوزراء، والذي حصل على وظيفته بفضل تلك المجموعات المتهمة بإفساد الدولة، فكيف لهم ان يتمكنوا من اصلاحها.

وبالنظر إلى تجربتهم السابقة مع “عبد المهدي”، يعتقد العديد من العراقيين أنه لا ينوي حتى مجرد الإصلاح، ومن هنا كانت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالتكهنات. ويتسائل “حيدر حسان كاظم”، لاعب كرة قدم، ويتابعه العديد عبر منصة التواصل الاجتماعي “تويتر”، عن الحكمة من “مكافئة” عبد المهدي. وغرد قائلاً “لقد عمل وزيرًا للمالية، ووزيرًا للنفط، ونائبًا لرئيس الجمهورية”، “فما هي إنجازاته في مهامه السابقة”؟ وهل نجح قبل ذلك حتى نكافئه ونجعله رئيسًا للوزراء؟”

ولم يكن تخوف العراقيين من الفشل السابق الذي حققه “عبد المهدي” في مهامه، بل أيضًا من ذلك الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي وفيه يظهر “عبد المهدي” برفقة مقاتلي ميليشيا “بدر”، وهي جماعة برلمانية ترعاها إيران.

ويشهد العراق أيضًا حالة اضطراب بسبب الانتهازية السياسية الظاهرة التي ينتهجها “عبد المهدي”. فعلى مدار مسيرته المهنية الطويلة، كان رئيس الوزراء المعين والبالغ من العمر “76” عامًا كثيرًا ما يغير مواقفه بسهولة، فقد بدأ حياته السياسية ضمن حزب البعث، ثم أصبح شيوعيًا قبل أن يعلن عنه كونه “إسلاميًا”. وفي العام 2003، أعلن “عبد المهدي” إنه إسلاميًا معتدلاً، بل وصف نفسه بأنه الشخص الذي يستطيع التوسط بين واشنطن وطهران، وهو الدور الذي يتسابق لممارسته الكثير من السياسيين العراقيين، على أمل أن يتمكن هؤلاء الساسة من خلال هذا النهج الثلاثي من كسب تأييد أمريكا وإيران على السواء، وبالتالي إعلانهم “المرشحين التوافقيين” للمناصب الحكومية. وبالطبع فإن “المرشحين التوافقيين”، أمثال “عبد المهدي”، يكونون عادة أفراد عديمي الجدوى ويتجنبون اتخاذ مواقف متشددة في القضايا المتساوية في الصعوبة – والتي يعج بها العراق، ولهذا فإن وضع رئيس الوزراء لا يبشر بالخير.

ولم يتبقى أمام العراقيين المنهكين من الفساد المتفشي وفشل الحكومات المتعاقبة سوى أن يأملوا بأن يكون أي نوع من التغيير هو تغيير نحو الأفضل، حتى وإن كان هذا التغيير يقتضي تنصيب أحد الساسة البارزين في موقع القيادة. ولكن في ظل وجود شخص لم يحقق سوى القليل أثناء توليه منصبه من أمثال “عبد المهدي” ويدين برئاسته للوزارة إلى الساسة الفاسدين والذي وعد بالقضاء عليهم، فإنه من الطبيعي أن يعبر العراقيين عن شكوكهم في قدرته لتولي منصبه، او رفضه صراحة.

لا يمثل “عبد المهدي” للعديد من العراقيين مصدر إلهام للتغيير، لأنه ببساطة مثل الذي سبقوه.

الأربعاء، 3 أكتوبر 2018

هل أوقع نتنياهو حكومة لبنان في «فخ ديبلوماسي»؟

حسين عبدالحسين

نجح رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو في ايقاع حكومة لبنان ووزير خارجيتها جبران باسيل في الفخ الديبلوماسي الذي نصبه لهما. اسرائيل لا تسعى لتوجيه ضربة عسكرية الى «حزب الله»، ولا لافتعال حرب معه... ما تريد اثباته هو ان التماهي بين حكومة لبنان والحزب بلغ ذروته، وان باسيل يتحدث باسم الحزب اللبناني، ويدافع عنه، ويحاول المساهمة في التمويه على مواقع تخزين سلاحه... هذه هي الخلاصة التي خرج بها بعض المسؤولين الاميركيين المعنيين بالسياسة الخارجية في جلسة خاصة.
والتماهي بين حكومة لبنان و«حزب الله» يعني حكماً انعدام الفارق بينهما، اي ان العقوبات التي تفرضها أميركا والعواصم الغربية على إيران والحزب ينبغي ان تتوسع لتشمل مسؤولين لبنانيين، وربما مؤسسات حكومية. 
ومن المطالب التي يرددها اصدقاء اسرائيل في العاصمة الأميركية، على مدى السنوات القليلة الماضية، ضرورة وقف وزارة الدفاع الأميركية المعونة السنوية التي تقدمها للجيش اللبناني، والبالغة 100 مليون دولار، على اعتبار ان مساعدة الجيش هي مساعدة لـ «حزب الله». 
وتردد اسرائيل واصدقاؤها في العاصمة الأميركية، ان الجيش اللبناني لا يحاول فرض سيادة الدولة وحصر استخدام العنف بالقوات الامنية الشرعية، وانه يتعاون مع الحزب في امور لوجستية متعددة، وان التنسيق بين الاثنين قائم الى اقصى حدود. 
وتعتقد المصادر الأميركية ان سبب اختيار نتنياهو الاعلان عن مواقع تخزين صواريخ في اماكن مأهولة، يهدف ايضاً إلى تبرير الاداء الاسرائيلي في اي حرب - ممكنة وان مستبعدة - بين اسرائيل و«حزب الله». 
يقول احد المشاركين في الجلسة الأميركية، ان «اسرائيل ستلجأ، في اي حرب مقبلة لها ضد حزب الله، الى توظيف قوتها النارية الهائلة في ضرب كل الاهداف التي تشتبه في ارتباطها بالحزب، من دون التردد الذي كان يمليه في الماضي امكانية ارتباط اي من المواقع بالحكومة اللبنانية او الجيش او الاماكن المأهولة بالسكان». 
في الشق السياسي، قال احد المشاركين ان «باسيل يطمح الى خلافة ميشال عون في الرئاسة، لكن اداء باسيل المؤيد لحزب الله صار يعني ان رئاسة وزير الخارجية ممكنة فقط في حال صار لبنان تحت السيطرة الايرانية بالكامل، مع ما يعني ذلك من عقوبات اقتصادية دولية ستلحق ببيروت وحكومتها». 
ويعتقد الخبراء الاميركيون ان واشنطن أبقت دولة لبنان خارج دائرة العقوبات التي تفرضها على ايران و«حزب الله» للاعتقاد بان لبنان بمثابة رهينة بأيدي الايرانيين، ولكن قيام باسيل بالدفاع عن «حزب الله» والالتصاق به سياسياً، يعني ان كل دولة لبنان وحكومته وجيشه صاروا يدورون في فلك ايران، وان فرض العقوبات على لبنان بأكمله صار واجبا، على غرار العقوبات التي تفرضها أميركا على حلفاء إيران الآخرين في المنطقة، مثل الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه. 
ويختم احد المشاركين بالقول ان التصنيف الاميركي والعالمي للحكومات والمجموعات مبني على اعتبار ان الحكومات لا يمكن ان تكون ارهابية، ولكن يمكنها ان تدعم تنظيمات ارهابية، فتصبح بذلك «حكومات راعية للارهاب». في الحالة اللبنانية، الصورة معكوسة: «تنظيم ارهابي يرعى حكومة دولة، ما يعني ان بيروت ليست راعية ارهاب، بل هي في رعايته، ولكن على العالم الا يسكت عن تواطؤ مسؤوليها مع التنظيمات الارهابية وممحاولتهم الافادة سياسيا من هذا التواطؤ».

الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

الانتخابات النصفية... فضائح إدارة ترامب في مواجهة الأداء القوي للاقتصاد الأميركي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

