واشنطن - من حسين عبدالحسين
بدأت تتضح أكثر فأكثر معالم السياسة التي ترسمها إدارة الرئيس دونالد ترامب في مواجهة إيران، اذ يبدو ان تصنيف واشنطن «الحرس الثوري» تنظيماً ارهابياً لا يهدف لزيادة الضغط المالي والاقتصادي على طهران فحسب، بل هو خطوة تسمح للحكومة الاميركية التبرير، قانونياً أمام الكونغرس، لأي مواجهة عسكرية.
ويندلع جدال في الكونغرس حول «قانون تخويل استخدام القوة العسكرية»، الصادر على اثر هجمات نيويورك وواشنطن في العام 2001، والذي يسمح للحكومة الاميركية الانخراط عسكرياً في مواجهة كل من تصنفهم ارهابيين، وتنظيماتهم، في أي مكان في العالم.
والقانون المذكور هو اساس استخدام القوة العسكرية الاميركية لشن الحرب في افغانستان، واستندت اليه ادارة الرئيس السابق باراك أوباما في تبرير الحرب ضد تنظيم «داعش» في العراق وسورية.
والقانون نفسه استخدمته ادارة الرئيس السابق باراك أوباما في تبرير عمليات عسكرية أخرى شنتها في مناطق بعيدة عن حرب افغانستان، مثل العمليات التي قامت بها القوات الخاصة ضد تنظيم «القاعدة» في اليمن، كما في الصومال وليبيا.
ودفع استمرار انتشار جنود اميركيين في العراق وسورية بعض اعضاء الكونغرس لاتهام الادارات المتعاقبة بسوء استخدام «قانون تخويل استخدام القوة العسكرية» الحالي، وطالبوا بإلغائه، او تعديله على الأقل. ويعتقد هؤلاء الاعضاء انه لا يمكن للقانون ان يكون «شيكا على بياض» يسمح للحكومة بشن حروب متنوعة، حول العالم، من دون طلب موافقة الكونغرس قبل كل عملية عسكرية.
وترتفع التكلفة السياسية للموافقة على اي قانون جديد، بسبب المعارضة الشعبية العارمة ضد اي حروب جديدة، وهو ما يعني ان الغالبية الساحقة لاعضاء الكونغرس ستضطر للتصويت ايجاباً لمصلحة قوانين حربية جديدة، وهو أمر كفيل باخراجهم من الكونغرس في الانتخابات المقبلة.
ولعلمهم ان تصويتهم لمصلحة «قانون تخويل استخدام القوة العسكرية» جديد، هو أمر متعذر. ولعلمهم ان اسقاط القانون الحالي يكبل يدي الادارة ويحرمها التحرك عسكريا ضد تهديدات جدية... يتظاهر اعضاء الكونغرس بالعجز، فلا ينسفون القانون القديم، ولا يستبدلونه بأي قانون جديد، فيما هم لا يترددون في انتقاد النشاطات العسكرية الاميركية حول العالم.
ولعلم الادارات المتعاقبة ان القانون الحالي هو السبيل الوحيد لكل العمليات العسكرية التي تنوي واشنطن القيام بها. راحت هذه الادارات تتوسع في تعريف معنى الارهاب والحرب على الارهاب، فصار الانتشار العسكري في المناطق السورية شرق الفرات هدفه «تأكيد عدم عودة داعش» الارهابي، مع علم الجميع، في واشنطن وخارجها، ان استمرار بقاء القوات الاميركية هدفه مواصلة دعم الحلفاء الاكراد لمنع أي عملية عسكرية تركية ضدهم، وفي الوقت نفسه مراقبة، ومحاولة تعطيل، الجسر البري الذي يربط طهران ببيروت، عبر بغداد ودمشق.
وفي سياق توسيع تعريف الارهاب، قامت إدارة ترامب بخطوة غير مسبوقة بإعلانها «الحرس الثوري» تنظيماً ارهابياً، على الرغم من الاشكالية القانونية للتعريف، اذ تنص القوانين المعتمدة أميركياً، وفي الأمم المتحدة، على ان الارهاب هو عنف تمارسه مجموعات غير حكومية، فيما «الحرس» هو مجموعة حكومية ايرانية لا تستوفي التصنيف الاميركي الجديد، بل ان ما ينطبق على «الحرس» هو التصنيف الذي دأبت الادارات المتعاقبة، منذ زمن الرئيس السابق بيل كلينتون، اطلاقه على النظامين الايراني والسوري، باتهامهما بأنهما «راعيان للارهاب»، من دون وصفهما «ارهابيين» بشكل مباشر.
هكذا، يفتح التصنيف الباب امام الإدارة الاميركية، الحالية او المستقبلية، بالانخراط في مواجهة عسكرية ضد «الحرس» وضد ايران بشكل عام، في اطار «قانون تخويل استخدام القوة العسكرية» القائم والمخصص للحرب ضد الارهاب.
في جلسة استماع في مجلس الشيوخ، سأل احد حلفاء ترامب، السناتور الجمهوري راند بول، وزير الخارجية حول نية استخدام واشنطن القوة ضد ايران في اطار مكافحة الارهاب. لم ينف مايك بومبيو نية استخدام القوة، على الأقل من باب العرف السياسي القاضي بترداد عبارة «ابقاء كل الخيارات على الطاولة».
كما ان وزير الخارجية لم يربط بين «ارهاب الحرس الثوري» وامكانية اندلاع مواجهة عسكرية، بل عمد لاتهام طهران بايواء ودعم عناصر من «القاعدة»، وهو تصريح يشي بأن رؤية الادارة تجاه ايران تقضي بربطها بالارهاب، ان كان ارهاب «القاعدة» او ما تصنفة اميركا «ارهاب حزب الله» وتنظيمه الأم، أي «الحرس الثوري».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق