واشنطن - من حسين عبدالحسين
بعد أشهر من النقاشات المحتدمة، والتحقيقات، وجلسات الاستماع، وبعدما صوّت مجلس النواب على قرار خلع الرئيس الأميركي من منصبه، برأ مجلس الشيوخ - كما كان متوقعاً - ليل الأربعاء - الخميس، دونالد ترامب من تُهمتَي عرقلة عمل الكونغرس واستغلال السلطة، في ختام محاكمة تاريخيّة سعى من خلالها الديموقراطيّون إلى عزله فيما تكاتف الجمهوريّون لتبرئته.
ولم يتوان الرئيس الأميركي عن التصرف كمنتصر على مهزومين، رغم انه كشف أمس، انه مر «بمحنة فظيعة من قبل بعض الاشخاص غير الشرفاء والفاسدين»، وقال «لقد فعلوا كل ما بوسعهم لتدميرنا، ومن خلال القيام بذلك ألحقوا ضرراً كبيراً بأمتنا».
على أن التصويت لم ينه النقاش، إذ أعلن بعض اللجان في مجلس النواب، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الديموقراطي، نيتها استدعاء مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، للإدلاء بشهادته، بعدما تسربت صفحات من الكتاب الذي ينوي إصداره، والذي يشير فيه صراحة إلى أن الرئيس هدد أوكرانيا بوقف المساعدة العسكرية لها ما لم تعلن مباشرتها بالتحقيق في عمل هانتر بايدن، نجل نائب الرئيس السابق وأحد المرشحين الديموقراطيين للرئاسة حالياً جو بايدن.
وفي مجلس الشيوخ، سرق المرشح الجمهوري السابق للرئاسة والسناتور عن ولاية يوتا ميت رومني الأضواء بمخالفته حزبه الجمهوري، وتصويته إلى جانب الديموقراطيين، الذين صوّتوا جميعاً على الإطاحة بترامب. وقال رومني إن ضميره لا يسمح له بالتغاضي عن استغلال ترامب للسلطة لمآرب شخصية، وإن ضميره يسمو على حزبيته.
رومني صوّت إيجاباً على بند واحد من بندي الخلع، وعاد ليصوت إلى جانب حزبه الجمهوري ضد اتهام ترامب بعرقلة تحقيقات الكونغرس.
على أن تصويت رومني مع الديموقراطيين للإطاحة بترامب لم يخفف من خيبة أملهم، إذ هم كانوا يعتقدون أن ثلاثة أعضاء جمهوريين آخرين على الأقل، منهم ليزا ماركوسكي عن ولاية آلاسكا وسوزان كولينز عن ولاية مين، سيصوتون إلى جانبهم كذلك، ليرتفع مجموعهم إلى غالبية بسيطة، أي 51 عضواً من 100، فيدينون الرئيس، على الأقل معنوياً. أما إطاحة ترامب، فكانت تحتاج إلى غالبية الثلثين، أي 67 سناتوراً، وهو ما كان متعذراً منذ ما قبل إقرار مجلس النواب قرار الخلع.
وخلال الأسابيع التي استغرقتها عملية الخلع في مجلس النواب والمحاكمة في مجلس الشيوخ، صرّح عدد لا بأس به من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بأنهم لا يوافقون ترامب على أن «الكمال» يصف مكالمته ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والتي طالب فيها ترامب، كييف، بإعلان بدء التحقيقات تطول هانتر. إلا أن هؤلاء الشيوخ قالوا إن خطأ الرئيس لا يستحق إنهاء ولايته، لذا فهم سيصوتون ضد الإطاحة.
وتنبه بعض الديموقراطيين لثغرة في مناورة الجمهوريين، فتقدم السناتور عن ولاية وست فيرجينيا جو مانشن، بمشروع قرار يدين ترامب لسوء تصرفه مع أوكرانيا، وهو قرار لا يؤدي للإطاحة. مشروع القرار أحرج الجمهوريين، وكشف أنهم يلتزمون التصويت مع الرئيس - إن في قرار أو في محاكمة - فتراجع الديموقراطيون عن طرح القرار، وتابعوا التصويت على المحاكمة، وخسروا.
ومع نهاية أسابيع الخلع والمحاكمة، انقلب الطرفان إلى السياسة، وراح الديموقراطيون يسعون إلى إظهار تستر الجمهوريين على سوء استغلال ترامب السلطة، فيما كان الرئيس حوّل خطابه السنوي عن «حال الاتحاد»، عشية التصويت على قرار الإطاحة برئاسته، إلى استعراض سياسي وحملة انتخابية لانتخابات نوفمبر المقبل.
وتضمن الخطاب كل النقاط التي ينشدها الجمهوريون، مثل التزام القوانين التي تسمح للمواطنين بالتسلح. وفي الوقت نفسه، قدم ترامب إنجازات سارع الخبراء إلى تفنيدها، مثل ادعائه أن إدارته تحرص على إبقاء الضمان الصحي الحكومي للمواطنين، وهو ما تعمل إدارته في الواقع على نسفه.
على أن المشهد السياسي ليس في مصلحة الديموقراطيين، إذ أظهرت الانتخابات الرئاسية التمهيدية لحزبهم أن حماسة مناصريهم لم تصل إلى مستويات الذروة التي حققتها في العام 2008، وهو العام الذي اكتسحوا فيه البيت الأبيض ووسعوا غالبيتهم في الكونغرس بغرفتيه، بل إن مستوى المشاركة في انتخابات ولاية آيوا التمهيدية بلغت معدل العام 2016، وهو العام الذي خسر الديموقراطيون فيه الرئاسة وتقلصت كتلهم في الكونغرس.
أما ترامب، فأظهرت استطلاعات الرأي أن شعبيته بلغت ذروتها، وهو ما يعني أنه إن استمرت الأوضاع على هذا المنوال، فإنه سيضمن فوزه بولاية رئاسية ثانية، فيما قد يخسر الديموقراطيون غالبيتهم في مجلس النواب، ويتعذر تحويل أقليتهم إلى غالبية في مجلس الشيوخ.
الحكم النهائي في... نوفمبر
واشنطن - رويترز - «نهاية كاذبة»، هو الوصف الذي يطلقه العاملون في صناعة السينما في هوليوود، عندما يبدو أن القصة على وشك الانتهاء... ورغم ذلك تتواصل الأحداث.
انتهت محاكمة الرئيس دونالد ترامب ليل الأربعاء - الخميس، من دون مفاجآت. فقد كان القرار براءته. لكن نهاية القصة على أرض الواقع سوف تتكشف في نوفمبر المقبل، عندما يتوجه الناخبون الأميركيون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم.
فعندها سيدرك الديموقراطيون أخيراً ما إذا كانت مقامرتهم لعزل الرئيس، في خطوة هي الثالثة من نوعها في التاريخ الأميركي، قد أتت ثمارها وحققت لهم مكاسب انتخابية في الفوز بأصوات الناخبين الذين لم يحسموا رأيهم بعد.
وأشارت استطلاعات الرأي خلال المحاكمة إلى أن ترامب لم يلحق به ضرر سياسي يذكر، إذ كانت آراء الجمهوريين والديموقراطيين ثابتة إلى حد كبير منذ البداية.
وفي نوفمبر أيضاً، ربما يدرك نواب الحزب الجمهوري، خصوصاً في الدوائر والولايات غير المحسومة، الثمن السياسي لإقامة حائط للتصدي للمساعي الرامية لإخراج ترامب من المكتب البيضاوي.
وأثر المحاكمة على الانتخابات أبعد ما يكون عن الوضوح. وعندما يحين موعد نوفمبر، ربما تكون المحاكمة والمعركة الحزبية التي دارت حولها، مجرد ذكرى بعيدة عند عدد كبير من الناخبين المهمومين بدرجة أكبر بأرزاقهم.
ومع ذلك، فقد هزت محاكمة واحد من أكثر الرؤساء إثارة للخلافات في التاريخ الأميركي الحديث السباق الانتخابي وذلك باستنهاض همم قواعد الحزبين.
وقد جمع ترامب ملايين الدولارات لحملة إعادة انتخابه من جراء المحاكمة، فبلغ حجم التبرعات لحملته 46 مليون دولار في الربع الأخير من العام الماضي، محققا أكبر قدر من التبرعات حتى الآن.
كما شهد الديموقراطيون الذين تقلقهم أيضاً الغالبية الهشة التي يتمتعون بها في مجلس النواب، جمع تبرعات ضخمة للمرشحين الديموقراطيين للرئاسة وللكونغرس.
ورجح بعض المحللين السياسيين، ان يوجه الجمهوريون والديموقراطيون سهام النقد إلى تصويت خصومهم في المحاكمة في مجلسي الشيوخ والنواب في إعلانات عبر وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية. وقد بدأ ذلك يحدث بالفعل في بعض المناطق.
ويمكن لترامب أيضاً، أن يتباهى بخروجه سالماً من التحقيق الذي أجراه المحقق الخاص روبرت مولر في التدخل الروسي عام 2016 لمساعدته في الفوز بالانتخابات الرئاسية ومن محاكمته في الكونغرس. وكان الرئيس وصف التحقيقين، بأنهما مساع تبذلها عناصر في «الدولة العميقة» معارضة لرئاسته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق