واشنطن - من حسين عبدالحسين
في الوقت الذي كان فيه، الرئيس دونالد ترامب يعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع ايران، في مايو من العام الماضي، كان وزير خارجية إيران جواد ظريف يتواصل مع احد الاميركيين ممن تجمعه بهم صداقة مبنية على ثقة: وزير الخارجية السابق جون كيري. وبعد استعراض للوضع، قدم كيري نصيحة وحيدة لصديقه ظريف وللحكومة الايرانية: انتظروا نهاية رئاسة ترامب.
يبدو انها تتمسك بنصيحة كيري بدقة، وهي اثناء انتظارها موعد خروج ترامب من البيت الابيض في يناير 2021، في حال فشله في الفوز بولاية ثانية، تقدم استعراضات قوة، عسكرية وديبلوماسية، اولاً لمعرفة ظريف ان ترامب رئيس لا يستخدم القوة العسكرية مطلقاً، وثانياً لاعتقاد الوزير الايراني ان الاتفاقية النووية ستعود الى سابق حالها بعد وصول رئيس من الديموقراطيين بدلاً من ترامب.
على ان نصيحة كيري ربما فات عليها الزمن، فأوروبا نفسها صارت في مرحلة «ما بعد اتفاقية فيينا النووية» التي وقعت في العام 2015. صحيح ان الاوروبيين لم يعلنوا يوماً انسحابهم من الاتفاقية، وحاولوا تقديم بدائل مالية تلتف على العقوبات الاميركية على ايران من دون ان تتجاوزها، الا ان الاوروبيين لم يعودوا متمسكين بالاتفاقية، وصار موقفهم اقرب الى الموقف الاميركي، وهو ما بدا جلياً في البيان الثلاثي الصادر عن قادة المانيا وبريطانيا وفرنسا، على هامش الاعمال السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي جاء فيه مطالبة اوروبية لطهران بالعمل على تحديث الاتفاقية النووية بواحدة جديدة ذات جدول زمني اطول، على ان تتضمن الاتفاقية الجديدة شؤوناً اخرى، في طليعتها حظر التجارب الايرانية على الصواريخ البالستية المتوسطة والبعيدة المدى، والتوصل لاتفاق مع طهران لانهاء «نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة».
والبيان الاوروبي يعني ان اربعة من ستة دول موقعة على الاتفاقية النووية، صارت توافق ترامب الرأي بان الاتفاقية النووية مع ايران قاصرة، وجدولها الزمني محدود، ويسمح لطهران بالتخصيب بعد انقضاء عدد من السنوات لا تتعدى العقد الواحد، منذ اقرار الاتفاقية. كما تراجع الاوروبيون عن الرأي القائل إنه يمكن فصل النووي عن بقية الملفات العالقة بين الغرب وايران.
ومع التغيير في الموقف الاوروبي، صار يبدو مستغرباً تمسك ايران بالاتفاقية الحالية، التي كرر ظريف ان بلاده غير مستعدة حتى للتفاوض على واحدة جديدة، بل انها تصر على تطبيق الحالية، كشرط لأي مفاوضات تتعلق بتعديلات سبق لاميركا ان طالبت بها قبل انسحابها من الاتفاقية.
والتغيير في الموقف الاوروبي، يعني ان المزاج عموما تغير في العواصم الغربية، فالرئيس السابق باراك أوباما لم يمثل المزاج الاميركي يوم وقع الاتفاقية مع ايران، بل هو واجه معارضة شعبية وكذلك في الكونغرس، بغالبية حزبيه، الذي وضع شروطا على الادارة الاميركية، مثل تقديم الادارة تقريرا دوريا للكونغرس كل ستة اشهر.
أوباما لم يعكس رغبة الغالبية الاميركية يوم اصراره على المضي قدما بالتوصل لاتفاقية، وان عرجاء في الرأي الاميركي، املاً في ان تؤدي الى بناء ثقة مع ايران يمكن بعد ذلك التعويل عليها لتحسين الاتفاقية والعلاقة مع طهران ككل، وهو ما يعني ان ترامب ليس الاستثناء في الموقف الاميركي تجاه ايران، بل أوباما هو الاستثناء، ومن غير المتوقع ان يعود اي رئيس سيشغل البيت الابيض بعد عام ونصف العام، ان ترامب أو أي من منافسيه الديموقراطيين، إلى الاتفاقية النووية مع ايران بشكلها الحالي الذي يتمسك به الايرانيون. ومع التغيير في الموقف الاوروبي وتماثله مع نظيره الاميركي، تصبح العودة الى الاتفاقية الحالية مستحيلة اكثر.
ظريف، المعروف بمهارته بقراءة المزاج الاميركي ومعرفته بتفاصيل الادارات الاميركية، يبدو انه يتمسك بنصحية كيري من دون ان يعيد النظر بها في ظل التغييرات الطارئة على الموقف الاوروبي، وهو ما يعني ان طهران هي التي تعزل نفسها عن العالم بسبب ملفها النووي، لا واشنطن هي المعزولة بسبب خروجها منفردة من الاتفاقية.
هل يعي ظريف التغيّرات في الموقفين الاميركي والاوروبي تجاه ممارسات ايران وسياساتها بشكل عام، إن النووية او العسكرية او الديبلوماسية، ام انه يعرف ولكنه يتمسك بالقديم لعلمه باستحالة تقديم ما هو جديد الى طهران التي يسودها «الصقور والمتطرفون»؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق