| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
ذكرت أوساط أميركية مطلعة ان مفاوضات تجري بين الحكومة العراقية والتحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) بقيادة الولايات المتحدة، من ناحية، وبين مقاتلين متمركزين في مدينة الفلوجة غرب العراق، من ناحية ثانية، للتوصّل الى حل سلمي يقضي بخروجهم وتحرير المدينة من سيطرة التنظيم سلمياً.
ويعتقد المسؤولون الاميركيون أن من شأن استعادة بغداد لسيادتها على الرمادي والفلوجة رفع معنويات العراقيين في الحرب ضد «داعش»، ودفْعهم إلى المضي في استعادة الموصل، ثاني اكبر المدن العراقية.
كذلك، من شأن هذه الإنجازات العسكرية تحسين موقع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في وجه خصومه والمشكّكين بقدراته، في وقت يبدو ان الولايات المتحدة تراهن عليه حليفاً لها وصديقاً في منطقة الشرق الاوسط المضطربة.
ومراهنة الرئيس باراك أوباما على العبادي تشبه علاقة الرئيس السابق جورج بوش برئيس الحكومة العراقي السابق نوري المالكي، ومحاولة استمالته وجعله أكثر قرباً الى واشنطن منه الى طهران.
وتعتقد الإدارتان الاميركيتان المتعاقبتان ان الجمهورية الاسلامية في ايران مبنية على زعامة طهران للشيعة حول العالم، وخصوصاً في العراق ولبنان، وان طهران لا تطيق رؤية أنداد لها في بغداد، بل تعمل على تقويض اي رئيس حكومة عراقي يتصرّف بندية، وتسعى إلى استبداله بزعماء عراقيين تابعين، غالباً ما تختارهم من المجموعة الكبيرة للشخصيات الحليفة لها.
لذلك عملت ادارة بوش بكدّ لدعم المالكي كرئيس حكومة دولة ذات غالبية عراقية، خارج منظومة ولاية الفقيه الايرانية. واعتقدت واشنطن ان حكومة العراق تتمتع بإمكانيات مالية تضاهي إيران، وأنه يمكن للمالكي منافسة الإيرانيين.
واستند المالكي الى الدعم الاميركي لمنافسة حلفاء إيران داخل العراق، وشكّل لائحة انتخابية وائتلافاً برلمانياً من دونهم، وواجهم سياسياً، لكن لتلميع صورته الشيعية، راح المالكي يواجه سنّة العراق، حتى أخرجهم من الدولة، وترك الساحة السنّية مفتوحة لقيام «داعش».
كذلك، وجّه المالكي سهام غضبه نحو اميركا نفسها، وإسرائيل التي هاجمها امام اصدقائها في الكونغرس الاميركي في العام 2006، وهاجم حلفاء أميركا الإقليميين مثل السعودية. كل ذلك، كان بهدف تعويض المالكي عن مواجهته إيران وبعض الشيعة العراقيين.
إدارة أوباما، بدورها، ورثت المالكي من سالفتها إدارة بوش، وراحت تعمل لإقناعه بضرورة الدخول في تسويات مع سنّة العراق والمنطقة، ومع الكرد. وقامت الحكومة الاميركية بوساطات للمالكي مع عواصم الجوار، التي اشترطت قبل لقائه واحتضانه ان يتراجع عن ملاحقة السنّة، لكن المالكي لم يتراجع، فبقيت علاقته مع سنّة العراق وجواره متوترة.
ولأن الولايات المتحدة كانت تعتقد انه لا سبيل للقضاء على «داعش» (السنّي المتطرّف) من دون اعادة تأهيل سنّة العراق المعتدلين، تخلّت عن المالكي، وهو تخل ٍ تطابق مع سعي ايران إلى التخلص منه، بسبب تمرده عليها وعلى حلفائها، فخرج المالكي، وحل العبادي بدلاً منه، بمباركة اميركية وايرانية.
وفي السنة الاولى لرئاسته الحكومة، تصرف العبادي وكأنه الحليف الطبيعي لإيران، فنسف مشروع قانون إنشاء الحرس الوطني من مقاتلي عشائر السنّة غرب العراق، وعند زيارته واشنطن ولقائه أوباما، استمات في دفاعه عن ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية. وفي لقاء مع الصحافيين في مقر اقامته في العاصمة الاميركية، شن العبادي هجوماً ضد السعودية والتحالف العربي الذي تقوده في حرب اليمن.
لكن على الرغم من مواقفه المؤيدة لإيران في ظاهرها، يصر مسؤولو ادارة أوباما ان العبادي ليس «رجل ايران» في بغداد، وانه يعمل على بناء زعامة شيعية عراقية مستقلة برعاية حوزة النجف التي يتزعّمها المرجع علي السيستاني. ويصر المسؤولون الاميركيون انه على عكس المالكي، سيعيد العبادي سنّة العراق الى الدولة، وسيعيد علاقة بلاده بدور الجوار ذات الغالبية السنّية، وسيبتعد عن سياسات ايران الإقليمية.
وكانت اولى بوادر عودة العلاقات مع الجوار السنّي افتتاح السعودية، قبل 3 اسابيع، اول سفارة لها في بغداد، بعد ربع قرن، فيما تراقب واشنطن عن كثب مواقف العبادي من المواجهة بين الرياض وطهران المندلعة منذ اسبوع، وتعتبر انه اذا لم تقطع بغداد علاقتها بالرياض، فإن ذلك بمثابة نأي العبادي ببلاده عن الصراع السعودي - الايراني.
ويرى المسؤولون الاميركيون ان اولى بوادر إعادة السنّة الى الدولة العراقية هي نجاح العبادي في إبقاء الميليشيات الشيعية خارج معركة الرمادي، والاستعانة بما يعرف بـ «الحشد العشائري»، وهو قوة سنّية مؤلفة من 8 آلاف مقاتل من ابناء المحافظة، ترتبط بالقوات الحكومية بنفس طريقة ارتباط «الحشد الشعبي» الشيعي.
ويلفت الباحث العراقي في واشنطن نبراس الكاظمي، إلى ان «داعش يخوض حرب استنزاف ضد الحكومة العراقية والميليشيات المساندة لها، والتقديرات تشير الى ان عدد مقاتليه في الرمادي يتراوح بين 600 و1500، يقابلهم اكثر من 20 ألف من القوات والشرطة الحكومية، فضلاً عن الحشدين الشعبي والعشائري. اما هدف داعش في الرمادي، كما في بيجي وتكريت قبلها، فهو تشتيت قوة اعدائه وإشغالهم في معارك في بلدات لا أهمية إستراتيجية لها».
و«الحشد الشعبي» يتألف من عدد من الفصائل المسلحة، بعضها يأتمر بأوامر رجل ايران في العراق النائب جمال جعفر «ابو مهدي المهندس»، والبعض الآخر يرتبط بزعامات شيعية عراقية مختلفة. ويحاول العبادي تقريب اكبر عدد ممكن من هذه الفصائل منه، كما بدأ في تعيينه الناطق باسمها احمد الأسدي نائباً عن بغداد، ليشغل المقعد الذي شغر بتعيين العبادي رئيساً للحكومة.
على ان استعادة الرمادي تترافق مع حديث اميركي عن إمكانية «تحرير الفلوجة» ديبلوماسياً، لتجنيبها معركة مدمرة، وهذه خطوات - بالاضافة الى ضعف الميليشيات الشيعية الموالية لايران - من شأنها ان تعزّز من مكانة العبادي، او هذا على الأقل رهان المسؤولين الاميركيين، الباقي عام على عملهم في البيت الابيض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق