الخميس، 30 مايو 2019

دانفورد: التعزيزات هدفها الردع والخطر الإيراني... منظّم

حسين عبدالحسين

بدأ المسؤولون الأميركيون بالخروج عن صمتهم، واقتربوا من الكشف عن التفاصيل الاستخباراتية، التي دفعتهم الى تعزيز قواتهم في الخليج، مطلع الشهر الجاري. وفي هذا السياق، قال رئيس الاركان جو دانفورد، في إطلالة له في معهد بروكنغز في العاصمة واشنطن: «رأينا شيئا يشبه اكثر الحملة المنظمة منه التهديد المنفرد». 
وشدد دانفورد على ان التعزيزات الاميركية في الخليج هدفها الردع والحماية، لا استفزاز الايرانيين: «في الدرجة الاولى، اردنا ان يعلم الايرانيون انهم اذا ما قاموا بشيء، فسنلقي باللائمة عليهم». في الدرجة الثانية، أضاف الجنرال الاميركي، «اردنا ان يعلم الايرانيون ان لدينا المقدرة على الرد، في حال فشل الردع»، وان «عناصر القوة هي تجسيد لنيتنا بالرد». 
وأشار رئيس الاركان الأميركي إلى الهجمات الثلاثة التي تلت وصول التعزيزات الاميركية، وهي هجوم «بالالغام البحري» ضد ناقلات سعودية في الفجيرة الاماراتية، وضربات بطائرات من دون طيار على انابيب نفط في السعودية، وسقوط صاروخ «كاتيوشا» على مقربة من السفارة الاميركية الى بغداد. 
وأضاف مستشار الأمن القومي جون بولتون، في مؤتمر صحافي في ابو ظبي، أول من أمس، هجوماً ايرانياً، تم احباطه، ضد مرفأ ينبع السعودي على البحر الاحمر. 
وشرط عدم ذكر اسمائهم، يتداول المسؤولون ما يعتقدون انه كان خطة ايرانية تهدف للانتقام من الولايات المتحدة وحلفائها، في حال تصفير صادرات النفط الايرانية. وانخفضت الصادرات الإيرانية من اكثر من مليون برميل نفط يوميا إلى نحو 400 ألف برميل هذا الشهر. ومن شأن العقوبات الاميركية ان تؤدي الى رفع تكاليف تصدير النفط الايراني، مثل تكاليف الناقلات وتأمينها، ما يؤدي الى نفور الزبائن وكساد الصادرات النفطية الايرانية، وهو ما يبدو انه دفع الايرانيين الى اعداد خطة لاغلاق مضيق هرمز، كرهينة في يد طهران في حال تمسك الأميركيون بتصفير صادرات ايران. 
ولإغلاق مضيق هرمز، قامت الجمهورية الاسلامية بتثبيت صواريخ قصيرة المدى على زوارق سريعة. ويبدو ان الهدف كان استهداف أي قطع بحرية تحاول فتح المضيق، الذي يمر عبره ثلث مبيعات الطاقة عبر البحار في العالم. 
وعلى وجه السرعة، أرسلت الولايات المتحدة تعزيزات لضمان بقاء المضيق مفتوحاً. والمضيق هو ممر مائي يبلغ عرضه 30 كيلومترا، اربعة منها فقط مخصصة للملاحة البحرية، في الاتجاهين. 
ويردد المسؤولون أن أي مواجهة عسكرية مباشرة مع ايران تقضي باجتياح المظليين الاميركيين لجزر المضيق، وكذلك للبر الايراني الذي يشكل ضفته الشمالية، ما يتطلب قوات ارضية، وهو الامر الاكثر حساسية سياسيا بالنسبة للرئيس دونالد ترامب، الذي بدا متخوفا من الدخول في حرب تتطلب قوات برية، وهو لذلك عمد الى تنفيس الاحتقان، والتصريح علنا، اثناء زيارته اليابان في عطلة نهاية الاسبوع، ان ادارته لا ترغب في تغيير النظام في طهران، وهو ما يناقض تصريحات سابقة لبولتون ومسؤولين آخرين. 
ويرى الخبراء الاميركيون ان بديل الحرب هو الدخول في مفاوضات مع إيران، وهي مفاوضات اعلن المرشد الأعلى علي خامنئي رفضها، على الرغم من قيام الايرانيين بانشاء قنوات اتصال خلفية مباشرة مع واشنطن، وبالوساطة عبر خمس حكومات حول العالم، على الأقل. لكن حتى اكثر الاميركيين معارضة للحرب يعتقد ان العقوبات ستجبر طهران على الحوار، بغض النظر عن تصريحات مسؤوليها التي تشي عكس ذلك. 
وفي السياق، قال القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي باتريك شانهان للصحافيين في طريقه إلى إندونيسيا، الأربعاء، إن القوات الإضافية ستتوجه إلى السعودية وقطر. وأضاف أنه رغم تغير موقف إيران أخيراً، إلا أنها لا تزال تشكل تهديداً. 
وتابع أن إرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، مثل نشر قاذفات وصواريخ «باتريوت» وتسريع وتيرة نشر مجموعة حاملة طائرات هجومية في الشرق الأوسط، ساعد على ردع هجمات ضد أميركيين في العراق.

الأربعاء، 29 مايو 2019

سياسة أميركا الخارجية تخيف الحلفاء أكثر من الخصوم

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أطلقت تصريحات الرئيس الأميركي في اليابان، «رصاصة الرحمة» على واحدة من اكثر السياسيات الخارجية ارتباكاً في تاريخ الولايات المتحدة، بعد مخالفة دونالد ترامب، شينزو آبي رئيس حكومة اقرب حليف آسيوي لاميركا، باستخفافه بتجارب كوريا الشمالية الصاروخية، واعتقاده انه سيتوصل حتماً الى تسوية مع بيونغ يانغ، حتى لو بدت تسوية على حساب اليابان وأمنها. 
وكما مع حليفته اليابان، كذلك اثار ترامب مخاوف حلفائه الآخرين حول العالم، وفي طليعتهم في الخليج، حيث تتغير المواقف الاميركية تجاه النظام الايراني بعدد الدقائق، وبعدد تصريحات المسؤولين الاميركيين، الذي يغرّد كل منهم على ليلاه. 
سياسة ترامب الخارجية هي اصلاً من صنع مستشاره للأمن القومي، حتى قبل ان ينضم الاخير إلى الادارة، اذ سبق لجون بولتون ان عمل كمحلل للسياسة الخارجية متعاقد مع قناة «فوكس» اليمينية، التي يتابعها ترامب بشكل متواصل، ويتبنى غالب ما يسمعه عبر أثيرها. 
وبعد اشهر من التخبط، عيّن ترامب، بولتون مستشاره للأمن القومي. والمعروف ان للمستشار علاقة شخصية خاصة مع الرئيس، وانه كان على اتصال مباشر ومستمر معه حتى قبل ان يدخل البيت الابيض. ولأن بولتون من الصقور، راح يرسم سياسة مبنية على التلويح باستخدام القوة العسكرية الكبيرة في الضغط على اعداء اميركا، وفي الدفاع عن حلفائها. هكذا، رسم سياسة متشددة، مدعومة بعضلات العسكر، ضد كل من كوريا الشمالية وايران، ملوحا بعمل عسكري في حال إمعان أي من هذين البلدين، او كل منهما، في تطوير اسلحة نووية. 
حول إيران، وعد وزير الخارجية مايك بومبيو بزيادة الضغط عليها، وبمناصرة الايرانيين ممن ينتفضون ضد نظامهم، ويطالبون بحريتهم، ويدفعون نحو الحرية. 
وبعد وصول الاساطيل والقاذفات الاستراتيجية إلى الخليج، وتصاعد امكانية المواجهة العسكرية مع ايران، بدا وكأن ادارة ترامب، بقيادة الثنائي بولتون - بومبيو، تدير سياسة خارجية متماسكة تضغط على الخصوم وتحمي الحلفاء. لكن شهر عسل السياسة الخارجية انتهى بمجرد ان علّق ترامب على موضوع ايران، والمواضيع الاخرى، ككوريا الشمالية، فتمسك باعتقاده ان التسوية مع بيونغ يانغ حتمية، واطلق تصريحاً قال فيه انه لا ينوي تغيير النظام الايراني، بل هو يرغب في الحوار. 
هكذا، تنبهت طهران الى ان استعراض القوة الذي يقدمه بولتون وبومبيو، هو استعراض فحسب، وان ما يصبو اليه ترامب في سياسته الخارجية هو المجد الشخصي، اي ان يقف الى جانب مسؤولين ايرانيين، على غراره وقوفه الى جانب زعيم كوريا الشمالية، ومصافحته، امام عدسات الاعلاميين. ثم يتباهى بأنه نجح في «صناعة التاريخ»، كونه اول رئيس اميركي يتفاوض وجها لوجه مع الكوريين الشماليين منذ الحرب في الخمسينات. ومثل في كوريا الشمالية، كذلك في ايران، يسعى ترامب الى استعراض اعلامي، ربما يجمعه في صورة مصافحة مع نظيره الايراني حسن روحاني، او حتى مع المرشد الاعلى علي خامنئي. 
المشكلة الوحيدة للايرانيين، الذين صاروا يعتقدون انهم في موقع قوة في مواجهة سياسة خارجية اميركية ضعيفة ومفككة، تكمن في العقوبات القاسية والموجعة لايران واقتصادها. لهذا السبب، يعتقد عدد من المسؤولين الاميركيين ان الايرانيين سيتحاورون مع ترامب، ولكنهم سيعملون على الافادة سياسيا - الى اقصى حد - من الاخذ والرد الذي يسبق اي تسوية. 
ومن كوريا الشمالية وإيران، الى المنامة، حيث يعقد صهر الرئيس وكبير مستشاريه جاريد كوشنر مؤتمر «صفقة القرن» المخصصة للسلام العربي - الاسرائيلي، وهو مؤتمر بلا جدول اعمال مفهوم، ولا اهداف محددة، ولا لائحة مشاركين متفق عليها، على غرار «الصفقة» نفسها، والتي ما انفك صاحبها كوشنر يؤجل في الاعلان عنها منذ قرابة عام، وسط تكتم مستمر منه ومن افراد فريقه. 
وكان مبعوث السلام جيسون غرينبلات عقد امام يهود اميركيين، في نيويورك، لقاء غير معلن ومغلق، شرح لهم الصفقة. وحضر اللقاء ابراهام سيلفرستاين، الذي كتب بعد ذلك في مجلة «فورورد» انه، لأن المجالس بالامانات ولا يمكنه الافصاح عن اي تفاصيل، الا انه يعتقد ان «صفقة العصر» غير عادلة ومنحازة للاسرائيليين على حساب الفلسطينيين. 
وكتب انه «بينما اعلن ترامب عن نيته التوصل الى اتفاقية نهائية تكون انعكاسا حقيقيا لغروره، الا ان لدى الفريق الذي شكله من كوشنر وغرينبلات و(السفير الاميركي لدى اسرائيل ديفيد) فريدمان»، خطة مختلفة. 
وختم الكاتب، متوجها الى اليهود الاميركيين: «اذا كنتم تعتقدون ان حل الدولتين اساسي حتى تبقى اسرائيل آمنة وديموقراطية، اقترح ان تبتعدوا عن هؤلاء الناس، وان تأملوا ان يرحلوا مع حلول العام 2021». 
هي سياسة خارجية متناقضة، متبدلة، ومرتبكة، هدفها ارضاء غرور ترامب وسعيه لتصوير نفسه على انه نجح في كل ما فشل فيه اسلافه من الرؤساء، وواقعها انها قاصرة، وتحدّ من النفوذ الاميركي، وتخيف الحلفاء اكثر منها الخصوم.

الثلاثاء، 28 مايو 2019

التاريخ كما يراه الإسلام السياسي

حسين عبدالحسين

أوقفت "أي جاي بلس"، التابعة لقناة الجزيرة القطرية، عاملين لديها عن العمل، بعد بثهم تقريرا عن "المحرقة اليهودية"، هولوكوست، ورد فيه أن النازيين قتلوا 20 مليونا، وأن ستة ملايين فقط منهم من اليهود، لكن اليهود استغلوا نفوذهم في المال والإعلام لاحتكار المأساة وكسب التعاطف الدولي لإقامة دولة لهم في فلسطين، وارتكاب هولوكوست بحق سكانها.

وبمتابعة ردود فعل المواقع العربية والناشطين العرب، تبين أن غالبية ساحقة منهم تؤيد نظرية المؤامرة نفسها التي وردت في التقرير، بل إنهم توسعوا في مؤامرتهم ليشتموا قطر و"الجزيرة" بسبب رضوخهما المزعوم لإملاءات إسرائيل، التي تحكم العالم بأسره كما يتصورون، ولقيام القناة بحذف التقرير المثير للجدل، وطردها معدّيه ومقدميه.


على أن مطالعة حلقات سابقة للبرنامج نفسه تبدو وكأنها مستوحاة من كراسات الإسلام السياسي الممزوج بأدبيات اليسار العالمي المعادي للإمبريالية، منها حلقات تبدي إعجابا بالحضارة الإسلامية في الأندلس، وإدانة بحق المسيحيين، الذين توحدوا للقضاء على آخر جيوب الحكم الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية ـ أي غرناطة ـ وقاموا بتحويل الجوامع الإسلامية إلى كنائس مسيحية.

ويتابع البرنامج أنه من رحم جريمة القضاء على غرناطة ولدت جريمة أخرى، هي إبحار كريستوف كولومبوس إلى القارة الأميركية. وفي حلقة أخرى عن "يوم كولومبوس"، الذي تحتفل به الولايات المتحدة سنويا، يشن البرنامج حملة تقذيع ضد كولومبوس بتهمة إبادة السكان الأصليين في الأميركيتين، وفتح الباب على مصراعيه للعبودية. ثم يربط البرنامج بين ما يراه إبادة كولومبوس للسكان الأصليين وإبادة إسرائيل لسكان فلسطين الأصليين، أي المسلمين الفلسطينيين.

هكذا هو التاريخ كما يتخيله الإسلام السياسي: في فلسطين يبدأ في العام 636 ميلادية، تاريخ "الفتوحات الإسلامية"، وهي فتوحات على شكل انتصارات مباركة مجيدة. لم يكن في فلسطين سكان أصليين قبل "الفتوحات" حتى تأسف "أي جاي بلس" عليهم.

في الأندلس، يبدأ التاريخ سنة 711 ميلادية، أي مع "فتح الأندلس"، التي لم يقطنها سكان أصليون قبل وصول المسلمين إليها، على الرغم أن اسم "أندلس" أصله "أرض الفاندلز"، أي القبائل الجرمانية التي كانت تقطنها منذ ما قبل الفتوحات. ثم ينتهي تاريخ الأندلس في العام 1491 مع "سقوطها" في أيدي المعتدين المسيحيين.

أما في الأميركيتين، فهذه عاش فيها سكان أصليون، ولم "يفتحها" كولومبوس والمسيحيون، بل هم غزوها وارتكبوا مجازر بحق سكانها.

لم يمرّ البرنامج على تواريخ غزوات أخرى، وهو لو فعل ذلك، لكان من السهل العثور على "فتح قسطنطينية" على أيدي العثمانيين الأتراك المسلمين، الذي صادف قبل 38 عاما على "سقوط الأندلس"، والذي شهد مجازر بحق السكان الأصليين المسيحيين، وتحويل كنائسهم جوامع.

رواية الإسلام السياسي للتاريخ انتقائية بشكل يشير إلى غزوات المسلمين للبشر بالـ "فتوحات" العظيمة، ويصف غزوات غير المسلمين بالمجازر بحق السكان الأصليين، فيما الواقع هو أن مقاييس العدالة بين الحضارات تتغير مع العصور، وما يبدو بربريا دمويا اليوم، لم يكن بالضرورة كذلك في حينه.

والمفارقة لدى الإسلام السياسي تكمن أيضا في أن التناقض يكاد يشمل كل الموضوعات التاريخية، ففي تعيير كولومبوس باستعباده أفارقة، تجاهل أن العبودية في الإسلام مسموحة، وأن رسول المسلمين نفسه كان صاحب عبيد، وأن الخلافة العباسية عاملت العبيد بقسوة دفعتهم إلى الثورة في البصرة، في زمن الخليفة المتوكل، في العام 869.

حسنا فعلت قناة "الجزيرة" بحذفها برنامجا دعائيا حزبيا عن الهولوكوست يختبأ خلف التاريخ، وحبذا لو توسّع القناة خطوتها لتحذف، أو على الأقل تتوقف عن الإنتاج مستقبلا، البرامج الدعائية الحزبية المشابهة. طبعا لا بأس في بث مواد مثيرة للجدل، فالتاريخ ليس قصة ثابتة، بل نقاش متواصل، لكن لهذا النقاش أصوله، وهو مبني على مدرسة تأريخ يفني مؤرخون أعمارهم في الالتزام بأصولها وقوانينها.

أما الأندلس، فهي لم تسقط، بل هي نتاج كل تاريخها الطويل، منذ استوطن الفينيقيون شواطئها وشواطئ حوض المتوسط، وأقاموا مدنا تحمل أسماء سامية، مثل ملقة (ملكة) وقادش (جدار)، وقرطاجة (قرية جديدة) والجزائر، ولما وصلها العرب، بعد الرومان والقوطيين، كان سكانها الأصليون مزيجا من الحضارات، أضاف إلى المزيج العرب بصماتهم، وصاروا، كمن سبقهم، جزء من هوية إسبان اليوم.

ربما لا يعرف معدو برنامج "أي جاي بلس" أن كولومبوس تبنى نظرية كروية الأرض من عرب الأندلس، الذين كانوا نقلوها من شعوب ما وراء النهرين، وهو تبنى مقاسات قطر الأرض، التي اعتقدها العرب أصغر، فاعتقد كولومبوس أن بإبحاره غربا يصل الهند، وهو لم يكن يسعى لاستعمار أصلا، بل إلى تجارة مع الهند تثريه.

ومثل كولومبوس، استدار البرتغالي فاسكو دا غاما حول أفريقيا، ولما وصل قرنها، أرشده البحار العربي ابن ماجد إلى الهند، فتم تدشين طريق تجارة هندي أوروبي عبر المحيط الهادئ، وهو الطريق الذي تسلقته عُمان في إقامتها مملكة عُمان وزنجبار، على أنقاض الإمبراطورية التجارية البرتغالية، وهي المملكة التي ولد فيها فاروق بولسارا، الزرداشتي الهندي الأصل والبريطاني فيما بعد، المعروف فنيا باسم فريدي ميركوري، من فريق كوين الموسيقي المشهور.

تاريخ الحضارات ليس بطولة رياضية تتمحور حول فائزين وخاسرين، بل هو تاريخ من التفاعل السلمي والعنفي، نتائجه هي الحاضر، في حلوه ومرّه.

الخميس، 23 مايو 2019

إيران فتحت قناة اتصال مباشر مع واشنطن... بمعرفة ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أوردت صحيفة «بوليتيكو» ان السناتور عن ولاية كاليفورنيا الديموقراطية دايان فاينستاين التقت وزير خارجية ايران جواد ظريف، في غداء عمل، اثناء زيارة الاخير الى الأمم المتحدة في نيويورك، قبل شهر، للمشاركة في اليوم العالمي للتعددية والديبلوماسية. 
وكان الاعلاميون لاحظوا، قبل ايام، اسم ظريف وتفاصيل الاتصال به على شاشة تلفون فاينستاين اثناء مرورها في احد اروقة الكونغرس. وبعد التحري، توصلت «بوليتيكو» الى ان فاينستاين وظريف التقيا، اثناء زيارة الاخير نيويورك، وهو ما اكده مكتب فاينستاين، وقال انه لقاء حصل بمعرفة والتنسيق مع وزارة الخارجية الاميركية، التي نفت بدورها الأمر. 
في التفاصيل، كما تحرت عنها «الراي»، ان ايرانيين من اصل اميركي اتصلوا بفاينستاين قبل نحو ستة اسابيع، وابلغوها ان ظريف سيزور الولايات المتحدة، وانهم على استعداد لتدبير لقاء بينهما ان كانت مستعدة لذلك. وفاينستاين هي من الاميركيين اليهود، وسبق لها ان ترأست لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، وهي نائبة رئيس اللجنة نفسها اليوم. 
اما سبب اختيار اللوبي الايراني الاميركي لها لاقامة قناة اتصال مع حكومة الجمهورية الاسلامية، فمرده في الغالب الى الثقل الذي يتمتع به الايرانيون الاميركيون في كاليفورنيا، وخصوصا في اكبر مدنها لوس انجليس، المعروفة بين الايرانيين باسم «طهران جلوس»، بسبب كثافة عدد الايرانيين الاميركيين المقيمين فيها، والذين يشكلون ثقلا انتخابيا، ما يمنحهم اهتمام مشرعي الولاية، مثل فاينستاين. 
وعلمت «الراي» ان الايرانيين الاميركيين ابلغوا فاينستاين ان طهران تعرض على واشنطن صفقة تبادل سجناء، تفرج بموجبها عن خمسة اميركيين (ثلاثة منهم من اصول ايرانية) معتقلين في سجونها، مقابل افراج الولايات المتحدة عن خمسة ايرانيين معتقلين في اميركا بتهم تجاوز العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على ايران، قبل رفعها بموجب الاتفاقية النووية التي توصلت اليها المجموعة الدولية مع الجمهورية الاسلامية قبل اربعة اعوام. 
وعلى الرغم من تكتم ظريف عن الكشف عن اسماء من تطالب ايران اميركا بالافراج عنهم، وقول ظريف لوسائل الاعلام الاميركية، اثناء زيارته، ان واشنطن تعلم من الذين تسعى ايران لاطلاق سراحهم، قال المتابعون ان في صدارة لائحة من تسعى طهران للافراج عنهم هو رجل الاعمال التركي الايراني رضا ضرّاب، المعتقل في نيويورك منذ العام 2016، والذي قدم لوزارة الخزانة الاميركية «معلومات قيمة» حول كيفية قيام نظام ايران وحكومات الدول المجاورة له باختراق العقوبات، مقابل قيام الحكومة الاميركية بتخفيف الحكم الصادر عليه واخراجه من سجن شديد الحراسة، ووضعه تحت اقامة جبرية. 
ويعتقد المتابعون في العاصمة الاميركية ان طهران تحاول الايحاء انها تسعى للافراج عن مواطنين لها معتقلين في اميركا، لكن الغالب ان ايران اقترحت فكرة «تبادل السجناء» كبادرة حسن نية، ولتعزيز الثقة بينها وبين اميركا، كمقدمة لمفاوضات اوسع تفضي الى رفع العقوبات الاميركية عن ايران، والى ادخال بعض التعديلات التي تطلبها واشنطن على الاتفاقية النووية.
ويبدو ان محاولة الاتصال الايرانية اقلقت بعض دوائر القرار، خصوصا بين الصقور، داخل ادارة ترامب، فعمد هؤلاء الى الاشارة الى خطر ايراني ما. وفي الايام الاولى، صرّح بعض الصقور ان معلوماتهم حول الخطر الايراني كان مصدرها الاستخبارات الاسرائيلية. وبعد ارسال تعزيزات عسكرية اميركية الى الخليج، راح بعض المسؤولين الاميركيين يرددون ان وكالات الاستخبارات الاميركية هي التي قدمت المعلومات التي تطلبت التصعيد العسكري الاميركي في الخليج.
لكن الرئيس دونالد ترامب، الذي يبدو انه كان على علم بقناة فاينستاين ظريف، اصدر سلسلة من التصريحات التي كانت تعاكس التطورات على الأرض، ففيما كانت القوات الاميركية تتوافد الى المياه الخليجية، كان ترامب يردد ان ايران ستتفاوض، في تصريحات بدت خارج السياق، ولكنها الآن يبدو انها كانت تستند الى مبادرة ظريف وقناته مع فاينستاين.
وتسمح قناة فاينستاين ظريف لترامب بالتفاوض «بلا تكلفة سياسية»، اذ ان انكشاف امر القناة يسمح له بنفي علم ادارته بها، وهو ما فعلته وزارة الخارجية، بل انه يمكن لترامب قلب الموضوع على رأس الديموقراطيين، واتهامهم بالعمالة لدولة عدوة بالاتصال مع مسؤوليها. وسبق لترامب ان حاول تشتيت الانتباه عن امكانية حصول اتصال بين حملته الانتخابية وموسكو، في العام 2016، بالاشارة الى لقاء بين وزير الخارجية السابق جون كيري ومسؤولين ايرانيين، ابان خروج اميركا من الاتفاق النووي. وقال ترامب انه لم يتعامل مع روسيا، وان العملاء الفعليين هم الديموقراطيون الذين يتحاورون سرا مع الايرانيين.
في المحصلة، تبدو الديبلوماسية تجري على قدم وساق، عبر قناة فاينستاين - ظريف، او عبر الوساطة السويسرية. اما الحشد العسكري الاميركي في الخليج، فمن باب الاستعراض الذي يسبق اي اتفاق، ويبرره، حسب اعتقاد عدد من المتابعين في العاصمة الاميركية.

موسم الانتخابات الأميركية بدأ مبكراً... وترامب يترنّح شعبياً

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تجري انتخابات الرئاسة والكونغرس المقبلة بعد نحو سنة ونصف السنة من الآن، لكن الاجواء في واشنطن تشي وكأن الانتخابات ستجري غداً، وهو ما يملي على السياسيين من الحزبين التزام سياسات تكسبهم شعبية، وتفرض عليهم الاستعداد للمواجهة المقبلة. 
يتصدر المرشحين الرئيس دونالد ترامب، الذي دخل التاريخ كرئيس أميركا الذي قدم اوراق ترشحه لولاية ثانية في أبكر وقت ممكن، وكان ذلك بعد اسابيع على دخوله البيت الابيض مطلع العام 2017. كذلك اصبح اول رئيس يبدأ حملة اعادة انتخابه في وقت مبكر لا سابق له، وهو لهذا السبب يجوب الولايات الاميركية، ويلقي الخطابات، ويحاول قطف ثمار الاقتصاد، الذي يعيش واحدة من اطول فترات البحبوحة والنمو في تاريخه.
لكن ترامب يدرك انه يواجه مصاعب جمة لاعادة انتخابه كما لم يواجهها اي من اسلافه قبله، وهو ما دفعه للاعتراف - للمرة الاولى منذ ترشحه للرئاسة صيف العام 2015 - بأن شعبيته متهاوية حسب استطلاعات الرأي. وعلى عادته، حمّل الآخرين مسؤولية هذا التهالك باتهامه خصومه من الحزب الديموقراطي برعاية تحقيق مسيّس حول تورطه مع الحكومة الروسية في التلاعب بمسار انتخابات العام 2016 التي اوصلته الى البيت الابيض. 
وقال ترامب، في تغريدة، انه لولا تحقيق روبرت مولر، الذي كلّف دافعي الضرائب 41 مليون دولار، لكانت شعبيته في حدود 65 في المئة بين الاميركيين. 
ولم يقدم الرئيس الارقام المتدنية لشعبيته، التي دفعته الى التعبير عن الغضب ضد الديموقراطيين وتحقيق مولر، لكن كل استطلاعات الرأي - بما فيها تلك غير المعدة للاطلاع العام والتي تجريها حملة ترامب واجهزة الحزب الجمهوري - تشير الى تأخر الرئيس الجمهوري امام ثلاثة من منافسيه الديموقراطيين، وهم نائب الرئيس السابق جو بايدن، الذي يتقدم على ترامب بـ11 نقطة مئوية، حسب استفتاء شبكة «فوكس نيوز» اليمينية الموالية للرئيس، والسناتور بيرني ساندرز، الذي يتقدم على ترامب بخمس نقاط مئوية، والسناتور اليزابيث وارن، التي تتقدم الرئيس الاميركي بنقطتين، والسناتور كمالا هاريس، التي تتعادل واياه. 
عائق آخر في وجه اعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية يكمن في الحماسة غير المسبوقة التي يعيشها الديموقراطيون، والتي ظهرت على شكل موجة عارمة، في انتخابات العام الماضي، واكتسحت مجلس النواب في الكونغرس، وانتزعته من ايدي الجمهوريين، واعادته للديموقراطيين للمرة الاولى منذ العام 2010. 
وسجلت نسبة الاقتراع يومذاك 50 في المئة، وهي كانت الاعلى منذ الستينات. ولأن نسبة الاقتراع في دورات الانتخاب الرئاسية اعلى منها في النصفية، يتوقع الخبراء ان ترتفع نسبة الاقتراع بين الاميركيين الى 67 في المئة في انتخابات العام المقبل، من 60 في المئة في العام 2016، وهو ما يقلق الرئيس الاميركي، الذي هزم منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون بسبعين ألف صوت فقط، كانت كافية لمنحه اكثرية اصوات «الكلية الانتخابية»، فيما تفوقت كلينتون بمجموع الاصوات على صعيد البلاد بأكثر من ثلاثة ملايين صوت. 
ودفعت حماسة الديموقراطيين قاعدة المؤيدين الى مطالبة المشرعين باقتلاع ترامب في تصويت في الكونغرس، لكن رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي، وهي من اكثر الديموقراطيين المخضرمين وممن يتمتعون بخبرة وحنكة سياسية، وقفت حتى الآن في وجه المطالبة بتصويت الكونغرس على الاطاحة بترامب، اذ يبدو انها تعتقد ان من شأن خطوة من هذا النوع ان تدفع قاعدة المؤيدين الجمهوريين الى الالتفاف حول ترامب ودفعه للفوز بولاية ثانية، وربما خسارة الديموقراطيين غالبيتهم في النواب.
ومن شأن اهتزاز ترامب شعبياً ان يؤدي لاهتزاز الغالبية التي يسيطر عليها الجمهوريون في مجلس الشيوخ، اذ يسعى اكثر من ستة من الشيوخ الجمهوريين لتجديد ولايتهم، البالغة ست سنوات، في انتخابات العام المقبل. وتشير استطلاعات الرأي إلى ان الستة هؤلاء يعانون من منافسة ديموقراطية شديدة، وهو ما يعني ان خسارة ثلاثة منهم امام منافسين ديموقراطيين من شأنها ان تنتزع الغالبية في الشيوخ من ايدي الجمهوريين، وان تعطيها للديموقراطيين.
ويحاول الجمهوريون خوض معركة شرسة ضد منافسيهم، وذلك عبر تشتيت انتباههم بترشيح جمهوريين في ولايات يسيطر عليها ديموقراطيون يسعون للفوز بولاية جديدة، مثل ميتشيغن. لكن ترامب يخشى ان تؤدي معارك على مقاعد الشيوخ، في ولاية مثل ميتشيغن، الى لفت انتباه الديموقراطيين ودفعهم للانفاق الانتخابي في الولايات التي يفتح فيها الجمهوريون معركة، والى تحريك قواعدهم، وهو ما يهدد فرص ترامب في الفوز مجددا بولاية مثل ميتشيغن كان اقتنصها في العام 2016، على عكس التوقعات.

الأربعاء، 22 مايو 2019

شانهان: أوقفنا إمكانية هجمات ضد أميركيين وهدفنا ردع إيران وليس خوض حرب ضدّها

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بدأت إدارة الرئيس دونالد ترامب تتصرف وكأنها حققت الهدف الذي كانت تنشده بإرسالها مجموعة حاملة طائرات «لينكولن» الى الخليج، برفقة اربع قاذفات استراتيجية من طراز «بي 52»، وهو ما ادى، حسب وزير الدفاع بالوكالة باتريك شانهان في شهادة له امام الكونغرس، الى «تجميد امكانية الهجمات ضد اميركيين». 
وشارك كل من شانهان، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ورئيس الاركان جو دنفورد، في جلسة استماع مغلقة، حاولوا فيها تقديم صورة عن تقارير الاستخبارات التي كانت دفعت واشنطن الى تعزيز قواتها في الخليج على وجه السرعة. 
وقبيل هذه الإحاطة، قدم كل من رئيس وكالة الاستخبارات المركزية السابق جون برينان وويندي شيرمان المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية في عهد باراك أوباما إحاطة أخرى للمشرعين الديموقراطيين حول إيران. 
ولا يزال متعذراً حتى الآن معرفة الاسباب المباشرة التي دفعت الولايات المتحدة الى ارسال تعزيزات، مع استمرار الحديث عن صواريخ كانت ركزتها طهران على متن زوارق سريعة، وهو ربما ما خالته واشنطن محاولة ايرانية لتنفيذ تهديدات باغلاق مضيق هرمز في حال تصفير صادرات النفط الايرانية، حسب ما يعد المسؤولون الاميركيون. 
وقال شانهان للصحافيين، عقب تقديم إفادته: «لقد منعنا هجمات بإعادة نشر أصولنا، وحلنا دون وقوع هجمات محتملة على القوات الأميركية... تركيزنا الأكبر في هذه المرحلة هو منع سوء التقدير الإيراني». 
واعتبر أن اجتماع الكونغرس كان «في شأن الردع وليس الحرب»، مضيفا «لسنا على وشك الذهاب إلى حرب»، لكنه رأى أيضاً أن مستوى التهديدات الإيرانية ما زال عالياً. 
وعلى اثر اللقاء المغلق في الكونغرس، خرج المشرعون بانطباعات مختلفة، واحياناً متناقضة، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي، فانقسم الجمهوريون بين من رأى ان ادارة الرئيس دونالد ترامب لم تقدم معلومات استخباراتية مقنعة تتطلب تعزيزات عسكرية في الخليج، ومن رأى ان الادارة فعلت عين الصواب على ضوء المعلومات الاستخباراتية المثيرة للقلق. 
وقال السناتور بيرني ساندرز، وهو مستقلّ يسعى لنيل ترشيح الحزب الديموقراطي للانتخابات الرئاسية، للصحافيين «أنا أخشى إلى حد بعيد أن نخلق عن قصد أو غير قصد وضعاً يسمح باندلاع حرب». 
وبعد إشارته إلى أنّ حربي العراق وفيتنام شنّتا بالاستناد إلى أكاذيب للإدارات السابقة، قال ساندرز «أعتقد أنّ حرباً مع إيران ستكون كارثية بالمطلق، وأسوأ بكثير من الحرب مع العراق».
أما السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، فقال إن كبار المسؤولين أبلغوا أعضاء مجلس الشيوخ بأن الهجمات الأخيرة التي استهدفت عددا من ناقلات النفط وخط أنابيب تابعا لشركة «أرامكو» في السعودية، كانت بتعليمات من الحكومة الإيرانية. 
لكن ديموقراطيين أدلوا بتصريحات مناقضة لما قاله غراهام، ومنهم السناتور كريس مورفي، والنائب روبن غاليغو، حيث اعتبرا أن غراهام نشر رؤية «مشوّهة» للإعلام عما قدمه مسؤولو الاستخبارات. 
ونقل متابعون ان بومبيو حاول التطرق الى مواضيع إيرانية اخرى، فذكر ان سجل ايران سيئ جداً في اطار حقوق الانسان، وان طهران مسؤولة عن مقتل ألف جندي اميركي في العراق، وان تصرفاتها مزعزعة للاستقرار في المنطقة وتهدد حلفاء اميركا، لكن عددا من الديموقراطيين ردوا على بومبيو بالقول انهم لم يحضروا الجلسة ليستمعوا الى محاضرة عن مساوئ ايران، بل هم يسعون الى معرفة الاسباب التي دفعت واشنطن الى التصعيد، وقد تؤدي الى حرب مع الايرانيين. 
لكن الحرب لا يبدو انها تثير مخاوف الادارة، اذ ان شهادة مسؤوليها في الكونغرس، حسب بعض المشرعين من المشاركين في الجلسة، تمحورت حول تصوير وكأن العملية الاميركية ضد ايران انتهت، وانها حققت اهدافها بنجاحها بثني الايرانيين عن هجمات كانوا ينوون القيام بها. 
واشار مسؤولون في ادارة ترامب الى ان طهران نفذت فعليا بعض الهجمات، مثل تفجيرات ضد ناقلات في الفجيرة، وضد انابيب نفط في السعودية، وباطلاق صاروخ على مقربة من السفارة الاميركية في بغداد. هنا رد معارضو التصعيد من اعضاء الكونغرس، من الحزبين، بالقول ان هذه الهجمات الايرانية جاءت بعد وصول التعزيزات الاميركية، لا قبلها، ويحتمل انها رد ايراني، لا هجمات مخططة مسبقا ويمكن اعتبار ان الاستخبارات الاميركية كانت متنبهة ومتحسبة لها. 
وزاد في البلبلة الاميركية تصريحات الرئيس نفسه، غالباً عبر تغريدات، وهي تراوح بين أمله بأن واشنطن وطهران ستنخرطان في حوار، وبين اعلانه ان أي اعتداء على أي ما هو اميركي سيكون «النهاية الرسمية» لايران. 
الارتباك والبلبلة حول ايران مستمران في العاصمة الاميركية، لكن التغطية الاعلامية تراجعت، وكذلك اهتمام الرأي العام والكونغرس، فيما يبدو ان ادارة ترامب صارت تركز مساعيها على الخروج من العملية بطريقة تحفظ ماء الوجه، بما في ذلك اعلان ان التعزيزات الاميركية في الخليج حققت اهدافها، وان الموضوع صار من الماضي.

الثلاثاء، 21 مايو 2019

كيف تنعكس المواجهة الأميركية - الصينية على الخليج؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بدأت المواجهة الاستراتيجية الكبرى بين الولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة في العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1990، والصين، القوة الصاعدة التي تطمح الى منافسة اميركا والتفوق عليها. 
صعود الصين نفسه جاء في ضوء سياسة اميركية كان هندسها وزير خارجيتها السابق هنري كيسنجر، في زمن الرئيس الجمهوري الراحل ريتشارد نيكسون، مطلع السبعينات. اعتقدت واشنطن يومذاك ان في مصلحتها استغلال الاختلاف بين روسيا الشيوعية وجارتها الصين، الشيوعية كذلك، فصادقت واشنطن بكين، وزارها نيكسون، وبدأت عملية انفتاح اقتصادي بين البلدين، افضت الى صعود اقتصادي صاروخي للصين، خصوصا خلال عقد التسعينات. 
وبدلاً من ان تتحول الصين إلى ديموقراطية حليفة لاميركا، والى سوق للصادرات الاميركية، تحولت اميركا سوقاً للصادرات الصينية، وصارت مصدرا لعجز تجاري اميركي سنوي يبلغ نحو ثلاثة ارباع تريليون دولار. وفي سنوات صعودها الاولى، بقيت الصين خارج المنافسة الجيو استراتيجية دوليا، لكن منذ وصول شي جنبينغ الى الحكم، ومع الشيخوخة التي بدأت تضرب التركيبة السكانية الصينية وتسرع في ارتفاع تكلفة اليد العاملة، تراجع النمو الاقتصادي، وصار مطلوبا التحول الى ديموقراطية بالكامل لمتابعة الصعود الاقتصادي عن طريق الابحاث والابتكارات، او ما يعرف باقتصاد المعرفة.
على ان شي، أحد أمراء الصين، وهي التسمية التي يطلقها الاميركيون على ابناء الجيل القيادي الشيوعي الاول، قرر السير في اتجاه تكريس القيادة الاحادية، على حساب الديموقراطية. ولتفادي التراجع الاقتصادي، تبنى الرئيس الصيني سياسة معروفة بـ«مواجهة الركود»، وهي تقضي بانفاق حكومي على مشاريع بنية تحتية، وهي ما يبقي نسب النمو مرتفعة نسبيا. 
ولأن بكين لم تعد بحاجة لبنية تحتية، قررت تمديد مشاريعها لتصل إلى الدول المحيطة بها في ما صار يعرف بمشروع «الحزام والطريق». لكن نمو الصين سيتعثر، في الغالب، مع نهاية هذه المشاريع، والاسواق التي تعتقد الصين انها ستفتحها بطريقها الجديد هي اسواق متواضعة نسبياً بسبب صغر حجم اقتصادات دولها، مثل ايران والعراق وسورية. 
على ان اميركا لن تنتظر نهاية مشاريع الطريق الصينية، وتاليا تهاوي اقتصادها، خصوصا ان الصين عمدت، على مدى السنوات الاخيرة، الى بناء قدراتها العسكرية، وحاولت بسط سيادتها ونفوذها على مناطق متنازع عليها مع جيرانها من حلفاء الولايات المتحدة. هكذا، عاد نفس مصمم الانفتاح على الصين ضد روسيا، اي كيسنجر، الى تصميم سياسة اميركا الحالية، وهي تقضي بانفتاح اميركا على روسيا، صاحبة الاقتصاد المتهالك، ضد الصين. وتتمتع اميركا بتحالفات متينة مع غالبية الدول المجاورة للصين، والمنافسة لها، وفي طليعتها اليابان وكوريا الجنوبية والهند، والآن فيتنام الصاعدة، وميانمار، واللتان عزز الرئيس السابق باراك أوباما من صداقة اميركا وعلاقتها التجارية معهما، كبديل متوقع للصين. 
وفي ظل اقتصاد يعيش فترة بحبوحة، وجدت واشنطن الوقت مناسبا تماما لتقويض قوة الصين الاولى: صادراتها الى السوق الاميركية الضخمة. ومن المرجح ان تبادر بكين الى المعاملة بالمثل بفرض تعريفات جمركية على وارداتها من اميركا، لكن يبدو ان واشنطن تدرك ذلك، وتعرف ان صادرات الصين الى اميركا تشكل 20 في المئة من اجمالي صادرات الصين، فيما تشكل صادرات اميركا الى الصين 7 في المئة فقط من اجمالي صادرات اميركا الى العالم. 
كذلك، تعتمد الصين اقتصاديا على صادراتها اكثر بكثير من اميركا، صاحبة الاقتصاد المتنوع. ومن شأن خسارة الصين دولارا من كل خمسة دولارات تجنيها ان يقوض الاقتصاد الصيني بشكل لا سابق له، حسب الرؤية الاميركية. 
على مدى السنوات القليلة الماضية، قامت بعض العواصم العربية، ومنها الخليجية، بمصادقة بكين، اعتقاداً منها ان الصعود الصيني حتمي، وانه من شأن مصادقة قوة عظمى ثانية ان يثير غيرة اميركا ويدفعها لتقديم بعض التنازلات في علاقتها مع حلفائها.
ومع بدء المواجهة الاميركية - الصينية، التي يبدو انها مواجهة تذهب أبعد من اتفاقية متعذرة في التجارة، والتي يبدو انها مواجهة ستتواصل حتى ما بعد خروج الرئيس دونالد ترامب من الرئاسة، قد تكون المراهنة على نهاية القوة الاميركية وصعود قوة صينية بديلة لها، في العالم عموما وفي الشرق الاوسط والخليج خصوصا، امر مبكر بعض الشيء، خصوصا انه تبين ان خلف التصعيد الاميركي ضد الصين ما هو اعمق من رئيس مذبذب ومتهور مثل ترامب، وان رؤية كيسنجر لمواجهة الصين سابقة للرئيس الاميركي الحالي، وفي الغالب باقية بعد خروجه من الحكم.

القوميات واضطهاد الأقليات

حسين عبدالحسين

نشرت وكالة رويترز تحقيقا حول قيام الكرد السوريين، لأول مرة في تاريخهم، بتعليم الكردية في مدارس سورية شرقي الفرات، حيث تنحسر سلطة النظام السوري. ولفتت الوكالة إلى انتشار المكتبات التي تبيع كتبا بالكردية، وقالت إن الكرد السوريين يعتقدون أنهم لن يعودوا إلى زمن ما قبل الثورة السورية، في العام 2011، يوم كانت سلطات حزب "البعث العربي الاشتراكي" السوري الحاكم تحظر اللغة الكردية، وتعتقل وتعذب من يتداولون مطبوعات كردية أو يقيمون مدارس لتعليمها.

أن يضطهد نظام عائلة الأسد، الذي يحكم سوريا منذ مطلع السبعينيات، الاستقلاليين والسياسيين الكرد أمر مفهوم، فنظام الأسد لا يقبل المشاركة مع أحد، لا مع سياسيين من الغالبية العربية، ولا من الكرد، ولا من الأقليات السورية الأخرى. ما هو غير مفهوم هو العداء للتراث غير العربي والثقافة غير العربية لدى الأقليات السورية، واعتقاد أن مجرد إتقان لغة غير العربية يعني خروجا على طاعة الحاكم.

صحيح أن عقيدة البعث العربي التافهة ساهمت في القمع الثقافي وفي فرض الأحادية العربية، لكن اضطهاد الأقليات، وأديانهم، وتراثهم، وثقافاتهم، لا ينحصر بسوريا البعثية، ولا بالعالم العربي أصلا.

إيران، مثلا، تمنع الأقلية العربية، التي تشكل غالبية سكان الساحل الجنوبي المطل على الخليج، تعليم لغتها في المدارس على الرغم أن إيران، ذات الحكم الإسلامي، يفترض أن ترفع العربية إلى مرتبة اللغة الأولى حسب تعليمات الإسلام الذي لا يجيز العبادة ـ أي الصلاة وتلاوة الذكر ـ بلغة غير العربية.

ومثل اضطهاد إيران لأقلياتها، دينيا وثقافيا وتراثيا، كذلك اضطهدت تركيا أقلياتها، خصوصا الكرد منهم، وفرضت التتريك عليهم، ومنعتهم لزمن طويل من استخدام لغتهم. وهكذا العراق مع الكرد، وحكومات شمال أفريقيا العربية مع الأمازيغ. كله اضطهاد لا يرتبط بالسياسة.

ربما تعتقد الحكومات المضطهدة في الشرق الأوسط، العربية والإيرانية والتركية، أن انتشار ثقافة ولغة غير الرسمية تؤدي إلى تفكك النسيج الوطني، وتذكي نار الشرذمة والانقسام. لكن اللغة الواحدة والثقافة الواحدة والدين الواحد لم تكن يوما سببا في وحدة منشودة، وهذه دول العرب، ذات الغالبية المسلمة، منقسمة في 22 حكومة متناحرة يستحيل التناغم، إن لم نقل الوحدة، بينها. ومثلها دول متجانسة لغويا وثقافيا ومتجاورة، لا تتحد، مثل أميركا وكندا، أو دول جنوب أميركا الناطقة بالإسبانية.

اللغات والأديان والثقافات لا تنتشر بالفتوحات، ولا بالاضطهاد، ولا بمراسيم حكومية، ومن يعتقد ـ خاطئا ـ أن العربية انتشرت بالفتوحات، عليه أن يفسر لماذا لا يتحدث ولا نفر العربية، كلغته الأم، في المساحة ذات الغالبية الإسلامية الممتدة من حدود الهند إلى حدود العراق. ومن يعتقد أن الاضطهاد هو السبيل لنشر لغة ما، عليه أن يفسر لما لم تمت العربية، رغم كل محاولات التتريك العثمانية، ولما لم تمت الكردية، رغم قرون من الاضطهاد على أنواعه للكرد. لكن لغات أخرى ماتت، مثل الفينيقية، والعبرية القديمة، والمصرية الفرعونية (باستثناء في الكنيسة القبطية).

إن حياة اللغات والثقافات ترتبط بالظروف المحيطة بها، فتتوسع اللغة والثقافة يوم يتمتع أهلها بنفوذ مالي واقتصادي، وتتحول لغتهم إلى وسيلة ترقي طبقي واجتماعي لمن يتحدثها من غير متحديثها كلغتهم الأم. لهذا السبب، علّم علية القوم العرب أبناءهم التركية مع بداية القرن الماضي، اعتقادا منهم أن مستقبل أولادهم كان في اسطنبول، عاصمة السلطنة، حيث المال والنفوذ والقرار. وللسبب نفسه، تبنت شعوب العالم لغات الإمبراطوريات الثلاثة الأخيرة، البريطانية والفرنسية والاسبانية.

ومع تفوق أميركا منذ منتصف القرن الماضي، تحولت الإنكليزية، والثقافة الأميركية بشكل عام، إلى لغة العالم، بالتزامن مع تحول الدولار عملة العالم، فمن يتقن الإنكليزية، تنفتح أمام ترقيه الطبقي ومصالحه أبوابا كثيرة، ومن لا يتقن لغات غير المحكية في قريته النائية، يصعب عليه الانخراط في اقتصاد معولم تسوده في هذا الزمن الإنكليزية.

التنوع مفيد، والحفاظ على اللغات القديمة محكية يبقي أبوابا مفتوحة على ماض رحل وعلى تراث رافقه. لكن الحفاظ على اللغات بقرار حكومي، كردي ذاتي أم عربي دمشقي، لن ينجح. ما ينجح هو نجاح المتحدثين بلغة ما، وتقديمهم اختراعات للبشرية بلغتهم، وتحول مدنهم إلى محطات عالمية للتجارة والسياحة والمصارف والخدمات. وقتذاك، تدخل لغتهم في نادي اللغات المفيدة لمصالح من يتحدثها. أما تعليم اللغات في المدراس، فجميل من باب التنوع والحفاظ على التراث، ولا مبرر لمنعه أو اضطهاده، ولكنه يبقى على ما هو عليه، جزء من تراث رحل وبلا مستقبل منظور.

الأحد، 19 مايو 2019

هزيمة سياسية لترامب أمام إيران... وسعي إلى حفظ ماء الوجه!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

«تمخض الجبل فولد فأرا»... هذا هو انطباع المراقبين في العاصمة الأميركية، من الحزبين، بعد قيام ادارة دونالد ترامب بنشر أساطيل الولايات المتحدة وقاذفاتها المخيفة في الخليج، فيما بدا استعداداً لحرب صار يبدو جلياً ان الرئيس الاميركي عارض اندلاعها، وأبدى امتعاضه من مساعديه، وفي طليعتهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، لدفع الامور باتجاه الحرب مع ايران.
ولحفظ ماء الوجه، قامت واشنطن بإصدار بيان مقتضب وغامض، فيه ان القوات الأميركية قررت ان تتوزع على دول خليجية مجاورة لايران لمواجهة أي هجوم يمكن ان تشنه طهران ضد جيرانها، لكن المناورة السياسية الأميركية لم تنجح في تفادي الخسارة السياسية الفادحة التي مني بها ترامب، امام مؤيديه كما معارضيه. 
وسمعت «الراي» من مسؤولين أوروبيين كبار في العاصمة الأميركية، انهم حاولوا ثني واشنطن عما اعتقدوه «سياسة ارتجالية» لا ثمار منها. وقال ديبلوماسي اوروبي ان «ترامب لم يبل بهزيمة ديبلوماسية وسياسية فحسب، بل ان ايران اخذت مقاساته»، وهي عبارة متداولة في واشنطن للاشارة الى ان خصوم ترامب في العالم راقبوا كيفية تعامله مع الأزمة وردود فعله ليحددوا نقاط ضعفه.
ويتابع الديبلوماسي ان بتدبيرها هجومين على اهداف خليجية في غضون اسبوع، ضد ناقلات سعودية في الفجيرة الاماراتية وضد انابيب نفط داخل السعودية، «امتحنت ايران ترامب، ورسمت حدوده، اذ ما قيمة استعراض العضلات والاصرار على الدفاع عن الحلفاء اذا كانت الاساطيل والقاذفات ستقف متفرجة فيما الحلفاء يتعرضون لهجمات ايرانية». 
ويعتقد الاوروبيون ان الهجومين الايرانيين، وسط صمت واشنطن، سيفتح الباب امام حلفاء اميركا في الخليج للتوجه للرئيس الاميركي، عندما يطالبهم بدفع المزيد من الاموال لحماية بلاده لهم، بالقول ان الحماية ليست كافية. 
في الداخل الاميركي، اصيب «الصقور» بخيبة أمل، فهم امضوا العقد الماضي وهم يتهكمون على «الخطوط الحمراء» التي رسمها الرئيس السابق باراك أوباما لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في حال استخدم اسلحته الكيماوية، وبعدما فعل الأسد ذلك، حسب التقديرات الأميركية، تراجع أوباما عن الضربة في اللحظة الاخيرة. 
أما ترامب، الذي صوره الصقور على انه واحد منهم، وعلى انه من الرؤساء الاقوياء ممن لا يهابون مواجهة الاصدقاء، قبل الاعداء، بدا أضعف من سلفه، وبدا وكأنه غير قادر على اقناع الاميركيين بلزوم استخدام قوتهم العسكرية، او انه غير مستعد للتفريط بأي رصيد سياسي ثمن استخدام هذه القوة.
معارضو الحرب، خصوصا من الديموقراطيين، بدوا وكأنهم كانوا يدركون مسبقا ان ترامب يحفر لنفسه حفرة في السياسة الدولية، فلا هو قادر على بناء تحالف اميركي داخلي يدعم الحرب، ولا هو قادر على بناء تحالف عسكري دولي ضد ايران تقوده اميركا، على غرار مافعل أوباما في الحرب التي اطاحت بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وحرب القضاء على تنظيم «داعش».
إذاً، صراخ ترامب وتغريداته ضد ايران ليست سياسة اميركية متكاملة، بل هي عبارة عن «سياسة ارتجالية» متقلبة حسب مزاج الرئيس، ومتضاربة حسب تصريحات مسؤوليه. نقطة القوة في سياسة اميركا المفككة هي سطوتها الاقتصادية التي لا تقاوم، وفي هذا المضمار، نجحت واشنطن - عبر عقوباتها الاحادية على طهران - بإلحاق ضربة موجعة للاقتصاد الايراني. أما نقطة الضعف لدى ترامب، فتكمن في عدم مقدرته على بناء تحالف عسكري دولي من أي نوع، وفشله في اقناع الاميركيين بضرورة الحرب، وهو الذي كان وعدهم بانهاء كل الحروب الأميركية حول العالم.
ما الخطوة التالية؟ صار معلوما ان حظوظ اندلاع الحرب صارت شبه منعدمة، وهو ما يعني ان على طهران الصمود في وجه العقوبات الأميركية، في انتظار خروج هذا الرئيس من الحكم، وحلول من يتبنى سياسة شبيهة بسياسة أوباما الودية، فيرفع العقوبات، وتنجح طهران في طوي صفحة رئيس اميركي هددها كثيرا، وحاصرها اقتصادياً، لكنه لم يبد اي استعداد لاستخدام القوة ضدها.

السعودية: لا نسعى إلى حرب وسندافع عن مصالحنا بكل قوة وحزم

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أكدت السعودية، أنّها لا تسعى إلى حرب، لكنّها حذرت من أنها ستدافع عن نفسها ومصالحها «بكل قوة وحزم»، ودعت في الوقت نفسه إلى عقد قمّتَين «طارئتين»، خليجيّة وعربيّة. 
ووجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز دعوة إلى قادة دول مجلس التعاون وقادة الدول العربية لعقد قمتين خليجية وعربية طارئتين في مكة المكرمة في 30 مايو، للبحث في الاعتداءات التي حصلت أخيرا في منطقة الخليج.
وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير في مؤتمر صحافي في الرياض، أمس، إنّ الممكلة «لا تريد حرباً ولا تسعى لذلك وستفعل ما بوسعها لمنع قيام هذه الحرب، وفي الوقت ذاته تؤكّد أنّه في حال اختيار الطرف الآخر الحرب، فإنّ المملكة ستردّ على ذلك بكلّ قوّة وحزم وستدافع عن نفسها ومصالحها».
ودعا الجبير إلى «التحلي بالحكمة وأن يبتعد النظام الإيراني ووكلاؤه عن التهور والتصرفات الخرقاء وتجنيب المنطقة المخاطر». 
وفي واشنطن، تولّد انطباع لدى المراقبين من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، بأنه «تمخض الجبل فولد فأرا»... وذلك بعد قيام ادارة دونالد ترامب بنشر أساطيل الولايات المتحدة وقاذفاتها المخيفة في الخليج، فيما بدا استعداداً لحرب صار يبدو جلياً ان الرئيس الاميركي عارض اندلاعها، وأبدى امتعاضه من مساعديه، وفي طليعتهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، لدفع الامور باتجاه الحرب مع ايران. 
ولحفظ ماء الوجه، قامت واشنطن بإصدار بيان مقتضب وغامض، فيه ان القوات الأميركية قررت ان تتوزع على دول خليجية مجاورة لايران لمواجهة أي هجوم يمكن ان تشنه طهران ضد جيرانها، لكن المناورة السياسية الأميركية لم تنجح في تفادي الخسارة السياسية الفادحة التي مني بها ترامب، أمام مؤيديه كما معارضيه.
وسمعت «الراي» من مسؤولين أوروبيين كبار في العاصمة الأميركية، انهم حاولوا ثني واشنطن عما اعتقدوه «سياسة ارتجالية» لا ثمار منها. وقال ديبلوماسي أوروبي ان «ترامب لم يبلَ بهزيمة ديبلوماسية وسياسية فحسب، بل ان ايران اخذت مقاساته»، وهي عبارة متداولة في واشنطن للاشارة الى ان خصوم ترامب في العالم راقبوا كيفية تعامله مع الأزمة وردود فعله ليحددوا نقاط ضعفه.

السبت، 18 مايو 2019

الديبلوماسية تسابق «صقور ترامب» لتفادي مواجهة عسكرية أميركية - إيرانية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

زار رئيس سويسرا يولي ماورر نظيره الأميركي دونالد ترامب، في البيت الأبيض، وانضم بذلك الى لائحة الوسطاء الدوليين الساعين الى تسوية الأزمة المتفاقمة بين الولايات المتحدة وإيران.
ومنذ انقطاع العلاقات بين واشنطن وطهران في العام 1979، تلعب سويسرا دور الوسيط الرسمي بين البلدين، وتستضيف مكتب تمثيل مصالح كل منهما لدى الآخر.
والوساط السويسرية هي الثانية على الأقل، في غضون اسبوع، على اثر مجهود مشابه بادرت اليه قطر، مع زيارة قام بها وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن الى طهران، السبت الماضي.
وفيما يرى ترامب أن الإيرانيين سيذعنون ويطلبون الحوار، صرّح وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بان بلاده لن تبادر الى طلب الحوار من واشنطن.
وفي وسط السباق بين الديبلوماسية واستعدادات أساطيل أميركا وقاذفاتها الاستراتيجية في الخليج، استضاف البيت الأبيض وفداً من الكونغرس يحمل اسم «مجموعة الثمانية»، وهو يضم قادة الحزبين من المشرعين من مجلسي النواب والشيوخ، وقدم لهم العاملون في مجلس الأمن القومي ايجازاً مغلقاً وسرياً حول المعلومات الاستخباراتية التي دفعت واشنطن الى تعزيز قواتها في الخليج.
وبسبب سرية المعلومات، امتنع أعضاء الكونغرس عن التعليق عن ماهية المعلومات الاستخباراتية الأميركية، واكتفى بعضهم بالقول ان «التقارير الاستخباراتية تتمتع بمصداقية» ، لكن بعض الديموقراطيين منهم اردفوا القول ان ادارة ترامب « تبالغ في ردة فعلها».
وفي وقت لاحق، سرت في اوساط تقارير مفادها بان التهديدات الايرانية التي تقلق واشنطن هي عبارة عن قيام طهران بتثبيت صواريخ على متن قوارب سريعة، وان هذه الخطوة، مقرونة بتصفير اميركا صادرات طهران النفطية وتهديدات الاخيرة باغلاق مضيق هرمز، شكلت تهديدا دفع اميركا الى المسارعة للتحسب له.
تلى الاستعدادات الأميركية نشر صحيفة «نيويورك تايمز» تقريرا مفاده بأن وزارة الدفاع (البنتاغون) أعدت للبيت الأبيض خطة عسكرية لمواجهة ايران تتطلب مشاركة 120 ألف جندي أميركي، وهو رقم يناهز عدد القوات الأميركية التي اجتاحت العراق في العام 2003. الا ان وزارة الدفاع ردت بأنها لم تقدم أي خطط عسكرية حول ايران، وان لديها خططاً متعددة تسحبا لأي طارئ.
ومن يعرف خبايا المؤسسة العسكرية الأميركية يعرف ان لديها خططا لاجتياح اي بلد في العالم، بما في ذلك جارة اميركا الشمالية وحليفتها كندا.
ورغم ان معظم التوقعات تشير الى ان اي مواجهة عسكرية مع ايران لن تتضمن اجتياحا بريا، الا ان جنرالات اميركا يتوقعون ان تسارع طهران الى اقفال هرمز لحظة اندلاع اي مواجهة بينهما، وان مهمة القوات الاميركية هي فتح هذا المضيق فورا، وهو ما يتطلب حكما قيام قوات اميركا باحتلال جزر قشم وهنكام وهرمز ولاراك الايرانية، وحتى بندر عباس على البر الايراني.
وعلى عكس الغارات الجوية وصواريخ «كروز»، تتطلب مشاركة قوات اميركية عملاً لوجستياً واسعاً، وتكاليف عسكرية باهظة اكبر من «اموال الطوارئ» المرصودة سنوياً لوزارة الدفاع، والاموال الاضافية تتطلب حكما موافقة كونغرس تسيطر على مجلس النواب فيه غالبية من الديموقراطيين، وهؤلاء سيسعدهم تحويل الأمر الى مبارزة سياسية مع ترامب، وتصويره على انه كسر وعده للاميركيين بانهاء حروب اميركا المكلفة حول العالم.
لهذا السبب، بدا ترامب متردداً في الانخراط في اي حرب مع الايرانيين، وعمدت الدوائر المقربة منه الى تسريب تصريحات مفادها بأن الرئيس مستاء من مستشاريه «الصقور»، وفي طليعتهم مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير خارجيته مايك بومبيو.
لكن ترامب لا يرغب الظهور في موقع الرئيس الضعيف، وهو لذلك سمح لفريقه بالاستعداد للحرب وكأنها ستقع غداً، وجاء في هذا السياق قيام اميركا باخلاء الموظفين غير الأساسيين في سفارتها في بغداد، وهو اجراء لم تقدم عليه حتى يوم كان تنظيم «داعش» يقترب من اجتياح العاصمة العراقية صيف العام 2014. كما نفى الرئيس الأميركي، وجود خلاف مع مستشاريه.
وأكد الجمعة، «أنها (التقارير الإخبارية) توجه رسائل بأنني غاضب من فريقي. إنني لا أشعر بغضب من أعضاء فريقي. واتخذ قراراتي. مايك بومبيو يؤدي مهمة جليلة، وبولتون يؤدي مهمة جليلة».
ووعد ترامب خلال حملته الرئاسية في 2016 بالابتعاد عن الصراعات الخارجية بعد ما وصفه بحروب باهظة التكلفة في أفغانستان والعراق.
لكنه أوضح أيضا أنه سيقوم بما يلزم لحماية المصالح الأميركية في الخارج.
في هذه الأثناء، الغى بومبيو جدول لقاءاته الذي كان مقررا في الأسابيع الماضية، فلم يزر برلين، بل استبدلها ببغداد. ويقول المطلعون على فحوى لقاءاته مع المسؤولين العراقيين الى ان بومبيو توافق معهم على حيادية العراق، وحملهم مسؤولية امن الديبلوماسيين الأميركيين والمستشارين العسكريين المنتشرين فيه.
ويضيف هؤلاء أن العراقيين عرضوا وساطة مع إيران، لكن بومبيو شكرهم وابلغهم ان واشنطن ستعلمهم ان هي احتاجت لوساطتهم.
وفي موسكو، حاول بومبيو اقناع الرئيس فلاديمير بوتين بضرورة مساندته لأي مواجهة عسكرية أميركية ضد طهران.
واللافت، حسب المصادر الأميركية، ان بوتين لم يعارض ضرب ايران، لكنه توجه الى المسؤول الأميركي بسلسلة من المطالب مقابل موافقة روسية، تصدرها مطالبته برفع العقوبات عن موسكو، وهي تكلفة سياسية لا مقدرة لترامب على تحملها، حتى لو هو أراد ذلك.
في وسط صورة أميركية داخلية ودولية معقدة، يبدو صعباً التكهن بإمكانية اندلاع حرب، لكن الحسابات الخاطئة قد تكون الطريق الأسرع لتصعيد ليس في حسبان أي منهما، على الأقل حتى الآن، خصوصا مع انسداد الأفق السياسي أمام ترامب في حال إصرار الإيرانيين على امتناعهم عن طلب الحوار، وهو ما يحرم الرئيس الأميركي مخرجاً يحفظ له ماء الوجه، ويسمح له بإعادة أساطيله وقاذفاته الى قواعدها.

الثلاثاء، 14 مايو 2019

واشنطن بانتظار الطلقة الإيرانية... الأولى

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اكتملت استعدادات الولايات المتحدة لتوجيه ضربة عسكرية قاسية لإيران، ولم يعد ينقص إلا الطلقة الأولى التي تعلن بدء المواجهة العسكرية، والتي تصرّ واشنطن على أنها لن تطلقها، بل هي بانتظار طهران للقيام بذلك، وهو ما يعطي إدارة الرئيس دونالد ترامب المبررات القانونية والسياسية اللازمة لشن الضربة التي تتحيّنها منذ فترة.
الخبراء والمسؤولون الأميركيون السابقون تنبهوا لسياسة ترامب تجاه إيران، وراحوا يحذرون من مغبة اندلاع حرب معها، ويحمّلون مسؤولية أي مواجهة ممكنة إلى مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي يتمتع بسمعة تجعله واحداً من الصقور ومن وجوه الحرب في العراق، وهي الحرب «السامة» سياسياً لمن شاركوا فيها ولمن أيدوها، إن في الماضي أو في الحاضر. 
مسؤولو إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، المنحازون إلى طهران عموماً والمتمسكون بسياسة التغاضي عن تصرفاتها والانفتاح عليها بأي ثمن، تنبهوا إلى فحوى سياسة ترامب - بولتون، وهي سياسة بسيطة ترمي إلى رفع الضغط الاقتصادي والسياسي والمعنوي إلى أقصى حد في وجه إيران، ورفع الاستعدادات العسكرية الأميركية إلى أقصى حد كذلك، واعتبار أي اعتداء إيراني ضد أي أهداف تابعة لأميركا أو حلفائها في المنطقة بمثابة «إعلان حرب» إيراني يسمح بـ«رد دفاعي» أميركي.
وفي هذا السياق، قال عضو مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، كولن كال، في مقالة على موقع «فورين بوليسي»، إنه فيما تسعى طهران لتمرير الوقت واستخدام عدوانية أميركا ضدها في المحافل الديبلوماسية، بانتظار «تغيير النظام في واشنطن بعد انتخابات 2020»، تقضي سياسة واشنطن بمحاصرة طهران واستفزازها، مضيفاً «أن احتمال انخراط إيران في استفزاز يشعل مواجهة عسكرية أكبر هو احتمال حقيقي جداً، على الرغم من أن سياسة إدارة ترامب هي محاصرة طهران بهدف تضخيم خطرها». 
وقال أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية لـ«الراي» إن واشنطن «لا تنوي شن هجوم ضد إيران، ولا حتى هجوماً استباقياً، لكنها مستعدة تماماً للرد على أي اعتداء إيراني على قواتنا أو على أهداف تابعة لنا أو لحلفائنا، ونحن أعلمنا الإيرانيين بذلك، وهم يتحملون مسؤولية أي استفزاز». 
وفي السياق، فإن إعلان إيران وقفها الالتزام ببعض تعهداتها النووية، من خارج الاتفاقية، لا يعتبر خرقاً حتى الآن، ولن يؤدي لانعقاد مجلس الأمن، حسبما تنص الاتفاقية في حال تنصل طهران من أي من بنودها. ربما تخرج إيران عن طورها بعد 60 يوماً، وهي المهلة التي أعطاها رئيسها حسن روحاني لأوروبا لتنفيذ تعهداتها الاقتصادية حسب الاتفاقية النووية، ولكن إلى أن يحصل ذلك، يعتقد كثيرون في العاصمة الأميركية أن إيران لن تعطي القوة الأميركية فرصة للانقضاض عليها. 
منذ انتخاب ترامب رئيساً وحتى الآن، بما في ذلك انسحابه من الاتفاقية النووية مع إيران قبل عام، ثم تصنيف «الحرس الثوري» الإيراني تنظيماً إرهابياً، يبدو واضحاً أن طهران ملتزمة بضبط نفسها بشكل حديدي، حسب غالبية المتابعين. إلا أن حسابات خاطئة، مثل اعتبار أن قيام الميليشيات الموالية لطهران بهجمات ضد أهداف أميركية في المنطقة بمثابة رسالة غير مباشرة، قد تؤدي إلى حرب.

الجمعة، 10 مايو 2019

تركيا أمام مفترق طرق... «تحالف الأطلسي» أم روسيا؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

ليست العملية العسكرية التي تشنها قوات الرئيس السوري بشار الأسد، ومعها حليفتيها الروسية والايرانية، في إدلب، مرتبطة بحسابات سياسية أو عسكرية سورية، بل هي تتعلق بالخيار الذي تجد تركيا نفسها أمامه: إما تنفصل عن «تحالف الأطلسي» وتدخل في محور روسيا وايران والأسد، أو تتمسك ببقائها في «تحالف الأطلسي»، تحت طائلة خسارتها وحلفائها محافظة إدلب الشمالية.
وكانت روسيا، ومعها الأسد، شنت عملية عسكرية ضد مناطق شمال محافظة حماة وجنوب محافظة إدلب، وقامت المقاتلات الروسية بـ33 غارة، فيما ألقت قوة الأسد الجوية 13 برميلاً متفجراً، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن. وأدى الهجوم الروسي، حتى الآن، إلى مقتل 100 سوري في مناطق المعارضة، وتعطيل 10 مستشفيات، ودفع إلى فرار نحو 200 ألف مدني سوري نحو الحدود المغلقة مع تركيا.
وتشرح مصادر في الإدارة الأميركية أن إدلب لا تهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإنه سبق لموسكو أن توصلت إلى هدنة حول هذه المحافظة مع أنقرة، فساد الهدوء في منطقة يسكنها 3 ملايين سوري معارض للأسد، وتسيطر عليها فصائل المعارضة، بإشراف عسكري تركي. وسبق لتركيا أن أوعزت لهؤلاء الحلفاء السوريين بتصفية المجموعات العسكرية السورية الكردية، التي تصنفها أنقرة إرهابية. 
وعلى مدى العامين الماضيين، بنت أنقرة سياستها تجاه سورية حول سياستها تجاه المجموعات الكردية السورية المسلحة، التي تسعى تركيا للقضاء عليها، أو على الأقل إبعادها عن الحدود السورية - التركية مسافة 30 كيلومتراً. على أن الولايات المتحدة أفادت من هذه المجموعات الكردية في الحرب التي قادتها للقضاء على «داعش»، شمال شرقي سورية، فتحولت هذه المجموعات إلى حليفة لواشنطن، ما أدى الى توتر العلاقة بين الحليفتين، ودفع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التواصل مع روسيا وايران، في محاولة للقضاء على ما يراه الخطر الكردي على بلاده، وهي سياسة تتشارك فيها تركيا مع إيران، التي تسعى بدورها الى تحجيم دور ونفوذ الأكراد المنتشرين في أجزاء من تركيا والعراق وسورية وإيران. 
وتقول المصادر الأميركية إن العرض الروسي لأردوغان كان يقضي بهدنة في ادلب تبقيها تحت سيطرة تركيا، والعمل معا لطرد القوات الاميركية المنتشرة في الأراضي السورية شرق الفرات، ما يسمح بعودة قوات الأسد وحلفائها إلى هذه المناطق وقضائها على التهديد الكردي لتركيا. أما ثمن العرض الروسي، فكان تحالف بين موسكو وأنقرة، تتوّجه صفقة شراء تركيا منظومة الدفاع الصاروخية «اس 400»، وهو ما وافقت عليه أنقرة.
لكن شراء تركيا المنظومة الروسية يعني خروجها الحتمي من «تحالف الأطلسي»، ويعني إخراجها من مشروع انتاج وصناعة مقاتلات «اف 35» الاميركية المتطورة، التي تشارك في صناعتها تركيا، ومن المتوقع ان تحصل على 100 مقاتلة منها. 
ويعزو المسؤولون الدفاعيون الأميركيون ضرورة إخراج تركيا من «الاطلسي»، في حال شرائها المنظومة الروسية، إلى أنه يمكن لرادارات «اس 400» أن تراقب طيران «اف 35» عن كثب، وأن تتجسس عليها، وهو ما يعني أن على تركيا الاختيار، إما المقاتلات الأميركية، واما المنظومة الروسية.
إلا أن الحسابات التركية ليست عسكرية بحتة، بل إن تركيا تبحث عن من يقلص دور ونفوذ الأكراد في سورية، وهي في هذا السياق تلقت وعداً من واشنطن بأن أميركا ستقيم منطقة عازلة على الحدود السورية الكردية تحظر بموجبها دخول المقاتلين الأكراد اليها، وهي تسوية أعجبت انقرة. إلا ان تركيا ترغب كذلك في الحفاظ على نفوذها وحلفائها في ادلب، خصوصا انها غير مستعدة لاستقبال المزيد من اللاجئين السوريين في حال اقتحمت روسيا المحافظة. هكذا، طلبت أنقرة من واشنطن، حسب المسؤولين الاميركيين، مساعدة من الولايات المتحدة لتمكين المعارضين السوريين من صد الروس والأسد والحفاظ على إدلب.
ولأن الولايات المتحدة ليست مستعدة للتدخل عسكريا، تتداول الاوساط الاميركية والاوروبية احتمال نشر قوات من «الأطلسي» على الحدود التركية - السورية لمساعدة حلفاء تركيا في حفاظهم على ادلب. وفي الكواليس، دار حديث عن امكانية انتشار مقاتلين مرتزقة اميركيين في ادلب لمساعدة المعارضين السوريين على صد الهجوم الروسي المتوقع، في حال تراجعت تركيا عن شراء «اس 400» الروسية.
لا اتفاق حتى الآن مع انقرة، على الرغم من الزيارة التي قام بها مسؤول الملف السوري جيمس جيفري الى تركيا، وزيارات قادة «الأطلسي» اليها، الا ان المؤشرات الاولية تشي أن تركيا ترغب البقاء في التحالف، وانها في هذا السياق طلبت نشر منظومة صواريخ «باتريوت» الاميركية، كبديل عن المنظومة الروسية، وهو طلب لاقى ترحيبا اميركيا واوروبيا، في وقت يبدو ان الامور تتجه لاختيار أنقرة البقاء في «الأطلسي»، والتعامل مع ردة الفعل الروسية «بالتعاون مع الحلفاء».

الخميس، 9 مايو 2019

تصعيد عسكري أميركي في الخليج... أم استعراض سياسي؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في اليوم الأول لإرسال الولايات المتحدة للقوة البحرية «يو اس اس لينكولن» إلى الخليج، بدت واشنطن في موقف حازم، إذ توعد مستشار الأمن القومي جون بولتون ايران بـ«قوة لا تلين» في حال تعرضت القوات الاميركية لأي أهداف تابعة للولايات المتحدة أو حلفائها. وقبل نهاية اليوم، نقل مراسل التلفزيون الاسرائيلي وموقع «اكسيوس» باراك رافيد خبراً حصرياً مفاده أن التحرك البحري الأميركي جاء بناء على معلومات استخباراتية إسرائيلية حول نية إيران مهاجمة أهداف تابعة لأميركا أو حلفائها في الخليج والمنطقة.
لكن الحزم الأميركي ارتطم بعثرات سياسية لاحقاً، وراح المعنيون بالسياسة الخارجية في واشنطن يتساءلون إن كانت القوات البحرية الأميركية تحركت وفقاً لمعلومات استخباراتية من إسرائيل، حصراً. وراح المعنيون يبحثون عن موقف وكالات الاستخبارات الأميركية حول الموضوع، وإن كانت أي من الوكالات الأميركية السبع عشرة قد رصدت تهديدات إيرانية مشابهة.
وفي وقت بدا أن الاستخبارات لا يسعها تأكيد التهديدات التي نقلتها إسرائيل إلى واشنطن، تحول الحزم الأميركي إلى إحراج، إذ من غير المعقول أن تتحرك أساطيل الولايات المتحدة وفقاً لاستخبارات دولة حليفة، بدون رأي أو تأكيد من الاستخبارات الأميركية.
وتفادياً للإحراج، أعلنت ادارة الرئيس دونالد ترامب أن وصول القوة البحرية الى الخليج جاء وفقا لطلب «القيادة الوسطى» في الجيش الأميركي، تحسباً لأي هجوم يمكن ان تقوم به إيران، بما في ذلك تنفيذها تهديدات بعض ضباطها العلنية، من قبيل إغلاق مضيق هرمز، الذي يربط الخليج ببحر العرب، أمام حركة الملاحة وخصوصاً في وجه ناقلات النفط.
لكن بعض المعنيين رأوا أن الخطوة الأميركية لم تأتِ بهدف التصعيد، وأن إرسال حاملة طائرات أميركية إلى الخليج لا يحصل بين ليلة وضحاها، بل هو أمر يحتاج إلى تنسيق وإعداد مسبق، وأن الغالب أن البيت الابيض رأى في الخطوة العسكرية الروتينية فرصة لبناء تصعيد سياسي عليها، فكان تهديد بولتون لإيران، وتسريب الإسرائيليين ان التحرك الأميركي جاء بسبب معلوماتهم.
ووفق التقديرات الاستخباراتية الأميركية السابقة، فإن لدى إيران خطة للرد ضد أي اعتداء عسكري عليها، ولكنها خطة تتضمن مواجهة غير مباشرة ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، بما في ذلك قيام كل المليشيات الموالية لإيران في المنطقة بضرب أهداف تابعة لأميركا وحلفائها، فيشن «حزب الله» اللبناني هجوماً ضد اسرائيل، وكذلك تفعل الفصائل الفلسطينية في غزة، وتشن المليشيات العراقية هجمات ضد القوات الأميركية في العراق، ويطلق الحوثيون صواريخهم على السعودية.
وبسبب سياسة إيران القاضية بالمواجهة العسكرية غير المباشرة ضد أميركا، استبعد الخبراء والعاملون السابقون في وكالات الاستخبارات مواجهة إيرانية - أميركية عسكرية مباشرة، فطهران تعرف أنها مواجهة خاسرة، وأن نقاط قوتها هي في الحروب غير المباشرة، وعلى أراضٍ غير إيرانية.
إذاً ما هدف تظاهر أميركا واسرائيل وكأن التصعيد العسكري ضد ايران جاء عن عمد؟ لا إجابات في العاصمة الاميركية، خصوصا ان لا سياق لمواجهة عسكرية، على الأقل من الجانب الايراني، فإعلان الرئيس حسن روحاني تراجع إيران عن بند او اكثر في الاتفاقية النووية بين ايران والمجتمع الدولي لا يشي بأن طهران اختارت المواجهة العسكرية، بل يشير الى ان الجمهورية الاسلامية تعتقد ان خياراتها التصعيدية غير العسكرية ما تزال متوفرة، من قبيل التراجع عن بعض بنود الاتفاقية النووية، أو حتى التراجع عن كل الاتفاقية وإعادة الانخراط في تخصيب اليورانيوم بشكل كامل. بعد ذلك، لكل حادث حديث.

الثلاثاء، 7 مايو 2019

الثورات جميلة ولا تحكم

حسين عبدالحسين

الربيع العربي جميل. ثوراته فتية كثواره. ثورات غاضبة على الاستبداد كغضب الثوار على عقود من طغيان الحكام وفسادهم. ثورات فيها نساء انتفضن على الحاكم، كما على المحكومين ممن يريدونهن في أغلال اجتماعية وأصفاد اقتصادية. ثورات يبتسم فيها الثوار، وينثرون الأرز والورود على رؤوس إخوانهم من العسكر. ثورات قدم فيها مئات آلاف الأبرياء حياتهم وما يملكون للتخلص من الظلم والإطاحة بالاستبداد.

لكن الثورات الجميلة لا تحكم، وهي إن حكمت، تتحول إلى استبداد أقبح من سابقه. ذاك عراق عبدالكريم قاسم ومحاكمه الثورية الشعبية التي أزهقت أرواح آلاف العراقيين، وبعده صدام حسين، "رئيس قيادة مجلس الثورة" العائمة على دماء مئات آلاف العراقيين.

تلك إيران وثورتها، التي قتلت من الإيرانيين، وما تزال، أكثر مما قتل أكثر ملوك إيران طغيانا، ومثلها حركة حافظ الأسد "التصحيحية" في سوريا، والتي صححت نظاما جمهوريا رئاسيا وحولته إلى جمهورية وراثية يستعد فيها حافظ الثاني لخلافة بشار الأول.

هكذا هي الثورات، جميلة ولا تحكم، وهي إن حكمت، صارت قبيحة، مستبدة، تأكل أبناءها، وتأكل من بعدهم أبناء باقي الشعب، وآبائه، وأعمامه، وأخواله، وأمهاته، وأخواتهن.

في الربيع العربي الجميل دروس. نجاح الثورة هو في نجاحها في الإطاحة بالحاكم، ومن بعدها ذهاب الثوار إلى منازلهم، وعدم خروجهم إلى الشارع مجددا، إلى أن يبتلع الحكام الجدد صناديق الاقتراع، ويعدلون الدساتير، ويحولون أنفسهم إلى قادة إلى الأبد.

في مصر، رفض من أطاحوا بحسني مبارك الاستفتاءات والانتخابات من بعده، وقالوا إن العامة ساذجة، وإنها تقترع لمصلحة العسكر والظلاميين الإسلاميين. لم يطلب ثوار مصر بدائل واقعية. طالبوا بمجالس كيفما اتفق تحكم بموجب شرعية ثورية. من هم أعضاء المجالس؟ من يحدد هويتهم؟ من يحدد عددهم؟ من يحدد قوانين اجتماعاتهم واتخاذ قراراتهم؟ ومن ينفذ هذه القرارات؟ وما هي عقوبة من لا يلتزم القرارات ولا ينفذها لمعارضته الثورة وأهدافها؟ أسئلة بلا إجابات لثورة بلا ثمار.

ومثل في مصر، وقع السودان في مأزق مشابه. استغل العسكر ثورة جميلة، وانقلبوا على عمر البشير، وانقلب منقلبون آخرون على منقلبين قبلهم. وفي حمأة الانقلابات، لم تهدأ تظاهرات السودانيين، ولم يركنوا لأول انقلاب، ولا للثاني.

ما البديل الذي قدمه ثوار السودان؟ قالوا ليحكم الموقعون على عريضة التغيير التي حرّضت على الثورة وحددت أهدافها. الأهداف طالبت باقتلاع البشير، وقدمت بعض الخطوط العامة، لكنه لا تقدم نظاما يمكنه أن ينظّم المراحل المقبلة: من يحدد من هو الثائر ومن يحجب هذه صفة عن سودانيين آخرين؟ هل كان الجنرال صاحب الانقلاب الأول ثائرا على البشير؟ هل كان الجنرال الثاني ثائرا؟ ماذا لو ادعى الجنرالات أنهم ثوار أيضا؟ ماذا لو شكلت قوى التغيير السودانية الفضفاضة مجلس حكم، واعترض ثوار على ثورية آخرين، واتهموهم أنهم من "أذناب النظام البائد"، حسب التعبير العراقي الفظّ؟

قد يتعلم ثوار السودان درسا أو أكثر من معارضي سوريا، حيث رفع الإسلاميون راياتهم الظلامية، ونصبوا أنفسهم ناطقين باسم الذات الإلهية، مثل في إيران من قبلهم. ولأن النقاش مستحيل مع الآلهة أو تعاليمها، صار الإسلاميون أوصياء على كل السوريين، برضى السوريين أو بعدم رضاهم، وظهرت إلى العلن قباحة حكم المظلوم، وجشعه، وشبقه إلى السلطة، حتى ناهزت استبداد الأسد وقباحته.

الثورات جميلة، ولكنها لا تحكم، وهي إن حكمت، تصبح قبيحة، وتصبح عرضة لتلاعب الطاغية المستبد بها، وفي سوريا دروس لمن اعتبر. حول سوريا، أقر مجلس الأمن قرارا يلزم الأسد بدخول في تسوية مع معارضيه. استغل الأسد، ومعه حلفائه الروس وبعض العرب، الثغرة نفسها: من يحدد من هم المعارضين؟ ألبس الأسد نفر من أزلامه ثياب المعارضين، وأرسلهم يندسون في مجالس المعارضة السورية. صارت لموسكو، راعية الأسد، "منصة" خاصة بها بين المعارضين. حاول المبعوث الأممي تعيين مجلس معارض، فأصرت روسيا، ومعها الأسد، على حصة لهم في تعيينات المعارضة السورية، ولما لا، طالما أن القواعد الناظمة للتعيين فضفاضة لا أسس لها، مثل نظام الأسد نفسه، الذي لا أسس له إلا الدموية السادية التي مارسها، وأبيه من قبله، على مدى عقود.

كيف تزهر ورود الربيع العربي؟ وكيف تتحول ثوراته الجميلة إلى حكومات مستقرة منبثقة عن شعوب سعيدة؟ ربما الأجدى أن تلي الإطاحة بالمستبد فرصة حتى يثقف الثوار أنفسهم، وحتى يتمرسون بأصول الحرية والديمقراطية والحكم الرشيد، وحتى ينشرون هذه الثقافة بين أوسع عدد ممكن من الثوار الآخرين، والمواطنين العاديين.

ربما ما يجب أن يلي الثورة في الشارع هو ثورة داخل المنازل، ثورة لتحرير المرأة، وثورة لتحديث الفكر، وثورة على الذات، فالحكام على طراز شعوبهم، وللشعوب التي تنتشر في صفوف مواطنيها ثقافة الصدق والأمانة والعمل الدؤوب من أجل عيش كريم حكومات تشبههم، وللشعوب التي يضرب فيها الآباء أبنائهم، والأبناء أخواتهم، والأزواج أزواجهم، حكومات تشبههم كذلك، وحكام لا يعرفون إلا الانفراد بالرأي والضرب كوسيلة حصرية لحل الاختلاف.

لم يبدأ عصر التنوير الأوروبي في الشارع، بل بدأ في البيوت وعلى صفحات المثقفين، وفي أعمال الرسامين، وفي موسيقى المؤلفين. ثم نشر التلغرام نور الثقافة، فثار الناس في الشارع. سقط ملك، وعاش ملك. ثم سقط ملك وعاشت جمهورية، وبين الثورة الأولى والثورة الثانية فارق بسيط: بعض من الوعي والعلم والمعرفة، وكثير من الانفتاح والتسامح والتعدد.

ثورات الربيع العربي الجميلة لن تزهر إن هي بقيت في الشارع، بين أقدام العسكر وعلى تقارير المخبرين، بل هي ستزهر داخل البيوت، وستفوح من البيوت رائحة الثورة العطرة لتغطي الشوارع، وتسكن في الساحات، وتنعش الأوطان.

الأحد، 5 مايو 2019

ترامب «قلِقٌ» من بايدن ولن يهزِمه إلا في حالتَيْن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يواصل الرئيس دونالد ترامب، عبر تغريداته، والبيت الأبيض، في بياناته الرسمية، الإشارة إلى الاداء الخارق الذي يقدمه الاقتصاد الاميركي، بعد أن سجل الناتج المحلي نمواً بلغ 3،2 في المئة في الربع الأول من هذا العام، وبعدما أظهرت بيانات الوظائف، هذا الشهر، انخفاض نسبة البطالة الى 3،6 في المئة، وهي نسبة لم تشهدها أميركا منذ العام 1969. 
لكن على الرغم من محاولة الرئيس الأميركي حصد ما يعتبره نجاحاته الاقتصادية الباهرة، ما يزال القلق بادياً على ترامب من إمكانية خسارته معركة إعادة انتخابه لولاية ثانية، العام المقبل. أما أسباب قلق ترامب، فواضحة، ومفادها أن المنطق يقول انه عندما يقدم الاقتصاد الاميركي أداء غير مسبوق، كالذي يقدمه حالياً، فإن أرقام شعبية الرئيس ترتفع بدورها إلى معدلات غير مسبوقة كذلك. لكن أرقام شعبية ترامب، على الرغم من الاقتصاد القوي، متعثرة، وتشير إلى خسارته الانتخابات في وجه أي من المرشحين الديموقراطيين المنافسين، والذين بلغ عددهم 21 مرشحاً حتى الآن، يتصدرهم نائب الرئيس السابق جو بايدن، ويليه المرشح سابقاً وحالياً للرئاسة السناتور بيرني ساندرز، ثم المرشحة السيناتور كاميلا هاريس.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه لا يمكن لترامب ان يهزم بايدن إلا في حالة من اثنين: أن ترتفع نسبة مؤيدي ترامب، التي تتخلف عن نسبة معارضيه بنحو عشر نقاط مئوية، أو أن تنخفض نسبة مؤيدي بايدن، التي تتقدم عن نسبة معارضيه بعشر نقاط مئوية كذلك. ويعزو خبراء الاستفتاءات فوز ترامب بالرئاسة، في العام 2016، الى انه كان في مواجهة مرشحة (هيلاري كلينتون) كانت شعبيتها مترنحة، فيما شعبية بايدن يبدو أنها ثابتة وقوية.
وتنقل أوساط البيت الابيض ان بايدن صار يشكل هوساً بالنسبة للرئيس الاميركي، الذي يسعى الى الاستهزاء بمنافسه المحتمل بتسميته، في تغريداته، بـ«جو النائم»، في محاولة من ترامب لوصم نائب الرئيس السابق بأنه لا يتمتع بالنشاط والحيوية المطلوبين في شخصية أي رئيس. 
وعلى الرغم من المسافة، البعيدة نسبياً في عالم السياسة، التي تفصل عن معرفة هوية رئيس اميركا في انتخابات 2020، إلا أن الدوائر المعنية بالسياسة الخارجية بدأت تتحسب لامكانية خسارة ترامب وفوز أي من منافسيه الديموقراطيين. على أن التباين الشاسع بين المنافسين الديموقراطيين أنفسهم يشي بأنه، حتى في حال عودة الديموقراطيين الى البيت الابيض مطلع العام 2021، الا أن السياسة الخارجية ستختلف بحسب هوية الرئيس الجديد المحتمل.
في حالة الديموقراطيين، يتفوق بايدن على كل منافسيه في خبرته الطويلة في السياسة الخارجية، فيما يعتبر ساندرز الأقل خبرة، والأكثر تمسكاً بعزل الولايات المتحدة عن الشؤون الدولية، على الأرجح عن طريق الاختباء خلف الأمم المتحدة، كما فعل الرئيس السابق باراك أوباما، مع فارق أن أوباما تبنى سياسة واضحة للانفتاح على ايران، فيما لا نوايا لدى ساندرز بالانفتاح على إيران أو غيرها، بما في ذلك حليفة أميركا التقليدية، إسرائيل، التي يرجح أن تتوتر علاقة واشنطن معها في حال وصول اليهودي الاميركي ساندرز الى البيت الابيض.
أما بايدن، فتاريخه الطويل في العمل السياسي يجعل من الأسهل التنبؤ بسياسته الخارجية. وينقسم تاريخ بايدن الى اثنين: السيناتور بايدن، الذي ترأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، ونائب الرئيس بايدن، الذي نفّذ سياسة ورؤية أوباما الخارجية. ويؤيد بايدن فكرة زعامة أميركا للعالم الليبرالي، ودعمها حقوق الإنسان ومشاريع نشر الديموقراطية، وهو من المشرعين الذين يُعزى إليهم إطلاق قناة «الحرة» الأميركية، الناطقة بالعربية، والمؤسسات الاعلامية المشابهة لها.
سياسة بايدن الخارجية من دون أوباما هي الوسطية التقليدية التي مارسها الحزبان، الجمهوري أثناء رئاسة جورج بوش الأب والديموقراطي أثناء رئاسة خلفه بيل كلينتون، وهي سياسة تقضي بالتمسك بالحلفاء، ومواجهة الخصوم، مع إبقاء الأبواب مفتوحة للحوار مع الخصوم، بشروط قاسية.
لكن خيارات بايدن الخارجية لم تكن دائماً صائبة، فهو صوّت ضد حرب تحرير الكويت، التي يشير إليها الأميركيون كنموذج لحروبهم الناجحة، إن في حشد التأييد لها داخلياً، أو في تنفيذها على الأرض. كذلك، صوّت بايدن ضد «خطة زيادة القوات»، التي ساهمت في إنهاء الحرب الاهلية في العراق، وفتحت الباب أمام خروج القوات الأميركية منها. 
أما تحت قيادة أوباما، فقام بايدن بتنفيذ سياسة لم يكن بادياً عليه تأييدها في معظم الاوقات، من قبيل مراهنته على رئيس حكومة العراق السابق نوري المالكي، الذي أطاحت به واشنطن - بالاشتراك مع طهران - في ما بعد. كما تخلى بايدن، بتعليمات من أوباما، عن تحالف واشنطن مع العشائر السنية، التي كانت ساهمت في القضاء على تنظيم «القاعدة» في العراق، وهي الخطوة التي يعتقد كثيرون أنها أفضت إلى قيام «داعش»، وتالياً عودة 6 آلاف جندي اميركي الى العراق للمساهمة في القضاء عليه.
ومن يعرف بايدن أثناء عمله نائباً للرئيس، يعلم أنه كان من المؤيدين لتدخل أميركي أوسع، ليس بالضرورة عسكرياً مباشراً، في سورية، ضد الرئيس بشار الأسد ونظامه. إلا أن أوباما لم يستشر بايدن في الموضوع السوري، الذي بقي محصوراً في دائرة أوباما الضيقة التي كانت تتألف من مستشارة الأمن القومي سوزان رايس ونائبها بن رودز، وهو ما دفع لاستقالة وزير الدفاع في حينه تشاك هيغل، فيما ابتلع وزير الخارجية السابق «إهانة» إبقائه خارج دائرة القرار في شأن سورية، من دون أن يستقيل.
بايدن في الرئاسة يعني في الغالب علاقات قوية مع الحلفاء في أوروبا والشرق الاوسط، وبناء تحالف لمواجهة كل من الصين وروسيا وايران، بما في ذلك مواجهة هذه الدول بشكل غير مباشر في سورية واليمن وغيرها، وهو ما يعني أن أي انتصار محتمل لبايدن على ترامب سيؤدي الى تغييرات جذرية في سياسة أميركا الخارجية، على غرار التغييرات الجذرية التي تلت تسلم ترامب الرئاسة من أوباما.

بيلوسي: ترامب لن يسلم السلطة إذا خسر الانتخابات

أعربت رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي عن مخاوفها من عدم قبول الرئيس دونالد ترامب، بتسليم السلطة في سنة 2020، إذا خسر الانتخابات الرئاسية المتوقعة بفارق ضئيل.
وحسب ما نقلت صحيفة «ذا تايمز»، فإن بيلوسي تخشى ألا يقبل ترامب بتسليم السلطة، إلا إذا خسر الانتخابات الرئاسية أمام منافس ديموقراطي، بفارق كبير.
وأضافت بيلوسي أنه من الضروري أن تكون الولايات المتحدة محصنة ضد هذا الأمر، مشيرة إلى أن ترامب كان سيسعى إلى الإرباك، في سنة 2018، لولا فوز الديموقراطيين بغالبية مهمة في مجلس النواب خلال انتخابات التجديد النصفي.

مركز أبحاث أميركي: الكويت متمسّكة بموقف صلب ضد إسرائيل

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أشار مركز «تحليلات دول الخليج» الأميركي إلى ما وصفه بـ«موقف الكويت الصلب ضد إسرائيل»، واصفاً إسرائيل ودول الخليج بـ«الأعداء مع فوائد»، وذلك في معرض تقرير له عن العلاقات بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي.
في الدراسة المفتوحة التي نشرها المركز - الذي يقدم نفسه على أنه مركز استشاري للمستثمرين الأميركيين، ويُعدّ تقارير متاحة للمشتركين فقط - على موقع «فير أوبزيرفير»، وأعدها الخبيران ثيودور كاراسيك وجاكوبو ديبريتو، ورد أن تغييرات واسعة طالت قيادات الدول الخليجية، باستثناء سلطنة عمان، في الفترة الممتدة بين 1995، وقت انطلاق مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والعام 2006، الذي بدأت فيه عملية تغيير بالقيادات، وأن معظم القيادات الخليجية شابة، وأن صعود إيران الإقليمي، في مرحلة ما بعد حرب العراق، ساهم كذلك في تخفيف حدة العداء بين الخليج وإسرائيل.
ويشير التقرير إلى أنه لا يمكن النظر إلى سياسات دول مجلس التعاون تجاه إسرائيل على أنها متشابهة فبعض الدول تبنّت لنفسها سياسات تجاه الدولة العبرية عن بعضها البعض. 
وفي هذا الصدد، ورد في التقرير أن الكويت «تمسكت بموقف صلب ضد إسرائيل، ولم تشارك في أي انفتاح، سري أم علني، تجاه الإسرائيليين». 
ولفت التقرير إلى أن الكويت «تدين في المحافل الدولية، بشكل دوري، اختراقات إسرائيل لحقوق الإنسان، وتمنع المواطنين الإسرائيليين من الطيران على متن الخطوط الجوية الكويتية». 
وتحدث التقرير عن «حرية النظام السياسي» في الكويت، واعتبر أن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم «حصد تأييداً واسعاً» عندما صرخ في وجه مشرعين إسرائيليين ووصفهم بـ«قتلة الأطفال»، أثناء لقاء برلماني دولي في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية.
ووفقاً للتقرير، فإن الشعور الشعبي الخليجي أدى إلى إلغاء بعض المشاركات التي كانت مقررة ومعلنة لمسؤولين إسرائيليين في فعاليات خليجية، كان آخرها منتصف الشهر الماضي، وإن «مثل هذه التطورات تشير إلى الفرص والعوائق أمام العلاقات الإسرائيلية - الخليجية»، وإنه «فيما يعيق الجمهور فرص الانفتاح، يمكن للقيادات السعي إلى مقاربات أكثر عملانية بما تمليه المصلحة الذاتية الوطنية، وهو ما يعني تطوير هذه العلاقة عبر اللقاءات غير الرسمية، والنفي العلني، والوسطاء»، وإن «السياسة المزدوجة القاضية بنفي رسمي واتصال غير رسمي قد تبدو مشكلة، لكنها تقدم فوائد جمّة للطرفين».

الخميس، 2 مايو 2019

تصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية... بين صراع الأجنحة الأميركية وحسابات العلاقة مع «الحلفاء»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أوعز الرئيس دونالد ترامب للعاملين في البيت الأبيض مباشرة العملية المطلوبة لتصنيف أي تنظيم سياسي في العالم (وبينها تنظيم الإخوان المسلمين) على لائحة الإرهاب الأميركية، وهي عملية تشارك فيها وزارات الخارجية والدفاع والخزانة والعدل، التي تقدم كل منها حجتها التي تؤكد أن التنظيم الفلاني يخترق القوانين الأميركية، بشكل يتطلب تصنيفه إرهابياً. 
ويرى بعض أركان الإدارة ان «الإخوان» لا يستوفي كل الشروط المطلوبة لتصنيفه إرهابياً، وهو ما أدى إلى إعاقة عملية التصنيف، وإلى اندلاع مواجهة شرسة داخل إدارة ترامب، بين جناحين، الصقور بقيادة وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، والحمائم، الذين يتألفون من كبار العاملين في الوكالات الأمنية والاستخبارية الحكومية الأميركية من غير المعينين سياسياً. 
ويلفت المعارضون إلى أن تصنيف «الإخوان المسلمين» على انه تنظيم إرهابي، سيكون قراراً سياسياً بلا أسس قانونية، ويرون أن «المشكلة الأبرز التي ستنتج عن إمكانية التصنيف تكمن في الإحراج الذي سيتسبب به لعدد من حلفاء الولايات المتحدة وفي طليعتهم تركيا وبنسبة أقل المغرب والأردن ودول أخرى في المنطقة». 
في العلاقة مع أنقرة، خصوصاً، من المرجح أن يؤدي تصنيف «الإخوان» إلى توتير علاقة متوترة أصلاً بين البلدين، على خلفية تمسك رئيس تركيا رجب طيب أردوغان بشراء منظومة صواريخ «اس 400» الروسية من موسكو، وهي صفقة تهدد بقاء تركيا في «تحالف الأطلسي». كذلك، تختلف واشنطن وأنقرة حول موضوع إيران، التي تفرض عليها أميركا أقسى عقوبات ممكنة، فيما لا تخفي تركيا محاولاتها إنقاذ الاقتصاد الإيراني عبر العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين.
وتعتقد أوساط الحكومة الأميركية أن تركيا تؤوي عدداً من ناشطي وكوادر «الإخوان» من دول عربية عدة، منها مصر وتونس والأراضي الفلسطينية، وأن هؤلاء يتلقون دعماً وتمويلا تركيا، ويقومون بنشاطات تدعم زعزعة الاستقرار في دولهم الأم، ويبثون دعاية معادية للديموقراطيات الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة.
ومن شأن إعلان «إخوان» مصر تنظيما إرهابياً أن يطول حلفاء آخرين لواشنطن ممن يستضيفون كوادر من «الإخوان»، إذ ان التصنيف الأميركي الممكن مع بقاء هؤلاء الكوادر في عواصم اللجوء التي يعيشون فيها، يضع العواصم المضيفة في خانة «الدول الراعية للإرهاب».
أما التسوية الممكنة بين الجناحين الأميركيين المختلفين حول «الإخوان» فتقضي بإمكانية وضع أفراد من التنظيم، ممن ثبت تورطهم في ارتكاب أو تمويل أو دعم عمليات عنف، على «لائحة التنظيمات الإرهابية» التابعة لوزارة الخارجية، من دون وضع التنظيم بأكمله على هذه اللائحة، لكنها تسوية لا يبدو أنها تشفي غليل أركان في الإدارة وحلفاء لهم من المصرّين على ان تشمل العقوبات التنظيم نفسه.