حسين عبدالحسين
أقرّ مجلس النواب العراقي، هذا الاسبوع، مشروع قانون إنشاء "هيئة للتصنيع الحربي"، هدفها، حسب النائب محمد السوداني، "إنشاء قاعدة للصناعات الحربية في العراق، وسد احتياجات القوات المسلحة والأمنية من الأسلحة والعتاد والذخائر، ودعم الاقتصاد الوطني، من خلال التقليل من استيراد هذه المعدات.
على أن إنشاء هيئة تصنيع حربي أمر مثير للشبهات، لأسباب متعددة، أولها أن تكلفة "الأسلحة والعتاد والذخائر" منخضة نسبيا، وثانيها أنه سبق للعراق أن أعلن، واحتفل بالذكرى السنوية الأولى، للانتصار على داعش، بالتزامن مع قول رئيس الحكومة عادل عبد المهدي أن بلاده تسعى الآن لمحاربة الفساد وإعادة الإعمار. وهو ما يعني أن العراق خرج من الحرب ودخل في مرحلة السلام والمصالحة وإعادة الأعمار، فما جدوى إقامة مصانع حربية بعد نهاية الحرب؟
ثالثا، يشكل إنشاء "هيئة للتصنيع الحربي" في العراق تكرارا لهيئة مماثلة قائمة، هي "شركة الصناعات الحربية العامة"، التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، وهو ما يشي أن إقامة الهيئة الحربية الجديدة إما يأتي في سياق انتشار الفساد وتكرار الإدارات الحكومية لتوزيعها على الأزلام والمحظيين، أو أن للهيئة المذكورة هدف غير الذي أعلنه النواب العراقيون.
ومما يثير الشبهات أيضا في موضوع إقامة "هيئة للتصنيع الحربي" هو أن قيادتها ستكون في يد "لجنة للتنسيق الحربي"، بعضوية "ممثلين عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارتي الدفاع والداخلية، ومستشارية الأمن الوطني، وهيئة الحشد الشعبي، وجهاز الأمن الوطني، وجهاز المخابرات، وجهاز مكافحة الإرهاب".
لا بأس في انخراط الهيئات الحكومية العراقية في عملية تصنيع حربي في البلاد، لكن انخراط ميليشيات "الحشد الشعبي" أمر غريب، وهو ما قد يؤكد تقارير مفادها أن — بمساعدة إيرانية — أقامت ميليشيات "الحشد" معامل لتصنيع الصواريخ في البلاد، وهي المعامل التي تعرضت لتدمير بقصف جوي، قامت به في الغالب إسرائيل.
لكل هذه الأسباب، تبدو موافقة برلمان العراق على إنشاء "هيئة للتصنيع الحربي" هدفها توفير غطاء لعملية تصنيع الصواريخ التي تديرها ميليشيات "الحشد الشعبي"، التي يقسم بعضها الولاء علنا لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي.
وإقامة مصانع للصواريخ الإيرانية في العراق يتناسق والمشروع الإيراني المتكامل للعراق، والذي يقضي بنسخ النموذج الإيراني القائم على تعايش بين ميليشيات موالية للمرشد مع حكومة أضعف منها نفوذا وقوة. وتكرار نموذج "الحرس الثوري الإيراني“ في العراق يتطلب، إلى وجود ميليشيات ”الحشد الشعبي“، وجود تعبئة تربوية، وأخرى إعلامية، ومراكز للخدمات الاجتماعية، وكلها صارت موجودة حاليا، ويبقى العنصر الوحيد المطلوب هو إقامة هيئة تصنيع حربي مستقلة للحشد، تشبه مصانع التصنيع الحربي لدى ”الحرس الثوري“ في إيران.
قد تكون في العراق غالبية شعبية تؤيد التقارب، وربما الوحدة، مع إيران. والعلاقة الجيدة بين بلدين يشتركان في تاريخ طويل، وفي ثقافة مشتركة، وفي دين، وفي أواصر عائلية وعلاقات، أمر جيد. المشكلة في نسخ العراق للنموذج الإيراني، عدا عن تقويض سيادة الحكومة المنتخبة، يكمن في نسخ العراقيين للعسكرة المتواصلة في ايران منذ الثورة في العام 1979، فالعراقيون بالكاد تنعموا بالخلاص من رئيسهم الراحل صدام حسين، وحروبه المتواصلة، وتجنيده الاجباري، والجيش الشعبي، وطلائع البعث، والانتصارات ”بعون الله“ في ”قادسية صدام“ وفي ”أم المعارك“، حتى استبدلوا صدّامهم وجنونه الحربي بايران وعبثيتها الحربية المشابهة، فصار الجيش الشعبي حشدا، وصارت صواريخ العباس والحسين صواريخ شهاب وفاتح.
ربما حان وقت الرأفة بالعراقيين وإخراجهم من دوامة الحروب، والالتفات لإعادة الاعمار والتعليم، إذ لا يعقل أن تخصص حكومة العراق مليار و700 مليون دولار في موازنتها لهذا العام للحشد الشعبي، وتخصص مليار و500 مليون دولار لوزارة التربية.
في التاريخ العراقي السحيق صراع دائم بين إله القوة والشمس، مردوخ، وإلهة الحكمة والظلام تيامات. مردوخ هزم تيامات وقطع جسدها إربا وصنع منه الكون. ثم جاء الملك نابونيدس، آخر ملوك بابل، وفرض إله الحكمة نبو بدلا من مردوخ، فإنتفضت عليه المؤسسة الدينية، وتآمرت مع الإيرانيين عباد الشمس والنار، فاكتسح قورش العراق، وانتصرت القوة على المعرفة، وانتهت حضارة الرافدين إلى غير رجعة، ومعها، بدأ مشاور الانحطاط العراقي المتواصل في حروبه الكثيرة، وثقافته الشحيحة. العراق يعيش مأساة عسكرة متواصلة، وإيران تعيش أزمة مشابهة، وتعزز المأساة العراقية معها، على أمل أن ينتهي كابوس الدولتين العسكري يوما، إذ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق