واشنطن - من حسين عبدالحسين
تداعت بالكامل الرواية التي حاول كبار المسؤولين في البيت الابيض تقديمها للصحافيين حول انعطافة أميركية وسياسة خارجية جديدة ترمي الى إجبار موسكو على «تغيير تصرفاتها»، وبان جلياً أن التصريحات الأميركية كانت تحاول إخفاء سياسة محاباة تامة ينتهجها الرئيس دونالد ترامب تجاه نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
مطلع هذا الأسبوع استفاقت واشنطن على مفاجأة مفادها أنه اثناء المحادثة الهاتفية التي أجراها ترامب، في العشرين من مارس الماضي، وهنأ فيها بوتين على انتخابه رئيساً لولاية رابعة، قام الرئيس الأميركي بدعوة نظيره الروسي لزيارة البيت الابيض في موعد لم يتم تحديده بعد. أما أثقل ما في المفاجأة هو أن البيت الابيض لم يعلن عن الدعوة قط، بل ان الاميركيين اكتشفوها بمتابعتهم الاعلام الروسي، الذي أطلّ عبره كبار المسؤولين الروس ممن أشاروا الى الدعوة.
وجاءت مفاجأة دعوة ترامب بوتين لزيارة واشنطن بعد يومين من اكتشاف الصحافيين الأميركيين، وتالياً الرأي العالم، أنه على عكس بريطانيا وحلفائها الأوروبيين ممن طردوا ديبلوماسيين روسا على اثر الهجوم الكيماوي الذي تعرض له عميل مزدوج روسي سابق يقيم في بريطانيا، اقتصرت عملية الطرد الأميركية على «همروجة إعلامية»، إذ لم تترافق مع طلب وزارة الخارجية الأميركية من نظيرتها الروسية تخفيض التمثيل الروسي في الولايات المتحدة، فقط اكتفت أميركا بطرد الديبلوماسيين الروس الـ60، وهو ما يعني أنه يمكن لروسيا استبدالهم بـ60 ديبلوماسياً جدداً في أميركا، وهو ما يعني أيضاً انه يمكن لواشنطن إرسال 60 ديبلوماسياً أميركياً بدلاً ممن أبعدتهم موسكو رداً على الخطوة الاميركية.
دعوة بوتين الى البيت الابيض، وطرد ديبلوماسيين روس من أميركا من دون الطلب الى روسيا تخفيض تمثيلها، خطوتان أوحتا للمتابعين الأميركيين وكأن عملية الطرد الديبلوماسي المتبادلة بين واشنطن وموسكو «جاءت وسط تنسيق سري بين فريقي ترامب وبوتين»، وفقاً لمصادر أميركية مطلعة، على غرار التنسيق الذي أطاح بمايكل فلين مستشار الأمن القومي الأول لدى ترامب، وهو ما يعني أن لا سياسة أميركية جديدة تجاه روسيا، وان الولايات المتحدة لا تسعى إلى «تغيير تصرفات» الحكومة الروسية، كما سبق أن أعلن مسؤولو البيت الابيض.
ويسبق الحديث عن ارتهان ترامب لبوتين دخول مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون البيت الابيض، المقرر في التاسع من الجاري. وبولتون هو من أصحاب المواقف المتشددة، خصوصاً في السياسة الخارجية، ضد دول مثل روسيا وايران. لكن لبولتون أيضاً تاريخ من التعامل مع روسيا، مثل تسجيله رسالة مصورة يدعو فيها الروس وحكومتهم إلى تبني مبدأ السماح للمواطنين بحيازة أسلحة فردية على غرار الأميركيين.
وردد بعض المتابعين ان بولتون ربما عمل صلة وصل في تأمين أموال روسية لدعم الحملات الانتخابية للجمهوريين عبر «الجمعية الوطنية للبنادق»، وهي اللوبي الأقوى في واشنطن على الاطلاق، والتي منعت حتى الآن أي محاولة لإقرار قوانين تضبط انتشار السلاح في عموم البلاد.
أما عن الخطوات الأخرى التي يخشى المتابعون أن يكون ترامب مرتهناً فيها لبوتين، فتشمل إعلان الرئيس الأميركي، الأسبوع الماضي، نيته سحب القوات الأميركية من شرق سورية وتسليمه هذا البلد «إلى لاعبين آخرين». لكن غالبية المتابعين تستبعد فرضية قيام ترامب بتطبيق هذه السياسة، إذ سبق له أن فوضها لوزارة الدفاع بالكامل، والأخيرة - كما بولتون - تتمسك بضرورة بقاء قوات أميركية شرق سورية، على الأقل لمجابهة التمدد الإيراني في المنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق