| واشنطن من حسين عبدالحسين |
كشف كتاب «ليس يوماً سهلاً»، الذي يروي فيه مارك بيزونيت تفاصيل عملية قتل رئيس تنظيم القاعدة اسامة بن لادن التي قامت بها وحدات اميركية خاصة في ابوت اباد في باكستان في مايو 2011، ان بن لادن لم يكن مسلحا لحظة مقتله، بل وقف يسترق النظر من باب غرفة نومه وهو يقف تحت رف كان عليه رشاش ومسدس وفيهما مخزني ذخيرة فارغين من الطلقات.
وقال بيـــــزونيت، الذي نشر الكتاب باسم مستعار هو مارك اوين قبل ان تكــــشــــف هويتــــه شــــبكة فوكـــــس التــــلفــــزيونية، ان قائد الفرقة الخاصة اطلق النار عندما اطل رجل رأسه من خلف باب في الطـــــابق الــــــثالث للــــمجمع من دون ان يعرف من هــــو هذا الرجل، وان القـــــوات الخــــاصة دخلت الغرفة بعد ذلك لتجد بن لادن متـــشنجا ويلتف معانيا من حشرجات الموت، فما كان من بيـــــزونيت وزميل له إلا أن افـــــرغا الرصاص في صدر بن لادن حتى توقف عن الحركة.
وكانت العملية بدأت بإقلاع مروحيتي «بلاك هوك» من قاعدة عسكرية في جلال اباد في افغانستان تحملان فريقين من وحدات البحرية الخاصة، المعروفين بفريق «سيلز». لدى وصولهما، تحطمت واحدة فوق السور البالغ ارتفاعه اربعة امتار. ترجل كل المقاتلين ودخلوا باحة المجمع حسب الخطة، واشتبكوا مع مرافق بن لادن احمد الكويتي واخيه، واردوهما وزوجة احمد. بعد ذلك، اكملوا الى جناح بن لادن، وصعدوا السلالم ليواجهوا ابن أسامة خالد، ثم يصلوا الى غرفة رئيس «تنظيم القاعدة» نفسه.
في الكتاب تفاصيل مملة لجمع المعلومات الاستخباراتية ولتعقب بن لادن على اثر هجمات 11 سبتمبر، ثم التدريبات التي اجرتها الوحدات الخاصة للقيام بالعملية.
ويفتقد الكتاب لأية أبعاد تحليلية او سياسية، ما عدا ما يبدو انه غضب يكتنز صدر بيزونيت ضد الرئيس باراك اوباما والمؤسسة السياسية عموما. وفي اكثر من مناسبة، يبدو الكاتب وكأنه غاضب على النجاح الذي ينسبه الرئيس الأميركي لنفسه في الإطاحة ببن لادن، ويعتقد الكاتب ان عملية الفريق تم استغلالها سياسيا، بغض النظر عن اي من الحزبين يشغل البيت الابيض.
ويذكر ان وزارة الدفاع الاميركية تنوي مقاضاة بيزونيت لافشائه معلومات سرية، ما يخالف عقد العمل الذي يوقعه كل أفراد الوحدات الخاصة، كما الكثيرون من الموظــــفين المدنيــــين، فـــــي عدد من دوائر الحــــكومة الأميركية.
«الراي» تنشر أجزاء من الفصل 14، والفصل 15 كاملا، وأجزاء من الفصل 16 من الكتاب، ومجموع هذه الأجزاء يغطي تفاصيل العملية منذ دخول منزل بن لادن، داخل المجمع، حتى لحظة إخراجه من المنزل جثة هامدة، ثم تفتيش المنزل لجمع المعلومات الاستخباراتية حيث تم العثور أيضا على قطعتي السلاح في داخلهما مخزنين فارغين من الذخيرة فوق رأس بن لادن، او «جيرونيمو» حسب الاسم المشفر الذي أطلقه عليه الأميركيون، قبل أن يفتح باب غرفة نومه للمرة الأخيرة في حياته.
الفصل 14: خالد
لم يكن لدينا فكرة عما يجب علينا ان نتوقعه. في هذا الوقت، بن لادن او كائنا من كان الذي يختبئ في الداخل كان لديه متسع من الوقت للمجيء بسلاح والاستعداد للقتال دفاعا. وبما ان الطريق الوحيد الى الطوابق العليا كان ذلك الدرج، كان من السهل حشرنا في عنق زجاجة.
كان كل شيء مظلما وكنا نبذل ما بوسعنا للحفاظ على الهدوء. كل خطوة كانت محسوبة. لا كلام. لا صراخ. لا ركض. في الماضي، كنا نقتحم قصرا برمينا قنابل مضيئة وندخل لتأمين الغرفة. الآن نبقى صامتين قدر الإمكان. لدينا تفوق عن طريق الرؤية الليلية، ولكننا نخسره اذا دخلنا وبيدنا برميل لخلع الباب إلى داخل الغرفة. لم تكن هناك حاجة كي نركض لمواجهة حتفنا.
عندما وصلت الى الطبقة الثانية، كان المهاجمون الآخرون وصولوا وتوزعوا. الطابق الثاني كان عبارة عن ممر طويل يصل الى باحة موصولة بجنوب المبنى. كان في الطابق أربعة ابواب، ورأيت أعضاء فريقي يتحركون بصمت عبر الممر ويدخلون الأبواب لتأمين الغرف.
لاحظت زميلا يقف على الدرجات الثلاث الأولى في أسفل الدرج الذي يؤدي الى الطابق الثالث، وكان يعطينا اشارة بعدم التقدم لوجود خطر. ثم رأيت جثة ودماء تتقاطر على الرخام.
فيما كان يعطي زميلنا إشارة عدم التقدم، رأى رجلا أطل رأسه. كانت تقارير الاستخبارات تشير الى امكانية وجود اربعة ذكور يعيشون في المجمع. خالد، واحد من أبناء بن لادن، كان مرجحا انه يعيش في الطابق الثاني، فيما يعيش بن لادن في الثالث. الرأس الذي اطل كان حليقا من دون لحية، ما حتم ان يكون ابن بن لادن.
«خالد»، همس زميلي. «خالد».
كل شخص في المجمع كان لا بد انه سمع صوت محركات المروحيات، وسمع اطلاق رصاص في بيت الضيوف المجاور، وسمع تفجير الأبواب الحديدية، ولكن بعد ذلك، اصبح كل شيء صامتا، وكل ما كانوا يسمعونه هو خطواتنا. ثم سمع الرجل اسمه. لا بد انه فكّر في نفسه: يعرفون اسمي، ثم دفعته الحشرية إلى ان يطل برأسه ليرى من يناديه. في الثانية التي أطل فيها برأسه، أطلق زميلي النار عليه في الوجه، فتدحرج جسمه على الدرج وتوقف في آخره.
نظرت خلفي، فوجدت ان آخرين من فريق «سيلز» يصعدون الدرج ويتراصفون خلفي. الوجهة الوحيدة الممكنة كانت في الصعود إلى الأعلى. كنت واقفا خلف قائد الفريق في المقدمة، فربت على كتفه حتى يعرف أننا جاهزون للانطلاق.
الفصل 15: الطابق الثالث
كان خالد مرميا على ظهره وكان علينا أن نتجاوزه بعناية والمضي عبر السلالم. الدرجات كانت من الرخام الأملس، وجعلتها الدماء ملساء أكثر، فأصبحت كل خطوة يشوبها الحذر. رأيت رشاش خالد الكلاشينكوف على الأرض. قلت في نفسي: انا سعيد انه لم يستعرض رجولته باستخدامه هذا الشيء. لو لم يناده طليعو الفريق باسمه، كان من الممكن ان يحجزنا على الدرج. كل ما كان عليه فعله هو ان ينبطح في اعلى الدرج ويطلق بعض الرشقات في كل مرة نحاول فيها التقدم نحو الأعلى باتجاهه. كان من المؤكد انه سيكبدنا بعض الإصابات.
كنا استعدينا لمواجهة أكبر. فبالرغم من الحديث عن السترات الانتحارية والاستعداد لإسالة الدماء في سبيل الله، فقط واحدة من الاخوين الكويتيين فتح النار. على الأقل خالد فكر في المواجهة. عندما تفحصنا الكلاشينكوف الخاص به في ما بعد، وجدنا طلقات في مخزنه. كان مستعدا للقتال، ولكن في النهاية، لم تسنح له الفرصة.
كان الدرج داكن الظلام بالنسبة للعين المجردة، ولكن في مناظيرنا الليلية، كان كل شيء اخضر. المهاجم الطليعي كان في المقدمة وكنا نتبعه. ثم رحنا نبطئ ونأخذ وقتنا. الطليعي كان عيوننا وآذاننا، وهو كان يقرر سرعتنا.
حتى تلك اللحظة، كانت كل الأجزاء متكاملة. كنا نعرف ان في المنزل أربعة رجال. الوحيد المتبقي هو بن لادن. لكني أخرجت هذه الأفكار من رأسي. لا يهم من كان في الطابق الثالث، كنا على الأرجح ذاهبين الى معركة بالأسلحة النارية، ومعظم المعارك بالأسلحة في هذه المساحة الصغيرة تنتهي بثوان قليلة. لم يكن لدينا هامش للخطأ.
«ركز»، قلت لنفسي.
مع الرجل الطليعي أمامي، لم يكن لدي ما افعله. كنت خلفه للدعم. مرت 15 دقيقة كانت كافية لبن لادن ليلبس سترته الانتحارية أو ببساطة ليحضر سلاحه. جالت عيناي في المحيط، وكانت حواسي متأهبة جدا، وكانت أذناي تستعدان لسماع احدهم يحشو مخزنه بطلقات أو أحدٍ يقترب. لا شيء كنا نفعله كان جديدا بالنسبة لنا. كلنا شاركنا في مئات المهمات. في ابسط المهمات، كنا نعمل على تأمين الغرف كما تعلمنا في الفريق الأخضر. فقط الهدف وفكرة اننا كنا في باكستان جعلا من هذه المهمة مهمة.
ساقتنا نهاية الدرج الى ممر ضيق في آخره باب يؤدي إلى شرفة. حوالي خمس أقدام كان هناك بابان، واحد إلى اليمين وآخر إلى اليسار. كان الدرج ضيقا نسبيا، خصوصا بالنسبة لمجموعة شباب يلبسون عتادهم. رؤية طليع الفريق باتت صعبة لأن الدرج كان يضيق اكثر فأكثر مع وصولنا الى قمته. كان لدينا اقل من خمس خطوات لنصل الى قمة الدرج عندما سمعت صوت طلقات خافتة.
بوب. بوب.
رأى طليع الفريق رجلا يسترق النظر من خلف الباب الذي على اليمين. لم استطع تحديد ما اذا كانت الطلقات أصابت الرجل ام لا. اختفى الرجل داخل ظلام الغرفة. وصل الرجل الطليعي أولا وتحرك ببطء نحو الباب. على عكس الأفلام، لم نصعد الخطوات الأخيرة بقفزة واحدة او نسرع الى داخل الغرفة ونحن نطلق الرصاص، بل أخذنا وقتنا.
ابقى طليع الفريق بندقيته مصوبة نحو الغرفة فيما دخلنا نحن ببطء عبر الباب المفتوح. مرة أخرى. لم ندخل بسرعة، بل على العكس، وقفنا على العتبة ونظرنا الى الداخل. رأينا امرأتين تقفان فوق رجل ممد على الأرض اسفل السرير. الامرأتان كانتا تلبسان ثوبين طويلين فيما بدا شعرهما وكأنهما استفاقتا من النوم، وكانتا تبكيان بطريقة هستيرية وتولولان بالعربية. الاصغر عمرا التفتت الينا ورأتنا نقف في الباب.
صرخت بالعربية وركضت نحو الرجل الطليعي، الذي كان يبعد عنا اقل من خمس اقدام. مبعدا بندقيته الى جانبه، اخذ الطليعي الامرأتين الى زاوية الغرفة. لو كانت أي منهما تلبس سترة انتحارية، لربما اجبر هو بتخليصنا من الموت، ولكنه يكون قد ضحى بحياته. كان قراره غير أناني واتخذه بأجزاء من الثانية.
مع النساء جانبا، دخلت الغرفة مع عضو ثالث في فريق «سيلز» رأينا الرجل ممدا على الأرض أسفل السرير. كان يرتدي «تي شيرت» من دون اكمام بيضاء، وبنطالا رخوا لونه بيج، وسترة قصيرة لونه بيج. كانت الرصاصة اخترقت الجانب الأيمن من رأسه وخرج الدم ودماغه من جانب جمجمته. في حشرجات موته، كان ما زال يتشنج ويلتف. صوبنا مهاجم آخر وانا لايزر بندقيتانا على صدره وأطلقنا طلقات عديدة، فاخترقت جسده حتى توقف عن الحركة.
بسرعة نظرت من حولي بحثا عن خطر محتمل. رأيت اولادا ثلاثة يجلسون متلاصقين بجانب الباب المؤدي الى الشرفة. لم اكن ادري ان كانوا صبية ام بنات، ولكنهم كانوا في حالة ذهول.
مع الرجل على الأرض من دون حراك ومن دون خطر، عملنا على تأمين غرفتين مجاورتين. في الأولى كان مكتب وأوراق مبعثرة، في الثانية حمام صغير.
في رأسنا لائحة ما يتوجب علينا فعله. الخطر الرئيسي كان ميتا على الأرض. الرجل الطليعي كان يغطي النسوة والأطفال. انا وزميلي أمّنا المكتب الصغير والحمام فيما غطى آخرون الغرفة المواجهة.
فيما كنت متجها الى الغرفة المواجهة، مررت بوالت. «كل شيء نظيف هنا»، قال لي. «هذه الجهة ايضا»، اجبته. اخذ الرجل الطليعي النسوة والاطفال الى الشرفة لتهدئة روعهم. توم كان في الطابق الثالث ورأى ان الغرفتين صارتا آمنتين. «الطابق الثالث مؤمن»، سمعته يقول على الشبكة العسكرية.
الفصل 16: جيرونيمو
في غرفة النوم، المرأة الأصغر على السرير تصرخ بشكل هستيري. والت كان يقف بجانب الجثة. كان المكان مظلما ويصعب تحديد معالم وجهه. المنزل كان ما زال من دون كهرباء. اشعلت الضوء في خوذتي. الهدف مؤمن، وبما ان النوافذ مغطاة، لا يمكن لأحد ان يرانا من الخارج، إذا استعمال الضوء الأبيض صار مأمونا.
وجه الرجل كان مهترئاً ومغطى بالدماء على الأقل بسبب طلقة واحدة. ثقب في جبينه ادى الى انهيار في الجهة اليمنى لجمجمته. كان صدره ممزقا من الرصاص الذي دخل جسمه. كان ملقيا في بركة تكبر من الدماء. أحنيت نفسي من اجل رؤية اقرب، واذ بتوم يفعل الشيء نفسه. «اعتقد ان هذا هو الصبي الذي نقصده»، قال توم. لم يكن ليقول بن لادن عبر اللاسلكي لأنه كان يعرف ان ذلك سيصل بسرعة البرق إلى واشنطن. كنا نعرف ان الرئيس أوباما يستمع، لذا لم نكن نريد ان نكون مخطئين.
مررت بقائمة في رأسي. كان طويلا جدا، تصورت قرابة قدمين واربعة انشات. صحيح. كان الذكر الراشد الوحيد في الطابق الثالث. صحيح. كان المرسالان بالضبط حيث قالت لنا الـ «سي آي ايه» اننا سنجدهما.صحيح.
كلما تمعنت النظر في وجهه المهترئ، كلما وجدتني أعود الى انفه الذي لم يكن مصابا بل بدا مألوفا. سحبت الكتيب من عدتي ودرست الصور المركبة. الأنف الطويل والنحيف يتطابق. لحيته كانت سوداء داكنة ولم يكن فيها اثر لأي بياض توقعته. «والت وانا سنهتم بهذا»، قلت لتوم. «روجر»، قال توم.
أخذت كاميراتي وقفازاتي المطاطية. بدأت بالتصوير فيما والت بدأ يستعد لأخذ عينات الحمض النووي.
ويل، الذي يتحدث العربية، كان في الغرفة يعالج الجرح الذي أصاب المرأة التي كانت تبكي على السرير. علمنا لاحقا انها أمل الفتاح، زوجة بن لادن الخامسة. لست متأكدا متى أصيبت، ولكنه كان جرحا طفيفا جدا ممكن ان يكون سببه شظايا الطلقات او ارتداداتها.
«لدينا كمية مهمة من الاس اس اي في الطابق الثاني»، سمعت احدهم يقول على الشبكة العسكرية. «سنحتاج الى كل شخص إضافي هنا». بعدما ترك توم الغرفة، كنت اسمعه على شبكة القيادة. «لدينا احتمال، اكرر احتمال، تحقيق هدف، في الطابق الثالث». سحب والت خرطوم قنينته ورش الماء على وجه الرجل وبدأت امسح الدم عن وجهه باستخدام بطانية كانت على السرير. مع كل مسحة، كان الوجه يبدو مألوفا اكثر فأكثر. بدا اصغر عمرا مما تصورته. كانت لحيته داكنة، وكأنه صبغها. بقيت افكر كيف انه لا يشبه ما تصورته ابدا.
كان غريبا ان ارى وجه شخص سيئ السمعة عن قرب. ملقى أمامي كان السبب الذي قاتلنا من اجله على مدى العقد الماضي. كان سورياليا محاولتي تنظيف وجه اكثر رجل مطلوب في العالم من الدماء كي اتمكن من التقاط صورة له. هذه الصورة قد يتم تداولها على شكل واسع، ولم أكن ارغب في أن أفسدها.
رميت البطانية جانبا وسحبت الكاميرا التي استخدمتها لالتقاط مئات الصور في السنوات الماضية وبدأت التقط صورا. لقد تعلمنا جيدا كيف نأخذ هذه الصور، كنا نلعب سي اس آي في افغانستان لسنوات.
الصور الاولى كانت لجسمه كاملا. ثم جلست القرفصاء الى جانب رأسه والتقطت بعضها لوجهه فقط. شددت لحيته الى اليمين، ثم الى اليسار، واخذت صورا متعددة لجانب وجهه. اردت فعلا التركيز على الانف. لأن اللحية كانت داكنة، الصورة الجانبية كانت هي التي علقت في بالي.
«يا صديقي، افتح له عينه التي ما زالت الصالحة»، قلت لوالت. نزل الى رأسه وفتح له جفنه، كاشفا عينه البنية اللون الخالية من الحياة. اقتربت منها واخذت صورة لها. فيما كنت التقط الصور، كان ويل مع النسوة والاولاد على الشرفة. تحتنا، كان زملائي يجمعون كل أجهزة الكمبيوتر، بطاقات الذاكرة، والفيديوات. في الخارج كان علي، مترجم السي آي ايه، والفريق الأمني يتعاطون مع الجيران الحشريين.
عبر اللاسلكي، سمعت مايك يتحدث عن تحطم البلاك هوك. «فريق التفجير، اعدوا لتفجيرها». قال مايك. عرفت من الحديث المتداول عبر اللاسلكي ان افراد «السيلز» الموكلين التدمير كانوا في طريقهم مع تقنيي «اي او دي» الى الباحة. «اسمع، سوف نفجرها»، قال احد السيلز. «روجر هذا»، قال تقني «اي او دي». بدأ يأخذ العبوات ويضعها حول الطابق الأرضي للمنزل الرئيسي. «اللعنة ماذا يحدث»، قال احد «السيلز» فيما كان التقني يفرغ العبوات. الكل كان حائرا.
«قلت لي ان افجرها، صح؟»
«ليس المنزل»، قال السيلز»، «المروحية».
«اي مروحية؟»
ظن تقني «اي او دي» ان «السيلز» كان يريد تفجير المنزل، وهذه كانت احدى الخطط البديلة التي تدربنا عليها.
أخبار تحطم تشوك وان لم تكن انتشرت. في واشنطن، لم يكونوا متأكدين اننا تحطمنا عندما كانوا يشاهدون البث المباشر للعملية عبر الطائرة من دون طيار. سمعت فيما بعد ان الفيديو بالأسود والأبيض اظهر وكأننا ركنا الطائرة في الباحة وأنزلنا الفريق. الرئيس وكبار مساعديه كانوا حائرين عندما حدث التحطم، حتى انهم سألوا قيادة العمليات الخاصة المشتركة عما كان يحدث. جاء الرد سريعا من ماكرايفن «سوف نعدل المهمة الآن... لدينا مروحية تحطمت في الباحة. رجالي مستعدون لهكذا طارئ، وسوف يتعاطون معه».
في الخارج، اتم طاقم المروحية تدمير العتاد السري. تيدي، كبير الطيارين وقائد الرحلة، كان آخر من خرج من الباب ونظر ليجد نفسه على ارتفاع ستة اقدام عن الأرض. لم يكن هناك مجال ليقفز الى الأرض ويخاطر بالإصابة، فأخرج حبلا من المقصورة، ونزل به الى الباحة، مما جعله الرجل الوحيد الذي نزل الى المجمع من الطائرة باستخدام الحبل تلك الليلة.
وصل تقنيو «او اي دي» و«سيلز» وبدأوا بوضع العبوات حول خزان الوقود وتسلق السيلز ذنب المروحية وحاول وضع العبوات على اقرب مسافة ممكنة من المروحة الخلفية. لم يساعد عتاده الذي يلبسه والمنظار الليلي في عملية تسلقه ذنب الطائرة المتأرجح والضيق. في كل مرة كان يصل فيها الى الجزء العالق على السياج البالغ من العلو 12 قدما، كان يخشى ان يكسر الذنب بسبب وزنه.
تسلق أقصى ما يمكن، ووضع العبوات بيد فيما استخدم الثانية للابقاء على توازنه. تدمير اجهزة الاتصال والطيران كان اهم ما في الموضوع. بعد لصق العبوات على الذنب، وضع الصواعق الباقية داخل المقصورة.
في هذه الأثناء، كانت البلاك هوك التي لم تتحطم والتي تحمل الـ «كيو آر اف» في طيران دائري فوق المجمع بانتظار انتهائنا من المهمة. أصبح الوقود مشكلة، مما يعني ان الوقت المتبقي لنا في المجمع كان يتناقص.
«عشر دقائق»، سمعت مايك يقول عبر اللاسلكي.
في الطابق الثالث، عاد الضوء بعد نهاية مدة التعتيم المفروض، وكان الوقت ممتازا وجعل كل شيء أسهل. فيما تابعت انا في التقاط الصور، كان والت يأخذ عينات الحمض النووي. غمس القطن في دماء بن لادن، وادخل واحدة في فمه للحصول على عينة لعاب. في النهاية، استل إبرة كانت زودتنا بها الـ «سي آي ايه» لاخذ عينة من العظم النخاعي. كان تم تدريبنا على ادخالها في الفخذ للحصول على عينة من داخل العظم. ادخلها والت مرات متعددة، لكنها لم تعمل.
«تفضل»، قلت له مقدما له ابرتي. «جرب هذه». اخذها وغزها في فخذ بن لادن، ولكنها لم تعمل ايضا. «اللعنة على هذه الاشياء»، قال والت وهو يرمي الابرتين جانبا.
انا اتممت التقاط مجموعة ثانية من الصور مستخدما كاميرا أخرى للسيلز. أخذنا عينتين من الحمض النووي والصور حتى يكون لدينا مجموعتان متطابقتان. والت وضع واحدة في جيبه وأعطى الأخرى الى عضو آخر من الذين جاؤوا بمروحية أخرى. هذا كان مخططا له بعناية حتى اذا ما تم إسقاط احدى المروحيات في طريق العودة الى جلال اباد، يكون هناك مجموعة احتياطية من الحمض النووي والصور. كنا بحاجة الى دليل للاظهار لباكستان والعالم اننا نلنا من بن لادن.
في هذه الاثناء، على الشرفة، كان ويل يحاول الحصول على تصديق ان بن لادن هو الذي على الارض. زوجة بن لادن أمل، التي عانت جرحا في كاحلها، كانت لا تزال في وضع هستيري ورفضت التكلم. كنت اسمع نشيجها على السرير الى جانبي وانا اعمل. المرأة الأخرى، عيناها منتفختان من البكاء، حاولت الابقاء على وجه صارم فيما كان ويل يسألها بالعربية، مرة بعد مرة، عمن يكون الرجل الميت.
«ما اسمه؟».
«الشيخ»، قالت المرأة.
«الشيخ من»؟ قال ويل. لم يكن يريد ان يضع الكلام في فمها والتزم بالأسئلة المفتوحة.
بعدما أعطت لويل اكثر من اسم مستعار، ذهب الى الأولاد الذين كانوا على الشرفة وكانوا جميعهم يجلسون بصمت وظهورهم الى الحائط. قرفص ويل وسأل واحدة من البنات: «من هو هذا الرجل».
«اسامة بن لادن».
ابتسم ويل
«هل انت متأكدة انه اسامة بن لادن؟»
«نعم» قالت الفتاة. «حسنا»، قال هو. «شكرا».
في الممر، امسك بواحدة من الزوجات وعنفها. «توقفي عن العبث معي الآن»، قال ويل بصرامة أكثر هذه المرة. «من هو ذاك الذي في غرفة النوم؟»
بدأت بالبكاء، وبسبب خوفها أكثر من أي شيء آخر، لم تكن مستعدة للمواجهة أكثر. «اسامة»، قالت الزوجة.
«اسامة ماذا؟» سألها ويل وهو ما زال ممسكا بذراعها.
«اسامة بن لادن»، اجابته.
اعادها ويل الى الشرفة مع الاولاد.
« لدينا تأكيد مزدوج»، قال ويل. «تأكدت مع الطفلة، وتأكدت مع السيدة العجوز، الاثنتان قالتا الشيء نفسه».
فيما غادر ويل الغرفة، حضر جاي وتوم. عندما رأى الجثمان، جاء ووقف فوقه. «ويل حصل على تأكيد عبر امرأة وطفلة ان هذا هو أ.ب.ل.».
قرفصت بجانب رأسه، وسحبت لحيته الى اليمين حتى يتمكن جاي من رؤيته جانبيا. كان بحوزتي بطاقة «اس اس أي» ووضعتها الى جانب وجهه حتى يرى جاي بن لادن الحقيقي الى جانب صور «سي آي ايه» المعدلة».
«نعم، هذا يبدو على انه رجلنا»، قال جاي.
غادر جاي الغرفة فورا للاتصال والإبلاغ بينما عاد الباقون منا الى العمل. عندما وصل الى الخارج، اتصل جاي عبر لاسلكي الأقمار الاصطناعية بالأدميرال ماك رايفن، الذي كان في جلال آباد. كان الأدميرال يبقي الرئيس اوباما والباقين في غرفة العمليات في البيت الابيض على اطلاع على تقدمنا.
«لله وللوطن، اقدم جيرونيمو»، قال جاي. «جيرونيمو اي. كاي. آي. ايه. (عدو قتل في المعركة).»
على الشبكة العسكرية، كان بوسعي ان استمع الى الشباب على الطابق الثاني الذين كانوا يحتاجون الى المزيد من المساعدة لجمع كل الدلائل الاستخباراتية في غرفة الاعلام. في الطابق الثاني كان لبن لادن مكتب موقت فيه أجهزة الكمبيوتر الخاصة به وحيث كان يصور فيديواته. كانت الغرفة مرتبة ومنظمة. كل شيء كان له مكان. كل الأقراص المدمجة واقراص الفيديو وكروت الذاكرة كانت مصفوفة بطريقة مثالية. ركز السيلز على جمع كل الاعلام الالكتروني، المسجلات، وكروت الذاكرة، والكمبيوترات. كانت السي آي ايه اخبرتنا نوع المسجلة الرقمية التي يستخدمها بن لادن وارتنا واحدة شبيهة بها اثناء التدريبات. السيلز الذين كانوا يفتشون الطابق الثاني وجدوا واحدة مطابقة للتي توقعتها السي آي ايه. اثار الفريق الاستخباراتي اعجابي مجددا.
عندما انتهينا من عينات الحمض النووي والصور، امسك والت وآخرون رجلي بن لادن، وسحبوه خارج الغرفة. على الرغم من كل الجلبة التي كانت تجري حولي، لا ازال اتذكر كيف جروا جثته نزولا على الدرج.
انا بقيت في الغرفة وبدأت في جمع اي دلائل استخباراتية امكنني ان اجدها. لم يكن في المكتب اي شيء مفيد. امسكت ببعض الاوراق، على الأرجح كتابات، وبعض الأشرطة، ورميتها في كيس. كلنا كنا نحمل اكياسا خفيفة ويمكن توضيبها لهذه الحاجة. بحث سريع في الحمام الصغير ذي البلاط الأخضر على الحائط لم يظهر شيء ذو فائدة. بيد اني وجدت علبة صبغة ماركة للرجال فقط، التي يمكن انه استخدمها على لحيته. ليس غريبا انه بدا شابا عندما وجدناه.
على الحائط بين الحمام والمكتب، فتحت خزانة خشبية ارتفاعها ستة اقدام ولها بابان. داخلها كان ثياب بما فيها قمصان طويلة وبنطالات واسعة وصدريات تلبس في تلك المنطقة.
صدمت لمدى الترتيب. بالمقارنة مع بعض اجزاء منزله التي بدت وكأن مربو حيوانات يعيشون فيها، كان يمكن لخزانته ان تنجح في امتحان مخيمات المارينز. كل تيشيرتاته كانت موضبة في مربعات وموضوعة في الزاوية. كل ثيابه معلقة على بعد مسافة متساوية عن بعضها البعض.
«يمكن لهذه ان تكون خزانتي»، قلت في نفسي.
اخذت بعض القمصان وصدارية ووضعتها في الكيس. اعلم اننا كنا هناك لجمع الاعلام الالكتروني، ولكن بما انه لم يكن هناك شيء من ذلك في مكان بحثي، اخذت الثياب بدلا من ذلك. غرفته بدت عموما وكأنها للنوم.
قبل ان اغادر، لاحظت وجود رف فوق الباب، بالضبط فوق مكان وقوفه عند وصولنا الى الطابق الثالث. مررت يدي فوق الرف وكان هناك قطعتا سلاح، رشاش كلاشينكوف ومسدس ماكاروف في بيت. اخذت كلا من السلاحين وسحبت منها مخزنيها. كان المخزنان فارغين.
لم يتحضر للدفاع اصلا. لم يكن لديه نية للقتال. طلب من مؤيديه على مدى عقود ان يلبسوا سترات انتحارية او ان يقودوا طائرات لصطدمها بمبان، ولكنه لم يلتقط سلاحه حتى. في كل مهماتي السابقة، لاحظنا هذه الظاهرة. كلما علا شأن الهدف الذي طاردناه، كلما كان أكثر جبنا. كان القادة اقل استعدادا للقتال. انهم دوما الشباب والذين يمكن التأثير عليهم من يلتفون بالمتفجرات ويفجرون انفسهم.
بن لادن عرف اننا قادمون عندما سمع المروحية. تكوّن لدي احترام اكثر لأحمد الكويتي في بيت الضيوف لأنه على الأقل حاول الدفاع عن نفسه وعن عائلته. كان لبن لادن متسع اكبر من الوقت للاستعداد، ولكنه لم يفعل شيئا. هل كان يصدق رسالته؟ هل كان مستعدا للمشاركة في القتال في الحرب التي كان يطلبها؟ لا اعتقد ذلك. ان كان غير ذلك، على الأقل كان استل سلاحه ووقف للدفاع عما يؤمن به. لا يوجد شرف في ارسال الناس الى الموت لشيء لن تقاتل من اجله بنفسك.
هناك تعليقان (2):
موضوع ممتاز جدا شكرا لكم
شكرا لكم ..))
إرسال تعليق