واشنطن - من حسين عبدالحسين
يعتقد الرئيس دونالد ترامب أن مفتاح فوزه بالرئاسة في العام 2016، وهو فوز كان يستبعده مؤيدوه ومعارضوه، كان بسبب عدم استماعه لما يقوله له مستشاروه وأركان حملته، وإصراره على القيام بما يمليه عليه عقله وشعوره الداخلي. ومع دخوله البيت الأبيض، تخلى جزئياً عن فوضويته، وحاول تقديم صورة رئاسية عن نفسه، وعمد إلى تعيين مستشارين ووزراء يشيرون عليه بالنصح.
لكن ترامب يبدو أنه تخلى عن وهم صورته الرئاسية، وعاد يستمع إلى ما يميله عليه شعوره، فطرد وزراء حاولوا إقناعه بكارثية انسحاب القوات الأميركية الفوري من شرق الفرات، مثل جيمس ماتيس. وطرد مستشارين حاولوا ثنيه عن الانخراط في مفاوضات مع خصوم أميركا «من اجل التفاوض»، مثل جون بولتون.
في المحصلة، تحول ترامب إلى «ممثل منفرد» على المسرح، فألغى جلسات النقاش اليومية التي كان يعقدها مسؤولون مع الصحافيين، واستبدلها بجلسات سؤال وجواب سريعة بينه شخصياً وبين الصحافيين وهو في طريقه إلى خارج البيت الأبيض، غالباً في طريقه ليستقل مروحية تقله إلى الطائرة الرئاسية. كما ألغى جلسات مجلس الأمن القومي، وصار هو صاحب القرار الوحيد في كل الشؤون الدولية، وراح يعلن قراراته المتناقضة عبر «تويتر».
أما المساعدون الذين لم يستغن عنهم الرئيس، فهم المرتبطون بـ«الزر الأحمر» الذي على مكتبه في البيت الأبيض. ولهذا الزر وظيفة واحدة، كلّما ضغط عليه ترامب، دخل عليه مساعدوه وهم يحملون وجبته المفضلة التي لا يحيد عنها، وهي عبارة عن سندويش همبرغر وزجاجة مشروب دايت.
يصف المسؤولون المخضرمون السابقون في واشنطن، من أمثال السفير السابق ريان كروكر، تصرفات ترامب على انها «غير منتظمة» بشكل منتظم. وشن كروكر هجوماً لاذعاً على ترامب، في مقابلة مع «فورين بوليسي»، قال فيها ان الرئيس الاميركي بدأ عهده باستراتيجية جيدة، مفادها بان سحب القوات من أفغانستان لا يرتبط بوقت معين، بل بتوفر ظروف معينة.
الآن، يقول كروكر، يبدو أن ترامب يريد الانسحاب بأي ثمن، ويردد «اننا تعبنا»، وهذا بمثابة استسلام، حسب السفير السابق، الذي يلفت الى ان وضع «طالبان» لم يتحسن، فالقوات الأميركية كانت تنشر مئة ألف جندي في أفغانستان، واليوم تم تخفيض العدد الى 14 ألفاً، ولا تزال «طالبان» غير قادرة على السيطرة على مناطق بشكل واضح أو شن أي هجوم منظم.
ويعتبر المسؤول السابق انه يخطئ من يعتبر أن أفغانستان اليوم هي بمثابة فيتنام السبعينات، ففيتنام كانت هزيمة لأميركا، أما أفغانستان، فيمكن تثبيت الوضع فيها من دون سحب القوات بشكل مفاجئ لأسباب سياسية انتخابية.
وأمس، حذر ترامب من أن ما يصفه بأنه هجوم عسكري لم يسبق له مثيل على «طالبان» سيستمر، بعد خمسة أيام فقط من إلغاء محادثات السلام مع الحركة المتشددة.
وقال في حفل لمناسبة الذكرى الـ18 لهجمات 11 سبتمبر 2001، إن القوات الأميركية «ضربت خلال الأيام الأربعة الماضية (...) عدونا بصورة أقوى مما تعرضوا له من قبل وستستمر في ذلك». ويتابع السفير كروكر، ان حجر الزاوية في أي مفاوضات يقضي بأن يعرف من يفاوض ما هو هدفه، وانه يمكن تغيير الأساليب، ولكن الهدف يبقى نفسه. أما مع ترامب، فالأهداف نفسها تتغير بشكل متواصل، وهو ما يحرج المفاوضين الأميركيين، ويجعلهم عاجزين عن معرفة الهدف الذي يسعون إليه.
ومثل تقلباته الكارثية في أفغانستان، كذلك حول انتشار القوات الأميركية شرق الفرات في سورية، والمفاوضات مع إيران، ومع حوثيي اليمن، والمفاوضات مع كوريا الشمالية... كلها ملفات قرر الرئيس الأميركي ان الهدف منها كسر المحظورات بلقائه الخصوم والتقاط الصور معهم، وهو ما يحسّن صورته سياسياً وفي الداخل، ولكنه يعقّد الملفات المذكورة، ويؤدي الى شلل «الديبلوماسية الأميركية، التي تبدو وكأنها تسير كجسد بلا رأس»، على حد قول احد كبار الجمهوريين في الكونغرس في جلسة خاصة.
ثابتة وحيدة يلتزم بها ترامب على المسرح الدولي، وهي تحسين موقف نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ورفع العقوبات عن موسكو، وإعادتها إلى مجموعة الدول الـ8، وتخفيض القوة الأميركية في أوروبا بما يضعضع تحالف الأطلسي ويخيف الحلفاء من مطامع روسيا، يقول مسؤول ديموقراطي سابق مشارك في الجلسة الخاصة في الكونغرس.... ويضيف: «كل ما عدا ثباته تجاه روسيا، متقلب ومتذبذب بشكل يؤذي أميركا، وديبلوماسيتها، وصورتها وحلفاءها حول العالم».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق