حسين عبد الحسين
لا مفر من انهيار نظام الرئيس السوري بشار الاسد لاسباب بعضها يتعلق بالمزاج الشعبي العربي عموما، وبعضها الآخر يتعلق ببنية النظام نفسه الذي ان تغير، ينتهي. اما وقت الانهيار، فقد يأتي في اسبوع او اشهر، لا فرق، وسيتبعه، لا محالة، انهيار الديكتاتوريات المنتشرة في طول المنطقة العربية وعرضها.
لم يعد المواطنون العرب حمقى يهللون ويصفقون لزعمائهم. حتى لو عاد من يعتبره العرب ملهمهم، اي جمال عبد الناصر المهندس الاول للنظام الاستخباراتي العربي وصاحب اول انقلاب عسكري مسمى زورا ثورة، لنزل العرب الى الشارع وطالبوه بالرحيل.
العرب اليوم يشاهدون الفضائيات ويستخدمون الانترنت. كيف يصبح صبي ابن مهاجر كيني الى الولايات المتحدة اسمه باراك اوباما رئيسا لأقوى بلد في العالم، فيما المطلوب من فتى في الناصرية او فتاة في اللاذقية او شاب في طنطا ان يتركوا دراستهم، وان يصبحوا عاطلين عن العمل بعد تخرجهم من الجامعات؟ لماذا يحق لآل مخلوف، اخوال بشار الاسد، امتلاك الشركات السورية كافة وتمرير فتات الأموال الى شركائهم المتزلفين الصغار والطفيليين فيما انعدام الفرص – المتأتي عن الفساد – يجتاح المدن والقرى العربية من المحيط الى الخليج؟
في الولايات المتحدة، يقدم كل رئيس كشف حسابات بكل ما تقاضاه في تقريره الضريبي السنوي في آخر كل سنة. اين كشف أموال جلال الطالباني، الرئيس الى الأبد ووالد ممثل حكومة كردستان في واشنطن (كذلك الى الأبد) قباد؟ اين كشف اموال احمد الجلبي وعمار الحكيم واياد علاوي ونوري المالكي وبشار الاسد؟ لماذا يحتكر آل الاسد او القذافي او الخليفة او مبارك السلطة في دولهم؟
سورية هي الديكتاتورية العربية الاسوأ من دون منازع ، وهي الاكثر تشابها مع كوريا الشمالية، التي تعيش مع صواريخها النووية خارج التاريخ وتحت حكم الحزب الشيوعي الذي يورث الحكم من الاب الى الابن. منذ 40 عاما وسورية تسمي نفسها "سورية الاسد". هل سبق ان سمع احد بـ "فرنسا ساركوزي" او "اسرائيل نتانياهو" او "اميركا اوباما"؟ ما هذا الاستخفاف بعقول العرب والسوريين؟
الشعب العربي لم يعد مغفلا. صار يقرأ قصص تقديم اوباما كشفا بحساباته السنوية. صار يقرأ قصصا عن المدعي العام الاسرائيلي وهو يزج رئيس اسرائيل السابق موسى قصاب في السجن لتحرشه الجنسي بمساعدته. لهذا هزمت اسرائيل العرب. لم تهزم اسرائيل العرب بالطلقات والمدافع، بل بديموقراطيتها الشفافة (بين اليهود فقط).
كم مسؤولا عربيا تمت محاسبتهم لفسادهم او لتحرشهم الجنسي، او لبقائهم في مناصبهم الى ما شاء الله.
الى متى سترفض حركة حماس الانتخابات البرلمانية في غزة؟ ومن يؤذي فلسطينيي غزة اكثر، ديكتاتورية حماس ام حصار اسرائيل؟ لهذا تحدث الثورات العربية. عندما صفعت تلك الشرطية التونسية بائع الخضار، الخريج الجامعي محمد بوعزيزي، لخصت عقودا من صفعات الانظمة العربية لشعوبها، التي كان لا بد من ان تحرق انفسها على ان تعيش ذليلة الى الابد. طبعا الثورة العربية لم تحدث بسبب احراق البوعزيزي لنفسه، فالاحراق كان الشرارة فقط لمنطقة يعتمل فيها الظلم والفساد وانعدام الفرص وغياب المؤسسات الشفافة.
ومن الطرافة ان الوحيدين ممن لم يلاحظوا التحولات في العالم العربي هم حكام العرب. بشار الاسد، نصف اللبنانيين يكرهونه، ونصف الفلسطينيين كذلك، واغلبية السوريين ممن اجبروا على العيش تحت احذية عناصر المخابرات، وممن حملوا مكرهين صور الاسد كل يوم على غلاف دفاترهم المدرسية وانشدوا باسمه، وتصرفوا كذليلين ليقتاتوا هنا او هناك، او ليتخلصوا من بطشه. الاسد ديكتاتور والاصلاح الوحيد يكمن في رحيله. اما الحديث عن رفع قانون الطوارئ ووضع قانون للاحزاب ومنح الكرد هويات، "عربية سورية" في مفارقة هائلة، فلن ينفع.
والاجمل من هذا كله هو ان الشعوب العربية فهمت ان الوحدة القومية التي نادى بها حكامهم على مدى القرن الماضي هي من اكبر ضروب التفاهة.
الوحدة العربية تكون وحدة في الكرامة وحقوق المواطنة وحرية التعبير. اما الوحدة السياسية، فلا حاجة لها بين الدول المتحضرة. الوحدة اليوم هي في التخلص من الطواغيت. الشعب العربي ادرك ذلك، اما الحكام، فلم يفهموا بعد، ومازالوا يجتمعون في جامعة عربية بالية ويتحدثون عن خطط لتحرير فلسطين، واخرى لمواجهة ايران، ويناورون بين عواصم العالم لابعاد كأس الثورات المرة، لكن الثورات آتية لا محالة.
بيد انه على الشعوب العربية الثائرة ان تدرك كذلك ان الثورات اجمل واكثر رومنطيقية من الواقع. لن تتحول الدول العربية الى ديموقراطيات ذات اقتصادات مزدهرة في يوم وليلة، وستأخذ التقاليد الديموقراطية بعض الوقت حتى يعتاد عليها المسؤولون وغير المسؤولين.
في العراق، على سبيل المثال، نظم التيار الصدري تظاهرة ضد الوجود الاميركي. لا بأس في اي نوع تظاهرة، ولكن كيف يتظاهر تيار يتمثل بحكومة العراق الحالية بأكثر من وزير والحكومة موقعة على اتفاقيات تنظم الوجود الاميركي في البلاد؟ اما ان يطالب التيار الصدري بتعديل الاتفاقية للطلب من الاميركيين الانسحاب الفوري، او يستقيل وزراؤه من الحكومة، ما قد يؤدي الى انهيارها، او – في حال عدم انهيار الحكومة – يصبح التيار في المعارضة البرلمانية.
ولكن ان يتظاهر تيار في الحكومة ضد الحكومة فهو أمر يشي بانعدام الثقافة الديموقراطية، وهذا الانعدام لا ينحصر بالصدريين فقط بل يتعداهم الى الاحزاب الاخرى التي يتربع على رأسها رؤساء احزاب الى الابد. وهنا السؤال: كيف نبني ديموقراطية عراقية برؤساء احزاب تغيب الديموقراطية عن احزابهم؟ لا اجابة ممكنة في الوقت الحالي، الا ان الرهان يبقى على عامل الوقت والممارسة الكفيلين بصقل التجربة الديموقراطية وتحسينها.
ستنجح الثورات العربية، وسينهار نظام القذافي ونظام الاسد وغيرهما. وسيمضي العرب باتجاه ديموقراطية ستختلط فيها عادات العشائر مع تعليمات الدين والالوهية في المرحلة الاولى، وقد تحتاج الثورات الى ثورات لاحقة، على غرار التجربة الفرنسية. الا ان بدء عملية التغيير ضرورية على الرغم مما قد يخبئه المستقبل.
فمن لا يتغير يموت، وهذا الدرس الذي يبدو انه يفوت الاسد والقذافي ومن تبقى من حكام العرب.
* كاتب عراقي مقيم في واشنطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق