ماذا بعد تصديق قرار اتهام؟
إنّ تصديق قرار إتهام لا يعني أنّ الشخص المذكور اسمه في قرار الإتهام مدان في الجرائم المتّهم بارتكابها. فذلك ليس إلا تأكيدًا بأنّ القضية المرفوعة من قبل المدّعي العام قد استوفت شرط القيام بعبء الإثبات المطلوب استيفاؤه في هذه المرحلة من مراحل الإجراءات، أي تقديم الدليل الأولي. وذلك يعني، بعبارة واضحة، أنّه إذا قدّم هذا الدليل خلال المحاكمة من دون اعتراض عليه، أمكن أن يؤدي إلى الإدانة.
المتهم بريء حتى تُثبت إدانته.
المحاكمات في المحكمة الخاصة بلبنان
تُعدّ استقلالية القضاء جانبًا من أبرز جوانب القوة في المحاكم الدولية. ومن حيث المبدأ، سوف تعقد المحكمة الخاصة بلبنان محاكماتها في جلسات علنية وأمام قضاة على درجة رفيعة من الخبرة والاستقلالية.
وسوف تستند المحاكمات الى الأدلّة، وأمّا المدّعي العام فعليه الإثبات، بدون أدنى شك معقول، أنّ المتهم قد ارتكب الجرائم الذي يُتهم بارتكابها. وإذا لم يكن لدى المتّهم موارد مالية كافية لتغطية تكاليف التمثيل القانوني، تولّت المحكمة دفع أتعاب محامي الدفاع.
مذكرات التوقيف
أصدر قاضي الإجراءات التمهيدية، دانيال فرانسين، مذكرة أو مذكرات توقيف بحق الشخص أو الأشخاص المتهمين بارتكاب الجريمة أو الجرائم الوارد ذكرها في قرار الاتهام، وذلك استجابة لطلب من المدّعي العام. وأسباب إصدار مذكرة أو مذكرات التوقيف عديدة منها:
· ضمان مثول المتهم أمام المحكمة
· التأكّد من أن الشخص المتهم لا يشكل خطرًا على سير التحقيقات الجارية أو على إجراءات المحاكمة
· منع الشخص المتهم من ارتكاب جريمة مماثلة للجريمة الذي يُتهم بارتكابها.
قدّم رئيس قلم المحكمة مذكرة أو مذكرات توقيف إلى السلطات اللبنانية. ويمكن إرسال الطلب الوارد فيها الى سلطات دولية ذات صلة منها الانتربول.
وعلى السلطات اللبنانية إبلاغ رئيس المحكمة الخاصة بلبنان بالتدابير التي اتخذتها الدولة لتوقيف الشخص أو الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في قرار الاتهام، وذلك في غضون مهلة لا تتجاوز 30 يومًا من تصديق قرار الاتهام.
وإذا لم يوقف أي فرد أو أفراد بعد انقضاء مهلة الـ 30 يومًا، وإذا رأى رئيس المحكمة الخاصة بلبنان أن محاولات معقولة قد جرت لتبليغ قرار الاتهام، جاز له أن يقرر إصدار إعلانٍ عامٍ بالتشاور مع قاضي الإجراءات التمهيدية. وعندئذٍ يرسل رئيس قلم المحكمة إعلانًا لنشره في وسائل الإعلام طالبًا فيه إلى المتهم تسليم نفسه إلى السلطات اللبنانية.
المثول الأول أمام المحكمة
عند توقيف متّهم، تقوم السلطات اللبنانية بوضع ترتيبات لنقله إلى مرافق الاحتجاز التابعة للمحكمة الخاصة بلبنان، يساعدها في ذلك رئيس قلم المحكمة. وعندئذٍ، يمثل للمرّة الأولى أمام المحكمة لتوجيه التهم إليه رسميًا. وفي أثناء هذا المثول، يضمن القضاة ما يلي:
· احترام حق المتهم في الاستعانة بمحام
· تلاوة قرار الاتهام على المتهم بلغة يفهمها والتأكد من إدراكه التهم المسندة إليه
· إعلام المتهم أنّ في وسعه في أثناء مثوله الأول الإقرار بمسؤوليته أو عدم مسؤوليته بالنسبة إلى تهمة أو أكثر من التهم الموجهة إليه. وإذا لم يفعل ذلك في أثناء مثوله الأول، طُلب إليه أن يفعله في خلال سبعة أيام.
· إذا لم يقدم المتهم جوابًا، قرّر القاضي نيابة عنه اعتبار أنه اعتمد الخيار بعدم مسؤوليته عما هو منسوب إليه.
وإذا لم يكن لدى المتهم المال الكافي لتسديد أتعاب محامٍ، عيّن رئيس مكتب الدفاع محاميًا له، تسدد المحكمة أتعابه. وكذلك، إذا لم يكن المتهم قد اختار محاميًا بعد، جاز لرئيس مكتب الدفاع تعيين محام لتمثيله لدى مثوله الأول.
إجراءات المحاكمة غيابيًا
للمحكمة الخاصة بلبنان صلاحية إجراء محاكمات غيابية (محاكمات تعقد في غياب المتهم). إلاّ أنّ حضور المتهم شخصيًا قي قاعة المحكمة يبقى الخيار الأفضل للجميع، وبخاصة المتهم الذي يعطى فرصةً للدفاع عن نفسه.
إذا لم يوقف المتهم في غضون 30 يومًا تقويميًا من تاريخ نشر الإعلان العام، جاز لقاضي الإجراءات التمهيدية أن يطلب من غرفة الدرجة الأولى الشروع في إجراءات المحاكمة غيابيًا. وتقرّر غرفة الدرجة الأولى ما إذا كان المتهم يحاول تجنّب المحاكمة أو غير قادر على الحضور. (أنظر المادة 106 من قواعد الإجراءات والإثبات في المحكمة الخاصة بلبنان)
وحرصًا على نزاهة وعدالة المحاكمة الغيابية، أدرجت في قواعد المحكمة ضمانات عديدة في هذا الشأن. فيمثّل المتهم محامٍ يعيّنه رئيس مكتب الدفاع. وإذا قرّر المتهم أن يتقدّم الى المحكمة في أثناء إجراءات المحاكمة أو في أي وقت بعد تحديد العقوبة، جاز له أن يطلب إجراء محاكمة جديدة.
الإبلاغ والتحضير للمحاكمة
حالما تتخذ هذه الخطوات، سواء أسلّم المتهم نفسه إلى المحكمة أم أوقف أم تعذر العثور عليه، يتعيّن على المدّعي العام أن يكشف لمكتب الدفاع نسخًا عن المواد المؤيدة لقرار الاتهام. ويتعيّن عليه أيضًا تزويد مكتب الدفاع بإفادات جميع الشهود الذين ينوي المدّعي العام استدعاءهم للشهادة في أثناء المحاكمة.
وفي هذه المرحلة، يمكن للمدّعي العام أن يطلب إلى غرفة الدرجة الأولى عدم الكشف عن معلومات معينة، إذا أمكن أن:
· تلحق الضرر بالتحقيقات الجارية أو اللاحقة
· تشكّل تهديدًا خطيرًا لسلامة الشهود أو سلامة عائلاتهم
· تتعارض والمصلحة العامة أو حقوق الأطراف الثالثة
الدفوع الأولية
ينظر قاضي الإجراءات التمهيدية في أي دفوع أولية قبل أن يحيل ملف القضية الى غرفة الدرجة الأولى. ويمكن أن تكون هذه الدفوع دفوعًا بعدم اختصاص المحكمة، أو بوجود عيب شكلي في قرار الاتهام، أو بفصل بعض التهم الواردة في قرار الاتهام عن غيرها، أو بعقد محاكمات منفصلة، أو دفوعًا تستند إلى رفض طلب تعيين محام.
ويجب تقديم هذه الدفوع خطيًا في مهلة أقصاها 30 يومًا من كشف المواد المؤيدة للدفاع.
ومن ثم، ينفّذ قاضي الإجراءات التمهيدية خطة عمل ويحدّد موعدًا أوّليًا للشروع في الإجراءات قبل بدء المحاكمة بأربعة أشهر على الأقل.
المتضرّرون
تعدّ إمكانية مشاركة المتضررين في الإجراءات إحدى أبرز السمات القانونية للمحكمة الخاصة بلبنان. والمتضررون المشاركون في الإجراءات لا يمثلون أمام المحكمة بصفة الإدعاء الشخصي ولا يحق لهم مطالبة المحكمة بالتعويض. غير أنه يمكنهم المطالبة فيما بعد محكمة وطنية بتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم، وذلك بناءً على حكم صادر عن المحكمة.
ونظرًا الى ما تنطوي عليه مشاركة المتضررين من أثرٍ محتمل على الإجراءات، فإنه ينبغي للمتضررين الراغبين في المشاركة في الإجراءات الخضوع لتدقيق مسبقٍ يتولّى تنفيذه قاضي الإجراءات التمهيدية. ويجوز له:
· أن يستبعد أشخاصًا يشك في صفتهم كمتضررين؛
· وأن يحدد عدد المتضررين الذين يسمح لهم بالمشاركة في الإجراءات؛
· وأن يعيّن ممثلاً قانونيًا مشتركًا لعدة متضررين.
والهدف من هذه السمات هو ضمان الحق الفعلي للمتضررين في المشاركة في الإجراءات، وحماية حقوق المتهمين في الوقت عينه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق