| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
«النظام السوري لم يقترب بعد من نقطة الانهيار، واذا حصل وانهار يوما، فالويل والثبور وعظائم الامور من حروب اهلية الى انتشار للتطرف يقوده الاخوان المسلمون»، هذا هو الموقف الفعلي للادارة الاميركية من الوضع في سورية بعدما نجح اللوبي الموالي للرئيس السوري بشار الاسد في فرض وجهة نظره على اصحاب القرار في العاصمة الاميركية.
يقود اللوبي ضمنيا السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى، ومن يسميه «افضل اصدقائه» صفا رفقا، رئيس مجلس ادارة «اللجنة العربية الاميركية لمكافحة التمييز»، ويعاونهم عدد كبير من العرب والاميركيين من امثال جيم زغبي، الناشط من اصل لبناني والذي نصب نفسه «متحدثا باسم عرب الولايات المتحدة»، والسفير الاميركي السابق في دمشق تيد قطوف، وآخرين.
وكانت هذه المجموعة حاولت قبل اشهر عقد اجتماع في البيت الابيض من اجل اقناع الادارة الاميركية بضرورة التخلي عن المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري بحجة ان من شأن المحكمة ان تؤدي الى زعزعة الامن في لبنان والمنطقة.
اليوم، تستخدم هذه المجموعة الحجة نفسها لاقناع الادارة الاميركية بضرورة مساندة بقاء الاسد وعدم الالتفات الى وقوع قتلى في صفوف المدنيين السوريين بحجة ان هؤلاء موالين لمجموعات ارهابية متطرفة.
زغبي على سبيل المثال، حاور قطوف في برنامجه على احدى الفضائيات العربية، فأثنى قطوف على «علمانية» نظام الاسد متحدثا عن ضرورة بقائه فيما اتهم زغبي، بصيغة السؤال، جمعية «الاخوان المسلمين المحظورة في سورية» بتنظيم مؤتمر للمعارضة في مدينة انطاليا التركية.
و«اللوبي السوري» هذا لا يحاول فقط الدفاع عن نظام الاسد، بل يمارس الرقابة على حرية الرأي داخل العاصمة الاميركية، كما ظهر من قيام «اللجنة العربية الاميركية لمكافحة التمييز» بمنع لاعب البيانو الاميركي من اصل سوري مالك الجندلي من العزف في العشاء السنوي للجمعية، بحجة ان الجندلي كان ينوي تقديم اغنية «وطني انا»، التي اعتبرها المنظمون «مساندة للثورة السورية» رغم انه لا يرد فيها اي ذكر لسورية او للعرب.
هذه الحادثة لم تثن وزارة العدل الاميركية عن ارسال ممثل لها من المقرر ان يحضر حفل العشاء للجمعية المذكورة.
في هذه الاثناء، نجح «لوبي الاسد» في اقناع الادارة الاميركية بضرورة عدم التصعيد في وجه دمشق.
وعلمت «الراي» من مشاركين في جلسات مخصصة عن الوضع في سورية عقدها «مجلس الامن القومي» بمشاركة سورية ولبنانيين ان مسؤولين اميركيين كبارا قالوا ان «واشنطن ليست معنية استراتيجيا باحداث سورية».
ونقل احد المشاركين عن مسؤول رفيع قوله ان «دمشق خسرت الاهمية الاستراتيجية التي كانت تتمتع بها منذ عقد وهذه كانت تتمحور حول ثلاثة امور: المساعدة في الحرب على الارهاب، وضبط تصرفات حزب الله اللبناني، والتأثير ايجابا في دول مجاورة مثل لبنان والعراق».
اليوم، يقول المسؤول الاميركي، «انتهت الحرب على الارهاب ولا حاجة لدمشق لتقديم مساعدة في هذا المضمار، كما اصبح حزب الله تابعا تماما لايران من دون مقدرة سورية في السيطرة عليه او ضبطه، فيما شبه ينعدم النفوذ السوري في لبنان او العراق».
وقال المسؤول الاميركي انه «من اجل ان تساند واشنطن اي تغيير محتمل في دمشق»، عليها ان «تعثر اولا على بديل للاسد»، وانها «تبحث دوما عن البديل»، وان السفير الاميركي في سورية روبرت «فورد يعقد اجتماعات متواصلة مع معارضين سوريين»، لكن يبدو ان المعارضين السوريين «لا يقنعون واشنطن بمقدرتهم على ادارة دفة الحكم في البلاد انتقاليا في حال انهار الاسد».
ولأن واشنطن تجد صعوبة في العثور على بديل للنظام السوري القائم، يكرر اللوبي الموالي للاسد الفكرة القائلة بأن غياب النظام السوري «سيؤدي الى حرب اهلية سورية تطيح بأمن المنطقة بأكملها»، او ان «نظاما متطرفا اسلاميا سيحل محل الرئيس السوري» ونظامه.
يضاف الى سيطرة وجهة نظر الاسد وفريقه في العاصمة الاميركية على تفكير كبار المسؤولين في الادارة، ومن ضمنهم كلينتون، اسلوب اوباما المتردد في التعامل مع معظم القضايا، وخصوصا الخارجية منها، وابتكاره ما صار يعرف «بالقيادة من الخلف»، اي ان واشنطن تشارك في تحالفات دولية - مثل في ليبيا - من دون ان تتكفل هي بالقيادة.
ولان الدول العربية غائبة تماما عن تقديم اي موقف يساهم في ردع النظام السوري عن الاستمرار في استخدام العنف المفرط بحق مواطنيه، فان المسؤولين الاميركيين يزدادون في ترددهم، ويتفادون اتخاذ اي مواقف ذات تأثير في حق الاسد، غير العقوبات «الشخصية» التي اعلنها البيت الابيض على الرئيس السوري وكبار معاونيه.
ويصف مسؤول اميركي «ممتعض» من انحياز واشنطن للأسد العقوبات الاميركية على دمشق «بمضيعة للوقت»، ويقول انه «لو ارادت واشنطن والعواصم الكبرى الاخرى ازاحة الاسد فعليا، لفرضت عليه عقوبات اقتصادية خصوصا على ما تبقى من وارداته النفطية».
وعند السؤال عن استحالة فرض عقوبات دولية في ظل المعارضة الروسية في مجلس الامن، قال المسؤول الاميركي: «عندما عارضت روسيا قيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دفاعا عن نظام الاسد، قدمت اليها باريس خدمة في ملف كوسوفو، فتراجعت موسكو وتم اقرار المحكمة».
ويختم المسؤول بالقول: «مجلس الامن سوق دولي، وللأسف لا توجد دولة كبرى اليوم مستعدة لدفع اي ثمن من اجل انقاذ المدنيين السوريين من قبضة نظامهم وعنفه، فسورية - على عكس ليبيا ونفطها - لا تهم الكثير من الدول الكبرى ولا مصالحها».
على صعيد متصل، يستمر الرهان الاميركي على امكان التوصل الى سلام سوري - اسرائيلي. ورغم استقالة مبعوث السلام جورج ميتشيل، الا ان المسؤول عن الملف السوري في فريقه، فرد هوف، والذي يأمل ربما في ان يتم اختياره لقيادة العملية السلمية، ينصح الادارة اليوم بالتمسك «بشعرة معاوية» في علاقتها مع الاسد، اذ لم تنفك وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون تتحدث عن «قرب نفاذ شرعية الاسد»، بدلا من الحديث عن نفاذها تماما، على غرار ما فعل المسؤولون الفرنسيون والبريطانيون وحلفاء واشنطن الآخرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق