حسين عبد الحسين
هل يعقد المسؤولون عن السياسة الخارجية في السعودية جلسات لتقييم ادائهم؟ لنعتبر انهم يفعلون ذلك. ماذا يقولون اليوم؟
في العراق، انفرط الرهان على تحالف مع سورية يطيح برئيس الحكومة نوري المالكي، الذي بقي في منصبه. في لبنان، تم اجبار حليف الرياض الاساسي رئيس الحكومة سعد الحريري على الخروج من الحكم. الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، احد اعمدة ما يسمى "محور الاعتدال العربي" الذي تقوده السعودية في المنطقة، انهار. في البحرين، حليف اساسي للسعودية يهتز. في فلسطين، مزّقت حركة حماس اتفاق مكة ونفذت انقلابا عسكريا سيطرت فيه على غزة فيما، صديق الرياض الرئيس الفلسطيني محمود عباس متقهقر ومرتبك.
اما في ايران، فنظام الملالي لا تهزه تظاهرات شعبية، ولا عقوبات دولية. يقتل النظام الايراني المتظاهرين، ويصدر التعليمات لحلفائه – المتقدمين دوما – في العراق وسورية ولبنان والاراضي الفلسطينية وقطر.
ماذا يقول ارباب السياسة الخارجية السعودية في جلساتهم المغلقة؟ هل فاجأتهم الاحداث في المنطقة التي يبدو انها تعاكسهم دوما؟ هل يقلقهم تصاعد النفوذ الايراني على حسابهم؟ هل تعتقد الرياض انها قادرة على وقف نزيفها ونزيف حلفائها في المنطقة، وما الاجراءات التي تتخذها من أجل ذلك؟
أولى الإجراءات التي قد تنعكس إيجابا على الأداء السياسي السعودي في المنطقة هو كيفية التعاطي مع نقد على شاكلة هذه السطور المتواضعة. لو اعتبرنا ان احد مستشاري السياسة الخارجية السعوديين قرأ مقالا نقديا ما. ردة الفعل الاولى ستكون على الأرجح القيام بتسخيفه.
ردة الفعل الثانية ستكون تحريض القيادة السعودية على الكاتب ووصفه على انه يحاول ان ينال من سمعة السعودية.
المشكلة هنا تكمن في هيكلية دوائر القرار السعودية المبنية غالبا على ولاء المستشارين، المنافقين في معظم الأحيان، والتي لا تحسن التعامل مع النقد البناء واستخدامه لإصلاح مكامن الخلل. والمشكلة هي ان معظم النقاد والصحافيين ممن يدورون في فلك دوائر القرار السعودية اما يكتبون ما يرغب اهل القرار في سماعه، او تنقصهم الموهبة في قراءة المعطيات السياسية وتحليلها.
في العام 2005، تم اغتيال احد حلفاء الرياض الاساسيين في لبنان، رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري. وفي العام 2006، قام الرئيس السوري بشار الاسد بتوجيه اهانات علنية الى القيادة السعودية. وتواصل الهجوم السوري على السعودية وحلفائها اللبنانيين، حتى توج هذا الهجوم "حزب الله" باجتياح مسلحيه لمناطق خصومه في بيروت وجبل لبنان، واجبر الحزب وسورية حلفاء السعودية على تقديم سلسلة من التنازلات السياسية التي وصلت أخيرا الى انتزاع وليد جنبلاط من بين يدي الرياض واجباره على مساندة سورية، وترافق ذلك مع اجبار الحريري الابن على الخروج من رئاسة الحكومة.
هذا الانهيار السعودي التام في لبنان بدأ منذ قررت الرياض انهاء مواجهة بدأتها مع دمشق اثر اغتيال الحريري. في العام 2008، انقلبت سياسة السعودية تجاه سورية، وتغاضت الرياض عن مقتل حلفائها اللبنانيين وتوجيه الاسد الشتائم لها. وأوعزت السعودية لحلفائها بالدخول في مصالحة مع سورية، وكان التبرير الاساسي ان دمشق "ستعود الى البيت العربي" وتتخلى عن طهران في مقابل تنازلات السعودية لها في لبنان.
كذلك راهنت السعودية على ان دمشق ستطيح، كرمى لعيون الرياض، المالكي من رئاسة الحكومة في العراق.
تم اسكات المنتقدين لسياسة الرياض التصالحية مع دمشق، وتم ابعاد من لم يصمت، وانقلبت جوقة المستشارين والكتبة وحلفاء السعودية في لبنان – بين ليلة وضحاها – من معاد لسورية الى صديق. الصامتون والمبعدون، اظهروا مكامن الخلل في السياسة السعودية الجديدة: ليس لدمشق نفوذ يذكر للتأثير على العراق او انتخاباته، وكذلك في لبنان اصبحت ايران و"حزب الله" في موقع لا يأخذ الاوامر من دمشق كما في الماضي.
وكتب الصامتون والمبعدون ان السياسة السعودية سائرة في اتجاه فشل حتمي في العراق ولبنان، وان سورية ستأخذ التنازلات من الرياض، ولن تقدم ما وعدت به، بل ستطالب بالمزيد.
دخلنا العام 2010. اعتبرت الولايات المتحدة المالكي مرشحها، وحثت الرياض على القبول به. ظهر ان المالكي – الذي هزم حلفاء طهران في معارك انتخابية – فرض نفسه بغطاء اميركي وعراقي داخلي لا بأس به. سورية انحنت امام رئيس الوزراء العراقي، اما السعودية فخرجت خالية الوفاض. كان من الافضل لو ان السعودية شعرت – كما ايران – ان كسر المالكي غير ممكن في المرحلة الحالية، والافضل كسب ودّه كسياسي عراقي مستقل.
عن لبنان، اطل وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، وقال ان الاسد نكث بوعود قطعها للعاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز حول لبنان. انفضت "معادلة سين سين" (اي السعودية وسورية)"، التي كثر الحديث عنها في بيروت، وقالت الرياض انها سحبت يدها من لبنان، فيما بادرت سورية وحلفائها الى دفع الحريري الى خارج السلطة والتهديد باضطهاده ومؤيديه في لبنان.
هذه المرة، ارتبك المستشارون السعوديون والكتبة. بعضهم من انقلب على نفسه للمرة الثانية في اقل من سنتين، فعاد الى الهجوم ضد سورية. البعض الآخر، حمّل المسؤولية للحريري وانقلب الى مؤيد لدمشق، فقط لان الاسد استقبله شخصيا في لقاء.
لا شك ان في السياسة الخارجية السعودية حاليا الكثير من التخبط والارتجال، والنتائج الاقليمية لا تحتاج الى تفسير. اما الحلول، فبسيطة، وقائمة على تحويل السياسة السعودية الشرق اوسطية الى مؤسسة محترفة، لا نادي هواة وبلاط يكثر فيه المرتزقة.
المؤسسة السعودية المؤملة ليست مستحيلة، اذ يظهر عدد لا بأس به من مؤسسات الدولة السعودية نجاحا باهرا بمواصفات عالمية، وهذه المؤسسات تتضمن المصرف السعودي المركزي (ساما)، والمؤسسة النفطية (آرامكو) ومؤسسة المشتقات النفطية (سابك).
ان السياسات الخارجية للدول لم تعد تنتجها مجالس يتسامر فيها المسؤولون واتباعهم، بل صارت مؤسسات مبنية على الكفاءات، حصرا، وفيها حلقات متخصصة بجمع المعلومات، وتمحيصها، وبناء نماذج للاحداث المتوقعة، وتقديم الخطط لاصحاب القرار، وبناء آليات لتنفيذ القرارات وتسويقها والدفاع عنها امام الرأي العام.
اما الارتجال وتهليل المستشارين بالدرجة نفسها لما يعتقدونه ناجحا وما يرونه غير موفق، فنتائجه لن تؤدي الا الى خسائر متواصلة.
* كاتب مقيم في واشنطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق