واشنطن - من حسين عبدالحسين
ان يزور وزير خارجية لبنان جبران باسيل واشنطن مرتين، في غضون ثلاثة اشهر، يعني ان للمسؤول اللبناني امراً ملحاً يجبره على التردد على العاصمة الاميركية ومحاولة لقاء مسؤوليها.
ولأن باسيل يعلم انه مهما بدت الولايات المتحدة منسحبة من دورها في الشرق الاوسط، إلا انه باستثناء تمديد ولاية الرئيس الاسبق اميل لحود، لم يحصل ان تم انتخاب رئيس لبناني من دون موافقة كل الاطراف الدولية المعنية بالشأن اللبناني، تماما كما حصل عندما هندس الديبلوماسي الاميركي ديفيد هيل مصالحة بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، نجم عنها انتخاب عون رئيساً وعودة الحريري رئيساً للحكومة.
ولأن باسيل يعتقد انه شبه ضامن لتأييد «حزب الله» له خلفا لعون، فهو يسعى منذ فترة لاستقطاب الاميركيين الى جانبه، علّه يحصل على رضاهم وموافقتهم على انتخابه رئيسا للبنان. لكن واشنطن لا توصد ابواب مسؤوليها في وجه باسيل فحسب، بل هي لم تمنحه اي لقاء في واشنطن مع اي مسؤول في الادارة، في اي مركز، على مدى اكثر من عام.
وكان آخر لقاء بين باسيل ومسؤول اميركي، هو الذي استضاف فيه نائب وزير الخارجية جون سوليفان الوزير اللبناني في يوليو من العام الماضي، على هامش انعقاد مؤتمر الاقليات الدينية الاول في واشنطن. هذا العام شارك باسيل في المؤتمر نفسه، في يوليو، ولم ينجح في لقاء اي مسؤول في الخارجية الاميركية.
وبسبب عزل ادارة الرئيس دونالد ترامب، لباسيل، لجأ الوزير اللبناني الى قنوات متعددة علّها تساعده في انتزاع لقاءات مع مسؤولين اميركيين. هذه القنوات تضمنت أربعة خطوط: الأول، المجموعة العونية المقيمة في الولايات المتحدة، والتي كانت تتمتع بعلاقات جيدة وحظوة، يوم كان عون لا يزال في منفاه الباريسي معارضاً لنظامي إيران والرئيس السوري بشار الأسد. لكن بعد انتقال عون من المعسكر الغربي الى «معسكر الممانعة»، فقدت الشبكة العونية قوتها تدريجيا، ولم ينجح قيام الرئيس اللبناني في تعيين احد قدامى مواليه، غابي عيسى، سفيرا في واشنطن، في تحسين المكانة العونية في العاصمة الاميركية.
ولم يبق من العلاقات العونية، الا صداقة شخصية مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، الديموقراطي اليوت ابرامز، وهو عراب «قانون محاسبة سورية واستقلال لبنان» الصادر في العام 2003. وابرامز، وهو يهودي اميركي واحد اصدقاء اسرائيل في الكونغرس، يعيش في جوار ناشط من العونيين المقيمين في واشنطن، والذي يقدم نفسه اليوم على انه «مستشار رئيس جمهورية لبنان». لكن العلاقة بين الاثنين يندر ان تتعدى الحيز الشخصي، منذ انقلاب عون السياسي وتحالفه مع «حزب الله»، حتى لو التقى ابرامز، باسيل او حضر وليمة على شرفه.
القناة الثانية التي لجأ اليها باسيل هي التي تنشط في اطار «الدفاع» عن مسيحيي المشرق، وهذه تعمل بتمويل ورعاية رجال اعمال لبنانيين اثرياء في افريقيا، وهي قدمت للوزير اللبناني ناشطاً ايطاليا في شؤون العقود الحكومية النفطية، وصاحب علاقات في واشنطن. وتم تسديد آلاف الدولارات للناشط المذكور لتدبير لقاءات لباسيل مع مسؤولين اميركيين، إلا ان اللقاءات لم تحدث بعد.
القناة الثالثة عن طريق الحريري، الذي يبدو انه يسعى للحفاظ على التحالف الحاكم بينه وبين العونيين، بما في ذلك السعي لتحسين صورة باسيل في العاصمة الاميركية. وكان الحريري اغدق على وزير خارجيته المديح، اثناء زيارة رئيس الحكومة الاخيرة لواشنطن في اغسطس. على ان قدرة الحريري لدى الاميركيين تختلف تماماً عن زمن والده المرحوم رفيق الحريري، خصوصا مع دخوله في تحالف مع عون، حليف «حزب الله».
القناة الرابعة التي وظّفها باسيل لاقتناص لقاء مع اي مسؤول أميركي هي الجالية اللبنانية، التي تعود جذورها في الولايات المتحدة الى اكثر من قرن. في هذا السياق، يتمتع غالب المسؤولين اللبنانيين بعلاقات جيدة مع شخصيات اميركية من مثال عضو الكونغرس السابق عن ولاية ايلينوي، ووزير المواصلات السابق في ادارة باراك أوباما، راي لحود، واليوم مع ابنه وخلفه في الكونغرس دارن. كذلك للبنانيين علاقات بعدد من اعضاء الكونغرس من اصل لبناني، من امثال عضوي الكونغرس الجمهوريين السابقين داريل عيسى وتشارلز بستاني، والديموقراطي السابق نك رحال.
لم تسعف اي من القنوات التي وظّفها باسيل في رفع الحظر الاميركي عن لقائه. حتى ان لقاء على طاولة مستديرة في مركز ابحاث كان يرأسه تشاك هيغل وزير الدفاع السابق، تم الغاؤه بعد توزيع الدعوات، من دون تقديم اسباب. ويعتقد المتابعون ان جهات خليجية تتمتع بنفوذ في المركز نفسه نسفت اللقاء.
وهكذا، لم يبق امام باسيل الا نشاطات الاغتراب اللبناني، فشارك قبل اسبوعين في عشاء تحدثت فيه عمدة واشنطن موريل بوزير، التي دعاها ثلاثة من اللبنانيين الاميركيين العونيين القيمين على شركة مقاولات تعمل على ترميم مدارس حكومية في واشنطن. ووزن بوزير السياسي الفيديرالي يكاد يكون منعدماً، اذ هي تسعى عبثاً لتحويل مقاطعة كولومبيا، التي تستضيف واشنطن العاصمة، الى ولاية، لكن من دون فائدة.
ربما لا يدرك باسيل أن مقاطعة اميركا له ليست شخصية، فواشنطن تبحث عن من يمكنها تأمين مصالحها. في الماضي، اقامت واشنطن علاقة مع الأسد لأنه ضبط التنظيمات المسلحة في لبنان بعد الحرب الاهلية. وبعد انسحاب الأسد من لبنان، حاول نظامه تقديم نفسه على انه وسيط لاميركا في حوارها مع ايران، لكن ادارة أوباما - وهي الاكثر ليونة مع الأسد وايران - لم تعتقد انه قادر على ذلك، وحاولت التوصل الى تسوية مع ايران نفسها، لا مع وسطاء لا يمونون.
في الحالة اللبنانية، تسعى واشنطن لتسوية في موضوع «حزب الله»، وتعرف ان مفتاح هذه التسوية هو في ايران... اذاً، لا حاجة لسياسيين في لبنان لا تتعدى وساطتهم زعامة شخصية وحفنة من الخطابات التي يكررون فيها ان «حزب الله» مشكلة اقليمية، وان لا قدرة لدولة لبنان على حلّها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق