واشنطن - من حسين عبدالحسين
لوهلة، بدا وكأن الشيء الوحيد الذي يقف في وجه ضربة عسكرية أميركية ضد ايران، رداً على الهجوم الذي تعرضت له منشآت سعودية نفطية، هو الرئيس دونالد ترامب... فالقيادة العسكرية كانت نشرت صورا تفصيلية عن الاضرار التي تسبب بها الهجوم، وكانت على وشك نشر تفاصيل أكثر تثبت أن الصواريخ او طائرات «درون» انطلقت من اراضٍ ايرانية.
وأمام التصعيد العسكري الذي كان يسير من تلقاء نفسه، ومع ارتفاع سعر النفط العالمي، وهو ما يعيق نمو الاقتصاد الاميركي، وجد ترامب نفسه متأخراً عن الاحداث، فأطلق سلسلة من التغريدات اثناء عطلة يوم الأحد، كان ابرز ما فيها ان اميركا «على أهبة الاستعداد» لتوجيه ضربة عسكرية لإيران.
لكن الرئيس الاميركي، الذي يناقض كل موقف من مواقفه، احياناً في اليوم نفسه، ربط اي ضربة عسكرية بفخّ سياسي يجنّبه تحمل مسؤولية الضربة وأي تصعيد ومواجهة عسكرية قد تنتج عنها مع ايران، فقال ان التأهب الاميركي «بانتظار تأكيد السعودية ان الصواريخ والدرون انطلقت من اراضي ايران».
سياسياً، كان الشرط الرئاسي الذي يربط الضربة الاميركية بتأكيد سعودي مشابه لقيام سلفه باراك أوباما برمي كرة توجيه ضربة عسكرية لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، على اثر هجوم الغوطة الكيماوي صيف 2012، الى الكونغرس، ذات الغالبية الجمهورية حينها. هذا يعني انه مثلما حاول اوباما التنصل من مسؤولية توجيه ضربة عقابية للأسد، وإلقائه بالمسؤولية السياسية على الكونغرس المعارض، كذلك ترامب، اراد التنصل من مسؤولية أي مواجهة مع ايران، فرمى الكرة في ملعب المملكة.
لكن ترامب يعرف، حسب مصادر أميركية، ان السعودية لا تراقب المجال الجوي خارج أجوائها، اي انها لا تراقب المجال الجوي الايراني... واكتفت بالقول ان الاسلحة التي استخدمت في الهجوم، هي أسلحة ايرانية.
وعلى عكس الرياض، تراقب واشنطن المجال الجوي الايراني على مدار الساعة، من قبيل نشر ترامب صور انفجار قاعدة الصاروخ الذي كانت تعده طهران لاطلاق قمر اصطناعي. وتشير المصادر الى ان الرئيس يعرف ان لدى بلاده ادلة دامغة على تورط ايران... وربطه الضربة بإثبات سعودي، يعني ان الضربة لا يمكن ان تحصل...
على ان مناورة ترامب التي حاول بموجبها إلقاء المسؤولية على الرياض في اي قرار مواجهة عسكرية مع ايران، ارتدت عليه داخلياً، واجبرته على التراجع، والقول ان التحقيقات لا تزال جارية لتثبيت من اي انطلقت الصواريخ والـ«درون». وليؤكد لاحقاً انه لا يريد حرباً، وانه اذا ثبت ان طهران متورطة، فسيكون على واشنطن التباحث مع الرياض حول طبيعة الخطوات المقبلة.
كما قال ترامب انه لم يعرب عن استعداده لعقد لقاء مع الايرانيين، رغم ان الرئيس الاميركي ووزارءه سبق ان اعربوا عن استعدادهم لمفاوضات غير مشروطة.
هكذا، في أقل من 24 ساعة، ادلى ترامب بسلسلة من المواقف، التي ما لبث ان ناقضها في مواقف لاحقة، وهو ما اصبح علامة فارقة في سياسته الخارجية، المتأرجحة دائماً، والتي تحير الحلفاء اكثر منها الخصوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق