السبت، 31 أكتوبر 2015

واشنطن: تحوّل بموقفَي روسيا وإيران يمنح بصيص أمل للحل في سورية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يقول المسؤولون الاميركيون المطلعون على مجريات اللقاءات المخصصة لتدارس الأزمة السورية في فيينا، انهم صاروا يرون بصيص أمل في التوصّل الى حل، بسبب موقفين لإيران وروسيا. الموقف الإيراني جاء على لسان مساعد وزير الخارجية أمير عبداللهيان، الذي قال ان «إيران لا تتمسّك بإبقاء (بشار) الأسد في الحكم الى الأبد». اما الموقف الروسي، فيتمثّل بقول الرئيس فلاديمير بوتين ان الدول الخمس المعنية بالأزمة السورية، أي أميركا وروسيا وتركيا والسعودية وإيران، بإمكانها وحدها - أي بغض النظر عن رأي السوريين - التوصّل الى حل في سورية وفرضه على الأفرقاء المتنازعين.

ويعتقد الاميركيون ان الموقف الإيراني هو أول اعتراف من إيران انها «تساهم في تقرير مصير الأسد»، فحتى الأمس القريب، يقول المسؤولون الاميركيون، إن طهران دأبت على الإصرار على أن مصير الأسد يقرره السوريون وحدهم. لكن في تصريح عبداللهيان، إقرار إيراني ضمني ان للجمهورية الإسلامية «رأياً في بقاء الأسد من عدمه في الحكم، وان إيران مستعدة للخوض في نقاش حول هذا الامر».

اما الموقف الروسي، فهو الأول الذي يعطي المواجهات العسكرية على الأرض السورية ابعاداً دولية وإقليمية، عبر الاصرار على انها تأتي لمكافحة الإرهاب، وان على دول العالم الاصطفاف الى جانب الأسد للقضاء على هذا الإرهاب.

الموقفان الإيراني والروسي، يقول المسؤولون الاميركيون، هما اللذان دفعا وزير الخارجية جون كيري الى القول ان التوصّل الى حل للأزمة السورية ممكن، ولكنه شاق ويحتاج الى مفاوضات صعبة.

ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان المواجهات العسكرية على الأرض ساهمت في التطورات التي تطال الموقفين الإيراني والروسي، فإيران وحليفها «حزب الله» يخسران عدداً كبيراً من كوادرهما وكبار الضباط مع مرور الأيام واستمرار المعارك.

ويعتقد المسؤولون الاميركيون ايضا انه «ربما أصبحت طهران تدرك ان الحسم العسكري لمصلحة الأسد في سورية هو أصعب مما كانت تخال». لذلك، يسارع الإيرانيون الى الحد من خسائرهم، وفي نفس الوقت تثبيت أي إنجازات أحرزوها على أرض المعركة عن طريق الديبلوماسية.

اما روسيا، فيرى الاميركيون انها «ليست متورطة في سورية الى الحد الذي تورّطت فيه إيران»، لكن موسكو أوحت منذ البداية ان حملتها العسكرية في سورية ليست مفتوحة الأمد، وأنها «لن تتعدى ثلاثة أو أربعة أشهر». ويكرر هؤلاء المسؤولون ما ذكره وكيل وزارة الخارجية الأميركية انتوني بلينكن لناحية ان «الروس لم يتصوروا أن التورّط في الحرب السورية سيكون بهذه الصعوبة»، وان «تورط موسكو دفعها أكثر للإسراع في العمل للتوصّل الى حل».

وحتى تثمر الحملة الروسية العسكرية، حسب المسؤولين الاميركيين، «من مصلحة موسكو الإسراع في التوصل الى حل ديبلوماسي سياسي يمكن للحكومة الروسية ان تقدمه على انه انتصار لمجهودها العسكري».

ويستطرد المسؤولون الاميركيون بالقول ان «الأسلوب الروسي» في اللجوء الى الاعمال العسكرية لإخافة خصوم روسيا، ثم الإسراع الى المخارج الديبلوماسية لحفظ ماء الوجه واثبات نجاعة المجهود العسكري، هو أسلوب استخدمته روسيا في حربيها في جورجيا وأوكرانيا، والآن في سورية. وتلاحظ المصادر الأميركي انه، «على غرار جورجيا وأوكرانيا، كلما يتدخّل الروس عسكرياً في بقعة ما، يترافق ذلك مع زيادة في نشاطهم الديبلوماسي للخروج من المواجهة العسكرية».

واعتبرت المصادر الأميركية ان «روسيا صارت مستعدة للحل لحفظ أي مكتسبات تعتقد انها حققتها، حتى لو جاء ذلك على حساب الأسد». وتوقعت روسيا ان تصور المصادر «أي خروج ممكن للأسد على انه جزء من الانتصار الأكبر للحرب الروسية ضد الإرهاب».

اما إيران، فيعتقد المسؤولون الاميركيون ان «ما خسرته في سورية أكبر مما خسره الروس، وأنها ستسعى ديبلوماسياً الى الحصول على مكاسب أكثر من حفظ ماء الوجه لإنهاء مجهودها العسكري الذي أصبح مكلفاً ومقلقاً».

على ان الديبلوماسيين الاميركيين لا يعتقدون ان جولات المفاوضات حول سورية ستأخذ المدة نفسها التي استغرقتها المفاوضات النووية. ففي المفاوضات النووية، يعتقد المسؤولون الاميركيون، أن الشعب الإيراني هو الذي دفع تكلفة الإطالة في المفاوضات للحصول على شروط أفضل. «اما في الحرب السورية»، يختم هؤلاء، فالقادة الإيرانيون أنفسهم يدفعون الثمن بتساقط كبار ضباطهم، الواحد تلو الآخر، في أرض المعركة.

الكونغرس يقر اتفاق الحزبين على الموازنة

واشنطن - حسين عبدالحسين

أسدى رئيس الكونغرس، الجمهوري المستقيل جون باينر، خدمة جليلة إلى عضو الكونغرس الذي سيخلفه، بول ريان، والرئيس باراك أوباما، والاقتصاد الأميركي عموماً، بموافقته على اتفاق حول الموازنة السنوية، يتضمن رفع سقف استدانة الحكومة حتى العام 2017.

ولا شك في أن السبب الذي مكّن باينر من هندسة الاتفاق حول الموازنة مع قادة الحزب الديموقراطي في الكونغرس، هو إعلانه الاستقالة من منصبه وخروجه إلى التقاعد نهاية تشرين الثاني (نوفمبر). وعلى رغم موقعه كمشرّع جمهوري يميني، تعرض باينر إلى ضغوط كبيرة من أقصى اليمين في الحزب الجمهوري، خصوصاً إثر توصله إلى الاتفاق السابق لرفع سقف الدَين عام 2013 مع الديموقراطيين، وبمعونة أصواتهم التي تشكل أقلية في مجلس النواب.

ومنذ ذلك التاريخ، اعتبر اليمينيون المتشددون أن باينر طعنهم في الظهر بمنعه الحكومة الأميركية من التخلف عن تسديد ديونها وموافقته على رفع سقف الاستدانة، وقرروا الإطاحة به، فاستبق الأخير حركتهم بإعلانه قبل أسابيع عزمه التقاعد. ومن شأن تأجيل أي مواجهة في الكونغرس حول الدَين العام أن تزيح عبء اليمين المتطرف عن كاهل خلفه المتوقع ريان، الذي انتقد طريقة التوصل إلى الاتفاق.

وفجر أمس، أقر الكونغرس ذو الغالبية الجمهورية الموازنة التي تخدم لسنتين وتزيد النفقات الفيديرالية بنحو 80 بليون دولار وترفع سقف الدَيْن وتقلل أخطار التعثر المالي حتى نهاية ولاية أوباما. وبعد سنوات من الخلافات والنزاعات حول النفقات الحكومية، يمهد إقرار الموازنة لفترة من الهدوء تستمر إلى ما بعد انتخابات 2016 في هذا الملف. وبعد موافقة مجلس النواب الأربعاء على القانون، أقره أعضاء مجلس الشيوخ الجمعة بغالبية 64 صوتاً مقابل 35 صوتاً معارضاً، ويفترض الآن أن يوقعه أوباما.

ومن شأن الاتفاق أن يؤمن ثباتاً للاقتصاد الأميركي، على الأقل حتى عام 2017، بالقضاء على فرص المناورات السياسية حول قوانين تمويل الحكومة ورفع سقف الاستدانة. وكانت الأموال المتوافرة في أيدي الحكومة الفيديرالية آيلة للنفاد الثلثاء المقبل، ما كان من شأنه أن يفرض «إغلاق الحكومة» على مستوى الوكالات غير الأساس، أي أن الحكومة تقفل أبواب مؤسساتها وتمتنع عن تسديد مرتبات موظفيها، ما عدا هيئات الأمن والشرطة والإطفاء. ومع تفادي أي أزمات حول تسديد الحكومة ديونها ورواتب موظفيها، يكتسب الاقتصاد الأميركي ثباتاً يحتاجه في وقت يعاني الاقتصاد العالمي من الاهتزاز.

أما الفائز الأبرز من اتفاق الحزبين على الموازنة فهو أوباما، الذي أمضى سنوات حكمه ما بعد 2010، أي منذ خسارة حزبه الديموقراطي الغالبية في مجلس النواب، وهو يخوض مواجهات مع الكونغرس، الذي سيطرت على إحدى غرفتيه غالبية جمهورية، حول قوانين تمويل الحكومة الفيديرالية ودَينها العام، البالغ 18.4 تريليون دولار.

ويتمثل حفظ ماء الوجه لباينر في أن إلغاء جزء من «التخفيضات الإجبارية»، التي أقرها الكونغرس عام 2013 وبلغت 1.2 تريليون دولار على مدى 10 سنوات، جاء في شكل إقرار زيادة في إنفاق الحكومة الفيديرالية بواقع 100 بليون دولار إضافية في العامين المقبلين، 56 بليوناً منها للشؤون الدفاعية، و40 بليوناً للشؤون المدنية.

ويؤيد الجمهوريون، خصوصاً من اليمين المتطرف، زيادة الإنفاق العسكري في شكل غير مشروط، ما أعطى باينر مبرراً يلوح به للدفاع عن اتفاقه مع الديموقراطيين. واتفق الحزبان على فرض اقتطاعات على بعض برامج الرعاية الاجتماعية، خصوصاً تكاليف الضمان الطبي لأصحاب الدخل المحدود، على أن تدخل الاقتطاعات المصممة لتعويض الزيادة في الإنفاق بعد خمس سنوات من الآن، ما اعتبره الجمهوريون وعداً باقتطاعات لا يمكن التزام أي رئيس مقبل أو كونغرس مختلف ببنوده.

ووسط التشكيك اليميني والهجوم على باينر، الذي لم يعد يكترث للحسابات السياسية بين المؤيدين أو المعارضين، هللت أكثرية الديموقراطيين للاتفاق. وكتب رئيس «المجلس الاقتصادي الرئاسي»، جايســون فورمان، في مطالعة، أن زيادة 100 بلــيون دولار في الإنفاق الحكومي في العامين 2015 و2016 تمــثل 90 في المئة من الزيـــادة التي طلبها أوباما في مــســـودة مــشروع الموازنة التي أرسلها إلى الكونغرس، لنيل الموافقة، الشهر الماضي.

وأضاف أن من شأن زيادة الإنفاق الحكومي الأميركي أن تنعكس زيادة في النمو الاقتصادي بنسبة 0.3 في المئة في 2016. كذلك، من شأن زيادة الإنفاق أن تؤدي إلى خلق 300 ألف وظيفة العام المقبل، و550 ألف وظيفة عام 2017.

واعتبر المعلق في صحيفة «واشنطن بوست»، جيم تانركسلي، أن الجمهوريين «أبدوا امتعاضهم من اتفاق يدفع الاقتصاد قدماً»، فقط لأن من شأن هذا الاتفاق أن يحسن صورة أوباما، الأمر الذي يرفضه اليمينيون حتى لو جاء ذلك على حساب صدقية حكومتهم وقدرتها على الاستدانة وعافية اقتصادهم عموماً.

الجمعة، 30 أكتوبر 2015

ماكينات الأسد الإعلامية تتحرك للتأثير على الأميركيين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم يحتج الأميركيون الى الكثير من المساعي لإقناع طهران بالمشاركة في مؤتمر التسوية السورية الذي ينعقد في فيينا اليوم. وقالت مصادر أميركية مطلعة ان موسكو هي صاحبة فكرة توسيع المشاركة لتشمل مصر والعراق ولبنان والأردن، على اعتبار ان كلا من هذه الدول تدعم بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم.

وكانت «الراي» أوردت، الأسبوع الماضي، ان أميركا هي صاحبة فكرة اشراك إيران في لقاء الحل السوري، وان روسيا لم تبد حماسة للاقتراح الأميركي لكنها قبلته، ويبدو انها عملت على احتواء أي تأثيرات ممكنة لأول مشاركة إيرانية في الديبلوماسية حول سورية منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011.

لكن رغم الجبهة الموحدة خلف الأسد، والتي تحاول موسكو تقديمها اليوم بزعامتها، انطلقت ماكينات الدعاية للدول المختلفة في هذه الجبهة، وسعت كل واحدة منها لتقديم وجهات النظر التي تناسبها.

عبر شبكة «بي بي اس» التلفزيونية شبه الرسمية، قدم نظام الأسد روايته للأزمة السورية ورؤيته للحل فيها في وثائقي أعدّه الإعلامي مارتن سميث. ورغم عدم دبلجة بعض الحوارات الى الإنكليزية، الا ان المشاهدين من متحدثي العربية أمكنهم سماع المخرج السوري، المؤيد للأسد، نجدت إسماعيل انزور وهو يقول لسميث انه دعاه الى سورية بشروط معينة.

وفي وثائقي سميث، الذي أطلق عليه عنوان «داخل سورية الأسد»، الحياة طبيعية في دمشق حيث يتوقف في الشارع ويلتقي مارة ويسألهم عن رأيهم في الوضع، فيعربون عن حبهم للأسد وتأييدهم له. ثم يعرج على حمص حيث «مهرجان الصيف»، ويلتقي المحافظ ووزير السياحة، فيأخذه المسؤولان الى منتجع سياحي مازال قيد الانشاء للدلالة على ان «الصيف في سورية»، وهو اسم الحملة الإعلامية، هو موسم سياحي واعد.

ويشارك سميث في مؤتمر اعلامي يتحدث فيه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ونائب أمين عام «حزب الله» اللبناني نعيم قاسم. ثم يجري مقابلة مع انزور، الذي يعلن ان الخلاص الوحيد لأزمات المنطقة هو القضاء على المملكة العربية السعودية. بعد ذلك، ينقل رجال المخابرات سميث الى طرطوس واللاذقية حيث يلتقي المقاتلين العلويين، ويتغدى معهم، فيما تلتقط الكاميرا مشاهد لهؤلاء المقاتلين وهم يشربون بيرة «الماسة» اللبنانية، في محاولة لتكريس الفارق بين حكم الأسد وأي حكم إسلامي بديل.

وقبل الختام، يشارك سميث في لقاء لمعارضة الداخل، التي تلتئم تحت صورة بشار الأسد، ويعتقد أبرز المتحدثين فيها ان بقاء النظام ضرورة. اما في الختام، فيزور سميث جبهة الجنوب ويلتقي في القنيطرة مقاتلا ممن انشقوا وأسسوا لواء المعتصم بالله، قبل ان يعود عن انشقاقه وينضم للجيش السوري النظامي مستفيدا من «العفو الرئاسي العام» عن جميع المسلحين ممن يعلنون التوبة ويعودون الى طاعة النظام.

هكذا، قدم سميث للمشاهدين الاميركيين، في ساعات الذروة، وثائقيا من سورية أظهر فيه الحياة طبيعية وصاخبة في دمشق، وقدم فيه مقاتلي الأسد على أنهم يشربون الكحول على عكس الإسلاميين، وصوّر الحياة السياسية طبيعية بوجود معارضة تلتئم وتناقش أساليب تطوير الحكومة، وختم بتقديم الأسد على انه مستعد للصفح عن كل من ثاروا ضده ان عادوا الى طاعته. تلك كانت رسالة الأسد الى الاميركيين.

لكن الأسد ليس وحيدا في الايعاز لماكينته الدعائية بمحاولة التأثير في الرأي العام الأميركي، فطهران حركت مؤيديها كذلك، فنشرت الكاتبة روبن رايت، التي تزور إيران بشكل دوري، مقالة في مجلة «نيويوركر» اليسارية جاء فيها ان تكاثر عدد القتلى في صفوف كبار الضباط الإيرانيين داخل سورية يشي بأن طهران تتمسك بالأسد بكل ما أوتيت من قوة.

ربما ارادت إيران ان تبرز للرأي العام وصانعي القرار الاميركيين انه رغم الحملة الجوية الروسية، الا ان الممسكين بمفاصل المعارك على الأرض السورية هم الضباط الإيرانيون، وان لا حل في سورية من دون طهران.

ومررت رايت في مقالتها نقاط الكلام الإيرانية. كتبت ان «مكان مقتل الضباط (الإيرانيين)، في ثلاث مناطق مختلفة من سورية، يظهر مدى سعة التدخل الإيراني»، وان «الإيرانيين يموتون في اشتباكات مسلحة، وليس فقط على الهامش او اثناء الدفاع عن مقامات دينية». وكتبت أيضا ان «التورط الإيراني في الصراع السوري تعمّق على مراحل»، وان «المساعدات الإيرانية للأسد ازدادت منذ ان بدأت الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بالسيطرة على مساحات واسعة في سورية والعراق».

وفي غمزة باتجاه الإدارة الأميركية لإظهار ليونة إيرانية مفترضة تجاه الحلول الممكنة، نقلت رايت تصريح مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان لصحيفة «غارديان» البريطانية، الذي قال فيه: «نحن لا نعمل لبقاء الأسد رئيسا الى الأبد»، مضيفا ان إيران تدرك «دور الأسد في الحرب ضد الإرهاب وفي الإبقاء على وحدة البلاد»، وان «الشعب السوري هو من سيقرر (مصير الأسد)، وأيا يكن قراره، سنحترمه».

خطة كارتر: بقاء الأسد

حسين عبدالحسين

الرئيس السابق جيمي كارتر هو من رؤساء الولايات المتحدة القلائل ممن تحولوا من عدو كثيرين من العرب الى صديقهم، بعد خروجه من الحكم. فالرئيس الذي كان يغني له المصري الراحل الشيخ امام "يا كارتر يا نذل" لدوره في هندسة ورعاية اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، أصدر كتابا هاجم فيه التمييز العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، والتقى شخصيات ممنوع على الاميركيين لقائها، مثل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.

في مصر، ابتعد الجيش الحاكم عن "مركز كارتر" على الرغم من اعتقاله اميركيين آخرين من الناشطين في المنظمات غير الحكومية في البلاد. كان الجيش المصري يحتاج لموافقة المركز على الانتخابات الرئاسية المصرية، بعد انقلاب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على الشراكة الحكومية مع "الاخوان المسلمين".

لكن كارتر وقف وقفة أخلاقية، ورفض ان يصادق على انتخابات برلمانية مصرية معروفة نتائجها سلفا، وبهدوء، أحرق العاملون في مكاتب "مركز كارتر" في القاهرة وثائقهم لتفادي توريط أي من العاملين المحليين في مواجهة مع الجيش الحاكم، واقفلوا المكاتب، وانسحبوا من مصر، وجرت الانتخابات البرلمانية المصرية وسط تشكيك عالمي في مصداقيتها.

وكما في فلسطين ومصر، كذلك في الدول الأخرى، وقف جيمي كارتر مواقف جريئة وإنسانية، باستثناء سوريا، وهو أمر محيّر فعلا.

في الشأن السوري، سارع كارتر، الذي يعاني وهو في عامه الحادي والتسعين من سرطان في رأسه، الى تدبيج مقالة حول رؤيته لحل ممكن للأزمة المندلعة منذ العام 2011. كتب كارتر انه يعرف شخصيا الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ويعرف خلفه الحالي بشار منذ ان كان الأخير طالباً في الجامعة.

يقول كارتر في وصف بشار: "لاحظت ان بشار لم يلجأ يوما الى مستشار لطلب نصيحة او معلومات". ويضيف كارتر ان ميزة بشار الأسد "هي عناده، ما يجعل من المستحيل سيكولوجياً على بشار ان يبدل رأيه، خصوصا عندما يكون تحت الضغط". ويتابع كارتر انه حتى العام 2011، لطالما حكمت عائلة الأسد سوريا، المتنوعة عرقيا ودينيا، بالإبقاء على التجانس بين هذه المجموعات. 

ويعتقد كارتر ان مبادرات السلام التي قادها كوفي انان والاخضر الابراهيمي باسم الأمم المتحدة والجامعة العربية لم تثمر بسبب الخلاف حول مصير الأسد.

ويقول الرئيس الأميركي السابق انه التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في أيار (مايو) 2015 على هامش مؤتمر لمراكز الأبحاث، وسمع منه ان الحل الوحيد لإنهاء الصراع السوري هو دخول اميركا وروسيا وإيران وتركيا والسعودية في اعداد "اقتراح سلام شامل"، وان بوتين يعتقد ان كل الفصائل في سوريا، ما عدا داعش، ستقبل أي خطة تتبناها الدول الخمس هذه. ونقل كارتر اقتراح بوتين لواشنطن.

ويستعين كارتر بخطة للحل في سوريا، سبق ان قدمتها ايران من أربع نقاط، هي "وقف اطلاق النار، تشكيل حكومة وحدة وطنية، إصلاحات دستورية وانتخابات. ويتابع كارتر انه لو تبنت الدول الخمس التي ذكرها بوتين هذه الخطة، يمكن تطبيقها من خلال مجلس الأمن. ويختم كارتر بالقول ان التنازلات للتوصل الى حل في سوريا ليست مطلوبة من الافرقاء السوريين، بل من الدول التي تدعمهم.

هكذا، يلخص كارتر الوضع في سوريا على الشكل التالي: لأن بشار الأسد عنيد ولن يتخلى عن الحكم تحت أي ضغط، ولأن عائلة الأسد تحكم بتجانس المجموعات السورية المختلفة، ولأن روسيا وإيران توافقان على خطة من أربع نقاط برعاية الدول الخمس المعنية، يمكن إذا تنازلت بعض الدول ان يتم التوصل لحل وانهاء الحرب السورية.

طبعا، لم يكن كارتر بحاجة لزيارة موسكو لمعرفة وجهة نظر بوتين في الوضع السوري، فموقفه واضح وعلني ومبني على التمسك بالأسد. كذلك، توافق الدول الثلاث المؤيدة للمعارضة على الخطة الإيرانية، ولكن بشرط ان تترافق الخطة مع بند يحدد موعد خروج الأسد.

ربما لم يدرك كارتر ان سبب الثورة السورية أصلا هو عناد الأسد، بعكس ابيه الذي كان أكثر واقعية. عناد بشار أدى لإجباره على سحب قواته من لبنان، وأدى الى رفضه مبادرات حلول سياسية قدمتها دول معنية، منها تركيا وقطر، قبل ان يريق الأسد الدماء السورية. عناد الأسد هو المشكلة، وكارتر، بسذاجة ام خبث، يعتقد انه يمكن لتنازل وحيد يسمح ببقاء الأسد ان يؤدي الى تسوية.

حزين كارتر. هو نصير الشعوب المقهورة منذ عقود، لكن في سوريا، يخضع لعناد الأسد ويرضى ببقائه على جثث مئتي ألف سوري.

الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

لماذا تتخبّط سياسة أميركا في سورية والعراق؟


خمس وكالات حكومية أميركية على الأقل تقدم آراءها المختلفة حول ملفي سورية والعراق وكيفية التعاطي معهما. وتعمد كل من هذه الوكالات الى تحريض السياسيين المقربين منها لتبني رأيها، كما تلجأ الى تسريب المعلومات التي تدعم وجهة نظرها الى الصحافيين. اما النتيجة، فهي تخبط أميركي رهيب في السياسة تجاه الأزمتين السورية والعراقية. يترافق ذلك مع عناد قل مثيله للرئيس الأميركي باراك أوباما حول ضرورة إبقاء أي تدخل أميركي في الشرق الأوسط مقتصرا على الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في سورية والعراق، وحصر أي تدخل أميركي آخر بالجهود الديبلوماسية.

اما الوكالات الحكومية الأميركية الخمس فهي، حسب أهميتها ونفوذها داخل واشنطن، «مجلس الأمن القومي» الذي تترأسه مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي أي) برئاسة جون برينان، الجيش الأميركي ممثلا بقائد الأركان الذي تسلم منصبه للتو الجنرال جو دانفورد وقبله مارتن ديمبسي، وزارة الدفاع ممثلة بوزيرها آش كارتر، ثم وزارة الخارجية ممثلة بوزيرها جون كيري، وهي الأكثر ظهورا بين الأربعة والأقل تأثيرا بينهم في رسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

رايس ورئيس موظفي البيت الأبيض دينيس ماكدنو هما الأكثر نفوذا عند أوباما، وهما، حسب العارفين، يعتقدان ان عليهما «حماية» الرئيس من التورط في مستنقعات خارجية مثل الحرب السورية، او التوغل أكثر في الحرب العراقية ضد «داعش».

داخل «مجلس الأمن القومي»، يبرز روب مالي الذي يتمتع بعلاقة مميزة مع الرئيس السوري بشار الأسد وسفيره السابق في واشنطن، والذي أصبح سفيره الى الصين، عماد مصطفى. ومالي هذا، ينحاز بشكل فاضح الى جانب الأسد منذ ان كانت واشنطن تفرض عزلة دولية عليه على إثر مقتل رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري في العام 2005. وكان مالي من مهندسي فكرة «الانخراط مع الأسد» قبل العام 2001. بعد ذلك، تحول مالي الى مدافع عن بقاء الأسد، متبنيا روايته للأحداث والقائلة بأن انهيار النظام سيسمح حتما للإرهابيين بالسيطرة على دمشق وعموم البلاد وتحويلها الى بؤرة ينطلق منها الإرهاب نحو أوروبا والعالم.

في وكالة «سي آي أي» برينان، ضابط الاستخبارات السابق الذي عمل كمستشار لشؤون الإرهاب اثناء الولاية الأولى لأوباما، ثم تسلم منصبه في الوكالة خلفا لـ «بطل حرب العراق» ديفيد بترايوس.

وكان بترايوس، الى جانب وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون والدفاع ليون بانيتا، تبنوا فكرة تدريب وتسليح «الجيش السوري الحر» في الأشهر الأولى من الحرب التي شنها نظام الأسد ضد المتظاهرين والمعارضين لبقائه في الحكم. وقال الثلاثة وقتذاك لأوباما ان عدم بروز قوة معتدلة مسلحة تنافس الأسد سيخلي الساحة لبروز قوى إرهابية متطرفة، وهو ما حصل فعلا.

هكذا، ورث برينان من بترايوس برنامجا «محدودا» قامت خلاله الوكالة بتدريب بعض المعارضين السوريين وتوزيع الوجبات الجاهزة للأكل ووسائل التواصل العسكرية عليهم. وكان رأي بترايوس ان انخراط أميركا مع الثوار في وقت مبكر من شأنه ان يسمح للاستخبارات الأميركية بان تبقي عيونها مفتوحة بين الثوار حتى تحدد المعتدلين من المتطرفين منهم.

لكن برينان، الذي أشرف اثناء عمله في البيت الأبيض على برنامج الشراكة لمكافحة الإرهاب مع الحكومة اليمنية، وهو برنامج انهار كليا مع اجتياح قوات الحوثي العاصمة صنعاء، لم يتابع برنامج بترايوس لتسليح ثوار سورية، واعتبر ان برنامجا من هذا النوع لا يجب ان يكون سريا، بل يجب ان يتحول الى برنامج علني بتمويل وموافقة الكونغرس، لرفع المسؤولية عن الرئيس والإدارة.

في الجيش الأميركي، برز قائد الأركان السابق الجنرال مارتن ديمبسي الذي اشتهر بقوله ان مصلحة الولايات المتحدة هي في استمرار الحرب «بين القاعدة وحزب الله» داخل سورية. لكن مع انهيار القوات الحكومية العراقية وسيطرة «داعش» على الموصل، انقلب موقفه، وقام بالتسلل الى الليموزين الرئاسية، واقنع أوباما بضرورة تدخل أميركا لوقف زحف «داعش» نحو أربيل وبغداد. وهكذا كان.

واعتبر ديمبسي ان الحجر الأساس في الحرب الدولية ضد «داعش» هو إعادة تشكيل «قوات الصحوات» العراقية تحت اسم «الحرس الوطني» المؤلف من عشائر غرب العراق. لكن رئيس حكومة العراق حيدر العبادي قال لأوباما ان أي قوة من هذا النوع تزعزع موقعه امام إيران وحلفائها في العراق، فتراجعت واشنطن.

ومع قرار تدريب قوات عراقية، وجد برينان الفرصة مناسبة لنقل برنامج تدريب المعارضة السورية من الوكالة الى الجيش، ممثلا بالجنرال مايك ناغاتا الموجود في الدوحة. لكن البرنامج تعثر لأسباب متعددة، وتحول الى مادة للتندر.

ديمبسي لم يحاول اقناع أوباما بالضغط على العبادي لإنشاء القوة العراقية السنية لمكافحة «داعش». ويعتقد كثيرون ان تراجع ديمبسي يرتبط بالعلاقة المتوترة بين أوباما وعسكره، فالرئيس الأميركي يتدخل في شؤون الجيش أكثر من المعهود، ويرفض منح قيادته كل طلباتها، فيمنحهم مثلا نصف عدد القوات التي يطلبونها في أفغانستان، ويحدد مدة وجودهم على عكس نصيحة الجيش، ويرفض انخراط المستشارين الاميركيين في العراق على مستوى كتيبة لتحديد اهداف «داعش» للمقاتلات الاميركية، ويصر على إبقاء هؤلاء المستشارين في المقرات المحصنة. على أن أوباما غالبا ما يتراجع، ولكن بعد فوات الأوان.

مركزية أوباما الحديدية، وانعدام خبرته في السياسة الخارجية وتردده، ورفضه مقترحات كبار ضباطه، واتخاذه قرارات متأخرة، فضلا عن انخراط وكالات أميركية متعددة ومسؤولين متعاقبين بآراء مختلفة حول كيفية التعاطي مع الأزمتين السورية والعراقية، كلها انتجت واحدة من أكثر السياسات الخارجية الأميركية تخبطا منذ زمن بعيد. اما النتائج السلبية لسياسة أوباما الخارجية، يعتقد كثيرون، فبادية للعيان ولا تحتاج الكثير من التمحيص.

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

لماذا يكره نصرالله السعودية؟

حسين عبدالحسين

بعد أقل من أسبوع على صدور قرار مجلس الأمن 1701 في آب (أغسطس) 2006، والذي نص على انهاء الاعمال العدوانية بين إسرائيل و “حزب الله” اللبناني، أودعت المملكة العربية السعودية مبلغ مليار دولار في مصرف لبنان المركزي لتعويض نزيف العملات الأجنبية الذي كان يعاني منه المصرف والذي كان يمكن له ان يؤدي لانهيار العملة الوطنية، وتاليا تحويل مرتبات اللبنانيين ومدخراتهم الى خردة.

بعد أسابيع، أطل حسن نصرالله في خطاب اتهم فيه معارضيه اللبنانيين بتزويدهم إسرائيل احداثيات مواقع تواجد قادة “حزب الله”. وراح نصرالله يحرّض على هؤلاء اللبنانيين وعلى اصدقائهم الإقليميين، وخصوصا السعودية. وتزامن هجوم نصرالله على اللبنانيين والسعودية مع هجوم مشابه للرئيس السوري بشار الأسد ضد الخليج وزعمائه.

وفي العام 2013، وبعد مرور أشهر على تورط “حزب الله” في الحرب السورية، ضربت لبنان سلسلة من التفجيرات الإرهابية التي طالت احياء مؤيدي الحزب. وخوفا من انفلات الوضع الأمني في لبنان، ورغبة منها في تعزيز قدرات القوات الأمنية، قدمت السعودية منحة بلغت قيمتها 3 مليار دولار للجيش اللبناني بهدف تزويده بأسلحة فرنسية متطورة.

لكن نصرالله لا يهدأ، بل يواصل تحريضه ضد الخليج، كما في آخر خطاباته الأسبوع الماضي. والسؤال هو: لماذا يكره نصرالله السعودية؟ ولماذا يحرّض ضدها باستمرار على الرغم من عطاءاتها السخية للبنان واللبنانيين؟ وأين يذهب المغتربون اللبنانيون الذين يعملون ويسعون لرزق عيالهم واهلهم في لبنان لو قطعت المملكة علاقاتها بلبنان، مثلا، ورحلّت اللبنانيين المقيمين فيها؟

حتى نفهم دوافع نصرالله لكراهية السعودية، علينا أولا ان نفهم ان الرجل، باعترافه، ليس سيد قراره، فهو – على الرغم من لبنانيته – يطلق على نفسه تسمية “جندي في جيش الولي الفقيه”، أي مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي. ولأن خامنئي يعتقد ان الخليج جزء من إمبراطورتيه الفارسية، ولأن خامنئي، كما الفرس عموما، يؤمنون بتفوقهم الثقافي والحضاري على العرب ويستكثرون ان تكون السعودية، مثلا، بين اول 20 اقتصاد عالمي بينما إيران، التي لا تقل ثروتها النفطية عن السعودية بكثير، تتخبط اقتصاديا، يعتقد خامنئي بضرورة اثبات التفوق الفارسي والتوسع لابتلاع المنطقة واخضاعها لحكم طهران. هذا في الدوافع العميقة.

اما في الدوافع الآنية، فيمكن ملاحظة الأوقات التي يعبّر فيها نصرالله عن كرهه للسعودية والخليج. فعلى إثر حرب 2006، التي قاد فيها نصرالله شيعة لبنان الى دمار وخراب مهولين، خافت ايران ان يوجه الشيعة غضبهم ضد الحزب، فكان لا بد من إيجاد هدف بديل للغضب الشيعي في لبنان. هكذا، وجد نصرالله ضالته في النظام اللبناني المبني على كراهية ومنافسة دفينة بين الطوائف، فعمل على اشعال النار الطائفية بتحريضه ضد رئيس حكومة لبنان، السني حسب الدستور.

وبتوجيه الغضب الشيعي الناجم عن مغامرات نصرالله العسكرية في العام 2006 ضد السنة في لبنان، نجح نصرالله في ابعاد هذا الغضب عن حزبه وعن ايران.

اليوم، بعد مرور حوالي عقد على جولة تحريض 2006، يعود نصرالله بجولات تحريض جديدة ضد السنة في لبنان والمنطقة والخليج. سبب الجولة الأخيرة من تعبير نصرالله عن كراهيته هو نفسه سبب جولة العام 2006، أي ارهاق شيعي وتعب من المغامرات العسكرية التي تفرضها الإمبراطورية الإيرانية على نصرالله وصحبه.

ومن نافل القول انه على الرغم من التحالف السياسي، الا ان الاختلاف العقائدي الديني بين الشيعة والعلويين في سوريا هائل، ما يعني ان الشيعة اللبنانيين ممن يقاتلون في سوريا لا يرون مبررا لدفاعهم عن الأسد او العلويين.

ومع مرور السنوات، وغرق شيعة لبنان في دمائهم، ونفاد سلسلة التبريرات التي دأب نصرالله على تقديمها للشيعة لتبرير تورطهم غير المفهوم في الحرب السورية على مدى الأعوام الأربعة الماضية، يعود نصرالله الى التحريض ضد السنة والسعودية، فالطائفية، على فجاجتها، تثير الحمأة القبلية والعصبية، وتنسي الشيعة – الى حد ما – خسائرهم الكبيرة في سوريا.

سخاء السعودية والخليج على لبنان واللبنانيين كثير وقديم ولا مبرر لتحريض نصرالله ضد المملكة. ولكن إيران وطموحات إمبراطورتيها تقضي بذلك، فان لم يخسر اللبنانيون رزقهم بسبب حروب “حزب الله” المستمرة في لبنان وسوريا، قد يخسرونها بسبب تصريحات نصرالله الفجّة.

أميركا تتمسك بإيران في سوريا

حسين عبدالحسين

بعدما سعت الإدارتان الأميركيتان المتعاقبتان للرئيسين جورج بوش، وباراك أوباما، لتطبيق سياسة "الانخراط مع الأسد" بين الأعوام 2007 و2011، وهي سياسة كانت مبنية على "فصل" الرئيس السوري بشار الأسد عن حليفته إيران، تسعى أميركا اليوم الى "الانخراط مع إيران" والتقريب بينها وبين الأسد، وفصل الأخير عن روسيا.

أساس التفكير الأميركي الحالي مبني على رؤية أوباما لإيران كقوة تتحلى بمنطق ويبرع حكامها "بحسابات الربح والخسارة"، حسب تعبير الرئيس الأميركي. كما يعتقد أوباما ان للإيرانيين حضارة تمتد آلاف السنوات، وان اعادة إيران كحليف أميركا الرئيسي في الشرق الأوسط، كما قبل العام 1979، هو مصلحة أميركية بحتة.


وتظهر سلسلة مواقف أوباما، منذ دخوله البيت الأبيض مطلع العام 2009، انه لم يألو جهدا للتقرب من إيران وحكامها، ففي "الثورة الخضراء"، وقفت أميركا متفرجة ولم تدِن قمع النظام الإيراني الدموي للمنتفضين.

وفي الأعوام 2010 و2011، فتح أوباما باب العراق على مصراعيه امام النفوذ الإيراني الذي أخلّ بالموازين الطائفية الدقيقة وأعاد العراق الى حربه الاهلية التي اندلعت بين الأعوام 2006 و2008.

ومنذ العام 2009، رمى أوباما ثقله خلف المفاوضات النووية التي أفضت لاتفاقية مع الإيرانيين. وعلى مرّ السنوات السبع الماضية، دأب الرئيس الأميركي على ارسال الرسائل الخطية الى مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي في محاولة لرأب الصدع بين البلدين. ولم يطق أوباما الانتظار كثيراً بعد الإعلان عن التوصل لاتفاقية نووية مع طهران، فسارع، لا الى التباهي بإنجازه الديبلوماسي فحسب، بل الى تكرار ان من شأن "الإيجابية المتولدة" عن الاتفاقية الى المساهمة في حلول للملفات الشرق أوسطية الأخرى، وفي طليعتها سوريا.

ومقابل كل تصريح إيجابي لأوباما تجاه طهران، كان خامنئي يطّل بتصريحات معادية لواشنطن، على وقع هتافات "الموت لأمريكا". وبينما كان خامنئي يؤكد استحالة قيام أي حوار إيراني – أميركي بعد انتهاء المفاوضات النووية، كان زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله، يتوعد الاميركيين ويشتمهم.

لكن كما اثناء المفاوضات النووية التي كانت تسير في منحى إيجابي فيما خامنئي يعلن تعثرها، وكانت إيران تتراجع عن التخصيب، فيما خامنئي يتوعد بتخصيب المزيد من اليورانيوم، كذلك في الديبلوماسية الأميركية – الإيرانية اليوم، إذ فيما يصرّ مرشد الثورة أن لا حوار مع أميركا غير الاتفاقية النووية، مازالت القناة الأميركية – الإيرانية مفتوحة، منذ صيف 2013، لمواكبة السعي الأميركي الحثيث لإشراك طهران في مؤتمرات الحلول المقترحة حول سوريا.

هكذا، بينما يسعى وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الى عقد لقاء رباعي روسي – أميركي – سعودي – تركي في فيينا لإقناع أنقرة والرياض بدخول المنظومة الإقليمية التي تبنيها موسكو وتزعم أن هدفها القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية"، كمقدمة للتوصل لتسوية في سوريا، أصر وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري على توسيع لقاء فيينا ليضم إيران.

والإصرار الأميركي على مشاركة إيران في الحل السوري ليست مستجدة، بل هي تعود الى مؤتمر "جنيف 2" الذي انعقد مطلع العام 2014. وقتذاك، سعت أميركا من خلال الأمم المتحدة الى اشراك إيران في المؤتمر، لكن جهود المعارضة السورية وحلفائها الإقليميين نسفوا المشاركة الإيرانية بسبب تورط طهران في الحرب السورية. هذه المرة، تقول واشنطن ان "الكل متورط" في الحرب السورية، وان الكل يجب ان يشترك في عملية الحوار للتوصل الى حل.

والرؤية الأميركية لإنهاء الحرب في سوريا تشبه تصورها لإنهاء الحرب في لبنان مطلع التسعينات. فأميركا سلّمت لبنان للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على اعتقاد ان الأخير كان انخرط في منظومة "الشرق أوسط الجديد" المبني على مؤتمرات السلام العربية – الإسرائيلية والاتفاقيات التي تمخضت عنها. وقتذاك الأسد ابتلع لبنان وبقي خارج المنظومة الأميركية، وأغلب الظن ان إيران ستفعل الشيء نفسه، فتبتلع سوريا وتستمر في اثارة المتاعب إقليمياً.

على ان دخول روسيا الحرب السورية، منذ أكثر من شهر، عزز رؤية أوباما لكيفية انهاء الحرب السورية، اذ أصبح لتسليم سوريا للإيرانيين بعدٌ استراتيجيٌ يتمثل بإلحاق الهزيمة بروسيا، التي تحاول إعادة تثبيت نفسها كمنافسة عالمية للقوة الأميركية، ما يجعل إدارة أوباما تعتقد انه بتسليم سوريا لإيران، تنجح أميركا في خطب ود طهران وإنهاء العداء الأميركي – الإيراني، من ناحية، وفي إخراج روسيا من سوريا، من ناحية ثانية.

إذاً، تمسك أميركا بدور إيراني في انهاء الحرب السورية هو، حسب رأي أوباما وادارته، إصابة عصفورين بحجر: تعزيز الصداقة مع طهران والتغلب على موسكو. أما النتائج المتوقعة لأي حوار موسع حول سوريا في فيينا، يوم الجمعة المقبل، قد تشارك فيه إيران، فالأغلب ستأتي مثل كل نتائج سياسة أوباما الخارجية عموما: فشل يتلو فشلاً ويسبق فشلاً آخر.

الأحد، 25 أكتوبر 2015

لا موعد محدداً لرفع الفائدة الأميركية

واشنطن - حسين عبدالحسين

بعد تسع سنوات على إبقاء الاحتياط الفيديرالي الأميركي الفائدة منخفضة بين صفر وربع نقطة مئوية، لا يزال يواجه صعوبة في محاولته رفع الفائدة من دون التسبب بإبطاء النمو الاقتصادي أو إعاقته، وذلك على رغم امتصاصه مبلغ 4.5 تريليون دولار من الديون المحلية والحكومية الأميركية بضخ ما يعادلها من السيولة النقدية، وبعد تحسن النمو الاقتصادي وتراجع معدل البطالة بنسبة 50 في المئة من 10.2 في المئة في النصف الأول من عام 2009 إلى 5.1 في المئة في النصف الثاني من العام الحالي.

نظرياً، تتمتع الولايات المتحدة بأداء اقتصادي جيد مستمر على مدى العامين الماضيين، إذ نما أكبر اقتصاد في العالم والبالغ حجمه أكثر من 18 تريليون دولار أي 24 في المئة من الاقتصاد العالمي وقيمته 73.5 تريليون، بنسبة 2.5 في المئة، وهي مقبولة ولو أنها لا ترقى لتكون قوية بما فيه الكفاية.

ويأتي الأداء الأميركي الجيد وسط تعثر معظم الاقتصادات العالمية بدءاً من الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، التي سجل اقتصادها نمواً يزيد على 6 في المئة، إلا أن نستبه ضئيلة مقارنة بالنمو الصيني البالغ عشرة في المئة على مدى العقد الماضي. وما يثير مزيداً من الشكوك حول مستقبل الاقتصاد الصيني، هو استمرار بكين في تسجيل نتائج سلبية في تقاريرها المتتالية حول التجارة الخارجية والتصدير والاستيراد، واستهلاك الطاقة والمواد الأولية.

ورافق تقهقر الصين تعثّر أسواقها المالية، وإجراءها خفضاً لقيمة عملتها المحلية لتحسين الصادرات، فضلاً عن تدابير حافزة أخرى، كوّنت إجماعاً لدى الاقتصاديين، على أن «هبوط الاقتصاد الصيني حتمي، والسؤال الوحيد هو إذا كان التراجع الصيني سيأتي على شكل انخفاض مفاجئ أم تدريجي.

ومـــع تراجــــع الصين، هبطت اقتصادات الدول المعروفة بـ «النمر الآسيوي»، وفي طليعتها كوريا الجنوبية التي يصل مسؤوليها إلى واشنطن هذا الأسبوع، للبحث في تفعيل اتفاق التجارة الحرة بين البلدين، في ضوء تراجع التجارة الكورية مع الصين المتهاوية وحاجة كوريا إلى أسواق وتبادل تجاري مع اقتصادات بديلة.

وكما الصين تمرّ أوروبا في فترة انعدام توازن اقتصادية، اذ تشهد معظم الاقتصادات الكبرى فيها خصوصاً الألماني والفرنسي، نمواً ضئيلاً وتدنياً في التجارة والنشاط الاقتصادي عموماً. ويعني تراجع الاقتصادات العالمية أن نسبة النمو العالمية، التي قدرها صندوق النقد والبنك الدوليين بنحو 2.5 في المئة لهذه السنة، ستعتمد في الغالب على النمو الأميركي الذي يبدو بدوره متأثّراً إلى حد ما بتباطؤ الاقتصادات العالمية، وارتفاع سعر الدولار مقارنة بالعملات الدولية.

لكن الأسباب التي لا تزال تدفع النمو الأميركي، وفق مؤسسة «كيبلنغر»، هي الإنفـــاق الاستهلاكي القوي مدفوعاً بزيادات في المداخيل وانخفاض في فاتورة الطاقة بسبب تدني سعر النفط والغاز عالمياً. كذلك، يدفع النمو الأميركي المتوقع بلوغه 2.5 في المئة هذه السنة، زيادة في قطاع البنـــاء بما في ذلك تشييد المنازل. إذ تعيش سوق المنازل الأميركية وفق المؤسسة ذاتها، «سنة جيدة مدعومة بسوق عمل أقوى وارتفاع في المداخيل وتأخر في العرض عن الطلب، وزيادة في تشكيل العائلات».

وربما تدفع المؤشرات الأولية الاحتياط الفيديرالي إلى رفع الفائدة ولو في شكل طفيف، للجم أي تضخم متوقع. لكن الأمر ليس بهذه السهولة من وجهة نظر قادة البنك المركزي الأميركي، الذين يعتقدون بأن رفع الفائدة ضروري لأن البلاد قد تتعرض لركود في أية لحظة، بعد مرور أكثر من سبع سنوات على الركود الأخير، خصوصاً أن ارتفاع سعر الدولار وانفراد أميركا بالنمو بين الكبار، دفع برؤوس الأموال إلى التوافد إلى الولايات المتحدة، على غرار الدورات الاقتصادية الماضية، حيث كان الاهتزاز العالمي يترافق مع انتعاش أميركي ثم انتكاسة أميركية.

وفي حال أصاب الركود أميركا، يحتاج الاحتياط إلى مجموعة «أدوات» يتمكن من خلالها مكافحة الركود، منها خفض الفائدة مجدداً. ولاستعادة سلاح «خفض الفائدة» إلى جانب سلاح «التيسير الكمي» يحتاج الاحتياط الفيديرالي إلى رفعها، وهو يتطلب أداء اقتصادياً أميركياً قوياً. لكن الاقتصاد الأميركي، على رغم انفراده في النمو بين اقتصادات العالم الكبيرة، فهو ينمو بخجل ما يضطر الاحتياط الفيديرالي إلى الإبقاء على الفائدة متدنية حتى لا يعرقل النمو الأميركي البطيء أصلاً.

وكبديل عن رفع الفائدة الذي من شأنه إحداث انتكاسة في الأسواق المالية وربما في الاقتصاد الأميركي ككل، دأب قادة المصرف المركزي على التلويح بنية رفعها بهدف إعداد الأسواق، التي لا تبدو مستعدة أبداً. وربما ترك تضارب التصريحات المستثمرين في حيرة تتلاعب بالأسواق سلباً، ودفعت المستثمرين إلى الاحجام عن الاستثمار تريثاً في انتظار القرار النهائي حول الفائدة. التصريحات المتضاربة حول الفائدة دفعت بعض الخبراء الى القول، إن على الاحتياط الفيديرالي إما رفع الفائدة أو وقف الثرثرة العلنية حولها، والتي باتت تبقي الاقتصاد والأسواق في حال تأهب وتوتر.

ومهما حصل، لا يبدو أن قادة الفيديرالي يعلمون أكثر من غيرهم موعد رفع الفائدة على السندات الأميركية. وتبدو تصريحاتهم ارتجالية ومتضاربة، وهم حتى موعد اطلالتهم المقبلة في كانون الأول (ديسمبر)، ربما سيستمرون في الثرثرة العلنية، لكن الفائدة ستبقى في الغالب منخفضة على حالها حتى إشعار آخر.

السبت، 24 أكتوبر 2015

واشنطن: ليونة الروس في فيينا نتيجة تعثّر حملتهم العسكرية في سورية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

الملاحظات الأولية للمصادر الأميركية حول لقاءات فيينا المخصصة لسورية، والتي جمعت وزراء خارجية أميركا وروسيا والسعودية وتركيا، أشارت الى ان «الروس لم يبدوا حماسة للمشاركة الإيرانية التي اقترحتها الولايات المتحدة في اللقاء الموسّع الجمعة المقبل».

وأضافت المصادر ان الوفد الأميركي سمع من الروس قولهم انهم «يتحدثون باسم تحالف يضم حكومات إيران والعراق وسورية ويخوض معركة ضد الارهاب»، وانهم طلبوا من أميركا مساعدتهم على اإقناع السعودية وتركيا بالدخول في هذا التحالف المصمم للقضاء على تنظيم (الدولة الإسلامية - داعش)، وان من شأن دخول تركيا والسعودية في هذا التحالف إدخال الفصائل الموالية لهاتين الدولتين الى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب ضد الإرهاب.

وقالت المصادر الأميركية ان«السعوديين رحّبوا بالعرض الروسي للقضاء على (داعش)»، معتبرين ان«أول خطوة للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي تتمثّل بإخراج الأسد من الحكم، لأنه كلما طال بقاء الأسد والعنف، اندفع متطوعون للانضمام إلى (داعش)».

وتابع الاميركيون ان«وجهة النظر السعودية مفادها ان عنف الأسد سابق على قيام (داعش)، وان أية محاولة جدّية للقضاء على الإرهاب تشترط القضاء على أسبابه، أي الإطاحة بالأسد».

وتضيف المصادر الأميركية ان«واشنطن تتفق مع الرياض على ان الأسد سبب من المشكلة وأن خروجه جزء من الحل».

واقترح الاتراك وأيدهم الاميركيون، حسب المصادر،«الاتفاق على جدول زمني يحدد مواعيد وقف النار، وتشكيل الحكومة الانتقالية، وإجراء الانتخابات الرئاسية السورية، وتسليم الأسد السلطة وخروجه من الحكم. إلا ان الروس رفضوا تضمين بند خروج الأسد من الحكم في الحل المقترح، واعتبروا انه يعود للهيئة الانتقالية السورية تحديد موقفها من الأسد وكيفية إجراء الانتخابات الرئاسية».

وتتابع المصادر الأميركية انه،«للمرة الأولى، بدى الروس أكثر ليونة من الماضي في الموضوع السوري لناحية قولهم إن الأسد مستعد لقبول التسوية مع المعارضة واجراء انتخابات رئاسية مبكرة». على ان الروس رفضوا شرط عدم ترشيح الأسد نفسه في هذه الانتخابات، معتبرين ان هذا الأمر يقرره السوريون، وانه لا يحق لأي أطراف خارجية أو داخلية وضع فيتوات على أي مرشحين.

وفي الختام، نقلت المصادر الأميركية عن الوفد المشارك في لقاءات فيينا شعوراً بأن«الروس تخلوا عن استخدام لغة الحسم العسكري التي تبنّوها الشهر الماضي، وذلك دليل على تعثّر الحملة العسكرية الروسية وعدم تحقيقها أهدافاً سريعة».

ويعتقد مسؤولون أميركيون انه يبدو ان ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى التدخّل عسكرياً في سورية هو التوصّل إلى اتفاقية نووية مع إيران، وإصرار أميركا على ان طهران هي مفتاح الحل في سورية. ولم تكد تمر أيام على اعلان الاتفاقية مع إيران حتى اتصل بوتين بالرئيس باراك أوباما وبادر الى فتح الموضوع السوري، لكن أوباما رد بأن الحل يتطلب إشراك كل الأطراف بما فيها إيران.

وبعد دخول روسيا الحرب السورية، حاول بوتين مرة أخرى إجبار أوباما على الحديث الى موسكو بصفتها مفتاح الحل في سورية، ولم يعر أوباما الرئيس الروسي الاهتمام الذي أراده الأخير. لكن بعد مرور أربعة أسابيع، تعتقد المصادر الأميركية ان«الأهداف الممكنة للمقاتلات الروسية في مناطق المعارضة السورية نفدت، وصارت القوة الجوية الروسية منخرطة في معارك كر وفر بين المعارضة والنظام من دون هدف واضح».

ويعتقد الاميركيون ان الروس يرغبون في مخرج سياسي لورطتهم العسكرية. اما أوباما، فهو يريد«اتفاقاً جامعاً»حول سورية، بمشاركة إيرانية، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية جون كيري علناً في فيينا. وفور اعلان كيري، سارعت القنوات الأميركية والأوروبية المفتوحة مع إيران الى الإعداد للمشاركة الإيرانية.

ويقول المسؤولون الاميركيون انهم يتوقّعون موافقة إيران على المشاركة، على الرغم من إصرار مرشد الثورة علي خامنئي على ان الحوار مع أميركا هو حول الشؤون النووية حصراً. ويتابع المسؤولون في واشنطن انه منذ جولة مفاوضات بغداد النووية صيف 2013، اقترح المفاوضون الإيرانيون الخوض في الملف السوري، وسط معارضة وفود مجموعة دول«5+1».

ويبدو ان الرئيس الأميركي مازال يعتقد، حتى بعد التدخل الروسي وزيارة الأسد موسكو الأسبوع الماضي، ان لطهران اليد العليا على الأرض عسكرياً في سورية، وان ما توافق عليه طهران ستجد موسكو صعوبة في رفضه، ولكن العكس ليس صحيحاً.

إذاً، فيما يسعى بوتين لحفظ ماء الوجه بمخرج سياسي لائق لحملته العسكرية، يعتقد أوباما ان طهران هي مفتاح الحل، وهو اعتقاد دفعه لدعوة إيران الى مؤتمر«جنيف - 2»، لكن المعارضة السورية نسفت الحضور الإيراني لتورّط إيران عسكرياً الى جانب الأسد.«اليوم، إذا رفض المعارضون مشاركة إيران لتورّطها عسكرياً في سورية، فسيكون عليهم رفض مشاركة روسيا كذلك»، حسب مسؤول أميركي. ويختم الأخير بالقول:«نتوقّع ديبلوماسية ناشطة الأسبوع المقبل».

الجمعة، 23 أكتوبر 2015

حملة هيلاري كلينتون الرئاسية... تنتعش

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

بعد إعلان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن نيّته العزوف عن الترشح للرئاسة، وعقب أدائها اللافت في ندوة المرشحين الديموقراطيين، ومع انقلاب مقتل سفير أميركا في العام 2012 في بنغازي من مشكلة عدم كفاءة كلينتون الى مشكلة فساد سياسي عند الجمهوريين، وجدت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون نفسها في موقع جيد نسبياً، قبل مئة يوم من بدء الانتخابات التمهيدية لدى الحزبين، ليحدد كل منهما مرشحه للرئاسة في الانتخابات العامة المقررة في نوفمبر 2016.

وكانت استطلاعات الرأي تشير بداية هذا العام الى تقدم كلينتون بفارق شاسع عن أقرب منافسيها، الديموقراطيين كما الجمهوريين. لكن مع مرور الأسابيع، وإعلان السيناتور عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز ترشحه، وبعد تفاعل مشكلة إيميلات كلينتون اثناء عملها وزيرة خارجية بسبب استخدامها ايميلاً خاصاً بدلاً من ايميل الوزارة، بدت كلينتون مرشحة رئاسية مهزوزة، وراحت شعبيتها تتراجع، حسب استطلاعات الرأي، التي راحت تشير الى تصدر ساندرز في ولايتي نيوهامبشير وايلينوي، مع نجاحه في تقليص الفارق في آيوا.

ويفتتح الحزب الديموقراطي انتخاباته التمهيدية في آيوا في الأول من فبراير، تليها نيوهامبشير في التاسع منه. ومن نافل القول ان حملتي كلينتون وساندرز تخوضان مواجهة عنيفة في هاتين الولايتين اذ يرغب كل منهما في اقتناصهما لافتتاح حملة الترشيح بانتصار من شأنه أن يؤدي الى توليد طاقة إيجابية تساهم في دفع الترشيح قدماً.

وبعد تراجع كلينتون امام ساندرز، قدم الجمهوريون أول هدية للوزيرة السابقة عندما عقد عضو القيادة الجمهورية في الكونغرس كيفين ماكارثي مؤتمراً صحافياً أراد خلاله اعلان ترشيحه لرئاسة الكونغرس وخلافة جون باينر. في مؤتمره الصحافي، قال ماكارثي انه قاد حملة استجوابات في الكونغرس خصيصاً لتحطيم صورة كلينتون، ما ولّد إجماعاً في الولايات المتحدة ان ماكارثي ارتكب خطأ فظيعاً ما لبث ان اجبره على العزوف عن الترشح، اذ ان انشاء لجان للتحقيق في حادثة بنغازي وعقد جلسات استماع كلّف الخزينة ملايين الدولارات، وهي تكلفة هدفها تحديد المسؤوليات ومعالجة الثغرات للمستقبل، لا استخدام المال للمناكفات الحزبية والسياسية.

وبعدما بدا جلياً ان الجمهوريين يستخدمون بنغازي لتحطيم كلينتون، انقلبت القضية من مشكلة لها الى مشكلة للجمهوريين، الذين انكفأوا عن الهجوم السياسي المباشر ضد كلينتون اثناء جلسة الاستماع التي عقدها الكونغرس وخصّصها لحادثة بنغازي، أول من أمس، بمشاركة الوزيرة السابقة.

واعتبر بعض المراقبين ان الجمهوريين اسدوا كلينتون خدمة اذ انهم دفعوها الى الأضواء في جلسة الاستماع مع خشية الانقضاض عليها كلياً خوفاً من ان ينظر إليهم الاميركيون كساعين لتصفية حسابات بدلاً من الحرص على المشاعر الوطنية التي تأججها حوادث مثل بنغازي، والتي شهدت مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز.

حتى اثارة قضية فشل إدارة أوباما في منع مقتل ستيفنز انقلبت من ورقة بأيدي الجمهوريين الى ورقة بأيدي خصومهم الديموقراطيين، بعد نجاح إدارة الرئيس باراك أوباما في إلقاء القبض على المتهم الرئيس في الهجوم، الليبي احمد ابوختالة، اثناء عملية نفذتها القوات الأميركية الخاصة في ليبيا في يونيو 2014، وقادته معتقلاً الى الولايات المتحدة حيث تتم محاكمته حالياً.

ومع تراجع قضية بنغازي وخروج قضية ايميلات كلينتون من الاعلام، بعد ان كشفت عن الآلاف من مراسلاتها العامة والخاصة، وبعد تفوقها في الأداء على ساندرز في الندوة الرئاسية التي استضافتها شبكة «سي إن إن»، عادت كلينتون الى تصدر استطلاعات الرأي، وهي صدارة إن حافظت عليها قد تمكّنها من اقتناص ترشيح حزبها.

ويبدو ان فرص كلينتون دخول البيت الأبيض في يناير 2017 مرتفعة، خصوصاً مع الضعضعة التي يشهدها الحزب الجمهوري، والتي تشبه الانقسام بسبب تمرد الجناح اليميني المتطرف على القيادة، واخراجه باينر من رئاسة الكونغرس، ومع ضعف منافسي كلينتون في العموم، وقد لخّص أحد المعلقين عودة كلينتون الى الصدارة بالقول ان «هيلاري كلينتون على الطريق الصحيح».

الخميس، 22 أكتوبر 2015

موسكو علّقت عِداء إسرائيل مع طهران وطمأنتها على حدودها الشمالية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بلغ التوتر في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ذروته، خصوصاً إثر تصريحات أميركية اعتبرت ان الإسرائيليين يمارسون عنفاً مفرطاً بحق الفلسطينيين اثناء المواجهات الأخيرة بين الطرفين. وللمفارقة، يأتي توتر العلاقة الأميركية - الإسرائيلية في وقت تشهد علاقة روسيا بإسرائيل تحسّناً ملحوظاً، دفَع أحد المراقبين الاميركيين الى القول إن رئيس روسيا فلاديمير بوتين أجلس نظيره السوري بشار الأسد في الكرسي نفسه الذي كان أجلس فيه رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو قبل أسابيع، في وقت انسحبت واشنطن من أي دور ممكن لها في الحرب السورية، ويكاد ينعدم الاتصال بين الرئيس باراك أوباما ونتنياهو.

وتعتقد بعض المصادر الحكومية الأميركية أن «إسرائيل قد لا تكون منزعجة تماماً من دخولها في تحالف شرق أوسطي تقوده روسيا وفي عضويته الأسد وإيران و(حزب الله)». وتضيف المصادر ان تحالفاً من هذا النوع «يعلّق العداء بين إيران وإسرائيل، ويدفع الإسرائيليين إلى الاطمئنان على أمن حدودهم الشمالية».

وفي نفس الوقت، يتوافق دخول إسرائيل في التحالف الذي تقوده روسيا مع الرؤية الإسرائيلية بضرورة جعْل القضاء على المتطرفين الإسلاميين، وخصوصاً تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، أولوية، بدلاً من محاولة الإطاحة بالأسد وخلق فراغ قد يستغلّه الإرهابيون.

ولطالما عبّر مسؤولون إسرائيليون وأصدقاء إسرائيل في العاصمة الأميركية، في جلسات خاصة، عن سخطهم من الحرب التي تقودها أميركا ضد «داعش»، معتبرين ان شعار أوباما «إضعاف (داعش) حتى تدميره» هو انعكاس لخطة ضعيفة ومترددة. وكان آخر منتقدي أوباما من اليمين الأميركي، وزير الخارجية السابق وصاحب النفوذ الكبير في صنع السياسة الخارجية الأميركية هنري كيسينجر، البالغ من العمر 92 عاماً، حيث كتب في مقالة في صحيفة «وول ستريت جورنال» أنه «كلما طالت الحرب الأميركية ضد (داعش) من دون ان تنجح أميركا في حسمها، أعطى ذلك التنظيم المتطرف الفرصة لتصوير تصدّيه للأميركيين على أنه نجاح، وهو ما يُعلي من شأن التنظيم أمام المتطوعين المستقبليين ومانحيه الماليين».

ومع توافق الأولويات بين روسيا وإسرائيل في الشرق الأوسط، وتقديم بوتين ضمانات بوقف إيران شحنات الأسلحة التي كانت تعمل على ايصالها إلى «حزب الله» على مدى السنوات الماضية، ما دفع الإسرائيليين الى الإغارة مراراً على الاراضي السورية للتخلّص من هذه الشحنات، ومع وعد بوتين بعدم تحليق مقاتلاته جنوب محافظة حمص، حصل الإسرائيليون على مجموعة من التنازلات الكبيرة من المحور الذي كانت تقوده إيران، واليوم تديره موسكو، حسب بعض المسؤولين الاميركيين.

على أن المقرَّبين من الرئيس الأميركي ينقلون عنه اعتقاده ان «منطقة الشرق الأوسط بمثابة بؤرة مشاكل، وأنه لا إمكانية لأي دولة، عظمى ام غير عظمى، لفرض حلول، لا بالسياسة ولا بالعسكر». ويعتقد أوباما كذلك، حسب مقرَّبين، ان «الغوص في مشاكل الشرق الأوسط يؤدي لامتصاص مقدرات أي دولة راغبة في ذلك». ويعتقد أوباما فعلياً ان «إيران وروسيا ستغرقان في مستنقعات عسكرية مكلفة مالياً وبشرياً وسياسياً».

ويبدو ان رؤية أوباما الشرق أوسطية هي في صلب اختلافه مع إسرائيل واصدقائها في واشنطن، خصوصاً من الحزب الجمهوري، الذي دأب أعضاؤه على تصوير انكفاء أوباما عن الشرق الأوسط بمثابة التخلّي عن طفلة أميركا المدلّلة، أي إسرائيل، التي يمكن لها - في هذه الحالة - البحث عن حلفاء للدفاع عن نفسها في أي مكان في العالم، حتى لو كان الحليف هو بوتين غريم واشنطن اللدود.

وحتى تنجلي أمور عديدة، مثل مصير الحملة العسكرية الروسية في سورية، ستسيطر البرودة على العلاقة الأميركية - الإسرائيلية، رغم ان الطرفين أعلنا استئناف اللقاءات لتجديد رزمة المساعدات العسكرية والمالية السنوية التي تقدمها أميركا لإسرائيل، والتي تنتهي مفاعيلها في العام 2017. ويبدو ان الطرفين توصّلا لاتفاق يقضي بأن تمدّ أميركا إسرائيل بثلاثة مليارات دولار سنوية للعشر السنوات التي تلي العام 2017.

ورغم ان التوصّل لاتفاقية حول المعونة الأميركية للإسرائيليين يبدو بادرة حسن نية، إلا ان المطلعين على مجرى المفاوضات يقولون ان رقم 3 مليارات سنوياً هو بمثابة عقاب من إدارة أوباما على تمرّد نتنياهو وعنجهيّته، اذ سبق ان توصّل الطرفان إلى الاتفاق على رقم معونة سنوية بلغ 3.7 مليار دولار، إلا أن إسرائيل علّقت المفاوضات بين الطرفين احتجاجاً على الاتفاقية النووية مع إيران. وبعد استئناف المفاوضات، تمسّك الاميركيون بالتخفيض الذي يبدو انه عقاب لحكومة إسرائيل ورئيسها نتنياهو على تصرفاته، التي تبدو غالباً عدائية تجاه أوباما وادارته.

خطة كسينجر:تقسيم سوريا

حسين عبدالحسين

قد يبدو عنوان هذه المقالة من بقايا ما يسميه البعض "الخطاب الخشبي" عند العرب. وقد يبدو عنوان هذه المقالة من زمن الحرب الباردة أيضا. لكن الواقع هو ان كاتب المقالة، المنشورة في صحيفة "وال ستريت جورنال" يوم الأحد، هو وزير الخارجية السابق هنري كيسينجر نفسه، والذي على الرغم من تقدمه في السن وبلوغه الثانية والتسعين، مازال يتمتع بنفوذ كبير لدى صانعي السياسة الخارجية الأميركية من الحزبين الديموقراطي والجمهوري.

يقول كيسينجر ان "القضاء على (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) داعش هو أمر أكثر الحاحا من الإطاحة بـ (الرئيس السوري) بشار الأسد، الذي خسر حتى الآن السيطرة على أكثر من نصف المساحة التي كان يسيطر عليها". ويتابع الوزير السابق ان التأكد من ان المساحات التي خسرها الأسد لن تتحول الى بؤر إرهابية هو موضوع يجب ان يتمتع بأولوية أميركية على موضوع اسقاط الأسد. 

ولا شك انه صار معروفا ان واقعية كيسينجر، اليهودي الألماني الأصل الذي فر وعائلته من أوروبا هربا من محارق النازيين، تتضارب مع آرائه حول دخول أميركا الحرب العالمية والتي انخرط فيها كيسنجر كجندي ثم كضابط استخبارات عسكرية لقتال النازية ووقف مجازرها. وصار معروفا أيضا ان اليمين الجمهوري الاميركي، الذي ينتمي اليه كيسينجر، هو من أول المدافعين عن بقاء الأسد كجزء من "تحالف الأقليات"، الذي يشترك فيه مسيحيو لبنان مع يهود إسرائيل وعلويي سوريا وشيعة إيران والعراق، على الأقل حسبما يتصوره اليمين الأميركي، المدافع الأكبر عن إسرائيل والأسد في الوقت نفسه.

لكن المفاجأة تكمن في انه بعد عقود على نهاية الحرب الباردة، مازال كيسينجر يكتب ان الحل الأفضل في سوريا هو تقسيمها. ومما كتبه كيسينجر انه "مع تفكيك منطقة الإرهابيين ووضعها تحت سيطرة سياسية غير راديكالية، يمكن التعامل مع مستقبل سوريا في الوقت نفسه". واقترح كيسينجر "بناء فيدرالية بين الأجزاء العلوية والسنية". ويتابع كيسينجر ان "الفيدرالية تسمح بالإبقاء على دور لبشار الأسد في الحكم، وهو ما من شأنه ان يقلص من مخاطر الإبادة او الفوضى التي تؤدي لانتصار الإرهابيين".

طبعا، لا يفطن كيسينجر للتناقض الواضح في مقالته، فهو في الجزء الأول منها يتحدث بواقعية مميتة تعتبر بأن بقاء الأسد، ولو على جثث مئات الاف السوريين، هو في مصلحة أميركا حتى لا تتحول الأراضي التي يخسرها نظامه مرتعا للإرهابيين. في الجزء الثاني من المقالة، يخسر كيسينجر واقعيته ويستعيد حسّه الإنساني المفترض الذي يدفعه الى الاشفاق على العلويين والخوف من مغبة وقوع مجازر إبادة بحقهم.

لطالما تحدث أصحاب "نظريات المؤامرة" العرب عن مشروع امبريالي غربي أميركي يهدف الى تقسيم المنطقة العربية بهدف اضعافها. طبعا المنطقة العربية ضعيفة أصلا ولا تحتاج للمزيد من الإضعاف، لكن قد يكون خلف التخوف العربي من التقسيم انحياز الغرب غير العادل الى مجموعات دينية تتماهى معه ضد مجموعات دينية يصنفها الغرب كإرهابية وعدوة.

هكذا، عندما تعني وحدة أي دولة عربية سيطرة للغرب او للمجموعات الدينية المشابهة له، يكثر الغرب من الحديث عن تمسكه بوحدة أراضي هذه الدولة او تلك. اما عندما تصبح سيطرة "الأقليات" متعذرة، يبدأ حديث كيسينجر وصحبه عن تقسيم سوريا، وهي فكرة تلي عقوداً من الحديث عن تقسيم لبنان، تلاها حديث عن فدرلة العراق. الفيدرالية بذاتها ليست سيئة بالضرورة، ولكن السيء هو ان يختار الغربيون الفيدرالية عندما يناسبهم ذلك، ويتخلون عنها عندما يناسبهم الامر ايضا، وكأن حق الشعوب في تقرير مصيرها وأنظمة حكمها هو تفصيل لا يلوّح به الغربيون من أمثال كيسينجر الا عندما يرون فيه مصلحة لهم ولتحالف أقليات الشرق الأوسط الذي يستهويهم، والذي يبدو انه صار يستهوي غيرهم من زعماء العالم ويدفعهم الى مغامرات عسكرية على أمل تزعّم التحالف الأقلوي المزعوم. 

الصراخ كـ"دليل تاريخي" على موقع الهيكل

حسين عبدالحسين

لأن السبب الظاهر لاندلاع المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي خشية فلسطينية من اقدام الإسرائيليين على فرض سيطرتهم على المسجد الأقصى في القدس، ثم السماح لليهود بزيارة حرم المسجد وربما الصلاة داخله، وفي وقت لاحق تكريس مساحات مخصصة لليهود لا يدخلها المسلمون قد تؤدي في ما بعد الى سيطرة إسرائيلية كاملة على الموقع الذي يقع حاليا تحت سلطة الأوقاف الدينية الأردنية، يسود اعتقاد في الغرب مفاده أن السلسلة الأخيرة من المواجهات سببها الأقصى.

لذا، انبرت صحف عالمية، مثل "نيويورك تايمز"، لتحري الأمر، ونشرت مقالة اعتبرت فيها أن لا دلائل تاريخية تثبت أن موقع الأقصى هو المكان الذي قام فيه هيكل سليمان يوماً. ولم يكد حبر المقالة يجف حتى انبرى لها اليهود الاميركيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية التابعة لهم في محاولة لتفنيدها. واتهموا كاتبها بالجهل.

ولم تكد تمرّ أيام، حتى قدمت الكتلة العربية داخل المجلس التنفيذي للاونيسكو، التابع للأمم المتحدة، نصاً طالبت فيه بضم "الحائط الغربي"، المعروف أيضا بـ"حائط المبكى" اليهودي، الى مجمع المسجد الأقصى. هذه المرة، كفّرت "نيويورك تايمز" عن ذنوبها امام اليهود، فنشرت الخبر عن الطلب العربي من دون الوقوف على أي رأي عربي، بل اكتفت بالحديث الى مسؤولي منظمات يهودية أميركية ممن أبدوا سخطهم ضد القرار، الذي تعثر أصلا.

على أن مراجعة بسيطة تظهر أن اليهود، الذين يكررون الحديث عن تمسكهم بـ"الحقائق التاريخية" للموقع، يحاولون فعلياً تثبيت وجهة نظرهم عن طريق الصراخ.

وقبل أن نخوض في ردود اليهود حول تاريخ موقع الأقصى، لا بد من تكرار القول بأن إقحام السياسة في التاريخ يؤذي الإثنين، فالسيادة على أي رقعة من الأرض لا ترتبط بتاريخها بل بمشيئة غالبية السكان فيها. ولو كان التاريخ هو الفيصل، لكان يمكن للإيطاليين، مثلاً، مطالبة تركيا باستعادة إسطنبول القسطنطينية، عاصمة المسيحية التي انبثقت عن روما في القرن الرابع، قبل 11 قرناً من وصول الأتراك وفرضهم سيادتهم على المدينة.

مجلة "تابلت" اليهودية الأميركية تصدت لمقالة "نيويورك تايمز" بمقالتين. الأولى، نقلت فيها عن عالمة الآثار جاين كاهيل التي شاركت في أعمال تنقيب في القدس. ومما قالته كاهيل انه بعد "150 عاماً من التنقيب عن الآثار في القدس، لا يعني غياب الدليل (على وجود هيكل سليمان) شيئا". وكاهيل تضم صوتها الى الأصوات القائلة انه على الرغم من غياب الدليل الحسي، يمكن للنص وحده، الديني اليهودي والمخطوطات المعاصرة، أن تشكل دليلاً قاطعاً على مكان تواجد الهيكل.

ومن نافل القول إن تفضيل النص على الآثار يتنافى مع أبسط مبادئ كتابة التاريخ، وفي حالة كاهيل، لا يسع المرء الا التساؤل: لو كانت كاهيل لا تؤمن بأهمية الآثار لكتابة التاريخ، فلماذا أمضت حياتها تنقب في القدس؟ اما الإجابة الأرجح فهي أن كاهيل نقبت على أمل العثور على دليل حسي للهيكل ولم تجده، اذ ذاك قللت من أهمية الآثار وتمسكت بالنص الديني وحده.

على أن النصوص، الدينية او المعاصرة، ليست أفضل حالاً من غياب الآثار، فاليهود يتمسكون بنص للمؤرخ فلافيوس جوزيفوس، الذي عاش في القرن الأول، وفيه يشير الى ان الملك هيرود وسّع الهيكل بإضافة جدران للفصل بين أماكن عبادة اليهود عن أماكن عبادة غير اليهود. تصريح فلافيوس هذا يشير الى ان الموقع لم يكن يهودياً بحتاً، وأن مجموعات من غير اليهود كانت تتعبد فيه أيضاً. ولكن من هي هذه المجموعات التي كانت تتعبد في القدس، الى جانب اليهود، قبل خمسة قرون على ظهور الإسلام؟

في مقالتها التفنيدية الثانية، أوردت "تابلت" أن كاتب مقالة "نيويورك تايمز"، جاهل، وأنه لو كان صاحب دراية بتاريخ الأديان، "لا تاريخ اليهود بل تاريخ المسلمين"، لعرف أن قبة الصخرة شيّده في موقعه الخليفة الأموي (عبدالملك بن مروان، لكن "تابلت" لا تسميه) في العام 692 ميلادية، لأن الموقع كان مقدساً "ولأنه كان الموقع السابق للمعبد اليهودي". ويستعين مؤلف مقالة "تابلت" بالإسلام لتأكيد تاريخ اليهودية، بالقول ان قدسية موقع الأقصى هي قدسية "الكعبة في مكة، التي أصبحت مقاماً بسبب الاعتقاد... المؤكد في القرآن، أن بانيها هو (النبي) إبراهيم".

التفسير التاريخي الملتوي، الذي قدمته "تابلت" اليهودية، هو بالضبط ما يقوم به الإعلام الحزبي. فلو اعتبرنا ان الخليفة عبدالملك شيد قبة الصخرة في موقع سابقة قدسيته لظهور الإسلام، لوجدنا – هذه المرة بدليل حسي – أن عبدالملك كان يتصدى للمسيحيين ومعتقداتهم، حسبما يبدو جلياً من النقوش الداخلية للأقصى، والتي تحاول نفي ألوهية المسيح وتأكيد نبوته. ولو كان في بال الخليفة الأموي انه يشيد على أنقاض هيكل اليهود، لربما خصهم ببعض الآيات الإسلامية المنقوشة، لكن لا نقوش تشير الى أي وجود يهودي سابق او صراع إسلامي مع اليهود حول الموقع في القرن السابع، بل يبدو ان الصراع الإسلامي حينها كان مع مسيحيين، وهؤلاء على الأرجح هم من قصدهم جوزيفوس في نصه عن غير اليهود من المتعبدين في الهيكل.

لندع جانباً التداعي في الرواية اليهودية لإثبات أن الأقصى، القائم منذ 14 قرنا في موقعه، تم تشييده مكان هيكل سبقه بمئات السنين، وذلك بشهادة نصوص. حتى النص الديني اليهودي لا إجماع حوله، فطائفة السامريين اليهودية تعتقد ان موقع الهيكل هو في جبل جرزيم في الضفة، ولهذه الطائفة نصوصها، التي تؤيدها مخطوطات قمران العائدة الى زمن الميلاد وقبله وبعده، ما يعني ان الخلاف حول موقع هيكل سليمان، بحسب النصوص اليهودية الدينية، هو خلاف داخل اليهودية نفسها، وسابق للإسلام.

إن الاستناد الى النصوص الدينية لاستنباط الاحداث التاريخية ومواقعها الجغرافية هي عملية تقع في حيّز التناكف الديني والسياسي ولا تفيد الأبحاث التاريخية. اما الصراخ اليهودي حول "جهل" كل من لا يوافق على ان هيكل سلمان قام يوماً مكان الأقصى، فهو صراخ سياسي حزبي لا مكان له في الأبحاث الاكاديمية الرصينة.

ختاماً، لا ضير من تصنيف مواقع مثل الأقصى في لائحة الاونيسكو والسماح لغير المسلمين بالزيارة، إن كان بداعي الحشرية التاريخية او المعتقد الديني كاليهودية. لكن مشكلة السماح لليهود بزيارة الأقصى والتعبد داخله هي أن اليهود، حسب المؤرخ فلافيوس قبل ألفيتين، غالباً ما يطالبون بفصلهم عن غير اليهود، وتخصيص مساحات حصرية لهم، ما يعني أن عند اليهود صعوبة في المشاركة في التعبد مع غير اليهود في المواقع الدينية التاريخية، إذ يبدو ان بعضهم يسعى إلى محاكمة التاريخ، وربما الانتقام منه، وهو انتقام ان حصل، قد يعني هدم الأقصى وإعادة بناء الهيكل، وهذه هرطقة تاريخية بأي معيار، وتضع اليهود المطالبين بذلك في مصاف الدواعش المُمعنين في هدم تدمر أو أي معلم تاريخي تقع عليه أيديهم. - See more at: http://www.almodon.com/culture/43ac6a2d-4d94-495b-8496-b09939ca0be5#sthash.4zy7FZNB.dpuf

الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

إيران تحتل سوريا والعراق

حسين عبدالحسين

أحسن فعلا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بوصفه الوجود الإيراني في سوريا احتلالا. تصريح الجبير، اثناء استقباله نظيره الألماني فرانك شتاينماير، لم يكن الأول على لسان مسؤول سعودي، فإيران تحتل سوريا والعراق، ولا وصف لاحتلالها الدول العربية غير كلمة احتلال، على الرغم من انه وصف يثير حنق الإيرانيين دائما ويدفعهم للنفي.

لكن ان لم تكن إيران تحتل سوريا، فما الذي يفعله كبار ضباط حرسها الثوري، مثل حسين همداني، الذي أعلنت طهران الأسبوع الماضي مقتله في حلب. والهمداني لم يكن اول قتيل من القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا، والأغلب انه لن يكون الأخير.

قد تتنطح مرضية أفخمي، الناطقة باسم الخارجية الإيرانية، لنفي احتلال إيران لسوريا، لكن الواضح ان همداني لم يكن يزور حلب بصفة سائح، بل هو كان يشارك قوات الرئيس السوري بشار الأسد خططهم لقتل سوريين وتهجيرهم من منازلهم، وهذا عمل – حسب أي تعريف – اسمه احتلال.

وكما في سوريا، التي تحتلها طهران وضباطها والمجموعات المسلحة اللبنانية والعراقية والأفغانية التابعة لها، كذلك في العراق، حيث يطل بين الحين والآخر قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” قاسم سليماني، فيقف امام الكاميرات لتلتقط له صورا في آمرلي وتكريت وبيجي، ثم يحضر لقاءات كتلة النواب الشيعية، ويملي عليها قراراتها، ويعزل رئيس حكومة، ويعين بديلا عنه، ويحمي مسؤولين حاليين وسابقين من إمكانية ان يلاحقهم القضاء العراقي بتهم إرهاب أو فساد.

ولأن إيران تحتل العراق، فهي قامت بتعليق صور مرشدي الثورة الإيرانية السابق والحالي روح الله خميني وعلي خامنئي في عموم شوارع المدن العراقية، الى حد دفع رجال دين عراقيين ونواب سابقين، من أمثال اياد جمال الدين، للاعتراض علنا، واعتبار رفع صور القادة الإيرانيين في شوارع بغداد إهانة للعراقيين والعرب عموما.

ثم ان اثبات واقع الاحتلال الإيراني للدول العربية لا يحتاج الى البحث عن دلائل، فالمسؤولين الإيرانيين أنفسهم يتعاقبون على التباهي بذلك، فيطل أحد أقرب المقربين من خامنئي ليكتب في صحيفته ان البحرين محافظة إيرانية، ويتحدث مسؤول إيراني آخر عن سيطرة إيران على أربع عواصم عربية، ويكتب وزير خارجية إيران جواد ظريف تعليقا على الأزمة اليمنية بالقول ان اليمن هي جزء من منطقة “الخليج الفارسي الأوسع”.

احتلال إيران لسوريا والعراق واضح وضوح الشمس، وذكره لا يعجب إيران واصدقائها، من أمثال شتاينماير، الذي خرج بعد لقائه الجبير ليقول ان الفجوة في الرؤى السياسية بين ايران وألمانيا كبيرة.

والوزير الجبير أحسن فعلا، لا بتكراره وصف الوجود الإيراني في الدول العربية احتلالا فحسب، بل باختياره اللقاء مع شتاينماير لقول ذلك. ربما يعتقد المسؤول الألماني ان ذاكرة العرب فيها ثقوب، لكن العرب – والسعودية في طليعتهم – يعرفون جيدا انه يوم قمعت إيران الثورة الخضراء، انما فعلت ذلك بشرائها معدات تجسس متطورة من شركة سيمنز الألمانية، التي لم تعر العقوبات الدولية أي اهتمام.

ويعرف العرب كذلك ان ألمانيا ليست محايدة، وأنها تنحاز الى إيران، وان برلين هي التي بادرت الى الحوار النووي مع طهران، ثم دعت باريس ولندن، وبعدها انضمت باقي العواصم ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن.

ويعرف العرب أيضا ان ألمانيا ضد الثورة السورية منذ انطلاقتها، وان برلين تؤيد بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم سرا وعلنا، وان المسؤولين الألمان غالبا ما يحرضون ضد العرب ويدعون الغرب للانحياز للإيرانيين.

على ان العرب معروفون بحسن الضيافة والكرم، وأبوابهم مفتوحة للأعداء قبل الأصدقاء، لكنهم ليسوا أولاد البارحة، وهم يقرأون التاريخ ويفهمون الحاضر، ويعرفون ان احتلال إيران لسوريا والعراق ليس الأول في التاريخ، والأرجح انه لن يكون الأخير.

ويعرف العرب أيضا ان كل الاحتلالات الإيرانية لبلدانهم، الماضية والحاضرة، كانت مكلفة على إيران والإيرانيين وأنها ستبقى كذلك، بغض النظر عن عتاب السيدة أفخمي او فجوات السيد شتاينماير.