| واشنطن - من حسين عبد الحسين |
عقد عدد من أصحاب القرار في العاصمة الاميركية جلسة مخصصة لبحث الاوضاع في سورية والخيارات المتاحة امام الولايات المتحدة، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها انه «على الرغم من الوضع الديبلوماسي الممتاز الذي يتمتع به (الرئيس بشار) الأسد، فإن واشنطن ستجد نفسها مجبرة على تصعيد لهجتها في وجه الأسد اذا ما بدأ الاعلام الاميركي ببث مشاهد عن المواجهات في المدن السورية».
وافتتح الجلسة ديبلوماسي سابق، وقال «ان فلسفة تحرك ادارة الرئيس (باراك) اوباما في موضوع التحركات الشعبية في الدول العربية يمكن تلخيصها باثنين... فالرئيس يمارس الضغط على العواصم الصديقة مثل مصر واليمن، والى حد اقل بكثير البحرين، بهدف حثها على نقل السلطة او التخلي عنها او الاصلاح، او يذهب إلى مجلس الامن لتنسيق تحرك دولي لحماية المدنيين كما في الحالة الليبية، وعلى الأرجح في الحالة السورية».
وأضاف: «في الحالة السورية، سفيرنا (روبرت فورد) في دمشق شبه متفرج، يقدم الاعتراضات إلى الحكومة السورية على غرار ما فعل الاوربيون، والأسد يتجاهلها ويأمر قواته بفتح النار على المتظاهرين».
بما ان الأسد لا «يتفاعل ايجابيا مع مذكرات الاعتراض الدولية ولا يأمر قواته بممارسة اقصى حدود ضبط النفس والسماح بالتظاهر، فإن الولايات المتحدة ستجد نفسها تدرس سيناريو الذهاب إلى مجلس الامن لاستصدار قرار يأمر الأسد بوقف العنف بحق المدنيين، تحت طائلة عقوبات اقتصادية اممية قاسية، على غرار ما فعلت مع ليبيا».
وتدخل خبير ليسأل ان كان الخيار العسكري مطروحا في الحالة السورية، فاستبعد الديبلوماسي السابق ذلك تماما، معتبرا «ان الواقع السوري لا يستدعي عملا عسكريا، فلا انقسامات عسكرية منظورة ولاحرب اهلية».
وأضاف: «على اننا حتى لو ذهبنا إلى مجلس الامن، فان مهمتنا معقدة». وقال: «في حالة ليبيا، جاءنا مندوب لبنان (السفير نواف سلام) بمشروع قرار مدعوم بقرار من الجامعة العربية، وللمفارقة سورية كانت عارضت القرار ضد ليبيا».
اما في الحالة السورية فيقول المسؤول السابق، «هل يتصور احد منا ان يتقدم لبنان بمشروع قرار في مجلس الامن لحماية المدنيين السوريين من نيران القوات الموالية للاسد؟».
وتدخل خبير آخر ليقول ان «وضع الأسد الديبلوماسي ممتاز»، فهو يتمتع «بدعم كامل من تركيا وقطر واسبانيا، وعلاقته بفرنسا، رغم تقديم الاخيرة اعتراضات على مقتل مدنيين، جيدة جدا». وأضاف: «نذهب نحن والبريطانيون إلى مجلس الامن بقرار ضد سورية، ولكننا من الصعب ان نحصل على الاصوات المطلوبة لاقرار القرار، كما ان الرئيس (اوباما) سيحتاج إلى ممارسة ضغط لا مثيل له على روسيا والصين لثنيهما عن ممارسة حق (النقض) الفيتو».
ثم ان في واشنطن مجموعة كبيرة موالية للاسد، حسب اكثر من خبير مشارك بالجلسة. وقال احد الخبراء ان «ما يجعل مهمة واشنطن ثني الأسد عن ممارسة العنف بحق مواطنيه اصعب هي الدعم الاسرائيلي الكامل لبقاء الأسد في السلطة».
وكان الديبلوماسي السابق ريتشارد هاس، وهو يرأس حاليا مركز ابحاث «مجلس العلاقات الخارجية» المرموق، كتب في مجلة «التايمز»، الخميس، انه «من المثير للاهتمام ان اسرائيل قد لا ترغب في تغيير النظام في دمشق». وقال: «(سورية واسرائيل) عدوان لدودان، فسورية قريبة من اعتى اعداء اسرائيل مثل حزب الله وحماس وايران».
وأضاف: «رغم ذلك، فان الحدود بين البلدين تبقى هادئة جدا، ومع ان الاسرائيليين قد يرغبون بديموقراطية على طراز اوروبي جارة لهم (في سورية)، الا انهم يخشون ان من سيخلف بشار الأسد سيكون من المتطرفين الاسلاميين». وختم هاس: «كما يقولون في تل ابيب، الشيطان الذي تعرفه خير من الشيطان الذي لا تعرفه».
وبما ان الكتلة العربية، ولبنان، وروسيا والصين، وفرنسا، واسرائيل كلها تدعم بقاء الأسد، فان «تحرك واشنطن ضده ديبلوماسيا من خلال المجتمع الدولي سيكون فائق الصعوبة»، حسب المشاركين في الجلسة.
الا ان واشنطن ستجد نفسها مجبرة على مواجهة الأسد، «حتى لو اضطرت لفعل ذلك وحيدة»، على حد قول المسؤولين والخبراء الاميركيين، وذلك في حالة واحدة فقط.
«اذا ما وصلت اخبار ازدياد اعداد المدنيين ممن يتم قتلهم في شوارع المدن السورية إلى الاعلام الاميركي، فإن الرأي العام الاميركي والكونغرس سيتعاطف مع السوريين، وسيجبران الادارة والرئيس اوباما على اتخاذ مواقف حازمة ضد الأسد ونظامه قد تصل إلى الطلب علنا منه التنحي».
وهذا ما حصل مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك، حسب الخبراء، اذ تصدرت اخبار الثورة، الصحف الاميركية والبرامج السياسية والفكاهية على مدى اسابيع، ما حمل الاميركيين على التعاطف مع المصريين، واجبروا الادارة على التخلي عن موقفها المبدئي الذي طالب مبارك بالاصلاح، فطلب منه اوباما اذ ذاك التنحي علنا.
ورجح الخبراء قيام الاعلام الاميركي بتبني «الثورة السورية اذا ما استمرت اكثر من الاسابيع الثلاثة التي استغرقتهم حتى الآن». وقال الخبراء ايضا ان «الاعلام الاميركي لم يتبن الثورة المصرية الا بعدما ادرك ان انتفاضة المصريين ضد نظامهم كانت جدية، وذلك استغرق بعض الوقت لادراكه».
«حسب التجارب السابقة»، يختم احد الخبراء، «عندما ينظر الينا العالم ويرانا نقف إلى الجانب الصحيح لحماية المدنيين ان في كوسوفو او في ليبيا، فان العالم غالبا ما يتبعنا وتتولد ديناميكية معينة تؤدي إلى تدخل من نوع او من آخر وتنهي اعتداءات الانظمة على مواطنيهم».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق