| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
قبل 26 يوماً من موعد اول انتخابات تمهيدية رئاسية للحزبين الجمهوري والديموقراطي في ولاية آيوا، دخلت الولايات المتحدة رسمياً في سباتها الانتخابي، إذ سيطرت السياسات الحزبية والحملات الدعائية والتمويلية على معظم النقاشات السرّية والعلنية في العاصمة الاميركية، وهو ما ابعد غالبية الاميركيين عن السياسة الخارجية وشؤونها، رغم التصعيد غير المسبوق بين السعودية وايران، واقتراب موعد مفاوضات جنيف، المقررة 18 الجاري، والمخصصة لإنهاء الأزمة السورية.
ومن مشهد في أقصى الشرق حيث أحرق إيرانيون قنصلية السعودية، مروراً بالخليج الذي شهد سقوط صواريخ إيرانية باليستية على بعد 1500 ياردة من سفن حربية أميركية، الى العراق حيث يبدو ان تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) يستعيد زمام المبادرة عسكرياً، فسورية حيث الحرب الدموية مستمرة، ثم غرباً الى تلال كفرشوبا في جنوب لبنان، التي شهدت هجوماً نفّذه مقاتلو «حزب الله» ضد دورية إسرائيلية، لا تبدو ادارة الرئيس باراك أوباما ممسكة بالوضع الدولي او قادرة على التعاطي معه بالشكل المطلوب، وهو ما دفع معارضي الحكومة الاميركية الى شن حملة انتقادات واسعة ضد أداء واشنطن دولياً.
وتركّزت الانتقادات ضد أوباما وحكومته حول قيامها بعرقلة جهود مشرّعين في الكونغرس، حاولوا إقرار قانون عقوبات على ايران بسبب تجاربها على الصواريخ الباليستية، معتبرين ان المعاهدة النووية مع الايرانيين تحظر هذا النوع من التجارب، وأن عقوبات في هذا السياق لا تتعارض ومفاعيل الاتفاقية.
ويعتقد الخبراء انه مع تنفيذ ايران بنود الاتفاقية النووية، يدخل قرار مجلس الأمن 2231 حيّز التنفيذ، ويفتح مجالاً اوسع للتجارب الباليستية الايرانية، إذ إن نص القرار «يدعو ايران إلى الامتناع عن القيام بأي تجارب لأسلحة يمكنها حمل رؤوس غير تقليدية». لكن القرار الأممي يفتقد الى بنود مُلزمة للامتناع الايراني، في وقت ورد في نص اتفاقية فيينا ان «اية عقوبات جزئية او كاملة على ايران، بعد قيامها بتنفيذ بنود المعاهدة، من شأنه ان يجعل طهران في حلّ منها».
ويبدو ان إصرار أوباما على تنفيذ الاتفاقية النووية مع ايران بحذافيرها، دفعه الى عرقلة جهود الكونغرس لفرْض عقوبات على الإيرانيين المتورّطين في برنامج الصواريخ الباليستية. بيد ان مجهود الرئيس الاميركي - حسب خبراء اميركيين - قد يشجّع ايران على ارتكاب المزيد من التجاوزات.
ويقول الخبير في «معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى» ماثيو ليفيت، إن «تراجع الولايات المتحدة عن فرْض عقوبات على مسؤولين إيرانيين، بعد يوم على سقوط صواريخ على مقربة من السفن الحربية الاميركية، يرسل اشارة خطيرة بمثابة دعوة لطهران إلى القيام بالمزيد من الاختبارات حول المزيد من التجاوزات التي يمكنها ارتكابها من دون عواقب».
وورد في افتتاحية صحيفة «وال ستريت جورنال» أن «معارضي الاتفاقية النووية توقّعوا التراجع الاميركي امام ايران». وكتبت الصحيفة ان «السيد أوباما يقول ان الاتفاقية ستقيّد ايران، لكنها تقيّد مقدرة أميركا على الرد على التجاوزات الايرانية أكثر بكثير من تقييدها ايران».
وتتابع الصحيفة انه اذا قامت أميركا برد فعل قاس ٍ ضد «اختبارات ايران الصاروخية او استفزازاتها العسكرية الاخرى»، فيمكن لإيران ان تهدّد بوقْف التعاون في الاتفاقية النووية، في وقت تعرف طهران انه لا قابلية لدى دول العالم في إعادة فرْض العقوبات، وان «السيد أوباما لن يعترف ابداً بأن اتفاقيته تفشل». وتختم بالقول ان «الملالي ينظرون الى الاتفاقية كترخيص ليصبحوا اكثر عدوانية عسكرياً».
ومع وصول أنباء عن قيام إيرانيين بالاعتداء على البعثتيْن الديبلوماسيتيْن السعوديتيْن في طهران ومشهد، تعالت الاصوات الاميركية حول ضرورة تحرّك أميركا من اجل مساندة حليفتها السعودية.
ومع قيام «حزب الله» بتنفيذ هجوم ضد دورية إسرائيلية على الحدود الجنوبية للبنان، تعالت الاصوات أكثر حول وقوف أوباما متفرجاً، فيما حلفاء الولايات المتحدة يتعرّضون لاعتداءات من ايران في عموم الشرق الاوسط.
إلا ان ادارة أوباما التزمت موقفها القاضي بالوقوف على الحياد، وعمل مسؤولون في الادارة على إبلاغ الاعلاميين، أمس، بأن واشنطن «بذل مجهوداً ديبلوماسياً للوساطة بين الرياض وطهران»، ما اثار حفيظة المشرّعين الاميركيين، الذين ردوا على الادارة - عبر الإعلاميين ايضاً - بأن «حلفاء أميركا عندما يخوضون في مواجهات ضد خصومهم، يتوقّعون ان تهب الولايات المتحدة لنجدتهم والتضامن معهم بدلاً من لعبها دور الوسيط المحايد».
ولفت المشرّعون الى الموقف الاميركي المتساهل في المواجهة بين أنقرة وموسكو، إثر إسقاط تركيا مقاتلة روسية اخترقت اجواءها، وقالوا ان البيت الابيض اكتفى بالتعبير عن دعمه «حق تركيا» في الدفاع عن نفسها، بدلاً من اعلانه ان اي اعتداء على تركيا هو بمثابة الاعتداء على اميركا، بموجب «تحالف الأطلسي» الذي يربط البلدين.
تقديم أوباما خدماته للعب دور الوسيط بين حليفتيه تركيا والسعودية، من جهة، وروسيا وايران، من جهة ثانية، زاد من سخط معارضي السياسة الخارجية للرئيس الاميركي، لكن من دون ان يؤدي ارتفاع اصواتهم الى تغيير يذكر في اداء الحكومة الاميركية او تصريحات مسؤوليها.
وفي وقت يَغفل الرأي العام الاميركي عن الشؤون الدولية وينشغل بالانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في نوفمبر المقبل، يستمر أوباما في سياسته، رغم صراخ معارضيه ومحاولتهم - غير المجدية - التأثير في قراراته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق