الأحد، 30 ديسمبر 2018

الولايات المتحدة / العام 2018: أميركا قوية وقيادتها ضعيفة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أسدلت الستارة على العام 2018 في وقت يسود شعور لدى غالبية الاميركيين أن بلادهم في وضع جيد: الاقتصاد قوي، البطالة في أدنى حالاتها، التطور الاكاديمي مستمر والابحاث في صدارة نظيرتها حول العالم، فيما العمليات العسكرية الاميركية حول المعمورة — مع تكاليفها البشرية والمادية — تقلصت الى حدها الادنى. وحدها القيادة السياسية، المتمثلة بالرئيس دونالد ترامب، وادارته الخاوية، والفوضى التي تصاحب اداءه، وتغريداته الاستفزازية، هي ما ينتقص من رغد العيش في عام مر على اميركا بسلام وبحبوحة.
والعام 2018 أكّد ان ترامب فقد بريقه، فاليمين الاميركي المتطرف مشتت، لا صوت له، تطارده عيون وآذان الاعلاميين الاميركيين، وتقاريرهم حول عنصرية هذا اليمين، بشكل شوّه صورة اليمينيين الى حد بعيد، وافقدهم المقدرة على الحشد والتجنيد.
والعام 2018 شهد نهاية المخاوف الاميركية من افول نجم ديموقراطيتهم، مع صعود اول رئيس يرون انه يفضل الديكتاتورية والحكام الاقوياء حول العالم، من قبيل مصادقته نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتمتعه بصداقة غريبة مع حاكم كوريا الشمالية كيم جونغ اون، في مقابل توتر علاقة ترامب- القائد المفترض لـ «العالم الحر»- مع نظرائه من زعماء الديموقراطيات الاخرى حول العالم، مثل المانيا وكندا وبريطانيا.
وما أكد انحسار ترامب اليمينية المتطرفة الهزيمة القاسية التي تكبدها حزب الرئيس، الجمهوري، في الانتخابات النصفية التي اقيمت الشهر الماضي. وشهدت تفوق الحزب الديموقراطي، وحصاده ما يقارب ثمانية ملايين صوت اكثر من منافسه الجمهوري، وهو ما أعطى الديموقراطيين غالبية مقنعة في مجلس النواب في الكونغرس، فضلا عن غالبيات في مجالس عدد من الولايات ومناصب المحافظ فيها. اما الجمهوريين، فأضافوا الى غالبيتهم في مجلس الشيوخ مقعدا واحدا، وكان ذلك بسبب قواعد انتخابات هذا المجلس، التي تساوي ولاية عدد سكانها شحيح، مثل الاسكا التي يبلغ تعدادها 750 الفا، بكاليفورنيا، التي يبلغ عدد سكانها 40 مليونا، فتنال كل منهما مقعدين في مجلس الشيوخ. 
ولأن الديموقراطيين يسيطرون على المدن المكتظة، فيما يسيطر الجمهوريون على الارياف الواسعة ذات السكان القلائل، يبلغ عدد مؤيدي الحزب الديموقراطي اكثر من نظيره الجمهوري، وهو ما يعني انه منذ العام 1988، لم يفز الجمهوريون شعبياً في اي انتخابات اميركية، رئاسية بل نصفية، واكتفوا باقتناص الرئاسة والغالبيات بسبب القوانين الانتخابية وسيطرتهم على عدد اكثر من الولايات الخمسين، يسكنها اجمالي سكان اقل.
هذه الاسباب الانتخابية جعلت العام 2018 يبتسم للديموقراطيين سياسيا، ويطمئنهم الى ان المستقبل الى جانبهم، وان ظاهرة ترامب، العنصرية اليمينية الشعبوية، كانت فلتة شوط، في أحسن تقدير، وان الولايات المتحدة ستعود، عاجلا في 2020 ام آجلا في 2024، الى ايدي قيادة حكيمة قادرة على استعادة دور ونفوذ حول العالم يتناسب مع قدرات اميركا وتاريخها.
في السياسة الخارجية، لم تبد سنة 2018 في مصاف السنوات التي سيتذكرها الاميركيون. صحيح ان لا اميركا ولا مواطنيها حول العالم تعرضوا لهجمات تذكر، الا ان واشنطن توصلت الى خلاصة مفادها ان الحرب على الارهاب انتهت، وان على الولايات المتحدة اعادة توجيه قدراتها ضد التهديدات الاستراتيجية التقليدية، وفي طليعتها الصين، وربما روسيا.
والطبقة السياسية في اميركا ترى في الصين تهديدا استراتيجيا بسبب حجم الاقتصاد الصيني، الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة. الا ان طريق الصين نحو القوة والنفوذ مايزال طويلا، وماتزال «البحرية الفرنسية اقوى من نظيرتها الصينية بأشواط»، على حد تعبير احد الخبراء الدفاعيين، ومازالت واشنطن متقدمة بما لا يقاس على الصينيين اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا.
اما روسيا، فعلى الرغم من ان وزير الدفاع المستقيل من حكومة ترامب جيمس ماتيس صنفها بمثابة تهديد استراتيجي، مثل الصين، إلا ان الاجماع الاميركي يرى ان روسيا قوة في طريقها الى الافول، وانها تعتاش على عائداتها النفطية، وان اقصى ما يمكن الروس فعله هو «التخريب»، من دون ان يكون لديهم امكانية فرض خيارات استراتيجية لا تناسب أميركا في اي مكان حول العالم.
ختاما، من نافل القول ان ادارة ترامب تنتهج نفس سياسة ادارة سلفه باراك أوباما، تجاه الشرق الاوسط، لناحية اعتقاد الادارتين ان اهمية هذه المنطقة الاستراتيجية قد انعدمت بالكامل، وان اميركا، التي تشير التوقعات الى ان معدلات انتاجها الطاقة قد تصل الى ضعف الدول الشرق اوسطية، لم تعد ترى سببا واضحا لحاجتها الى حماية هذه المنطقة المشتعلة، او فرض نفوذها عليها. وما يعزز الرأي الاميركي القائل بالاستغناء عن الشرق الاوسط انتشار فكرة مفادها ان التاريخ اثبت ان لا اصدقاء لاميركا في المنطقة التي يسود فيها حكم الاقوى، وان الحفاظ على الاصدقاء الشرق اوسطيين يتطلب التزامات اميركية عسكرية وسياسية ومالية لا مبرر لإنفاقها.

صواريخ إسرائيل تخترق الأجواء السورية على قاعدة... قوانين اللعبة الدولية تغيّرت

واشنطن - من حسين عبدالحسين

علّقت مصادر رفيعة المستوى في إدارة الرئيس دونالد ترامب على الضربة التي وجهتها المقاتلات الإسرائيلية، منتصف الأسبوع الماضي، ضد أهداف قريبة من دمشق، تزعم إسرائيل أنها تابعة لإيران، بالقول إن «قيام إسرائيل بحماية نفسها، بالاستناد الى دعم الولايات المتحدة المادي والديبلوماسي، هو بالضبط كيف يتصور الرئيس ترامب مرحلة ما بعد انسحاب القوات الأميركية من المناطق السورية شرق الفرات».
وتعتقد المصادر الأميركية أن قوانين اللعبة الدولية تغيرت، وأن ما تحاول روسيا وإيران الإيحاء به، لناحية سيطرتها على سورية وتقديمها حماية دولية شاملة لها، هو أمر شبه مستحيل. وتلفت إلى انه على عكس سني الحرب الباردة، لم تعد الدول التابعة لنفوذ احد أقطاب الدوليين بمثابة مناطق مقفلة جوياً وبرياً وبحرياً في وجه الأقطاب الأخرى. 
في الماضي، كان من شبه المستحيل على روسيا أن توجه ضربات الى دولة محسوبة في خانة التحالف الغربي، الذي كانت تقوده الولايات المتحدة، والعكس صحيح، إذ كان يستحيل على أميركا توجيه ضربة لألمانيا الشرقية، مثلا، من دون أن يؤدي ذلك الى حرب شاملة بين المعسكرين. 
حالياً، تغيّر المفهوم الدولي تجاه السيادة، وصارت السيادة تقتصر على أجواء وأراضي القطب نفسه، ولا تغطي الدول التي تدور في فلكه. في الحالة السورية، يعتقد الأميركيون انه «لا يهم عدد القواعد البحرية والجوية التي يقيمها الروس على الأراضي السورية، إن أرادت أميركا أو إسرائيل أو أي دولة تعتقد أن مصالحها مهددة باستهداف مواقع داخل سورية، فان الرد الوحيد المسموح هو من الحكومة السورية». 
وعلى هذا المنوال، سبق أن استهدفت مقاتلات أميركية من دون طيار شخصيات تصنفها واشنطن «إرهابية» داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه، روسيا وإيران، من دون أن تحرك موسكو ساكناً. 
يقول المسؤولون الأميركيون إن أسلوباً جديداً صار يحكم هذا النوع من الضربات العابرة للحدود، وهو أسلوب يستند إلى خط عسكري - عسكري مفتوح بشكل دائم لتفادي الأخطاء أو الاصطدام. وبموجب الأسلوب الجديد، المطلوب من أي دولة تنوي توجيه ضربة داخل سورية أن تعلم الدول الأخرى، التي تعلن عن تواجد قوات تابعة لها في منطقة الضربة المتوقعة. 
هكذا، يوم شن تحالف الأسد، تقوده قوات روسية، هجوماً في اتجاه شرق الفرات، صدته المقاتلات الأميركية، وأوقعت عددا كبيرا من الضحايا في صفوف الروس، من دون ان تتمكن موسكو من الاعتراض، اذ سبق لواشنطن أن أبلغت روسيا أنها تنوي صد الهجوم، ولم يتح للروس الوقت الكاف لوقف تحرك مرتزقتهم. 
الموضوع نفسه ينطبق على الغارات الإسرائيلية ضد أهداف داخل سورية، إذ سبق أن أعلنت موسكو، مرارا، إغلاقها المجال الجوي السوري. وبعد أن أسقطت الدفاعات السورية مروحية روسية عن طريق الخطأ، أعلنت روسيا تزويدها الأسد بنظام «اس 300» للدفاع الجوي، في وقت تكرر موسكو انها تشغل نظام «اس 400» الأكثر تطورا لإقفال الأجواء السورية، ومع ذلك، تكتفي إسرائيل باخطار الروس قبل نيتها شن غاراتها بوقت قصير، لا يتعدى الربع الساعة، بشكل يسمح بفرار الأفراد، من دون أن يسمح بنقل أي عتاد أو معدات ثقيلة أو منشآت. 
اقامة قواعد برية وبحرية وجوية لم يعد، كما في الماضي، مؤشراً إلى اطباق سيطرة دولة على سيادة دولة حليفة، بل ان قوانين الحرب الجديدة تقضي بتفادي الاصطدام فحسب، من دون السماح لأي من الدول ان تتمتع بسيطرة كاملة وشاملة على الدولة الحليفة. 
على اثر الغارة الإسرائيلية الأخيرة، التي ادعت بعض التقارير غير المؤكدة أنها أدت الى مقتل عدد من قادة «حزب الله»، اكتفت روسيا بالإشارة الى ان الغارة هددت سلامة الملاحة الجوية المدنية في مطار دمشق الدولي، فيما اكتفى تحالف الأسد بتشغيل نظام «اس 200» للدفاع الجوي، وهو تقنية متأخرة لا تهدد سلامة المقاتلات الاسرائيلية بأي شكل. 
أما الأنظمة المتطورة التي لا ينفك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحلفاؤه بالحديث عنها، فبقيت صامتة أثناء الغارة الإسرائيلية، وبقيت راداراتها تشاهد الغارة، وربما تلتقط صور المقاتلات للذكرى.

صور فضائية لـ «أهداف إيرانية» في دمشق بعد الغارات الإسرائيلية

سكاي نيوز عربية - ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أن شركة «إيميدجسات إنترناشيونال»، المختصة بالتصوير عبر الأقمار الاصطناعية كشفت صورا توضح الأضرار التي نجمت عن غارة جوية إسرائيلية على أهداف إيرانية قرب دمشق، ليل الثلاثاء. 
وأكد مسؤول أمني إسرائيلي الأربعاء لـ «وكالة أسوشيتدبرس»، أن الضربة الجوية أصابت أهدافاً لوجستية إيرانية تستخدم لنقل الأسلحة إلى «حزب الله». وأضاف أن إسرائيل استهدفت أيضا بطارية سورية مضادة للطائرات قرب دمشق، أطلقت النار على الطائرات الحربية الإسرائيلية.

الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

إدارة ترامب بلا وزراء... وحكومة فيديرالية مقفلة حتى إشعار آخر

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يختتم دونالد ترامب عامه بلا وزير دفاع، ولا وزير داخلية، ولا وزير عدل، ولا رئيس موظفين للبيت الابيض، فيما الحكومة الفيديرالية مقفلة حتى اشعار آخر. حتى من شباك مكتبه البيضاوي، الذي يطلّ على الحديقة الجنوبية للبيت الابيض، ينظر الرئيس الاميركي ليرى شجرة الميلاد حزينة، أضواؤها مظلمة، بسبب توقف دائرة الحدائق عن العمل. 
هذه صورة مختصرة لحكم ترامب وهو يستعد لاختتام عامه الثاني: إدارة تعاني من الخواء، ومن رفض غالبية الكوادر الأميركية، من الحزبين، العمل فيها، ومناصب إما شاغرة، او يندر ان يبقى فيها اصحابها. 
هكذا، يبحث ترامب عن ثالث رئيس لموظفي البيت الابيض، وثاني وزير دفاع، وثاني وزير داخلية، وثاني وزير عدل، وهو يعمل مع ثالث مستشار للأمن القومي، وثاني وزير للخارجية، وثاني وزير للأمن القومي، وثاني وزير للصحة، وثاني وزير لشؤون متقاعدي الجيش، وثاني مدير لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي)، وثاني مدير لمكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي)، وثاني مبعوثة اميركية دائمة لدى الأمم المتحدة، وثاني ناطق باسم البيت الابيض. 
هذه التغييرات، غير المسبوقة بوتيرتها، الى جانب التحقيقات التي تلاحق ترامب وافراد عائلته في مواضيع متعددة، منها امكانية تعاونه وافراد حملته الانتخابية مع روسيا، قبل عامين، ومنها تورطه في دفع اموال لعشيقات سريات لشراء صمتهن، ومنها مخالفة جمعيته الخيرية القوانين واستخدام اموالها لشؤون شخصية لترامب، لا شك انها ساهمت في دفع شعبيته نحو الحضيض، اذ تظهر استطلاعات الرأي - حتى اليمينية منها مثل راسموسن وفوكس - ان نسبة تأييد الرئيس تبلغ 46 في المئة، مقابل 52 في المئة من الاميركيين ممن لا يأيدونه. أما معدل التأييد لترامب، اي معدل نسب كل مراكز الاستطلاع، فيبلغ 42 في المئة. 
وللمقارنة، بلغت شعبية الرئيسين السابقين جورج بوش الاب والابن، بعد مرور سنتين على دخولهما الحكم، اكثر من 60 في المئة، فيما بلغت شعبية كل من الرئيسين السابقين باراك أوباما وبيل كلينتون 45 في الفترة نفسها. وحده الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان كان من يعاني من نسبة تأييد مشابهة في تدنيها لنسبة ترامب. 
على ان الفارق بين ريغان وترامب يكمن في ان الاول تسلم البلاد واقتصادها يقبع في ركود، ومع انتهاء ولايته الثانية، كان اقتصاد الولايات المتحدة بدأ يعود الى عافيته ويظهر مؤشرات قوة، وهو ما ساهم في فوز الرئيس الراحل بولاية ثانية في العام 1984، فوزاً تاريخياً ساحقاً تضمن انتزاعه 49 من الولايات الخمسين. 
ويبدو ان ترامب كان يعتقد انه، على غرار ريغان، يمكن لاقتصاد اميركي قوي ان ينقذه من كل ورطاته، وان يضمن اعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، في العام 2020. لكن ترامب تسلم اقتصاداً قوياً، وحاول تعزيزه بتخفيض ضرائب الدخل وزيادة الانفاق، وهو ما اسهم في رفع العجز السنوي في الموازنة الفيديرالية الى معدلات غير مسبوقة، ورفع - في الوقت نفسه - نسب نمو الناتج المحلي. 
مشكلة ترامب ان كل المؤشرات الاقتصادية تشير الى ان فترة النمو والبحبوحة امتدت اكثر من المعقول، وان اقتصاد الولايات المتحدة مع موعد الزامي مع الركود الدوري، وأن أولى علامات هذا الركود بدأت تظهر في اميركا وفي اقتصادات العالم. 
أما كابوس ترامب، فيتجلى بأن يغرق الاقتصاد في ركوده الدوري مع اقتراب موعد انتخابات العام 2020، إذ ان من دون اقتصاد قوي، ومع ادارة غارقة في الخواء والفوضى على غرار ادارة ترامب، تتقلص فرص اعادة انتخابه لولاية ثانية، وترتفع امكانية تحوله الى «رئيس ذي ولاية واحدة»، وهو ما يعتبره الاميركيون بمثابة مذلّة، وهو ما يقلق ترامب كثيراً.

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018

إيران كما تتصور نفسها

حسين عبد الحسين

في الحرب العراقية ـ الإيرانية، التي اندلعت في العام 1980 واستمرت ثماني سنوات، دفعت انتصارات الإيرانيين ـ في السنوات الأولى للحرب ـ طهران إلى رفض قرار مجلس الأمن 598 الداعي إلى وقف إطلاق النار.

ولكن مع حلول العام 1986 ونيل صدام حسين بعض الحظوة في واشنطن، انقلبت الموازين، وراح العراقيون يتغلبون على الإيرانيين، ما أجبر روح الله الخميني على قبول قرار مجلس الأمن ووقف الحرب، في خطوة شبهها مؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل بتجرعه السم.

على أن متابع وسائل إعلام إيران العربية، ووسائل إعلام تابعيها في العراق ولبنان واليمن، لن يعثر على خطاب الخميني الذي أعلن فيه هزيمته التي شبهها بتجرع السم؛ بل إن الدعاية الإيرانية تستفيض في الحديث عن انتصارها العظيم في الحرب التي تسميها "الجهاد المقدس". هذا هو التاريخ الذي يكتبه المنتصر، أو في هذه الحالة المهزوم، أي النظام الاسلامي، بسبب بقائه على قيد الحياة، وموت المنتصر، أي صدام حسين.

اقرأ للكاتب أيضا: الإعلاميون ومصداقيتهم

على هذا القياس هي انتصارات إيران وحلفائها. في حرب تموز/يوليو 2006، بين "حزب الله" وإسرائيل، أعلن الحزب اللبناني "انتصارا إلهيا". لا يهم أن "المقاومة"، التي كان يفترض أن تحمي لبنان، احتمت هي بلبنان، فبقي قادة "حزب الله" على قيد الحياة في مخابئهم، وواجه لبنان أقسى عملية دمار، وعانى اللبنانيون من خسائر بشرية بلغت 26 مرة عدد الخسائر في أرواح المدنيين الإسرائيليين.

وهكذا دواليك. النظام الإيراني وأتباعه العرب منتصرون دائما، إن في تجرعهم سم صدام حسين، أم في اعتراف زعيم "حزب الله" حسن نصرالله أنه لو كان يعرف شكل الدمار اللبناني الناتج عن الحرب مع إسرائيل لما كان دخل الحرب، أو في "انتصار" الرئيس السوري بشار الأسد على نصف الشعب السوري، القابع في مخيمات الشتات أو المدفون تحت ركام مدنه، أو في اليمن الذي "انتصر" فيه أتباع إيران، الحوثيون، حتى يعيش اليمنيون في أزمة كوليرا ومجاعة قاتلة.

والمفارقة عند نظام إيران الإسلامي، وأزلامه العرب، تكمن في أنهم ـ على الرغم من إصرارهم أنهم منتصرون دائما ـ يندر أن ينقطعوا عن البكاء، وادعاء المظلومية، وشتم "الغطرسة"، و"الاستكبار"، والعقوبات الأميركية، وكل ما هو ليس لإيران أو ليس بإمرتها.

والمفارقة أيضا في الدعاية الإيرانية إصرارها أن إيران توصلت إلى مستويات رفيعة في العلم، والتكنولوجيا، والزراعة، والصناعة. ثم تهدد إيران، التي يفترض أنها متفوقة ومكتفية ذاتيا، الأوروبيين أن صبرها سينفذ إن لم ينجح الأوروبيون في الاستدارة على العقوبات الأميركية.

من يطالع الدعاية الإيرانية قد يصاب بالدهشة لكمية التناقضات التي تشوب الموقع الواحد. وزير خارجية إيران جواد ظريف يصرّح مرارا أن حديث أميركا عن صواريخ إيران هو من باب الافتراء على الجمهورية الإسلامية. أما جنرالات إيران، فهم يصرّحون مرارا أن صواريخ إيران متفوقة وقادرة على ضرب أي هدف في المنطقة، أو حتى في العالم. أيهما يصدق المشاهد أو القارئ: ظريف أم العسكر؟ لا يهم. المهم أن إيران ضحية أميركا، ومنتصرة على أميركا في الوقت نفسه. إيران هي الضحية دائما، وهي المنتصرة المتفوقة على أعدائها دائما.

هذه هي الدعاية الإيرانية: متناقضة، متضاربة، ومليئة بالأكاذيب، خلاصتها أن عظمة إيران سابقة لعظمة كل الحضارات الأخرى، وباقية إلى ما بعد انهيار باقي الحضارات.

هكذا، بدون أن يرف له جفن، يقف خطيب الجمعة في طهران ليشير إلى تظاهرات "السترات الصفراء" في فرنسا، ويقول إن التظاهرات أكدت فشل الديمقراطيات الليبرالية في الغرب، وإنها أكدت نجاح نموذج الجمهورية الإسلامية.

اقرأ للكاتب أيضا: هل من مانديلا فلسطيني؟

لا يهم أن معدل الدخل في فرنسا يبلغ سبعة أضعاف نظيره في إيران. ولا يهم أن فرنسا هي بين الدول العشرة الأولى في العالم في العلوم، والاختراعات، والحريات، والفن، ونوعية المعيشة.

ليست إيران من عظمتها التاريخية بشيء. إيران التاريخية كانت تقف بين الحضارات. إيران كانت رائدة في الطب والصيدلة والكيمياء والحساب والجغرافيا والشعر والأدب والتجارة. أما إيران الإسلامية، فماكينة موت لمواطنيها ومواطني دول الجوار، تعتاش من ريع النفط، الذي تنفقه على استخباراتها، وتمول به دع ايتها البالية.

الجمعة، 21 ديسمبر 2018

واشنطن توعز لديبلوماسييها إعادة تحريك الوساطة الخليجية

حسين عبدالحسين

فور تواتر التقارير عن الاختراق الذي حققته الديبلوماسية الدولية في اليمن، وإمكانية وضع الحرب هناك على مسار السلام، أصدر القيمون على الديبلوماسية الاميركية تعليمات الى الديبلوماسيين المعنيين بالشأن الخليجي بتحريك ملف الأزمة الخليجية، وإعادة الاتصال مع الافرقاء الخليجيين، في محاولة متجددة للتوصل الى تسوية للأزمة، التي تجاوز عمرها العام ونصف والعام. 
على ان واشنطن رصدت، فور مباشرتها سعيها للتوصل الى تسوية، تصعيداً في التصريحات والإعلام من الجانبين، بشكل يقلّص من فرص نجاح المصالحة.
وعلمت «الراي» من مصادر في العاصمة الاميركية أن واشنطن «منخرطة مع أفرقاء الأزمة الخليجية في ملفات إقليمية أخرى تتطلب مشاركة الطرفين: قطر من ناحية، وتحالف السعودية والامارات والبحرين من ناحية ثانية».
وتقول المصادر الاميركية إن وزارة الخارجية «طلبت ممن يترددون الى العواصم الخليجية المتخاصمة، بشكل دوري لمعالجة ملفات أخرى، فتح موضوع التسوية مع المسؤولين في هذه العواصم».
وتضيف المصادر ان «لا تعليمات لديبلوماسيينا بشن حملة ديبلوماسية جديدة للتوصل الى تسوية في الخليج، لكن الانفراجات في ملفات أخرى، مثل اليمن، قد تنعكس إيجاباً على الأزمة الخليجية». لذا، تتابع مصادر واشنطن «من المرجح ان يبادر الديبلوماسيون الأميركيون العاملون على الملفات الاقليمية الأخرى، وعلى تماس مع العواصم الخليجية، الى السعي لجسّ نبض المسؤولين الخليجيين، فإذا وجدوا أي نوع من التجاوب، يمكن حينذاك اعادة تحريك الوساطة بشكل أوسع».
ويعتقد المسؤولون الاميركيون أن «أطر التسوية الخليجية لاتزال على حالها، وأن هذه التسوية، التي يطلق عليها الأميركيون أحيانا اسم (الحل الكويتي) نسبة إلى الرؤية التي قدمتها الكويت للتسوية منذ الأيام الأولى لاندلاع الأزمة، لاتزال تتطلب الخطوات نفسها، والقاضية بضرورة وقف التراشق الاعلامي بين الجانبين (وهو ما أكد عليه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في قمة الرياض الخليجية)، ومحاولة بناء ثقة بينهما على مستويات عسكرية وسياسية، تفضي في وقت لاحق إلى مصالحة كاملة، يتم تتويجها بلقاء قمة على مستوى القادة».
ولطالما وعد الرئيس الاميركي دونالد ترامب باستضافة قادة الخليج، في المنتجع الرئاسي كامب دايفد، لرعاية المصالحة والمصافحة بينهم. لكن مع تعذر التسوية، تراجعت الحماسة الاميركية، ومعها حماسة ترامب، لرعاية لقاء تصالحي من هذا النوع.

الخميس، 20 ديسمبر 2018

ترامب قد يتراجع عن قرار الانسحاب من سورية والمخرج يكمن في التحايل على الجدول الزمني

واشنطن - من حسين عبدالحسين

ثارت ثائرة الأميركيين بغالبيتهم، جمهوريين وديموقراطيين، سياسيين وخبراء ومحللين، ضد إعلان الرئيس دونالد ترامب - وحده دون وزارة الدفاع - انسحاباً فورياً لألفي جندي أميركي ينتشرون في مناطق سورية شرق الفرات. 
وسيطرت على البرامج الإعلامية دهشة حول القرار الرئاسي وخلفياته، وظهر إجماع مفاده بأنه، على عكس تغريدة ترامب، لم تصل الحرب ضد «داعش» الى خاتمتها. 
وتأتي تشكيكات الأميركيين في وقت نشر المحقق العام في وزارة الدفاع (البنتاغون) تقريراً أشار فيه الى انه رغم تراجع سيطرة «داعش» على الأراضي الى واحد في المئة مما كان يسيطر عليه التنظيم في أيام ذروته قبل اربع سنوات، الا ان عدد مقاتليه ما زال يراوح بين 20 و30 ألفاً، وهو عدد أكبر بكثير من التقديرات السابقة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي). 
ولحساسية الموضوع وأهميته، اجتاح الحديث عنه البرامج الإعلامية الداخلية في ساعات الذروة، رغم أنه يندر أن تتطرق البرامج الأميركية المعتادة لشؤون السياسة الخارجية للبلاد. وقارن عدد كبير من الخبراء الأميركيين بين إعلان ترامب، في قوله إن إدارته فرغت من عملية القضاء على «داعش»، مع الصورة الشهيرة للرئيس الأسبق جورج بوش الابن، بعد أسابيع قليلة على دخول القوات الأميركية العاصمة العراقية بغداد في العام 2003، يوم وقف بوش على متن سفينة حربية أميركية، تحت لافتة كتب عليها «تمت المهمة». صورة بوش تلك تحولت الى فأل سيئ ما زال الخبراء يكررون الإشارة إليها في كل مرة يتحدثون عن أي إعلان تدلي به واشنطن حول إنجاز أي مهمة تكون غالبا غير منتهية. 
وفي مجلس الشيوخ، شن الأعضاء من الحزبين هجوما ساحقاً ضد ترامب وإدارته، واستدعوا نائب الرئيس مايك بنس، وصبوا عليه جام غضبهم. 
ومع نهاية اليوم، كان جلياً أن ترامب اتخذ قرار سحب القوات من سورية منفرداً، وعلى اثر مكالمة مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، ومن دون استشارة أي من اركان ادارته، ولا حتى إبلاغ أي منهم بقراره، بما في ذلك بريت ماكغورك، المبعوث الأميركي إلى التحالف الدولي للحرب ضد «داعش». كذلك، لم يتبلغ المبعوث المكلف الملف السوري السفير جيمس جيفري بالقرار، بل طالعه على «تويتر». 
وتوصلت غالبية المعنيين الى استنتاج مفاده بأن جناحاً واسعاً داخل الإدارة يعارض الانسحاب الأميركي من سورية، ويقوده مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي سبق أن صرح مراراً بأن القوات الأميركية باقية في سورية لضمان عدم عودة «داعش»، وكذلك لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني. 
وسط الارتباك الواسع والامتعاض الذي واجه البيت الأبيض من كل زوايا واشنطن، علمت «الراي» من مصادر في الكونغرس أن ترامب قد يتراجع عن قراره، وإنما من دون الإعلان عن ذلك، وأن المخرج لهذه الأزمة يكمن في التحايل على موعد الانسحاب أو الجدول الزمني المطلوب لإتمامه. 
وكانت البنتاغون ألمحت إلى أن الانسحاب يستغرق بين 60 و100 يوماً، في أقل تقدير، ويمكن أن تمدد الوزارة المهلة المطلوبة لإتمام الانسحاب وربطها بأجل غير معلوم. 
وعلى برنامج رايتشل مادو التلفزيوني، الأكثر مشاهدة أميركياً، قالت مادو: «لا نعلم متى سيحصل الانسحاب، ان كان سيحصل». وأضافت أن حجة الرئيس غير صحيحة، «فداعش لم ينهزم بعد، وهذا ما أكدته تقارير وزارة الدفاع». 
وأشارت إلى أن خطوة ترامب سببها طلب أردوغان، وأن الأخير خاطب ترامب بالقول «انت يا ترامب، انسحب من سورية الآن»، وان ترامب أجاب أردوغان بالقول «أمرك سيدي». وختمت مادو: «هذا هو شكل الحكومة التي يتخذ رئيسها قراراته منفرداً، ويعلم بها الجميع عبر تويتر».

الأربعاء، 19 ديسمبر 2018

الأميركيون يتهمون موسكو بعرقلة «التسوية السورية» في جنيف

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اتهمت مصادر اميركية، موسكو بعرقلة التوصل الى تسوية سياسية في سورية، وذلك على اثر انتهاء لقاء رباعي، الثلاثاء في جنيف، جمع وزراء خارجية روسيا وتركيا وايران، وممثل الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، الذي يقدّم الى مجلس الأمن، اليوم، تقريره الاخير في منصبه كمبعوث الأمين العام الى سورية.
ورصدت المصادر تطوراً في الموقف الروسي من «لا مبالٍ» بالتسوية السياسية، إلى متبنٍ لموقف الأسد الرافض لها. وقالت انه في الاجتماع الرباعي السابق الذي انعقد في استانة، لم تبالِ موسكو بتفويض دي ميستورا تسمية ثلث اعضاء اللجنة الدستورية المكلفة كتابة دستور سوري جديد.
وينص قرار مجلس الأمن رقم 2254 على ان التسوية السياسية تبدأ بكتابة دستور جديد، يتم تنظيم انتخابات بموجبه وتشكيل حكومة وحدة وطنية. واللجنة التي ستكلفها الأمم المتحدة تتألف من 150 عضواً، ثلثهم يمثلون النظام، والثلث الثاني يمثلون المعارضة، والثلث الاخير تعينه الأمم المتحدة ويمثل المجتمع المدني.
في استانة، تقول المصادر الأميركية، «كان الروس موافقون على قيام دي ميستورا بتسمية 50 عضوا، وسط معارضة شديدة من نظام (الرئيس بشار) الأسد، اذ حاول ممثلو الأخير الالتفاف على الآلية التي توافق عليها المجتمع الدولي، بما في ذلك روسيا وايران وتركيا، والقول ان اي دستور جديد يجب ان يكون تعديلا للحالي».
في استانة، تتابع المصادر الأميركية، وقوف ممثلي الأسد وحدهم في العرقلة، وتباينوا في موقفهم عن راعيتهم روسيا.
في جنيف، اول من امس، يبدو ان الأسد اقنع موسكو بضرورة عرقلة عملية تسمية الأمم المتحدة لخمسين من اعضاء اللجنة الدستورية المزمع تشكيلها، «فاستل (وزير الخارجية الروسي سيرغي) لافروف ورقة من جيبه، وطالب بحصة في تسمية الاعضاء الخمسين، وقدم اسماء سوريين موالين للأسد».
وترى المصادر ان الأسد يخشى ان يقوم المستقلون في اللجنة بترجيح الكفة ضده، «خصوصا لناحية بند تحديد ولايات الرئيس السوري باثنتين، مع مفعول رجعي، وهو ما من شأنه ان يمنع الأسد من الترشح لولاية رابعة في حال تم اقرار دستور جديد».
تركيا هي التي وقفت في وجه روسيا، حسب المصادر، ورفضت تضمين اسماء موالين للأسد في لائحة الخمسين التي من المفترض ان تسميهم الأمم المتحدة. هكذا، عبّر دي ميستورا عن خيبة أمله من اضاعة آخر فرصة كان يمكنه فيها ان يقدم اختراقا قبل رحيله.
ويبدو ان واشنطن والعواصم الحليفة سعت لاقناع دي ميستورا بضرورة تضمين تقريره الاخير الى مجلس الأمن اشارة الى العرقلة الروسية - السورية، إلا ان المصادر استبعدت قيام المبعوث الأممي المنتهية ولايته بذلك، وقالت انه يرى ان اي خطوة من هذا القبيل قد تساهم في تعقيد مهمة خلفه غير بيدرسون، الذي سيخلفه مع مطلع العام الجديد.

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

هل تراقب «اليونيفيل» مطار رفيق الحريري الدولي؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

علمت «الراي» من مصادر أميركية، ان نقاشاً يندلع، بين واشنطن وحلفائها، حول امكانية تعديل مهمة قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، حتى تشمل مراقبتها حركة الطائرات المدنية التي تهبط في مطار رفيق الحريري الدولي، وان تعذر توسيع المهمة، يدرس المسؤولون الاميركيون امكانية تخفيض موازنة القوة الدولية وعديد افرادها بنسبة الثلثين. 
وسبق للولايات المتحدة ان ابدت امتعاضا مما تعتبره الاداء الباهت للقوة الدولية، التي يبلغ عديد قواتها 15 ألفا منذ العام 2006، وتعمل بموازنة سنوية تبلغ 475 مليون دولار. ويقول المسؤولون الاميركيون انه رغم هذه التكلفة المرتفعة، فان «اليونيفيل» لم تنجح في وقف تمدد «حزب الله» في المساحة الممتدة بين الحدود الاسرائيلية - اللبنانية ونهر الليطاني، حسب ما ينص القرار 1701 الذي ادى الى وقف حرب يوليو 2006 بين الحزب واسرائيل. 
ويلفت المسؤولون ان كل الترسانة التي نجح الحزب في بنائها في الجنوب اللبناني، على اثر «حرب يوليو»، وكل الانفاق التي حفرها من الاراضي اللبنانية الى شمال اسرائيل، «كل هذه الاعمال لم ترد في أي من تقارير اليونيفيل، التي يخال من يقرأ تقاريرها ان (حزب الله) يلتزم نص القرار 1701 ببقائه شمال الليطاني». 
ويلفت المسؤولون الى ان «اليونيفيل» توظّف 580 عاملا لبنانيا، وتقيم مشاريع مدنية لافادة السكان المحليين، وهو ما يعني ان «الأمم المتحدة تقدم سيولة نقدية لانصار حزب الله وخوات للحماية لزعماء محليين». 
ويتابع المسؤولون ان على «اليونيفيل» تقديم اداء افضل من الحالي لتبرير مصاريفها المرتفعة، وان الولايات المتحدة تعمل الى جانب الحلفاء على امر من اثنين: إما توسيع رقعة عمل هذه القوة الدولية «لتشمل قيامها بمراقبة عمليات شحن الاسلحة التي تقوم بها ايران الى بيروت، عبر المطار، او تقليص عديد القوة وتخفيض قوتها بواقع الثلثين». 
ويقول المسؤولون الاميركيون ان «التظاهر بأن اليونيفيل تقوم بعملها في منع تمدد حزب الله جنوب الليطاني، وفي اعتراض شحنات الأسلحة الايرانية اليه، لم يعد مقبولا»، وانه «إما ان تقدم القوة الدولية نتائج، واما ستقوم الولايات المتحدة بتخفيض مساهمتها في تمويل عمل هذه القوة». 
وسبق لادارة الرئيس دونالد ترامب ان خفضت مساهمتها في موازنات وكالات عديدة تابعة للأمم المتحدة، مثل وكالة اغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهو ما يهدد استمرارية عمل وبقاء هذه الوكالات. 
«اليونيفيل ليست استثناء، وهي ان لم تقم بالدور المطلوب منها، يمكن تقليص موازنتها واعادتها لدورها السابق للعام 2006، والذي كان يقتصر على مراقبة الحدود ورعاية قناة اتصال بين ضباط لبنانيين ونظرائهم الاسرائيليين، بشكل دوري، لتفادي أي تصعيد عبر الحدود». 
وكانت الحكومة الاسرائيلية اتهمت ايران بشحن صواريخ متطورة الى «حزب الله» عبر مطار بيروت. كما اتهمت الحزب بتخزين هذه الصواريخ بالقرب من اماكن مأهولة بالسكان، بما في ذلك احياء قريبة من مطار رفيق الحريري الدولي، وهو ما حدا بالحكومة اللبنانية الى اخذ الصحافيين وسفراء دوليين في جولة على المناطق التي اشارت اليها اسرائيل، لتأكيد خلوها من الصواريخ. 
ويبدو ان واشنطن لا تسعى الى «جولة اعلامية» في المرة المقبلة التي يتهم فيها الاسرائيليون «حزب الله» بتخزين صواريخ، بل تريد ان يتم ابلاغ «اليونيفيل» حتى تقوم الاخيرة بزيارات تفتيش مفاجئة للتأكد من عدم حصول الحزب على الصواريخ والأسلحة التي يتسلمها من ايران ويخزنها في عموم الاراضي اللبنانية.

الإعلاميون ومصداقيتهم

حسين عبدالحسين

مطلع الألفية، يوم كنت أعمل في صحيفة في بيروت، نشرت تقريرا عن مقهى ألصق لافتة أعلن فيها أنه يتحفظ عن خدمة أي زبائن ممن لا يرى أن أشكالهم أو تصرفاتهم لائقة. كان المقهى المذكور، وهو يتبع لسلسلة أميركية، منزعجا من تردد جماعة كبيرة من مثليي الجنس عليه، وهو ما أسبغ عليه صفة، ربما أبعدت زبائن آخرين.

انزعج أصحاب المقهى لأن مقالتي كانت بالإنكليزية، وهو ما سمح للإدارة العامة في أميركا بمطالعة الموضوع، وتاليا فتح إمكانية سحب الترخيص الأميركي. للانتقام، قامت إدارة المقهى في لبنان بإلغاء 50 اشتراكا في الصحيفة التي كنت أعمل فيها، ما أثار حنق الناشر، الذي استدعاني وأمرني بتدارك الأمر، على الرغم من أني حاولت إقناعه بمهنية ما نشرناه وافتراء أصحاب المقهى على مثليي الجنس من الزبائن.

تلك الحادثة كانت مثالا عن النفوذ الذي يمارسه أصحاب القوة والمال، لا على الصحافة فحسب، بل على كل أنواع الكتابة والإعلام، وهو ما أعطانا القول المأثور إن "التاريخ يكتبه المنتصر".

لكن أصحاب النفوذ يندر أن يتفقوا فيما بينهم، ما يفتح كوة للاحتماء بحاكم لانتقاد آخر. هكذا، انتقل نفر من مسيحيي لبنان المثقفين إلى مصر، حيث أسسوا، في كنف خلفاء محمد علي الكبير، صحافة كسرت محظورات السلطنة العثمانية، التي كانت تستقي شرعيتها من أساطير دينية أسبغت عليها هالة غير قابلة للانتقاد.

هكذا، أسس الأخوان اللبنانيان بشارة وسليم تقلا صحيفة الأهرام في مصر في العام 1875، ونالت صحيفتهما حظوة واسعة بسبب جرأتها وحريتها، وهي جرأة أوصلت بشارة تقلا إلى السجن في زمن الخيديوي اسماعيل، قبل أن تتحول الأهرام إلى مطبوعة حكومية مملة مع ثورة الضباط "الأحرار" في العام 1952 وحتى اليوم.

اقرأ للكاتب أيضا: هل من مانديلا فلسطيني؟

وأصحاب الكلمة، مؤرخون وإعلاميون، يندر أن يتمتعوا بنفوذ يمنحهم حصانة جسدية واستقلالية مالية كافية ليكتبوا ضميرهم. على أن أصحاب الضمير بينهم يعرفون كيفية "السير على السور"، وقول الحقيقة كما يرونها، ما أمكن، والسعي للانحياز دائما للمظلومين والضعفاء، ومناصرة العدل وحقوق الإنسان.

وحيث يتعذر قول الحقيقة لأسباب متنوعة، منها الخوف من بطش السلطان أو من سطوة المال، يمكن للكتاب تفادي "قول الزور"، وهو أضعف الإيمان.

لكن التملق للسلطة والتمتع بالمال والجاه هي من المغريات التي تقنع بعض الصحافيين بأن لا ضير من التخلي عن الطوباوية والتحلي بالواقعية، فينخرط المؤرخ أو الإعلامي في الدعاية لهذا الحاكم أو ذاك الثري ويصور خطاياهم حسنات، فيتمتع بعطاياهم، ويتمادى في تبجيلهم، وعلى حسب القول المشرقي المأثور إن "من يأكل في طبق السلطان، يضرب بسيفه".

ولأن منطقة الشرق الأوسط تعيش بلية المال الذي يهبط من السماء ويستولي عليه الأقوياء، بدلا من الحكماء؛ يشتري الأقوياء الحكماء أو يقمعونهم، فتصبح خيارات أصحاب الكلمة إما الدعاء بطول عمر السلطان، أو مواجهة السجن والجوع.

هذا هو النموذج الإعلامي الذي استفحل في دنيا العرب حتى ألفه القراء واعتقدوه الوحيد.

في المقالات التي يكتبها النفر القليل المتبقي من الصحافيين العرب من أصحاب المصداقية والضمير، يندر أن تكون ردود الفعل ذات مصداقية وضمير مشابه، فالقراء ـ ومنهم الكثير من الأشباح الإلكترونية التي تديرها أجهزة الاستخبارات العربية المتعددة ـ يسعون لقراءة ما يتوافق وقبليتهم وانحيازهم، فيرمون ما لا يتوافق مع آرائهم، ويتهمون الصحافيين المخالفين بأنهم أزلام هذا السلطان أو تلك الدولة. ويتهم القراء الإعلاميين بأنهم متحاملين، ومتآمرين، وصهاينة، وإمبرياليين، إلى آخر اسطوانة الشتائم المملة المعروفة.

اقرأ للكاتب أيضا: المؤامرة الأميركية الكبرى!

لكل زمن أبواق تعمل بإمرة السلطان، مثل أشهر شعراء العرب أبي الطيب المتنبي. وفي كل زمن، كذلك، أصحاب ضمير ممن يبحثون عن الحقيقة، ويكتبون ما يعتقدونه بصدق، حتى لو كانوا يعيشون في بيوت طين في الفلوجة العراقية، مثل الراحل معروف الرصافي.

أما القراء، فعليهم التحلي بالذكاء، والابتعاد عن الحزبية، فالقراءة جزء من تدوين التاريخ، فإن بقيت الدعاية وحيدة وأقبل الناس على الحقيقة، تموت الدعاية وتعيش الحقيقة، حتى لو كانت حقيقة مختبئة بين السطور، أو على شكل حيوانات ناطقة، ففي كليلة ودمنة تدوين لواقع بغداد العباسيين أكثر بكثير مما في أشعار أبي الطيب، على أناقتها.

الاثنين، 17 ديسمبر 2018

«وعود» ترامب بتسليم غولن تثير «زوبعة» في الكونغرس

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم تكد تصريحات وزير خارجية تركيا مولود جاويش اوغلو تصل مسامع السياسيين الاميركيين، حتى ثارت «زوبعة» من ردود الفعل السلبية، خصوصاً في الكونغرس بين اركان الحزب الديموقراطي المعارض، فضلاً عن عدد من المشرعين الجمهوريين. 
ومما قاله الوزير التركي انه اثناء قمة العشرين، التي انعقدت في بوينس آيرس، أبلغ الرئيس الاميركي دونالد ترامب نظيره التركي رجب طيب أردوغان ان واشنطن تعمل على تسليم الداعية التركي المعارض فتح الله غولن لأنقرة. 
ويتهم أردوغان، غولن بالوقوف خلف محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة قبل عامين. وكانت انقرة قامت، في هذا السياق، بتسليم واشنطن 85 صندوقاً اعلنت انها مليئة بالاثباتات على تورط غولن، و80 من مناصريه الاتراك المقيمين في الولايات المتحدة، بمحاولة الانقلاب، وطالبت باسترداد مواطنيها، بموجب اتفاقيات تبادل المتهمين والسجناء القائمة بين البلدين. 
الا ان مسؤولي وزارة العدل الأميركية ردوا بالقول ان ما قدمته تركيا لا يرقى ليكون اثباتات جرمية بحق الداعية.
ويقيم غولن في ولاية بنسلفانيا منذ اوائل التسعينات، وهو يحمل بطاقة اقامة اميركية دائمة «غرين كارد». وسرت انباء، لم يمكن التأكد منها، ان محامي غولن تقدموا بطلب حصوله على الجنسية، ما يعني انه ان كان غولن حاز على جواز اميركي، يصبح تسليمه الى انقرة عملية شبه مستحيلة على ادارة ترامب. 
وكانت وسائل الاعلام الأميركية قامت، الشهر الماضي، بنشر تقارير اوردت فيها ان ادارة ترامب تعمل على تسليم غولن الى الاتراك، وهي تقارير اثارت ردود فعل سلبية واسعة في صفوف اعضاء الكونغرس من الحزبين، وكذلك في وسائل الاعلام. وقام البيت الابيض بنفيها جذرياً. 
أما أبرز ما اثار ردة الفعل الأميركية، فلا يتعلق بتسليم غولن الى خصمه اردوغان فحسب، بل يرتبط بقيام ترامب بقطع وعود لنظيره التركي بالعمل على اتمام عملية الاسترداد التي تطالب بها أنقرة، وهو ما تعتبره غالبية الاميركيين تدخلا من الرئيس في القضاء الاميركي ومسار العدالة، وهو أمر بمثابة الفضيحة في السياسة الأميركية. 
لهذا السبب، لم تكد تصريحات أوغلو، اثناء مشاركته في مؤتمر الدوحة يوم الأحد، تصل واشنطن، حتى ثارت ثائرة شريحة كبيرة من المشرعين الاميركيين، وكذلك من العاملين في الاعلام، اذ ان تصريحات الوزير التركي أكدت الاشاعات السابقة، التي كان البيت الابيض سعى الى نفيها. 
وراح بعض المشرعين الاميركيين والمحللين يتحدثون عن «نوعية الصفقة». وتراوحت السيناريوات المطروحة بين حديث عن تحسين ترامب لارباحه من فندقه في اسطنبول، وامكانية توسعة اعماله في تركيا، الى احتمال قيامه بالتخلي عن حلفاء أميركا من المجموعات الكردية السورية، المنخرطة في القتال ضد تنظيم «داعش»، فضلا عن صفقات سياسية اخرى وتكهنات اشار اليها مسؤولون اميركيون واعلاميون، مع توصل معظم المعلقين الى شبه اجماع يدين وعود ترامب لاردوغان بالتدخل في القضاء، ويدين كذلك امكانية تسليم مقيم في اميركا الى خصومه في دولة اجنبية، على خلفية عداوات سياسية لا ترقى لتكون جرائم يحاسب عليها القانون الاميركي.

الأحد، 16 ديسمبر 2018

ترامب يعزل نفسه أكثر داخل البيت الأبيض

حسين عبدالحسين

تحول الرئيس دونالد ترامب من شخص يوجّه الحوار السياسي الأميركي في الاتجاه الذي يريده، في الغالب عبر تغريداته، الى مدافع، ومبرر، ومشكك بالقضايا القضائية المتعددة، التي صارت تلاحقه بشكل يومي. 
ويبدو ان الايام التي كان يمكن لترامب ان يستفز فيها الأميركيين، والعالم، لناحية التهجم على المسلمين والدعوة الى منع دخولهم اميركا، الى مهاجمته اقرب الحلفاء في اوروبا وكندا، وسعيه للتحريض ضد الأميركيين من اصول اميركية جنوبية، ولّت الى غير رجعة، وان استفزازات ترامب فقدت بريقها، وصارت بمثابة كلمات فارغة يرددها رئيس صار يعاني من الوحدة في البيت الابيض. 
ومع استقالة رئيس موظفي البيت الابيض الجنرال جون كيلي، واجه ترامب صعوبة في تعيين بديل في واحد من أقوى المناصب في التراتبية الحكومية الاميركية، ما اضطره الى تعيين ميك مولفايني رئيس موظفين بالوكالة. وتزامن هذا التعيين مع اعلان وزير الداخلية ريان زنكي الاستقالة من الحكومة مع نهاية العام، بسبب الفضائح التي تلاحقه في وزارته. 
كما صار من الواضح ان ترامب، المهجوس بالقضايا القضائية التي تطارده، صار يعزل نفسه في البيت الابيض، الذي امتنع عن توزيع الجدول اليومي لنشاطات الرئيس، بسبب الشحّ في نشاطاته، وانفاقه ساعات طويلة وهو يشاهد التلفزيون، ويغرّد ردا على ما يشاهده. وفي هذا السياق، لاحظ الزملاء الاعلاميون المولجون تغطية شؤون البيت الابيض، ان نشاطات الرئيس الاميركي لم تتعد العشرين ساعة الاسبوع الماضي، وهو ما يؤكد ان ترامب صار يعزل نفسه، وينقطع عن العالم. 
ومن المصائب التي يواجهها ترامب ان القضايا صارت تلاحقه في كل شؤونه تقريباً، ولا تنحصر بالتحقيق الخاص في امكانية تواطؤه وافراد حملته مع روسيا. ومن القضايا المنفصلة عن التحقيق الروسي، قضية ارتكابه مخالفات في تمويل حملته الحكومية، وهي القضية التي أدت الى صدور سجن بحق محاميه السابق مايكل كوهن لمدة ثلاث سنوات، وهو حكم قد يطول الرئيس فور انتهاء ولايته. 
ومن القضايا التي تطارد ترامب قيام مدعي عام ولاية نيويورك بتوجيه الاتهامات الى الجمعية الخيرية، التي كانت تحمل اسمه والتي قام ترامب بحلّها منذ عام بسبب المشاكل القضائية. اما فحوى الاتهامات في هذا المضمار، فتتضمن قيام ترامب باستخدام التبرعات التي كان يجمعها على اساس انها لقضايا خيرية ويقوم بانفاقها على شؤون شخصية تخصّه. 
وفي مقاطعة كولومبيا، التي تحتضن العاصمة واشنطن، نجح الادعاء العام في الحصول على تعاون الجاسوسة الروسية ماريا بوتينا، التي تواجه تهم محاولة اقامة علاقات بكبار اركان الحزب الجمهوري، ودعمهم انتخابياً، مقابل الحصول على وعود منهم برفع العقوبات التي تفرضها واشنطن على موسكو، منذ قيام الاخيرة باحتلال شبه جزيرة القرم الاوكرانية. 
وكان ترامب نفسه وعد، اثناء حملته الانتخابية، برفع العقوبات عن روسيا في حال فوزه بالرئاسة، وهو الوعد الذي تعذر تنفيذه بسبب قيام الكونغرس بالتصويت، بشبه اجماع عصي على الفيتو الرئاسي، بفرض عقوبات قاسية على موسكو بموجب قانون يتطلب الغاؤه قانوناً مشابهاً، وهو ما لا يقدر ترامب على تحقيقه. 
من القضايا التي تلاحق ترامب، ايضاً، قيام محققين فيديراليين بالتدقيق بالاموال التي جمعتها لجنة تنظيم حفل القسم الرئاسي قبل عامين. وكانت اللجنة جمعت 107 ملايين دولار، يعتقد المحققون ان معظمها جاءت من طامحين للفوز بحظوة لدى الرئيس. ورفضت اللجنة نشر تفاصيل أي تدقيق خارجي، وتبين في وقت لاحق ان صديقة السيدة الاولى ميلانيا ترامب كانت حصلت على عقد بلغ 26 مليون دولار ثمن «الاشراف» على الحفل.

الجمعة، 14 ديسمبر 2018

صواريخ إيران... الشغل الشاغل للديبلوماسية الأميركية

حسين عبدالحسين

تحولت صواريخ إيران، المنتشرة في بعض دول المنطقة، الى الشغل الشاغل للديبلوماسية الاميركية، التي تسعى بكل ما أوتيت من عزم الى اقناع الاوروبيين بضرورة الانضمام الى الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية على طهران. 
وبعد انظمة «جي بي اس» الايرانية التي زودتها طهران الى الميليشيات المتحالفة معها في لبنان واليمن، وبعد تقارير عن قيام ميليشيات موالية لإيران بنصب صواريخ في اراض عراقية بشكل يهدد المملكة العربية السعودية، وبعد تكرار إيران تجاربها على الصواريخ البالستية، لم يعد حديث اميركا يتمحور حول النووي الايراني، ولا الميليشيات الموالية لطهران في لبنان والعراق واليمن وسورية، بل تحولت الصواريخ الى «هاجسها الأول والاخير». 
وعلى اثر قيام طهران بتجاربها الصاروخية الاخيرة، وجدت واشنطن الفرصة سانحة لتجديد محاولاتها اقناع الاوروبيين بالانسحاب من المعاهدة النووية، التي سبق ان انسحبت منها الولايات المتحدة في مايو الماضي، خصوصا بعدما سمع الاميركيون من نظرائهم الاوروبيين استياء واسعاً مما رأته العواصم الاوروبية «استفزازات صاروخية ايرانية، في وقت تسعى اوروبا لاستنباط وسائل للالتفاف على العقوبات الاميركية». 
على انه على الرغم من استيائهم، لم يسر الاوروبيون في ركب الاميركيين، اذ ادانت الديبلوماسية الاوروبية الصواريخ الايرانية، ولكنها لم تعتبرها خرقا لقرار مجلس الأمن 2231، الذي يكرّس الاتفاقية النووية مع ايران. واستند الاوروبيون في احجامهم عن اعتبار التجارب الصاروخية اختراقا للقرار، بالقول ان نص القرار الأممي «يدعو» طهران الى عدم القيام بتجارب صاروخية، وان هذا ما يجعل التجارب الصاروخية الايرانية «غير متناسقة» وروحية القرار، من دون ان تخرقه تقنيا. 
ويعتقد الاوروبيون ان اتهام إيران باختراق القرار 2231، على غرار ما فعلت واشنطن، يتطلب نصا يرد فيه ان المجلس «يطلب» من، بدلاً من يدعو، طهران عدم القيام بتجارب، و«يطلب»... هي الكلمة التي لم ترد في النص. 
لكن العاملين في وزارة الخارجية الاميركية اعتبروا ان التعليل الاوروبي نوعا من «السفسطائية»، اي التلاعب بالكلام، وقالوا ان من عايشوا التوصل الى الاتفاقية النووية يعرفون ان الاتفاق كان يستند الى توافق شفوي على وقف ايران التجارب الصاروخية، من دون تدوين ذلك في النص صراحة، لحفظ ماء الوجه للايرانيين وسيادتهم. 
على ان الاختلاف التقني الاميركي - الاوروبي، حول نص القرار، لا يعني تباينا حول ايران، فالاوروبيين يعتقدون ان طهران تواصل «نشاطاتها المزعزعة للاستقرار»، ومنها صواريخها البالستية والدقيقة المنتشرة في المنطقة. كذلك علمت «الراي» من مسؤولين اميركيين انهم سمعوا من نظرائهم الاوروبيين استياء عارما على خلفية محاولة طهران، قبل اسابيع، اغتيال معارض مقيم في الدنمارك. 
وجاءت المحاولة بعد اشهر على كشف الفرنسيين محاولة ايرانية مشابهة لتفجير فندق في بايس كانت منظمة «مجاهدين خلق» تعقد مؤتمرا فيه. 
ويقول المسؤولون الاميركيون ان «الفرصة سانحة جدا لبناء تحالف عبر الأطلسي لفرض عقوبات على ايران، حتى من دون انسحاب الاوروبيين من الاتفاقية النووية». هذه الفرصة دفعت الديبلوماسية الاميركية الى تجديد حملتها الرامية الى تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران. 
في سياق مشابه، سمعت «الراي» من مصادر في وزارة الطاقة الاميركية، ان وزيرها ريك بيري، الذي عاد لتوه من جولة قام بها في الخليج والعراق، رأى ان «الظروف تبدو مواتية لتصفير صادرات ايران النفطية». وقال مقربون من بيري انهم يتوقعون ان يرفع العراق انتاجه بواقع نصف المليون برميل سنوياً، مع حلول العام المقبل، ليصل عتبة 5 ملايين برميل. 
كذلك، تعتقد مصادر وزارة الطاقة ان خفض «اوبك» انتاجها بواقع 800 الف برميل يوميا يعني ان السوق يعاني من فائض، وان هذا الفائض يسمح باستبدال الصادرات الايرانية النفطية بنفط من مصادر بديلة، من دون التأثير في سعر السوق العالمي. 
وكانت واشنطن منحت استثناء مهلته 90 يوما لثماني دول تستورد النفط من ايران، بهدف اعطاء هذه الدول مهلة للعثور على مصادر بديلة، وكي لا يتسبب وقف الصادرات النفطية الايرانية للدول الثماني برفع سعر النفط عالمياً.

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

هل من مانديلا الفلسطيني؟

حسين عبد الحسين

أعاد المهرجان الأممي الذي أقيم للاحتفال بالذكرى المئة لمولد الراحل نلسون مانديلا، أيقونة النضال السلمي ضد التفرقة والعنصرية، إلى الأضواء قصة حياة رجل مثيرة للإعجاب، لم تنجح ثلاثة عقود له في الزنزانة في تحويله إلى حاقد أو ناقم، بل زادته تمسكا بضرورة النضال السلمي، فخرج إلى الحرية، وأخرج جنوب إفريقيا من ظلام التمييز إلى رحابة المساواة، فازداد إعجاب العالم به إعجابا، وصارت أقواله كالنبوءات الصادرة عن الأتقياء والصالحين.

تحول نجاح مانديلا إلهاما لحركات نضالية حول العالم، منها عند الفلسطينيين، إذ رأت النخبة الفلسطينية تشابها في الظلم يتطلب تشابها في أساليب النضال. المشكلة تكمن في أن النخبة الفلسطينية هذه تبنت أسلوب مانديلا السلمي، ولكنها لم تتبن أهدافه.

"بي دي أس" هو اختصار الاسم الإنكليزي لمجموعة "قاطع، اسحب الاستثمارات من إسرائيل، وافرض عقوبات"، وهي من أبرز المجموعات الفلسطينية الناشطة في تنظيم حملات المقاطعة كوسيلة سلمية، ولكن وسيلة لماذا؟

يمكن لأي مطالع لموقع "بي دي أس" أن يرى أن الكلمة الوحيدة المفقودة من أدبيات هذه المجموعة هي كلمة "سلام" بين العرب والإسرائيليين، بل إن المجموعة تطالب بضغط دولي على إسرائيل يصل إلى حد طردها من الأمم المتحدة ومن فيفا، الاتحاد الدولي لكرة القدم.

ولأن السلام بين العرب والإسرائيليين ليس من أهداف "بي دي أس"، يصعب تحديد هدف واضح لهذه المجموعة؛ فهي تسعى أولا إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي "لكل الأراضي العربية". هذه الأراضي، حسب "بي دي أس"، هي الضفة الغربية، وهضبة الجولان السورية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة. المطلب التالي لإنهاء "احتلال قطاع غزة" هو إنهاء ما تسميه المجموعة "الحصار القروسطي" للقطاع. لا يهم واقع أن الاحتلال والحصار فكرتان متناقضتان، إذ لا يبدو أن "بي دي أس" حريصة على الدقة في أهدافها.

اقرأ للكاتب أيضا: المؤامرة الأميركية الكبرى!

ثم تطلب "بي دي أس" هدم السور الإسرائيلي، وهو ما يدفع المرء إلى التساؤل: إذا كان هدف مجموعة المقاطعة الفلسطينية إقامة دولتين اسرائيلية وفلسطينية، فلا مبرر فلسطيني للإملاء على الإسرائيليين ما يبنونه على حدودهم. يمكن للفلسطينيين الطلب من الإسرائيليين تعديل مسار الحائط المذكور ليتطابق مع الحدود التي يعتبرها الفلسطينيون حدودهم، ولكن لا يمكن المطالبة بهدم أو تشييد أي سور بين الاثنين.

أما إذا كانت المطالبة الفلسطينية بهدم الحائط الإسرائيلي جزءا من السعي لإقامة دولة واحدة ثنائية القومية، إذ ذاك تنتفي صفة الاحتلال عن الإسرائيليين في أي أراض فلسطينية، وتصبح المشكلة مرتبطة بالمساواة في الحقوق بين المجموعتين السكانيتين.

من أهداف "بي دي أس" المساواة في الحقوق بين اليهود الإسرائيليين والعرب الإسرائيليين. هنا، لا بد من الإشارة إلى أنه لا يبدو أن عرب اسرائيل يرون المقاطعة سبيلهم لتحصيل حقوقهم في إسرائيل، بل الغالب إنهم يتمسكون بالتغيير من داخل المؤسسات الإسرائيلية، مثل إقبالهم على الترشح والانتخاب للكنيست.

ومن أهداف "بي دي أس" كذلك عودة كل الفلسطينيين ممن غادروا أراضيهم إبان حرب 1948، وتشير المجموعة إلى قرار أممي يطالب بذلك. على أن القرار المذكور صادر عن "الجمعية العامة"، ما يعني أنه على عكس قرارات "مجلس الأمن"، ليس قرارا ملزما. حتى بدون القرارات الدولية، تتطلب المطالبة بعودة اللاجئين إلى داخل اسرائيل تحديد رؤية المطالبين، فإن كانوا من المتمسكين بدولة ثنائية القومية، تصبح المطالبة مشروعة وتنتفي صفة احتلال عن الإسرائيليين في الضفة والقدس الشرقية. إما إن كان المطالبون من القائلين بحل الدولتين، يصبح الإصرار على عودة اللاجئين بمثابة المطالبة بحصول على دولتين فلسطينيتين متجاورتين، واحدة منهما مع أقلية عبرية عابرة.

لا تحتاج أدبيات الحملات الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل الكثير من التمحيص لاستنباط هدفها، وهو القضاء على دولة إسرائيل واستبدالها بدولة فلسطينية واحدة، من البحر إلى النهر، وهو ما يعني أن هدف سلمية "بي دي أس" ليس السلام، بل الانتصار سلميا في ما لم تقدر عليه الفصائل الفلسطينية المسلحة عسكريا، وهو هدف لا يسرّع الوصول إلى تسوية وسلام، بل يعيق ذلك.


من يعرف قصة مانديلا قد يعلم أنه اقتيد إلى السجن إبان إعداده ورفاقه عمليات تخريب في جنوب أفريقيا. في سجنه، تحول مانديلا إلى سلميته، وبرر تحوله بالقول إن على المرء أن "لا يخشى النمو". سلمية مانديلا لم تعن تخليه عن العنف للإطاحة بحكومة البيض فحسب، بل تبنيه خطابا يدعو إلى المصالحة، وعدم انتقام السود من البيض في حال إنهاء نظام أبرثايد، والمساواة بين السود والبيض.

هل من فلسطيني يدعو إلى نسيان التاريخ، والعفو عمّا مضى، وإقامة دولة ـ أو اثنتين ـ يعيش مواطنوها بسلام وينعمون بالمساواة؟

السبت، 8 ديسمبر 2018

نتنياهو وترامب يستخدمان العسكر لتحسين صورتيهما

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أثارت التقارير الأولية حول نية إسرائيل شن عملية «درع الشمال» لكشف وتعطيل أنفاق «حزب الله» إلى داخل الأراضي الإسرائيلية ذعر واشنطن من احتمال اندلاع حرب شاملة بين الإسرائيليين والحزب اللبناني. 
ومع مرور الساعات، وسّع المسؤولون الأميركيون، من الحزبين الجمهوري الحاكم والديموقراطي المعارض، دوائر اتصالاتهم مع نظرائهم الإسرائيليين، ليتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي طار الى بروكسيل بشكل طارئ للقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، عمد إلى تضخيم الموضوع، وأنها ليست المرة الأولى التي تعمد فيها إسرائيل إلى تدمير أنفاق من هذا النوع، إن كان من قطاع غزة أو من جنوب لبنان.
وعلى الرغم من إبلاغ نتنياهو واشنطن أنه قام باستدعاء الاحتياط لعملية ستستغرق أسابيع، تبين لاحقاً أن «درع الشمال هي حملة علاقات عامة ودعاية أكثر منها حملة عسكرية»، حسب المسؤولين الأميركيين، الذي نقلوا عن إسرائيليين أن الجيش يقوم بتدمير الأنفاق بشكل روتيني، وغالباً بعيداً عن الاضواء. 
وقال المسؤولون الأميركيون إن عملية مثل التي صورها نتنياهو تحتاج إلى اسابيع من التخطيط، وأن لا تخطيط يذكر سبق «عملية درع الشمال». 
ويبدو أن رئيس حكومة إسرائيل، الذي اصبح وزيرا للدفاع بالوكالة بعد استقالة افيغدور ليبرمان وخروجه وحزبه من التحالف الحاكم منتصف الشهر الماضي، حريص على إطالة أمد تحالفه المهتز حتى الوصول الى موعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في نوفمبر المقبل. 
وتشير الإحصاءات إلى أن نتنياهو يحتاج للاستمرار ثمانية أشهر في منصبه ليكسر الرقم القياسي لرئيس إسرائيل المؤسس دافيد بن غوريون، وليصبح نتنياهو صاحب أطول فترة حكم في التاريخ الإسرائيلي.
ويعتبر المسؤولون الأميركيون، أنه على عكس التقارير الأولية التي أشارت الى جدية خطر «حزب الله»، ما يجبر نتنياهو على مواجهته بشكل طارئ، يبدو ان رئيس الحكومة الاسرائيلي عمد الى تضخيم موضوع تدمير انفاق «حزب الله» في الشمال «لتشتيت الانظار عن الاتهامات التي وجهها اليه الادعاء في القضية»، التي صارت معروفة بقضية رقم 4000، والتي تتهم نتنياهو بالرشوة والتزوير والفساد واستغلال السلطة للاثراء غير المشروع.
واستخدام الجيش في محاولة تضخيم تصديه لاخطار محدقة بالوطن هو الاسلوب ذاته الذي لجأ اليه زعيم شعبوي آخر وحليف نتنياهو، وهو الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي وجد نفسه في ورطة مع تسارع الانباء حول التحقيقات التي تلاحقه بتهم التعامل مع روسيا للتأثير في الانتخابات الاميركية قبل عامين.
ولأن موضوع التحقيقات التي تلاحق ترامب ومستشاريه سيطرت على الدورة الاخبارية، في وقت كان حزب ترامب الجمهوري يستعد لخوض انتخابات كان يأمل ان يحافظ فيها على الغالبية في الكونغرس بغرفتيه، قام ترامب بتدبير حملة تشتيت انتباه شبيهة للتي دبرها نتنياهو حول انفاق «حزب الله» اللبناني.
ابتكر ترامب خطراً زعم انه داهم، وهو خطر قافلة من المهاجرين الذين غادروا هندوراس وتوجهوا، سيراً على الأقدام، الى حدود الولايات المتحدة الجنوبية، عن طريق المكسيك، على أمل قيامهم بطلب اللجوء الى أميركا. وراح ترامب يزعم، من دون دلائل، ان في القافلة مجرمون ومهربو مخدرات، وان هؤلاء يسعون لاجتياح أميركا ونشر الجريمة فيها.
بعد تضخيمه الخطر، أقدم ترامب على خطوة فريدة من نوعها ولا تتوافق مع الدستور الاميركي، اذ أمر وزارة الدفاع بارسال ألوية من الجيش الى الحدود للتصدي لقافلة اللاجئين الهندوراسيين. والقوانين الاميركية تحظر على جيش الحكومة الفيديرالية استخدام السلاح داخل البلاد، وتحصر هذه الصلاحية بوحدات «الحرس الوطني» المحلي، الذي يأتمر بأمر محافظ الولاية.
هكذا، وقف الجيش الاميركي على الحدود الاميركية الجنوبية مع المكسيك من دون سلاح، وبدون مقدرة على استخدام العنف ضد اللاجئين، في عملية أطلقت عليها ادارة ترامب تسمية «عملية الوطني المؤمن»، فيما راح المراقبون يسخرون من الرئيس الاميركي ومحاولته تعويم شعبيته عن طريق العسكر، في وقت كان ترامب نفسه استصدر عذرا طبيا في ايام شبابه للتهرب من الالتحاق بالخدمة الالزامية اثناء حرب أميركا في فيتنام.
لم تتحول «عملية درع الشمال» الاسرائيلية الى حرب مع «حزب الله»، بل تحولت الى حملة دعائية لمصلحة نتنياهو. كذلك لم تقتحم اي قافلة حدود اميركا الجنوبية، بل ان وسائل الاعلام تجاهلت انتشار الجيش الاميركي على الحدود، وغاب الموضوع عن اهتمام الاميركيين.
الاسلوب نفسه يعتمده نتنياهو وترامب، حسب المراقبين الاميركيين، وهو اسلوب يعمد الى تضخيم الخطر، ثم يظهر رئيس الحكومة او الرئيس وكأنه المنقذ الذي يأمر الجيش بالقيام بعملية واسعة لانقاذ الموقف وحماية الوطن، فيما الخطر وهمي، والعملية العسكرية وهمية اكثر، وللاستهلاك الاعلامي ومحاولة التأثير في الرأي العام اكثر منها عملية تتطلبها الظروف والضرورات.

الجمعة، 7 ديسمبر 2018

الكونغرس يقلّص حرية ترامب في السياسة الخارجية

واشنطن - حسين عبدالحسين
جريدة الراي

يجمع المراقبون الاميركيون، على ان الرئيس دونالد ترامب قد يكون من الرؤساء القلائل ممن خسروا الكثير من حريتهم شبه المطلقة في السياسة الخارجية، وذلك بسبب تبنّيه سياسة ترفضها غالبية اعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، مع قرب انتقال الغالبية في مجلس النواب الى ايدي الحزب الديموقراطي المعارض، مطلع العام. 
ويلفت العاملون في الكونغرس الى انه بعد سنتين من رئاسته، صار اسلوب ترامب في السياسة الخارجية واضحا، اذ هو يخلق أزمة من لا شيء، مثل مبالغته في الخطر النووي لكوريا الشمالية او إيران، او في اعلانه الحرب الاقتصادية على الصين وكندا والمكسيك. ثم يعلن نيته التواصل مباشرة مع زعماء الدول التي وجّه اتهاماته اليها. بعد عقد اللقاء، يخرج ترامب دائما بتسوية تكون عبارة عن العودة الى الاتفاقيات القديمة، انما مع اطلاق تسمية جديدة عليها أو تصويرها وكأنها انتصار لقدراته في المفاوضات والاقناع. 
هكذا، لم تفض قمّة ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جون اون الى وقف بيونغ يانغ نشاطاتها النووية، ولم تختلف اتفاقية التجارة الحرة التي وقعها مع كندا والمكسيك الى فوارق عن سابقتها المعروفة اختصارا بـ«النافتا». وفي الحرب التجارية مع الصين، عاد ترامب الى النقطة نفسها التي انطلق منها، وذلك بتخفيضه التعريفات التي كان فرضها على الواردات الصينية الى الولايات المتحدة، مقابل تخفيض بكين التعريفات التي كانت فرضتها على وارداتها الأميركية، خصوصا على فول الصويا، الذي تنتجه وتصدّره غالبية من المزارعين المؤيدين لترامب وحزبه الجمهوري. 
في الشرق الاوسط، لم يختلف ترامب في سياسته - الدعائية اكثر منها فعلية - فأعلن نقل السفارة الأميركية في اسرائيل الى القدس، واحدث ضجة عالمية، لكن السفارة انتقلت فعليا الى القنصلية الأميركية الواقعة على خط تقسيم المدينة، اي ان ترامب لم يعترف بالقدس «موحدة» عاصمة اسرائيل، ولا هو بنى سفارة في القدس الشرقية، المقرر ان تصبح عاصمة الدولة الفلسطينية المزمع قيامها.
في الأزمة الخليجية، لم يحد ترامب عن أساليبه، أيضاً. 
ازاء سياسته الخارجية الاستعراضية، التي تراها غالبية اعضاء الشيوخ مؤذية للولايات المتحدة وصورتها حول العالم ومصالحها، راح المشرعون يتبنون قوانين تجبر ترامب على الانصياع لها، كان أولها في قيام الكونغرس، بغرفتيه وفي وقت كانت لا تزال تسيطر عليهما غالبية من حزب ترامب الجمهوري، في اقرار قانون يشدد العقوبات على روسيا بسبب محاولاتها التدخل في سير الانتخابات الأميركية قبل عامين. وأقرّ الكونغرس قانون العقوبات بغالبية الثلثين، وهو ما حرم ترامب المقدرة على ممارسة صلاحية النقض (الفيتو). 
وعلى غير عادة القوانين من هذا الطراز، التي يلحظ فيها المشرعون بنودا تسمح للرئيس باصدار استثناءات في اختياره فرض العقوبات او احجامه عن ذلك، لم يتضمن قانون العقوبات على روسيا أي بنود من هذا النوع. 
وعلى اثر اشتباك الرئيس الأميركي مع زعيم كوريا الشمالية، كلاميا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقيامه بتهديد كيم، نوويا بالقول ان «مفتاحي النووي اكبر من مفتاحك وأقوى»، التأم مجلس الشيوخ في محاولة لاصدار تشريع يمنع الرئيس من شن أي هجوم نووي استباقي، وحصر مقدرته على استخدام الترسانة النووية في حالات تكون البلاد فيها تتعرض لهجوم نووي من قوى خارجية. 
هكذا هو ترامب، خرج عن التقاليد والاعراف في السياسة الخارجية الى حد دفع بالمشرعين، الجمهوريين قبل الديموقراطيين، الى الامساك بزمام امور السياسة الخارجية عبر اصدارهم تشريعات عصية على النقض الرئاسي، واجبار الرئيس على تنفيذها والالتزام بها. اما زعماء الدول ممن راهنوا على ترامب، فهؤلاء قد يكون رهانهم وصل نهايته.

الخميس، 6 ديسمبر 2018

محاولة أميركية أخيرة في سورية قبل رحيل دي ميستورا

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في محاولة قد تكون الأخيرة من نوعها قبل قيام مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا بتسليم مجلس الأمن تقريره الأخير حول سورية، يوم الجمعة في الرابع عشر من ديسمبر الجاري، تسعى الولايات المتحدة الى اقناع تحالف روسيا وايران والرئيس السوري بشار الأسد - بالوساطة عن طريق عواصم صديقة - بضرورة التعاون في مسألة تشكيل لجنة تشرف على كتابة دستور سوري جديد. 
في هذا السياق، يزور مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جول رايبرن ومسؤول ملف سورية في الخارجية السفير جيمس جيفري، تركيا والأردن، في جولة تستمر حتى يوم الجمعة المقبل كذلك، يأملان خلالها في التوصل لاختراق «الساعة الحادية عشرة»، حسب التعبير الاميركي، وحمل بشار الأسد على وقف عرقلة تسمية «اللائحة الثالثة» المقرر ان يشارك اعضاؤها في اللجنة الدستورية. 
وتقضي خطة دي مستورا بتشكيل لجنة دستورية من 150 عضواً، ثلثهم من النظام، وثلثهم من المعارضة، والثلث الأخير تعينه الأمم المتحدة من ممثلي المجتمع المدني السوري والمنظمات غير الحكومية. وعلى الرغم من موافقة موسكو على اقتراح دي مستورا، يتمسك الأسد بما يعتبره حقّه في نقض اي من الأسماء في اللائحة الثالثة، وهو ما يعني ترجيح كفة النظام على المعارضة داخل اللجنة الدستورية، وهو ما رفضته الأمم المتحدة، وأيدتها في رفضها «المجموعة الصغرى»، المؤلفة من الولايات المتحدة وثلاثة من حلفائها الاوروبيين، بريطانيا وفرنسا والمانيا، وثلاثة من حلفائها العرب، السعودية ومصر والأردن. 
وكانت «المجموعة الصغرى» عقدت لقاء في واشنطن بمشاركة وكيل وزير الخارجية ديفيد هيل وممثل هيئة المعارضة السورية نصر الحريري، وتم الاتفاق على الخطوات الواجب اتخاذها. وتوجه بعد ذلك الوفد الاميركي، المؤلف من رايبرن وجيفري، إلى انقرة، لاطلاعها على آخر ما توصل اليه الحلفاء الداعمين للمعارضة السورية. 
وقبل مغادرة الوفد واشنطن، تحدث جيفري مع الصحافيين، فكرر موقف واشنطن القائل إن الحرب وصلت الى «نتيجة تعادل»، وان الوضع اليوم تغير عمّا قبل، بالتزامن مع تغيير في هوية اصحاب القرار في سورية وعددهم. وقال ان وزير الخارجية السابق جون كيري اضطر للتعامل مع 400 فصيل معارض في العام 2016. اما اليوم، فعدد اللاعبين تقلص كثيراً، وصار مثلاً يمكن ان يرى العالم التزاماً بوقف اطلاق النار، كما في ادلب، وهو ما كان متعذرا في ما قبل. 
ويبدو ان جيفري يعتقد ان اللاعبين الأساسيين على الأرض، وفي السماء السورية، هم - إلى روسيا وإيران والأسد - تركيا، التي تشرف على مناطق المعارضة في ادلب، وأميركا، التي تشرف على عمل فصائل كردية سورية مسلحة في حوض الفرات، شرقاً، واسرائيل، التي تساهم مقاتلاتها وعلاقاتها مع موسكو في ضبط نشاطات إيران والميليشيات الموالية لها في سورية. 
يقول جيفري انه يرى ان الظروف في سورية تغيرت بعض الشيء عمّا كانت عليه قبل ست سنوات، وان نظام الأسد صار يظهر بعض المرونة. «هل نحن امام تعادل؟ نعم... هل هو تعادل صلب كالذي كان عليه قبل اشهر؟ لا»، حسب جيفري، الذي يعتبر ان صمود تركيا امام ضغوط روسيا وايران في موضوع «اللائحة الثالثة» يشير الى ان الاتراك صاروا يعتقدون ان من يحسم على الأرض لن يقدر على الحسم سياسياً. 
ويكرر جيفري رؤية واشنطن، التي يسميها «ثلاثة ألف» (حرف آر بالانكليزية)، ومفادها بان الروس والايرانيين والأسد يسعون الى ثلاثة أمور: اعادة اللاجئين، واعادة الاعمار، واعتراف العالم بشرعية الأسد. لكن اي من هذه الأمور لن تحدث ما لم يتم التوصل الى تسوية سياسية تقضي بمشاركة حقيقية في الحكم، وهذه بابها دستور جديد، وانتخابات بتنظيم دولي، وحكومة وحدة وطنية. 
هكذا أمضى جيفري قرابة نصف الساعة وهو يقنع الصحافيين، المشككين بأن الأمور لم تتغير بشكل يدفع لتكرار المجهود الديبلوماسي، بأن اختراقا سياسيا ممكنا قبل الجمعة المقبل. اما في حال تعذر الاختراق، تبقى الأمور على ما هي عليه، في وقت يتداول بعض العاملين في وزارة الخارجية بانهم يتوقعون ان يحمّل دي مستورا نظام الأسد مسؤولية فشل التوصل الى تسوية سياسية، ربما كهدية وداع قبل تسليم المبعوث الأممي مسؤولياته لخلفه غير بيدرسون، مطلع العام المقبل.

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2018

ارتفاع احتمالات اندلاع حرب إسرائيلية ضد «حزب الله»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

صعدت فجأة مخاطر اندلاع حرب بين اسرائيل و«حزب الله» اللبناني، مع لقاء رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو - ومعه رئيس جهاز «الموساد» يوسي كوهين، ومستشار الأمن القومي مئير بن شابات، ومستشار نتنياهو للشؤون الدفاعية آفي بلوت - وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في بروكسيل، على هامش مشاركة الاخير في لقاء لوزراء خارجية «تحالف الأطلسي». 
وعلمت «الراي» من مصادر في العاصمة الأميركية ان «نتنياهو سعى لاثبات ان ما تقوم به إيران وحزب الله يرقيان الى إعلان حرب على الدولة العبرية»، وانه «لا يمكن لاسرائيل الانتظار اكثر من ذلك حتى لا يفوتها الاوان». 
وقالت المصادر ان الفريق الاستخباراتي العسكري الذي ترأسه نتنياهو الى بروكسيل، قدم لبومبيو دلائل تؤكد ان ايران تقوم بتزويد الحزب بأنظمة «تحديد المواقع العالمي» (جي بي أس) التي تتم إضافتها الى ترسانته الصاروخية، فتعطيه مقدرة - لم تكن متوافرة لديه في ما مضى - على ضرب مواقع داخل اسرائيل، بدقة أكبر. 
وأشارت الى فيديو دعائي قدمه «حزب الله» يظهر خريطة اسرائيل، تم التحديد عليها مواقع وزارة الدفاع، والمطارات العسكرية التي تقلع منها المقاتلات، فضلاً عن اهداف حساسة اخرى. 
وقالت المصادر الأميركية ان خريطة الحزب، المرفقة باحداثيات الاهداف الاستراتيجية، مع نظام «جي بي اس»، هي بمثابة «تغيير في قواعد اللعبة، سيضطر الاسرائيليين الى شن حرب قاسية ضد الحزب اللبناني». 
ويرجح المسؤولون ان «ما بدا تنازلاً اسرائيلياً في غزة، سببه تركيز الاسرائيليين على امكانية اندلاع القتال على حدودهم الشمالية مع لبنان، ورغبتهم في تفادي التعامل مع حرب على جبهتين». 
وقالت المصادر ان الاسرائيليين قدموا للاميركيين الدلائل التي بحوزتهم، والتي تؤكد ان إيران تقوم بتسليح حزب الله بشحنات تقوم بها طائرات بوينغ - 747 تحط في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت. ويملك الاسرائيليون، حسب الاميركيين، صورا جوية ومعلومات مستقاة من عملاء على الارض في لبنان تؤكد الرواية الاسرائيلية. 
وسألت «الراي» عما اوردته بعض التقارير الاسرائيلية حول امكانية ان يكون سبب تصعيد نتنياهو المصاعب التي يواجهها قضائياً مع توجيه الادعاء اتهامات فساد ضده، فأجابت المصادر بانه يندر ان يذهب الاسرائيليون إلى حروب لاسباب سياسية، بل ان مراجعة تاريخية تشير الى اساليب اخرى يلجأ اليها زعماء الدولة العربية، اثناء مواجهتهم صعوبات مع القضاء، مثل محاولة استئناف عملية السلام مع الفلسطينيين، مثل ما حدث في حالة سلف نتنياهو، ايهود اولمرت. 
على ان المصادر قدمت اسباباً اخرى اعتبرت انها قد تقف خلف شعور نتنياهو بضرورة شن حرب ضد الحزب في لبنان. وتقول ان رئيس الحكومة «يدرك انه سيمر زمن طويل قبل ان تشهد اميركا رئيسا» منحازاً لمصلحة اسرائيل مثل الرئيس دونالد ترامب. وبما ان الاخير يعاني من تدهور في شعبيته بشكل ينذر باحتمال فشله في الفوز بولاية رئاسية ثانية بعد عامين، فان الاسرائيليين يعتقدون ان توقيت توجيه ضربة الى «حزب الله» قد يكون الامثل فيما ترامب في البيت الابيض. 
ويتبقى في رئاسة ترامب، 776 يوماً، ومن المرجح ان ينهمك في النصف الثاني من هذه الايام في حملة اعادة انتخابه، وهو ما يعطي نتنياهو نافذة لا تتعدى الاشهر العشرة ليقوم بتوجيه ضربة تهدف للقضاء على اي صواريخ دقيقة قد يكون قد حصل عليها «حزب الله» من ايران. 
وتأتي محاولات إسرائيل اعاقة حصول حزب الله على صواريخ متطورة، في وقت يشير الخبراء العسكريون الاميركيون الى ان روسيا شغّلت منظومة «إس 400»، وثلاث منظومات «إس 300» الدفاعية الصاروخية في سورية، فضلا عن قيامها بشن حرب الكترونية تؤدي الى تعطيل وعرقلة الملاحة الأميركية والاسرائيلية في الاجواء السورية، ما يضطر الاسرائيليين الى القيام بمراقبة وضرب اهداف ايرانية داخل سورية بتكلفة اكبر بكثير بسبب استخدام المقاتلات ذات التقنيات المتفوقة، مثل مقاتلات «اف - 35» الحديثة الأميركية الصنع.

لو لم يحرر بوش الكويت

حسين عبدالحسين

مات رئيس الولايات المتحدة الحادي والاربعون، جورج بوش (الأب)، عن أربعة وتسعين عاما، كانت حافلة بخدمته الطويلة للوطن. كان أول من سارع إلى نعيه الرئيس السابق باراك أوباما، اذ على الرغم من انتماء كل منهما لحزب يعارض الآخر، بوش للجمهوري وأوباما للديموقراطي، إلا أن أميركا ما زالت تنحني أمام الموت، فلا يهجي الخصم خصمه، ولا يسعى إلى تلطيخ صورته ومحو تاريخه، بل يغدق على ذكراه المديح والكلمات الطيبة.

ورثاء أوباما لبوش الأب لم يكن نفاقا سياسيا، بل أن الرئيس السابق حاول أن يفي سلفه الراحل بعض حقه، فبوش الأب، على الرغم من فشله في الفوز بولاية ثانية، تمتع باحترام واسع بين الأميركيين من الحزبين، منذ عمله طيارا حربيا للقضاء على النازية، إلى توليه مناصب تراوحت بين موفد بلاده إلى الأمم المتحدة والصين، ومدير ”وكالة الاستخبارات المركزية“ (سي آي اي)، ونائب الرئيس الراحل رونالد ريغان، حتى انتخابه رئيسا للبلاد.

أما أبرز إنجازات بوش الأب، عربيا، فتجلّت في قيادته التحالف الدولي الذي حرر الكويت من احتلال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لها. تلك الحرب لم تكن تسمح، أخلاقيا، بالاختيار بين الغازي صدام وضحاياه الكويتيين. مع ذلك، اختار بعض العرب الوقوف مع صدام، الغازي المحتل، وقدموا أسبابا واهية، كررها البعض بعد شيوع خبر وفاة بوش الأب.

في العام 1990، وصف العرب أصحاب ”الخطاب الخشبي“ الكويتيين بأنهم ”يهود الخليج“ (وكأن كلمة يهودي شتيمة)، واتهموا الكويتيين بأنهم بخلاء لم ينفقوا على قضايا العرب، وخصوصا فلسطين، مع ان ”حركة تحرير فلسطين“ (فتح) نفسها أبصرت النور في الكويت، برعاية الكويتيين وتمويلهم، يوم كان محمد القدوة، ياسر عرفات لاحقا، واحدا من عشرات آلاف الفلسطينيين المقيمين في الكويت والمتنعمين بوظائفها.

اقرأ للكاتب أيضا: المؤامرة الأميركية الكبرى!

ومن الأسباب التي ساقها العروبيون أصحاب ”القضية“ لتبرير اجتياح صدام للكويت كان اعتبار أن الكويت ”صنيعة الاستعمار“، وكأن فلسطين — كما العراق وسورية والأردن ولبنان — لم يرسمها السيدان سايكس وبيكو.

كان اجتياح صدام حسين الكويت أكثر الاجتياحات بربرية في التاريخ المعاصر. نهب العراقيون البنوك الكويتية واقبيتها، وأفرغوها من احتياطات النقد والذهب. كما نهب جيش صدام المحال الكويتية الفاخرة، وصار سعر ساعة الرولكس فلوسا قليلة في الأسواق العراقية. وخطف العراقيون عددا من الكويتيين، وهؤلاء مايزال مصيرهم مجهولا حتى اليوم. وقبيل هزيمته وانسحابه، أضرم صدام النار في آبار النفط الكويتية، في واحدة من أكبر الكوارث البيئية المعاصرة.

أثناء كل بربرية صدام هذه، وقف عرفات إلى جانب رئيس العراق الراحل، في بغداد، يستعرضان الجيوش العراقية، وهلل عرب كثيرون في الشوارع وهم يهتفون ”يا صدام وياحبيب، دمّر دمّر تل ابيب“، يوم تساقطت بعض صواريخ السكود العراقية على رؤوس الإسرائيليين.

لم تكن الكويت لتعود لأصحابها على أيدي أصحاب القضية وشعارات العروبة، ولم يكن تحريرها ممكنا لولا بوش الأب، الذي قاد حربا يمكن تدريسها في كتب الديبلوماسية والعلاقات الخارجية، إذ على الرغم من القوة الجبارة التي كانت أميركا تنفرد بها وقتذاك، حرص بوش الأب على بناء تحالف دولي، وحرص على الالتزام بتفويض الأمم المتحدة، فأنهى العمل العسكري فور التحرير، ومن دون اجتياح العراق للاقتصاص من الأرعن صدام.

ولو أن الإدارات الأميركية اللاحقة التزمت أسلوب بوش الأب، لناحية تحريك المجتمع الدولي إنسانيا، ثم التزامها بحدود القرارات الدولية، لكان العالم اليوم في وضع أفضل بكثير. عوضا عن ذلك، غرقت أميركا لاحقا في حرب أحادية في العراق، وتجاهلت كارثة سورية الإنسانية التي ارتكبها الرئيس بشار الأسد.

لو لم يحرر بوش الأب الكويت، لكانت اليوم لا تزال المحافظة العراقية التاسعة عشرة، ولكانت على شكل العراق، غارقة في فساد، بلا كهرباء، ولا مال، ولا وظائف، ولا أمل. أما الكويت اليوم، فتعيش في بحبوحة، ورخاء، ونظام، وبرلمان منتخب، وصحافة حرة.

اقرأ للكاتب أيضا: من أحرق الشرق الأوسط؟

لم ينس الكويتيون يوما فضل بوش الأب عليهم. في أكتوبر العام الماضي، زار وفد كويتي بزعامة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم الرئيس الراحل جورج بوش الأب، ونقل إليه أنه، بعد كل السنوات، لا يزال الكويتيون يحفظون جميله.

أما بعض جيران الكويت من العراقيين، ممن وصلوا الحكم في بغداد على ظهور الدبابات الأميركية، فاستداروا على أميركا في العراق، وراحوا يصرخون ضد أي تدخل أميركي ينقذ جيرانهم السوريين من دموية بعث الأسد، على غرار إنقاذ أميركا لهم من دموية بعث صدام.

في بعض العقل العربي، يرتبط اسم بوش الأب بحرب إمبريالية مزعومة على العراق، لكن الواقع أن اسم الراحل بوش يرتبط ببقاء الكويت اليوم واحة رخاء، بدلا من غرقها في بؤرة البؤس العراقي، وهو إنجاز، وحده، كفيل باسكات ”الخطاب الخشبي“ وأصحابه.

تحتاج جماعة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي اس) الى تحديد اهدافها بشان النزاع الفلسطيني الإسرائيلي

حسين عبدالحسين

في اعقاب عقود من المعاناة من وصم المحاربين من اجل الحرية بوصمة الإرهاب، نجح الفلسطينيون مؤخرا في نشر بدائل سلمية لجعل مناشداتهم بدولة مستقلة مسموعة. بيد انه رغم انها جهود جديرة بالإشادة الا ان النشاط الفلسطيني السلمي ما زال يرتكب أخطاء تذكر بالماضي القريب عندما كانت المطالب مغالى فيها والاهداف يكتنفها الغموض.

يعد قيام موقع ايربنب المتخصص في تأجير المنازل الريفية لقضاء العطلات، بحذف المنازل المعروضة بالمستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية بال “انتصار الجزئي”، وذكرت الجماعة الفلسطينية الداعية للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي اس) في بيان لها انها أدركت دور ايربنب في “تقويض حق الفلسطينيين في السكن والعمل الجماعي في صناعة الضيافة”. اضافت بي دي اس انها تتضامن مع الداعين “لمحاسبة ايربنب على هذا الأساس”

تقدم بي دي اس نفسها كحركة راعية للحقوق الفلسطينية. ومن ثم يبدو كيفية خدمة الانحياز لحق الفلسطينيين في السكن والعمل الجماعي امرا محيرا. غير انه يمثل في الواقع موضوعا رئيسيا لجماعة تحتاج إلى مزيد من التركيز على اهدافها، وينبغي عليها أن تتوافق فاعلياتها مع تطلعاتها الحقيقية.

وامتدت فعاليات بي دي اس الى الجامعة الامريكية ببيروت حيث تمت مقاطعة جيف ماكماهان أستاذ الفلسفة بجامعة اوكسفورد ابان القائه لمحاضرته. وارجع مؤيدو بي دي اس وأنصار الجماعات المتطرفة، مثل حزب الله تخريبهم الحدث بسبب انتماءماكماهان الى الجامعة العبرية.

لم يشفع للأكاديمي الأمريكي لدى بي دي اس وحزب الله كونه هدفا لهجوم الكتاب الموالين لإسرائيل الذين يعتبرونه عدوا لإسرائيل بسبب انتقاده لسياساتها وحروبها. فقد تملكهم الغضب جراء تصريح ماكماهان انه يعترف بوجود إسرائيل شانه شان معظم حكومات العالم بما في ذلك الدول الكبرى ذات الأغلبية المسلمة كمصر وتركيا والأردن.

يأتي ضمن اهداف بي دي اس وضع نهاية “للاحتلال الإسرائيلي وجميع الأراضي العربية المحتلة كالضفة الغربية والقدس وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وتفكيك الجدار “العازل” حيث توصف غزة بأنها تعيش تحت حصار القرون الوسطى. بيد ان الاحتلال والحصار مفهومان متناقضان فاذا كانت غزة تحت الحصار فإنها لا يمكن احتلالها. على اقل تقدير تحتاج بي دي اس الى تشديد لهجتها.

ومن بين الأهداف الاخرى للجماعة، اجبار إسرائيل على منح مواطنيها من غير اليهود حقوقا مساوية لمواطنيها اليهود الامر الذي يحارب من اجله عرب إسرائيل الأعضاء بالكنيستفترشح عرب إسرائيل للمناصب العليا واقبالهم على التصويت في الانتخابات هو في الواقع إشارة إلى أن مجتمعهم اختار أن يناضل من أجل حقوقه من داخل المؤسسات الإسرائيلية، بدلاً من مقاطعتها. ومن ثم تحتاج بي دي اس لإيجاد وسيلة للتعاون مع عرب إسرائيل بدلا من تقويض جهودهم-حيث انهم يحتاجون الى كافة سبل المساعدة الفعالة والمعقولة.

وتتطلع بي دي اس الى استنساخ تجربة جنوب افريقيا في انهاء نظام التمييز العنصري، ولكنها لسوء الطالع ليس لديها نيلسون مانديلا الرجل الذي كان يهدف الى تجنب الانتقام والسعي لإحلال السلام بين الأغلبية السوداء المضطهدة والأقلية البيضاء الحاكمة في ذلك الوقت. فلو ان بي دي اس نجحت في تحقيق السلام-بدلا من فكرة معاقبة إسرائيل-وهو ما تهدف اليه، لأصبحت اليوم سفيرا فعالا للفلسطينيين الساعين الى العدالة المعترف بها عالميا كحق من حقوق الرجال والنساء والتي للأسف يفتقدونها في شرق المتوسط. وتتميز هذه الجماعة في الواقع بالخيال الجامح حيث تطمح الى طرد إسرائيل من الأمم المتحدة. وبقدر طموحها هل يعتقد أي شخص جديا بإمكانية تحقيق هذا الهدف ومن ثم يستحق بذل أي جهد نحو تحقيقه؟

وتهدف فعاليات السلام الى التوصل الى تسوية وحلول وسط. فنزعة بي دي اس نحو السلمية امر جدير بالإشادة. كما انها دفعت السلطات الإسرائيلية لان تهتم لصورتها في سائر انحاء العالم والقت الضوء ليقف الإسرائيليون على الممارسات الاسرائيلية غير العادلة ضد الفلسطينيين. ولكنها بوسعها ان تفعل ما هو أكثر من ذلك إذا جعلت من تمكين السلام بين إسرائيل والفلسطينيين حجر الزاوية. فلو انها فعلت ذلك لأجبرت المزيد من دول العالم على الاستماع الى قضيتهم كما اجبرهم مانديلا على الاستماع له وهو لا يزال حبيس سجنه، فالظلم بوسعه قمع الابدان لكنه لا يستطيع قمع الأفكار. فبي دي اس تحتاج الى تحديد اهدافها.

الجمعة، 30 نوفمبر 2018

استانة وفشل «المقايضات» حول سورية

حسين عبدالحسين

في تقييمهم لمؤتمر استانة الذي انعقد للتباحث في الشأن السوري، تحدث عدد من المسؤولين الاميركيين عمّا آلت اليه الاوضاع في سورية، وخلصوا الى ان «الحرب السورية انتهت بلا منتصر واضح»، على الرغم من نجاح الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه في حسم الوضع على معظم الأرض لمصلحتهم. 
وقال بعض المسؤولين ان «الوضع السائد في سورية فتح باب المقايضات بين الدول على مصراعيه»، وان بعض العواصم - خصوصا موسكو - تحاول احياناً مقايضة ما لا تملكه، فلا هي تفي بالتزاماتها، ولا تصل مبادراتها الى نتيجة. 
المقايضة الاولى، والأبرز، تعرضها الولايات المتحدة والعواصم الغربية على تحالف روسيا وايران والأسد، وهي مقايضة تربط رفع العقوبات الاقتصادية عن الأسد - وتقديم مساعدات مالية لمجهود اعادة الاعمار وعودة المهجرين - بعد التوصل الى تسوية سياسية شاملة بين الأسد ومعارضيه. 
من دون «تسوية سياسية»، لن يرفع الغرب عقوباته، ولن يموّل عملية اعادة الاعمار، وهو ما يعني ان «الأسد يبقى حاكما فوق ركام، في وقت لا مقدرة عند الروس ولا الايرانيين على تقديم اي مساعدة جدية لتمويل اعادة الاعمار»، حسب المصادر الأميركية.
روسيا تدرك ان «التسوية» هي مفتاح الاموال الغربية، التي تحتاجها اي حكومة سورية حاجة ماسة. لذا، تسعى منذ شهور عديدة، الى التوصل الى تسوية وان سورية، يمكن للعواصم الغربية الركون اليها لتبرير رفع عقوباتها عن الحكومة السورية. 
في سياق التسوية الشكلية، خالت موسكو ان تشكيل لجنة مشتركة من نظام الأسد ومعارضيه لكتابة دستور جديد يمكنها ان تكون هي التسوية التي ينشدها الغربيون، وهي المهمة التي تلقفها مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا وحاول تقديمها كخطته للخروج من الأزمة السورية، بعد فشل كل الخطط السابقة التي كان قدمها على مدى اكثر من 1600 يوم شغل فيها منصبه. 
الا ان الأسد ادرك ان اي اعتراف دولي، باشراف الأمم المتحدة، بسوريين غيره، ينتقص من سيادته كممثل اوحد ووحيد لسورية، فرفض المشاركة بأي لجنة من هذا النوع، وأصرّ ان اي تعديل دستوري يكون عبر القنوات الرسمية، اي في «مجلس الشعب» السوري، الذي تعتبره الحكومات الغربية شكليا، ولا أي قرار مستقل له عن الأسد.
هكذا، تحول مؤتمر استانة الى «فرصة ضائعة»، حسب وصف دي ميستورا، وبقيت المقايضة الغربية مع روسيا متعثرة برفض الأسد اي مشاركة فعلية مع معارضيه في الحكم. 
المقايضة الثانية، حسب المصادر في واشنطن، قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، اثناء لقاء بينهما على هامش المشاركة في ذكرى الحرب الكونية الاولى، في باريس، قبل اسبوعين. 
تقول المصادر ان بوتين اقترح على نتنياهو قيام ايران بسحب كل المقاتلين الموالين لها من سورية، بمن فيهم مقاتلو «حزب الله»، مقابل موافقة الولايات المتحدة على تخفيف العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على طهران. 
ويبدو أن العرض استهوى عددا لا بأس به من أهل القرار في أميركا واسرائيل، الا ان غالبية المسؤولين في البلدين شككت في مقدرة بوتين على ضمان الانسحاب الايراني من سورية، اذ سبق للرئيس الروسي ان وعد الاسرائيليين مرارا بحتمية انسحاب القوات الايرانية بالكامل من سورية، من دون ان يحصل ذلك. ويعتقد بعض المسؤولين الاميركيين ان بوتين لم يحمل العرض من إيران، بل ان العرض هو من بنات افكار الرئيس الروسي، وانه قد يأخذ اي موافقة اميركية على تخفيض بعض العقوبات ليحاول اقناع ايران بها. 
ويكاد المسؤولون الاميركيون يجمعون على ان ثمن خروج إيران من سورية اكبر بكثير من رفع بعض العقوبات، وان ايران «لم تنفق كل هذه الاموال والدماء من اجل رفع بعض العقوبات»، وهو ما يدفع الاميركيين للاعتقاد بان الايرانيين لن ينسحبوا الا تحت ضغط روسي - اميركي مشترك، وهو مجهود لم يتعهد بوتين الانخراط به حتى الآن.
أما المقايضة الثالثة والاخيرة، فهي موافقة اميركا على سحب قواتها من شرق الفرات، وتاليا تسليم الحكومة السورية آبار النفط، في حال انسحاب القوات الايرانية من سورية، وهو العرض الذي أعلنه المبعوث الاميركي المفوض شؤون سورية جيمس جيفري، قبل اسابيع. 
طهران اعتبرت ان هذه المقايضة فاشلة لأن أميركا تسعى للانسحاب من سورية في اقرب فرصة، وهي والحال هذه لا يسعها مقايضة مصلحتها، اي الانسحاب، بمصلحة اخرى، اي انسحاب القوات الايرانية.
على ان جيفري أعلن ان القوات الأميركية ليست في عجلة من امرها للرحيل، وانه بوسعها البقاء شرق الفرات حتى اشعار آخر. 
هي مجموعة من المقايضات تشترك فيها الدول الكبرى والقوى الاقليمية، ولا يشترك فيها السوريون، الذين اقصى ما يمكنهم فعله هو اقصاء واحدهم الآخر عن التسوية، على ما دأب على فعله الأسد في المؤتمرات الدولية العديدة المتعاقبة، او على ما اعتادت فعله فصائل المعارضة المحسوبة على عواصم مختلفة، والتي حملت معها ثارات هذه العواصم، فراحت «منصات» المعارضة تقصي الواحدة الأخرى، وتطعن بمصداقيتها، حتى صارت المؤتمرات حول سورية بمشاركة معظم دول العالم، غالبا باستثناء السوريين. 
واختتمت جولة جديدة من مفاوضات أستانة، الخميس، من دون تحقيق أي اختراق في الأزمة.
وعبرت وزارة الخارجية الأميركيّة في بيان عن الأسف لعدم تحقيق أي تقدّم. وقالت الناطقة هيذر ناورت، «على مدى عشرة أشهر، أدّت مبادرة أستانة/سوتشي إلى مأزق» في ما يتعلّق باللجنة الدستوريّة السوريّة.

الخميس، 29 نوفمبر 2018

المحقق مولر يقارب الاختراق وترامب يكثّف عرقلة العدالة

حسين عبدالحسين

ضجّت وسائل الإعلام الأميركية، بخرق قانوني غير معهود قام به محامي بول مانوفورت، رئيس حملة دونالد ترامب الانتخابية، بإحاطته محاميي الرئيس الأميركي، بآخر مداولاته مع فريق التحقيق الخاص، في إمكانية تواطؤ الحملة مع روسيا، في الانتخابات الرئاسية قبل عامين. 
وكان مانوفورت وقّع وثيقة تعاون مع فريق التحقيق، الذي يقوده المدير السابق لـ«مكتب التحقيقات الفيديرالي» (اف بي آي) روبرت مولر، أقرّ فيها بالذنب، وتعهد بالتعاون مع المحققين للتوصل الى الحقيقة، مقابل تخفيف مدة الحكم بالسجن، الذي سيطلبه مولر من القاضي بحق مانوفورت. 
ويجبر التعاون محامي مانوفورت الانفصال عن نظرائه ممن كان يشترك معهم بوثيقة دفاع مشترك، خصوصا محاميي ترامب، لكن المحامي تجاهل التعهد، وواصل التنسيق مع فريق محاميي ترامب حول التحقيقات مع مولر، وهو ما يعطي المحامين الرئاسيين لمحة عمّا يعرفه المحقق الخاص، ويسمح لهم بتدبير دفاع قوي لا يمكن اختراقه عن طريق عنصر المفاجأة. 
إلا أن مولر يبدو انه ردّ على مفاجأة تنسيق محاميي مانوفورت وترامب بتفجير مفاجأة من ناحيته، أورد فيها ان مانوفورت لم يلتزم الاتفاقية مع فريق التحقيق لأنه «قام بالكذب» على هذا الفريق. أما أبرز كذبة أدلى بها أمام المحققين، فتمثلت بنفيه وجود أي تنسيق مع مؤسس موقع «ويكيليكس» الأسترالي اللاجئ في السفارة الإكوادورية في لندن جوليان اسانج. 
ويعتقد فريق مولر أن اسانج يعمل بإمرة الاستخبارات الروسية، التي تزوده بالوثائق الأميركية المسروقة، التي عمد إلى نشرها على مدى السنوات الماضية، وكان آخرها مراسلات البريد الإلكتروني للمرشحة الديموقراطية للرئاسة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، وكان ذلك قبل الانتخابات بخمسة أسابيع، وهي الخطوة التي يعتقد الخبراء انها رجحت كفة ترامب على كلينتون. 
وكانت وزارة العدل أصدرت مذكرة توقيف غيابية بحق اسانج. ويبدو أن الضغط الأميركي على حكومة الإكوادور لتسليم مؤسس موقع «ويكيليكس» بدأ يؤتي ثماره، مع قيام الرئيس الإكوادوري لينين مورينو بتنحية سفيره في لندن، صديق اسانج، كارلوس اورتيز، في خطوة بدت وكأنها تمهيد لنقل المؤسس الى الولايات المتحدة، حيث ستتم محاكمته واستنطاقه حول موضوع علاقته بروسيا وبمسؤولين في حملة ترامب. 
في هذه الأثناء، قام ناشط آخر من حملة ترامب، واسمه جيري كورسي، برفض اتفاقية اعتراف بالذنب كان مقبلاً على توقيعها مع مولر. 
وأظهر نص الاتفاقية اعترافاً بتنسيق كورسي في التواصل بين اسانج وروجر ستون، وهو من كبار المشاركين في حملة ترامب. 
وتكمن المفاجأة في حيازة مولر على مراسلات إلكترونية كان حاول كورسي إخفاءها والكذب في شأنها، وهو ما يبدو أنه اثبت لترامب أن مولر يعرف، ولديه إثباتات، اكثر بكثير مما يعتقد كثيرون، ما قد يكون دفع الرئيس إلى الإمعان في محاولاته عرقلة العدالة، وهي العملية التي بدأها بعد فترة قصيرة من دخوله البيت الأبيض، حسب ما يرى بعض المراقبين، وتجلى ذلك بقيام ترامب بطرد وزيرة العدل بالوكالة سالي يايتس، فمدير «اف بي آي» جيمس كومي، ثم كرت السبحة لتطول وزير العدل الذي كان عينه الرئيس نفسه، جيف سيشنز. 
بعد كل عملية طرد، كان ترامب يصرّح بأن دافعه هو «التحقيق في موضوع التواطؤ مع روسيا»، الأمر الذي يعتبره القضاء الأميركي قيام الرئيس بممارسة صلاحياته التنفيذية لإعاقة مسار تحقيق يطوله. 
من يفوز في السباق بين المحقق الخاص والرئيس ترامب؟ يبدو أن ترامب يتمتع بأفضلية موارد الرئاسة وصلاحياتها، لكن يبدو أيضاً ان مولر صار يعرف الكثير، ومن الأسئلة التي وجهها لترامب تمحورت حول ان كان يعرف أن مانوفورت التقى اسانج ثلاث مرات. على هذا السؤال، أجاب ترامب أنه «لا يتذكر». 
لكن مولر قد يكون بحوزته دلائل دفعته الى توجيه سؤاله المذكور، وهي دلائل قد لا تطيح برئيس تحتاج الإطاحة به الى صوت 67 سناتوراً، فيما يقتصر عدد الشيوخ الديموقراطيين على 47. 
حتى لو لم تؤد إثباتات مولر، حول تورط ترامب مع روسيا، الى الإطاحة بالرئيس الأميركي، لكن ظهورها الى العلن، في وقت لاحق، قد يكون كفيلاً بإنهاء رئاسة ترامب، بعد ولاية واحدة، بعدما ينفك عنه مؤيدوه لثبات ضلوعه في مؤامرة ضد الوطن، ومحاولته في وقت لاحق التستر عليها واعاقة مجرى العدالة لكشفها. 
لكن ترامب، لم يستبعد إصدار عفو رئاسي عن مدير حملته السابق. وقال لصحيفة «نيويورك بوست» في حديث في مكتبه الأربعاء «لم نناقش ذلك من قبل لكنني لم أستبعد (هذا الخيار)، لماذا سأفعل ذلك»؟
ويشبه الرئيس الأميركي، المدعي الخاص بالسناتور الجمهوري السابق جوزف ماكارثي الذي أطلق في خمسينات القرن الماضي حملة تهدف إلى إقصاء أي شخص يشتبه بأنه شيوعي أو يتعاطف مع النظام السوفياتي.
وأمس، أقر مايكل كوهين، المحامي السابق لترامب، بذنبه بأنّه أدلى بإفادة كاذبة أمام مجلس الشيوخ خلال جلسة استماع حول اتصالاته بروسيا.
وكوهين الملاحق بتهم جنائية عدّة سبق له وأن أقرّ في نهاية أغسطس بأنّه مذنب بتهم عديدة.

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

المؤامرة الأميركية الكبرى!

حسين عبد الحسين

في عقل عامة العرب أن الولايات المتحدة تدير مؤامرة كبرى على العالم، وخصوصا على العرب والمسلمين. لا يصل ديكتاتور إلى السلطة إلا بتآمر أميركي، ولا تجري الإطاحة بديكتاتور إلا بتآمر أميركي. أميركا هي التي عيّنت صدام حسين طاغية للعراق، وهي التي أطاحت به. وأميركا هي التي عينت حسني مبارك حاكما أوحد لمصر، ثم أطاحت به. ثم صادقت أميركا "الإخوان المسلمين" وعينت محمد مرسي رئيسا، ثم أطاحت به، ومنحت الحكم للعسكري عبد الفتاح السيسي. أميركا هي التي تنصّب الحكام، وهي من تطيح بهم عندما "ينتهي دورهم".

وعند عامة العرب أيضا، أميركا هي التي أسست الحركات الجهادية الإسلامية للقتال في أفغانستان ضد السوفيات، ثم قضت عليها في حربها في أفغانستان. وأميركا هي التي تسلّح وتمول تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا، وأميركا نفسها تقاتل بجيوشها التنظيم نفسه.

هذا الوهم العربي حول المؤامرة الأميركية الكبرى لا يفسد علاقة العرب بالولايات المتحدة فحسب، بل يعكس سذاجة عربية تقارب الهبل، إذ إن الأحاديث العربية عن هذه المؤامرة تسبغ على أميركا صفة تقارب الألوهية بسبب قدراتها الخارقة على القيام بالأمر ونقيضه في الوقت نفسه. وهو وهم يصوّر العرب وكأنهم يتفرجون على التاريخ، من دون أن يساهموا في التأثير في مجرياته أبدا.

طغاة العالم على أشكالهم، وعلى مر التاريخ، من برلين هتلر إلى موسكو بوتين وطهران خامنئي، أفادوا من الهبل العربي، فبنوا عليه دعايتهم. ويمكن لأي متابع أن يرى كمية التزوير التي يبثها إعلام بوتين وخامنئي بين العرب. مثلا، هناك التصريح المنسوب زورا إلى وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، مفاده أنها قالت إن الولايات المتحدة هي من أسست "داعش"، ودربته، ومولته، وسلّحته.


طبعا التصريح مزيف ولا أساس له. لكن الدعاية الإيرانية تبني عليه. على مواقع التواصل الاجتماعي تنتشر فيديوهات لمقاتلين من "الحشد الشيعي"، المعروف بـ"الشعبي"، أي الميليشيات العراقية الموالية لإيران، يظهرون فيها وهم يشيرون إلى أسلحة وعتاد، صناعة أميركية، غنموها من "داعش". يدعو المقاتلون المصورين إلى "إظهار حقيقة" أن أميركا هي التي تقف خلف "داعش".

ومن نافل القول إن مقاتلي "الحشد الشيعي" لا يدعون المصورين إلى إظهار حقيقة أن الغطاء الجوي، الذي منحهم التفوق العسكري لإلحاق الهزيمة بـ"داعش"، تقدمه مقاتلات أميركية، بتكلفة مالية عالية جدا. ومن نافل القول أيضا إن الدعاية الإيرانية تخفي الحقائق، فـ"داعش" اكتسح مدينة الموصل العراقية، واستولى على أسلحة وعتاد الجيش العراقي، وهي أميركية الصنع. كما استولى "داعش" على احتياطي العملات الأجنبية لدى "مصرف الرافدين" المركزي، فرع الموصل.

وهناك الدعاية الزائفة التي تحمل الولايات المتحدة عموما، وقبلها الغرب الأوروبي الذي كان يتزعم العالم، مسؤولية تقسيم العرب والمسلمين والتفرقة بينهم. لا يهم إن الحروب الإسلامية الداخلية لم تهدأ يوما منذ فتح مكة في العام 628 ميلادية، بما في ذلك حروب الردة، وواقعة الجمل بين علي وعائشة، وحرب صفين بين علي ومعاوية، ويوم كربلاء بين يزيد والحسين، ومعركة الزاب بين العباسيين والأمويين، وحرب الأمين والمأمون ولدي الخليفة العباسي الرشيد، وصولا إلى الحروب الأهلية في لبنان والعراق وليبيا واليمن والسودان. حتى الفترة المزعومة ذهبية للدولة الإسلامية، أي دولة الخلفاء الراشدين، شهدت اغتيال ثلاثة من الخلفاء الأربعة.

كل هذا الاقتتال العربي الداخلي، السابق لقيام الولايات المتحدة والامبراطوريات الغربية بألف عام على الأقل، ثم يتنطح السذّج من العرب ليصرّوا أنه لطالما عاش المسلمون في وئام، لولا "مخططات الإمبريالية والصهيونية وقوى التآمر العالمي".

غالبية عربية لا تعجبها الحقائق، بل تستهويها نظريات المؤامرة، عن حفنة وهمية من "الماسونيين والصهاينة والأميركيين" الناقمين على عظمة المسلمين ودينهم. وهؤلاء العرب المسلمون يعتقدون أنهم ليسوا بغافلين عن الحقيقة، بل هم يعون كل ما يحاك ضدهم من مؤامرات وغيرها من الخزعبلات التي تنتجها أدوات الدعاية لدى الطغاة العرب وغير العرب، ويتم توزيعها على غالبية عربية، تقوم بدورها بتكرار المقولات المزيفة، فتتحول إلى حقائق دامغة تتناقلها الأجيال، ويزداد الجهلة جهلا.

الأميركيون، بدورهم، جرّبوا كل الطرق الممكنة: دعموا ديكتاتوريات عربية، وحاصروا بعضها مثل في العراق وليبيا، وخلعوا بعضها الآخر مثل في العراق، وحاولوا احتلال دول لتأسيس حكومات ديمقراطية فيها مثل في العراق، وحاولوا دعم انتفاضات للديمقراطية في دول أخرى مثل لبنان ومصر، وحاولوا سياسة "الانخراط" مع الرئيس السوري بشار الأسد، ثم حاولوا النأي بنفسهم عن الحرب الأهلية في سوريا، وأشرفوا على تقسيم السودان.

اقرأ للكاتب أيضا: عالم عربي بلا مثليين

كل التجارب الأميركية في الدول العربية ـ التي تراوحت بين الديبلوماسية والحصار والدعم للديمقراطية والاحتلال المباشر لنشر الديمقراطية والنأي بالنفس ـ كلها لم تنتج إلا عالما عربيا غارقا في الدماء والفساد والفشل، كالذي يعيش فيه العرب اليوم. ثم يحمّل بعض العرب مسؤولية مصائبهم لـ"المؤامرة الأميركية الكبرى"، بدلا من دراسة التجربة الأميركية، وتحديد أسباب نجاحها، ومحاولة صناعة تجربة مشابهة في الحكم، تصنع من العرب مواطنين يملكون أوطانهم وحكوماتهم، وينتخبون حكامهم، بدلا من أن يخال عدد كبير من العرب أنفسهم محللين سياسيين يكشفون خبايا الأمور، فيما هم يتخبطون في معلومات زائفة يزاحمها غياب مقلق في المنطق.