كان من المفترض أن تتحول المصادقة في مجلس الشيوخ، على تعيين برت كافانو قاضياً في المحكمة الفيديرالية العليا، استعراضا للقوة للرئيس دونالد وترامب وحزبه الجمهوري، وتأكيد جنوح الحزب نحو اليمين أكثر فأكثر، عبر تعيين قاض تشير آراؤه الى انه من المحافظين المتشددين. 
لكن استعراض القوة المتوقع للحزب الجمهوري انقلب كابوسا على البيت الابيض والحزب، بعد قيام ثلاث نسوة بتوجيه اتهامات اعتداءات جنسية يفترض ان كافانو، الذي يعمل حاليا في منصب قاض فيديرالي لمدينة واشنطن، قام بها قبل عقود. ومع ظهور الاتهامات، حاول الجمهوريون في مجلس الشيوخ الاسراع في عملية الاقرار، بالتزامن مع رفضهم والبيت الابيض احالة الاتهامات الى مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) للتحقيق. 
على ان الاداء المثير للتعاطف، الذي قدمته الضحية المزعومة دكتورة العلوم النفسية بلايزي فورد، اثناء مثولها للشهادة في مجلس الشيوخ، والارتباك والعدوانية في اداء كافانو، دفعا السناتور الجمهوري الخارج الى التقاعد مع نهاية العام جيف فلايك الى ربط موافقته على كافانو باجراء «اف بي آي» تحقيقا اضافيا، مدته اسبوع، للتحقق من صحة الاتهامات، فباشر المكتب الامني المذكور عملية التحقيق.
هكذا، يحبس الاميركيون، من الحزبين، أنفاسهم، بانتظار نتائج التحقيق، فان اظهر صحة الاتهامات، سيجد البيت الابيض نفسه مجبرا على سحب ترشيح كافانو. اما ان اعتبر التحقيق ان لا دلائل على صحة الاتهامات، يفتح بذلك الطريق امام مجلس الشيوخ للموافقة على التعيين، ويمنح البيت الابيض نصرا معتبرا، وان بتكلفة كبيرة أدت الى تلطيخ صورة القاضي واستهلاك رصيد لا بأس به من شعبية ترامب وبعض الشيوخ الجمهوريين ممن سيقترعون لمصلحة الموافقة على التعيين. 
وفيما ستنحسر قضية كافانو، ان بتعيينه او باستبدال ترشيحه، من المتوقع ان يعود الى دائرة الاضواء التحقيق الخاص في امكانية تورط ترامب ومساعديه ومستشاريه مع الحكومة الروسية في التلاعب في نتائج الانتخابات قبل عامين. 
وكانت «صحيفة نيويورك تايمز» نشرت تقريرا زعمت فيه انه سبق لوكيل وزارة الخارجية والمشرف على التحقيق رود روزنستاين ان ابلغ زملاءه في الوزارة نيته تسجيل حواراته مع ترامب بهدف ادانته واستخدام المادة 25 من الدستور لعزله. التقرير ادى الى تكهنات مفادها بان الرئيس الاميركي سيستند الى ما كتبته الصحيفة لتعليل طرده لروزنستاين، وتاليا استبداله بمسؤول اكثر تأييدا لترامب يقوم بالتضييق على التحقيق وانهائه. 
لكن المشرعين، وفي طليعتهم الشيوخ الجمهوريون، حذروا البيت الابيض من مغبة طرد روزنستاين، وهو تحذير يبدو ان ترامب اخذه على محمل الجد، وتراجع بموجبه عن نية انهاء عمل وكيل الخارجية، على الأقل في المدى المنظور، الى ان تتسنى فرصة ثانية للرئيس للانقضاض على التحقيق واصحابه. 
وبين الكدمات التي تلقتها ادارة ترامب والحزب الجمهوري في عملية المصادقة على تعيين كافانو، وبين الهزّات التي يتعرض لها البيت الابيض بشكل متواصل بسبب التحقيقات المتواصلة، والادانات القضائية، واعترافات كبار مساعدي ترامب بالذنب في مواضيع متنوعة تتعلق به، من المرجح ان يتواصل اهتزاز شعبية الرئيس وحزبه الجمهوري، قبل أقل من خمسة اسابيع على موعد الانتخابات النصفية المقررة في 6 نوفمبر، في وقت تشير استطلاعات الرأي، بشكل متصاعد، إلى احتمال حصول «موجة زرقاء»، أي موجة اصوات مؤيدة للحزب الديموقراطي، تكتسح مجلس النواب وعددا كبيرا من مجالس الولايات ومناصب المحافظين لمصلحة الحزب المعارض. 
اما المؤشر الايجابي الوحيد الذي يصب في مصلحة ترامب وحزبه، فهو الاداء القوي الذي يقدمه الاقتصاد، والذي يدفع النمو الى نسبة 3 في المئة هذا العام، ونسبة البطالة الى 3،5، وهي الادنى لها منذ اكثر من عقد... فهل تهزم الفضائح المتكررة ترامب والجمهوريين أم ينقذهم الاقتصاد ويطيل في امد انفرادهم في حكم البلاد؟