واشنطن - من حسين عبدالحسين
أسدلت الستارة على العام 2018 في وقت يسود شعور لدى غالبية الاميركيين أن بلادهم في وضع جيد: الاقتصاد قوي، البطالة في أدنى حالاتها، التطور الاكاديمي مستمر والابحاث في صدارة نظيرتها حول العالم، فيما العمليات العسكرية الاميركية حول المعمورة — مع تكاليفها البشرية والمادية — تقلصت الى حدها الادنى. وحدها القيادة السياسية، المتمثلة بالرئيس دونالد ترامب، وادارته الخاوية، والفوضى التي تصاحب اداءه، وتغريداته الاستفزازية، هي ما ينتقص من رغد العيش في عام مر على اميركا بسلام وبحبوحة.
والعام 2018 أكّد ان ترامب فقد بريقه، فاليمين الاميركي المتطرف مشتت، لا صوت له، تطارده عيون وآذان الاعلاميين الاميركيين، وتقاريرهم حول عنصرية هذا اليمين، بشكل شوّه صورة اليمينيين الى حد بعيد، وافقدهم المقدرة على الحشد والتجنيد.
والعام 2018 شهد نهاية المخاوف الاميركية من افول نجم ديموقراطيتهم، مع صعود اول رئيس يرون انه يفضل الديكتاتورية والحكام الاقوياء حول العالم، من قبيل مصادقته نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتمتعه بصداقة غريبة مع حاكم كوريا الشمالية كيم جونغ اون، في مقابل توتر علاقة ترامب- القائد المفترض لـ «العالم الحر»- مع نظرائه من زعماء الديموقراطيات الاخرى حول العالم، مثل المانيا وكندا وبريطانيا.
وما أكد انحسار ترامب اليمينية المتطرفة الهزيمة القاسية التي تكبدها حزب الرئيس، الجمهوري، في الانتخابات النصفية التي اقيمت الشهر الماضي. وشهدت تفوق الحزب الديموقراطي، وحصاده ما يقارب ثمانية ملايين صوت اكثر من منافسه الجمهوري، وهو ما أعطى الديموقراطيين غالبية مقنعة في مجلس النواب في الكونغرس، فضلا عن غالبيات في مجالس عدد من الولايات ومناصب المحافظ فيها. اما الجمهوريين، فأضافوا الى غالبيتهم في مجلس الشيوخ مقعدا واحدا، وكان ذلك بسبب قواعد انتخابات هذا المجلس، التي تساوي ولاية عدد سكانها شحيح، مثل الاسكا التي يبلغ تعدادها 750 الفا، بكاليفورنيا، التي يبلغ عدد سكانها 40 مليونا، فتنال كل منهما مقعدين في مجلس الشيوخ.
ولأن الديموقراطيين يسيطرون على المدن المكتظة، فيما يسيطر الجمهوريون على الارياف الواسعة ذات السكان القلائل، يبلغ عدد مؤيدي الحزب الديموقراطي اكثر من نظيره الجمهوري، وهو ما يعني انه منذ العام 1988، لم يفز الجمهوريون شعبياً في اي انتخابات اميركية، رئاسية بل نصفية، واكتفوا باقتناص الرئاسة والغالبيات بسبب القوانين الانتخابية وسيطرتهم على عدد اكثر من الولايات الخمسين، يسكنها اجمالي سكان اقل.
هذه الاسباب الانتخابية جعلت العام 2018 يبتسم للديموقراطيين سياسيا، ويطمئنهم الى ان المستقبل الى جانبهم، وان ظاهرة ترامب، العنصرية اليمينية الشعبوية، كانت فلتة شوط، في أحسن تقدير، وان الولايات المتحدة ستعود، عاجلا في 2020 ام آجلا في 2024، الى ايدي قيادة حكيمة قادرة على استعادة دور ونفوذ حول العالم يتناسب مع قدرات اميركا وتاريخها.
في السياسة الخارجية، لم تبد سنة 2018 في مصاف السنوات التي سيتذكرها الاميركيون. صحيح ان لا اميركا ولا مواطنيها حول العالم تعرضوا لهجمات تذكر، الا ان واشنطن توصلت الى خلاصة مفادها ان الحرب على الارهاب انتهت، وان على الولايات المتحدة اعادة توجيه قدراتها ضد التهديدات الاستراتيجية التقليدية، وفي طليعتها الصين، وربما روسيا.
والطبقة السياسية في اميركا ترى في الصين تهديدا استراتيجيا بسبب حجم الاقتصاد الصيني، الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة. الا ان طريق الصين نحو القوة والنفوذ مايزال طويلا، وماتزال «البحرية الفرنسية اقوى من نظيرتها الصينية بأشواط»، على حد تعبير احد الخبراء الدفاعيين، ومازالت واشنطن متقدمة بما لا يقاس على الصينيين اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا.
اما روسيا، فعلى الرغم من ان وزير الدفاع المستقيل من حكومة ترامب جيمس ماتيس صنفها بمثابة تهديد استراتيجي، مثل الصين، إلا ان الاجماع الاميركي يرى ان روسيا قوة في طريقها الى الافول، وانها تعتاش على عائداتها النفطية، وان اقصى ما يمكن الروس فعله هو «التخريب»، من دون ان يكون لديهم امكانية فرض خيارات استراتيجية لا تناسب أميركا في اي مكان حول العالم.
ختاما، من نافل القول ان ادارة ترامب تنتهج نفس سياسة ادارة سلفه باراك أوباما، تجاه الشرق الاوسط، لناحية اعتقاد الادارتين ان اهمية هذه المنطقة الاستراتيجية قد انعدمت بالكامل، وان اميركا، التي تشير التوقعات الى ان معدلات انتاجها الطاقة قد تصل الى ضعف الدول الشرق اوسطية، لم تعد ترى سببا واضحا لحاجتها الى حماية هذه المنطقة المشتعلة، او فرض نفوذها عليها. وما يعزز الرأي الاميركي القائل بالاستغناء عن الشرق الاوسط انتشار فكرة مفادها ان التاريخ اثبت ان لا اصدقاء لاميركا في المنطقة التي يسود فيها حكم الاقوى، وان الحفاظ على الاصدقاء الشرق اوسطيين يتطلب التزامات اميركية عسكرية وسياسية ومالية لا مبرر لإنفاقها.