| واشنطن - من حسين عبد الحسين |
للمرة الثانية في اقل من 20 يوما، تهب صحيفة «واشنطن بوست» لتقديم العون الاعلامي لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، في توقيت يبدو انه يهدف الى دعم موقف النظام والنيل من صورة معارضيه.
في 30 مارس الماضي، قام وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك بتمرير خريطة اهداف الى مراسلة الصحيفة في القدس جانين زكريا، زعم فيها ان الجيش الاسرائيلي وضعها تحسبا لاندلاع حرب وشيكة مع «حزب الله».
ومع ان زكريا لم تذكر باراك بالاسم بل اكتفت بالاشارة اليه على انه «وزير في الحكومة الاسرائيلية»، الا ان التصريحات التي ادلى بها في حينه عن معرفته للرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ولنجله وخلفه بشار، وقوله ان اسرائيل تفضل ان تتعامل مع «الشيطان الذي تعرفه»، كشفت هوية الوزير، التي لم تنفها مصادر الصحيفة لاحقا.
كان الهدف من «تسريبة» باراك اثارة ضجة اعلامية حول دور سورية في دعم «حزب الله»، وتعزيز صورة الاسد في مواجهة اسرائيل وتاليا «الشرعية الشعبية» التي يحصل عليها الرئيس السوري من قنبلة اعلامية بدأت في صحيفة اميركية، وتلقفتها ابرز الصحف اللبنانية الموالية لدمشق، فحذفت منها مقاطع التمجيد الاسرائيلية للاسد وابقت فقط على مقاطع «الدعم» السوري لـ «حزب الله».
امس، قامت «واشنطن بوست» بمحاولة مشابهة لدعم الاسد، وان بمقاربة مختلفة، فتصدر صفحتها الاولى تقرير بعنوان «الولايات المتحدة دعمت مجموعات سورية معارضة».
وقدمت على موقعها الالكتروني ست وثائق سرية مصدرها السفارة الاميركية في دمشق ووجهتها وزارة الخارجية، حصلت عليها من موقع «ويكيليكس».
كاتب المقال، مدير مكتب الصحيفة في برلين كريغ ويتلوك، قال ان تمويل واشنطن للمعارضة السورية بلغ 12 مليون دولار بين الاعوام 2005 و2010، اي بمعدل مليونين و400 الف دولار سنويا، وهو مبلغ متواضع جدا مقارنة بالاموال التي تنفقها واشنطن على برامج دعم الديموقراطية في دول اخرى.
واعتبر ان التمويل بدأ بعد العام 2005، وهو العام الذي سحبت فيه واشنطن سفيرتها مارغريت سكوبي من دمشق على اثر اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري. وحسب المقال، فان الاموال تضمنت تقديم ستة ملايين دولار لتلفزيون «بردى» المعارض، والذي بدأ بثه من لندن في ابريل 2009، وان الاموال الاميركية المخصصة للتلفزيون استمرت، حسب الوثائق، حتى سبتمبر 2010.
وكتب ويتلوك انه في ابريل 2009، قامت «اعلى ديبلوماسية في السفارة» بارسال مذكرة حذرت فيها من كشف السوريين للتمويل الاميركي، وهو ما «ستعتبره الحكومة السورية بمثابة محاولة لتغيير النظام».
واقترحت الديبلوماسية، التي لم يذكرها المقال بالاسم والتي اظهرت الوثائق انها القائمة بالاعمال في دمشق حينذاك والسفيرة في بيروت حاليا مورا كونيلي، اعادة النظر في برامج التمويل الاميركية «للفصائل المناوئة للحكومة» السورية.
ولفتت كونيلي الى ان «المخابرات السورية» عمدت الى التحقيق مع سوريين اشتبهت انهم كانوا على اتصال بالسفارة وباميركيين زاروا دمشق مثل جيم برنس، رئيس «مجلس الديموقراطية» الذي تلقى الاموال الحكومية ومن المفترض انه مررها الى التلفزيون، والموظف في الخارجية الاميركية جوزف برغوت، وهو سوري اميركي. ويتلوك سأل مدير التلفزيون مالك العبدة، شقيق انس العبدة رئيس «حركة العدالة والبناء» السورية المعارضة، حول تلقي قناته اموالا اميركية، فرفض المدير الاجابة. كذلك رفض برنس الاجابة.
وورد في المذكرتين حول التمويل، اللتين تم ارسالهما في مارس وابريل 2009، ان كونيلي لا تعرف ما يعرفه السوريون عن هذا التمويل، وانها اعتبرت ان المخابرات السورية اخترقت «حركة العدالة والبناء»، وتوصلت الى «تقفي اثر المال» الاميركي.
بيد ان ما فات ويتلوك هو انه مع انتخاب باراك اوباما رئيسا مع نهاية العام 2008، توقفت الاموال الاميركية وغير الاميركية المخصصة للمعارضة السورية في المهجر، الامر الذي اجبر «جبهة الخلاص» المعارضة، التي يترأسها نائب الرئيس المنشق عبد الحليم خدام من باريس، الى اقفال فضائيتها زنوبيا، ما اجبر بدوره مديرها بشار السبيعي، ابن الممثل المعروف رفيق السبيعي، الى الانشقاق عن «الخلاص» ومغادرة واشنطن الى دمشق في ابريل 2009.
ومن غير المستبعد ان يكون السبيعي، وهو شارك في برامج على «تلفزيون بردى» مثل برنامج الخطوة الاولى الذي كان يقدمه المعارض والناشط في المجتمع المدني والمتلقي علنا لاموال اميركية لبرامجه حول الديموقراطية عمار عبد الحميد، قدم ما يعرفه عن عمل المعارضين في الولايات المتحدة وعلاقتهم بالحكومة الاميركية الى المخابرات السورية، في نفس الوقت الذي اشتبهت فيه كونيلي باقتراب السوريين من كشف الاموال الاميركية لبرامج الديموقراطية.
ومن المتداول في اوساط العاصمة الاميركية ان دعم المعارضين المالي توقف تماما مع بداية العام 2009 بعد انتخاب باراك اوباما رئيسا.
بيد ان قصة ويتلوك، التي تصور المعارضة على انها اداة تمولها واشنطن لتغيير النظام، تطرح تساؤلات عديدة، اولا في توقيتها حيث يعمد النظام الى اخماد حركة شعبية معارضة مندلعة منذ 18 مارس الماضي.
كما يثير التساؤلات قبول «واشنطن بوست»، للمرة الثانية في اسبوع، نشر وثائق من «ويكيليكس»، اذ من المعروف ان مؤسس الموقع جاك اسانج، لطالما اصر على استثناء الصحيفة من تسريباته، بل وهاجمها علانية لانها نشرت مقالة وصفته بـ «الفكاهي»، وشبهته بوزير الاعلام العراقي السابق محمد الصحاف.
والتساؤلات تتعلق كذلك بتجاهل ويتلوك لمذكرات ارسلتها السفارة الاميركية في دمشق، خصوصا كونيلي، في تواريخ قريبة من تواريخ المذكرات التي نشرتها الصحيفة.
المذكرات التي تم تجاهلها منشورة على «ويكيليكس»، وتتحدث فيها كونيلي عن نية السفارة الاميركية في دمشق «استخدام كل الامكانات المتاحة» لها، خصوصا داخل الصحيفة الوحيدة المملوكة من القطاع الخاص، اي «جريدة الوطن، لتضخيم صوت واشنطن» في سورية.
يذكر ان «الوطن»، التي يبدو ان السفارة الاميركية اقامت معها علاقة سرية، تتبع لرامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري. ومع ذلك، تجاهل ويتلوك علاقة واشنطن بـ «الوطن» وسلط الضوء فقط على علاقة اميركا بـ «تلفزيون بردى».
كذلك، يتجاهل ويتلوك مذكرات سورية اخرى من «ويكيليكس» قد تحرج نظام الاسد. ففي فبراير 2010، كتب القائم بالاعمال في دمشق تشارلز هنتر ان مسؤولين اميركيين سلموا نائب وزير الخارجية فيصل المقداد تحذيرا من قيام سورية بتمرير صواريخ باليستية الى «حزب الله»، وان المقداد اكد للاميركيين ان الحزب لن يشن حربا على اسرائيل، وانه «نقل نية حزب الله في الرد فقط في حال قامت اسرائيل بالهجوم اولا».
مقالان لـ «واشنطن بوست» في اقل من ثلاثة اسابيع وفي خضم اتساع رقعة التظاهرات الشعبية المطالبة برحيل الاسد، يحاولان تصويره في دور الداعم لمواجهة اسرائيل وتصوير معارضيه على انهم ادوات اميركية. المقال الاول كان تسريبة من وزارة الدفاع الاسرائيلية المعروف عنها تأييدها لبقاء الاسد ولابرام السلام معه، والثاني تجاوز العدائية بين الصحيفة وويكيليكس وسلط الضوء على ما يحرج جزءا من المعارضة محاولا التعميم عليها بأكملها ومتجاهلا مذكرات تنتقص من دور الاسد واعلامه وتظهره في مظهر المتعاون ضمنيا مع واشنطن على الرغم من اعلانه عصيانها.
اما الاجابة للتساؤلات فقد تظهر في مذكرات «ويكيليكس» مستقبلية.
هناك تعليق واحد:
و حضرتك ليش متخوزق من الواشطنطن بوست ، ما بتكفيكن الحقيرة و العبرية و غيرها من القنوات المأجورة يا أولاد الخيانة.
لو كنت رجال و بتآمن بالحرية بجد انشر التعليق
إرسال تعليق