حسين عبد الحسين
يروي احد الدكاترة في “الجامعة الاميركية في بيروت” انه يوم كان تلميذا في الخمسينات، نظم الطلاب والهيئة التعليمية للجامعات العامة والخاصة تظاهرة كبيرة كان هدفها الضغط على الحكومة من اجل تحسين ظروف المعلمين والبرامج والمرافق في “الجامعة اللبنانية”. ويقول: “كانت التظاهرة سلمية وحضارية وهتفت مطالبة بتحسين وضع التعليم العالي، ولما وصلنا مجلس النواب في قلب بيروت، تحولت الهتافات الى شتائم بحق (رئيس لبنان الراحل) كميل شمعون وحلف بغداد، ودعم (لرئيس مصر الراحل جمال) عبدالناصر”.
هذه الرواية تلخص قصة بعض الحركات الثورية حول العالم: تبدأ نبيلة وحضارية، ثم ما تلبث ان تتحول الى كارثة، ويدخل المسؤولون عن تنظيمها في متاهات السياسة، ويأخذون جانب فريق ضد آخر، فتتحول حركتهم من ثورة في مصلحة الاكثرية الى حزب فئوي يناصر هذا السياسي او ذاك.
هذه حال “حركة احتلال وول ستريت” التي اندلعت في نيويورك وواشنطن العام الماضي واحتفلت بذكرى سنة على قيامها في منتصف الشهر الحالي.
الحركة بدأت عفوية، وصبت جام غضبها على اثرى اثرياء الولايات المتحدة، او من تسميهم “الواحد في المائة” من الاميركيين ممن يجلسون على قمة الهرم الطبقي. وقدمت الحركة افكارا متعددة لفتت انتباه اكاديميين وسياسيين جديين ممن ايدوها في المبدأ.
البروفسورة في جامعة “ام آي تي” المرموقة اندريا كامبل نشرت في العدد الاخير لدورية “فورين افيرز” دراسة مثيرة للاهتمام حملت عنوان “اميركا حيث الضرائب اقل”. واستندت الدراسة الى عدد من الابحاث حول الضرائب اعدها خبراء من المتأثرين بشعارات “حركة احتلال وول ستريت”.
وجاء في الدراسة ان اميركا، صاحبة اكب مدخول للفرد في العالم، تحتل نسبة ضرائب الدخل فيها المرتبة ما قبل الاخيرة في مجموعة دول “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” البالغ عددهم 34.
وتظهر دراسة كامبل ان “الواحد في المائة” من الاميركيين يدفعون معدل ضرائب دخل تبلغ 22 في المائة، وانه لو رفعت الحكومة الاميركية ضريبة هؤلاء الى 29 في المائة، لحصلت على مبلغ يوازي واحد في المائة من الناتج المحلي السنوي للبلاد، وهو مبلغ هائل ومن شأنه ان يساهم في ايجاد حلول لازمة المديونية التي تغرق فيها واشنطن.
لا شك ان نتائج هذه الدراسة القيمة، ودراسات اقتصادية ومالية متعددة اخرى في اميركا، تأثرت بـ “حركة احتلال وول ستريت” وشعاراتها. المشكلة ان هذه الحركة لم تتمكن من الالتزام بخطها الرئيس، الاقتصادي – المعيشي، بل توغلت بكل بلاهة في متاهات سياسية لا تفقه منها الكثير.
من باب اخطاء الحركة السياسية ارسالها ثلاثة من الاساتذة الجامعيين المشاركين بها في زيارة الى طهران، اذ سافر، في نيسان الماضي، كل من الدكاترة أليكس فيتالي، من “كلية بروكلين”، وهيثير غوتني، من “جامعة فوردهام”، وجون هاموند، من “جامعة مدينة نيويورك” الى العاصمة الايرانية، وعقدوا لقاءات مع المسؤولين هناك للتباحث حول شؤون حركتهم.
وفي اثناء حلولهم ضيوفا على النظام الايراني، وجهوا دعوة الى الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لزيارة معقلهم في منتزه باتري في مدينة نيويورك اثناء زيارته الولايات المتحدة للمشاركة في اعمال الجمعية العامة “للامم المتحدة”.
طبعا لم يكن متوقعا ان يفوت الرئيس الايراني هذه الفرصة، ومن المتوقع ان يتوجه للقاء افراد “حركة احتلال وول ستريت” في اي وقت، حسب مصادر في شرطة المدينة التي يقول مسؤولوها انهم بدأوا بالعمل على ترتيبات الزيارة امنيا.
لماذا تدخل حركة صاحبة مبادئ معيشية واقتصادية بعضها محق، مثل “احتلال وول ستريت”، في شؤون سياسية دولية لا تفقهها ومن شأنها ان تضعضع صورتها وان تفتح المجال لمنتقديها بشن هجوم عليها؟ الاجابة موجودة لدى معظم الثوريين حول العالم الذين، على حسب المثال الشامي، “ذهبوا ليزينوا شعورهم، فوجدوا انفسهم يقلعون اسنانهم”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق