حسين عبدالحسين
اثارت وزارة الخارجية الاميركية السخرية في واشنطن بعد اصدارها ملخصا لديبلوماسيتها للعام ٢٠١٥، اشارت فيه الى نجاحها في اعادة الامن والاستقرار الى سوريا. وفي وقت لاحق، حاول مسؤولو الادارة الاميركية تدارك فضيحتهم بالقول ان قصدهم كان الاشارة الى جهودهم الديبلوماسية الساعية الى سلام سوري.
على ان الملخص يشي بعمق المأزق الاميركي في فهم الشؤون الدولية والتعاطي معها، وهو مأزق تجلى اثناء لقاء وزراء خارجية ١٧، دولة في نيويورك الشهر الماضي، حاولوا اثناءه تحديد “المجموعات الارهابية” من بين ١٦٧ تنظيما سوريا معارضا اقترحت اسماءهم الأمم المتحدة للمشاركة في حوار جنيف بين الرئيس السوري بشار الأسد ومعارضيه، المقرر في وقت لاحق من هذا الشهر.
وكانت المجموعة الدولية كلفت وزير خارجية الاردن ناصر الجودة تقديم لائحة باسماء التنظيمات الارهابية المطلوب استثناءها من محادثات جنيف للسلام. وبعد مشاورات اجراها مع الدول المعنية، عاد الجودة باسمين فقط: داعش وجبهة النصرة. وقال العارفون بمجريات اللقاء ان الخلاف انفجر بعدما طلب احد الوزراء اضافة “الحرس الثوري الايراني” الى لائحة المجموعات الارهابية، فانتفض وزير خارجية ايران جواد ظريف ليهدد بالمطالبة بوضع “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي أي اي) على اللائحة، فيما اصر وزير روسيا سيرغي لافروف على اضافة تنظيم “جيش الاسلام” و”احرار الشام” الى لائحة التنظيمات الارهابية المستثناء من حوار جنيف، والمطلوب شن الحرب الدولية ضدها.
هذا هو السلام الذي جاءت به أميركا الى سوريا: فوضى وخلافات وديبلوماسية مبنية على الثرثرة وعلى ضغط واشنطن على حلفائها لتقديم التنازل تلو التنازل.
قبل ثلاثة اسابيع من مفاوضات السلام السورية في جنيف، ماتزال النقاط العالقة هي نفسها، وماتزال الأمم المتحدة تطالب المعنيين باشراك أكبر عدد ممكن من الاطراف المنخرطة في الصراع حتى يكون السلام أكثر ثباتا. كذلك، تسعى الامم المتحدة لدى المعنيين الى اسقاط الفيتوات المتبادلة على حضور هذا الطرف او ذاك، فيما تتمسك روسيا والأسد باشتراط الموافقة على اللائحة النهائية للمشاركين.
وروسيا وايران والأسد يفعلون ما تمنع أميركا حلفاءها من فعله، فاذا كانت الأمم المتحدة لن تسمح لروسيا او للأسد فرض فيتو على اي تنظيم او استثنائه، تقوم روسيا بالعمل على استبعاد التنظيمات التي تصر على استبعادها دمويا وعبر تصفية قادتها، كما ظهر جليا في عملية قتل زعيم تنظيم “جيش الاسلام” زهران علوش في غارة على غوطة دمشق.
هكذا، فيما صار الأسد يضمن مشاركته في المفاوضات، وحتى في العملية السياسية، تصارع تنظيمات المعارضة السورية، لا لدخول نادي المفاوضات، بل للنجاة من آلة روسيا والأسد العسكرية الدموية التي تطارد قادة هذه التنظيمات.
ان هدف وقف اطلاق النار المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ هو افساح المجال امام الاطراف المتحاربة للخروج من خنادقها، والتلاقي، والتفاوض. لكن وقف اطلاق النار هذا لن يدخل حيز التنفيذ، هذا ان دخله فعلا، قبل ١٨ الجاري، فيما تبدو فترة الايام الثماني عشرة المتبقية لوقف اطلاق النار كافية لروسيا والأسد للقضاء على اكبر عدد من التنظيمات الـ ١٦٧ المعارضة، او على الاقل القضاء على اكبرها او قادة اكبرها.
طبعا، لا يبدو ان روسيا وايران والأسد يدركون انه يصعب القضاء على التنظيمات الثورية، وهو احد الدروس الذي تعلمته اسرائيل اكثر من غيرها، فهي على مدى العقدين الماضيين، قامت بتصفية سلسلة من قادة التنظيمات المعادية لها، من راغب حرب في جنوب لبنان، الى امين عام “حزب الله” عباس الموسوي، فقائد الحزب العسكري عماد مغنية. كما قتلت اسرائيل قادة حماس من امثال يحيى عياش والشيخ احمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وغيرهم.
لكن على الرغم من كل الاغتيالات الاسرائيلية، بقي “حزب الله” وبقيت حماس، ولا سبب للاعتقاد ان القضاء على قائد سوري هنا او زعيم تنظيم هناك سيقضي على التنظيم بأكمله، ناهيك عن انهاء الثورة السورية او اخمادها.
روسيا وايران والأسد يسعون للفرض بالقوة العسكرية لائحة المعارضين المسموح مشاركتهم في جنيف، وهو ما يحول مؤتمر السلام هذا الى مفاوضات بمن تبقى من ثوار سوريا. لكن دروس الماضي تشي بأن مسعى من النوع الروسي - الايراني هو كمن يلاحق الريح ليحصد العاصفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق