حسين عبدالحسين
المجلة
في المؤتمر الخامس والسبعين للبوليس الدولي “الانتربول”، الذي انعقد في البرازيل في العام 2006، وقف مدير الوكالة الدوري ورئيس شرطة جنوب افريقيا جاكي سيلبي ليحث زملاءه مديري اجهزة الشرطة حول العالم على “ايجاد انظمة يمكنها تأكيد ان حدود دولنا واجهزتنا لمراقبة الحدود تقف على اسس صلبة”. وفي العام 2010، ادانت محكمة افريقية سيلبي بتهمة قبول رشوة بلغت 156 الف دولار للتغاضي عن صفقة تهريب مخدرات. اليوم يقضي المسؤول السابق 15 عاما في السجن.
لكن سيلبي لم يكن وحيدا، بل يبدو ان حظه نفد فاستغنى عنه معلموه وضحوا به قربانا لاستمرار عمل العصابات التي تسيطر على حكومة جنوب افريقيا، وهي ليست الدولة الوحيدة التي ينعدم فيها الفارق بين المكلفين تطبيق القانون والساعين الى تجاوزه.
حكومات العصابات هذه آفة تكبر يوميا الى حد دفع دورية “فورين افيرز” المعروفة الى تخصيص مقالة مطولة بقلم موسى نعيم حول الحكومات التي تساهم في تجاوز القانون الدولي عبر الحدود، والتي صارت تشكل تهديدا للسلم العالمي واستقرار الدول تحت حكم القانون.
“في دول العصابات مثل بلغاريا، مونتينيغرو، بورما، اوكرانيا، وفنزويلا، صارت المصالح الوطنية ومصالح الجريمة المنظمة مرتبطة ارتباطا لا ينفصم”، يكتب نعيم، الذي يقتبس من تقرير صادر عن “مجلس اوروبا” قوله ان “رئيس حكومة كوسوفو هاشم تاجي وحلفاءه السياسيين يمارسون سيطرة عن طريق استخدامهم العنف على تجارة الهيرويين والمخدرات الاخرى في البلاد، وهم يحتلون مراكز مهمة في تنظيمات مافيا كوسوفو للجريمة المنظمة”.
ويتابع نعيم: “في دول العصابات، يعمل المسؤولون والمجرمون سويا، من خلال تكتلات تجارية ذات ارتباطات وثيقة بكبار المسؤولين وعائلاتهم واصدقائهم”.
وكانت المراسلات الرسمية لوزراة الخارجية الاميركية، التي سربها موقع ويكيليكس، اظهرت قلق واشنطن من دعم بعض حكومات العالم للجريمة المنظمة العابرة للحدود. وتظهر احدى المراسلات مع مدع عام اسباني اسمه خوسيه غريندا حديثه عن روسيا وقوله ان موسكو توظف باستمرار العصابات، على سبيل المثال عندما كلفت “الاستخبارات العسكرية الروسية” احدى تنظيمات المافيا بتزويد السلاح لثوار من الكرد داخل تركيا.
نعيم يعتقد ان سفينة روسية، كانت موسكو ادعت انه تم اختطافها على ايدي قراصنة مقابل السواحل السويدية في العام 2009، كانت في الواقع تحمل سلاحا لتقوم بتهريبه بأوامر من “الاستخبارات العسكرية الروسية”، الا ان نجاح اجهزة الاستخبارات المنافسة في تحديد مهمة السفينة ووجهتها فرض على موسكو تلفيق قصة القرصنة وارسال البحرية الروسية لتنفيذ مسرحية انقاذ مزعومة لاخفاء معالم الجريمة.
ومن كوسوفو وروسيا الى افغانستان، حيث تم اغتيال شقيق الرئيس حامد كرزاي احمد ولي، الذي يعتقد انه كان متورطا في تجارة الافيون المزدهرة في البلاد. ومما يزيد قلق حكومات العالم الساعية الى حماية مواطنيها دول مثل كوريا الشمالية، التي يطلق عليها الديبلوماسيون الاميركيون لقب “دولة السوبرانو”، نسبة الى المسلسل التلفزيوني الاميركي حول نشاط المافيا الايطالية في ولاية نيوجيرزي.
ويعتقد الاميركيون ان الجريمة المنظمة حكوميا مزدهرة في كوريا الشمالية، ويخشون من ان يخطر في بال بيونغ يانغ يوما تمرير تقنية نووية الى شبكات ارهابية، او كما حدث في باكستان حيث تحول ابو البرنامج النووي هناك عبدالقادر خان الى خبير نووي مأجور باع التقنية النووية الى حكومات تسيطر عليها عصابات كما في ايران.
وعلى الرغم من ان مقالة “فورين افيرز” تلقي الضوء على خطر الجريمة المنظمة على الاستقرار الدولي ومقدرة اجهزة البوليس في دول العالم على مواجهتها، الا انه يسهل التوصل الى نتيجة مفادها ان “حكومات الجريمة المنظمة” غالبا ما تعمد الى استخدام شبكاتها لاهداف الارهاب السياسي، فهذه روسيا حاولت اغتيال الرئيس الاوكراني المعارض لسياساتها فيكتور يوتشينكو بدسها للبولونيوم في وجبة طعام تناولها في لندن، وهذه سوريا حليفتها المشتبه بتورط ذراعها الاستخباراتية الطويلة في عملية اغتيال رئيس حكومة لبنان الاسبق رفيق الحريري في بيروت في العام 2005 وسياسيين لبنانيين آخرين معارضين لنفوذها في بلادهم، وهذه ايران التي كانت تسعى مؤخرا عبر كارتيل المخدرات المكسيكي الى اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير اثناء تواجده في مطعم في العاصمة الاميركية.
ان الخط الفاصل بين نشاط حكومات الجريمة المنظمة من ناحية الفساد المالي وتهريب السلاح والمخدرات وبين نشاطها السياسي التخريبي ومحاولاتها تصفية سياسيين من خصومها صار ينعدم اليوم، وصارت الحكومات نفسها التي تهدد القانون الدولي بتقديمها ملاذا آمنا للعصابات، مثل روسيا وسوريا وايران، هي التي تلجأ الى استخدام هذه العصابات نفسها للاغتيالات السياسية.
والمفارقة ان ما يجمع هذه الدول سياسيا يتشابه في الغالب، ففي ايران كانت الثورة الخضراء في العام 2009 وقيام طهران بقمعها دمويا، وفي سوريا الثورة المطالبة برحيل بشار الاسد في العام 2011 والتي مازال النظام السوري يعمل بوحشية على اخمادها، وفي روسيا ثورة الشرائط البيضاء ضد استمرار حكم فلاديمير بوتين التي تزداد قوة مع مرور الوقت وتواجه ازديادا في المقابل في شراسة الرئيس الروسي واجهزته الامنية في القضاء عليها.
في المؤتمر الخامس والسبعين للبوليس الدولي “الانتربول”، الذي انعقد في البرازيل في العام 2006، وقف مدير الوكالة الدوري ورئيس شرطة جنوب افريقيا جاكي سيلبي ليحث زملاءه مديري اجهزة الشرطة حول العالم على “ايجاد انظمة يمكنها تأكيد ان حدود دولنا واجهزتنا لمراقبة الحدود تقف على اسس صلبة”. وفي العام 2010، ادانت محكمة افريقية سيلبي بتهمة قبول رشوة بلغت 156 الف دولار للتغاضي عن صفقة تهريب مخدرات. اليوم يقضي المسؤول السابق 15 عاما في السجن.
لكن سيلبي لم يكن وحيدا، بل يبدو ان حظه نفد فاستغنى عنه معلموه وضحوا به قربانا لاستمرار عمل العصابات التي تسيطر على حكومة جنوب افريقيا، وهي ليست الدولة الوحيدة التي ينعدم فيها الفارق بين المكلفين تطبيق القانون والساعين الى تجاوزه.
حكومات العصابات هذه آفة تكبر يوميا الى حد دفع دورية “فورين افيرز” المعروفة الى تخصيص مقالة مطولة بقلم موسى نعيم حول الحكومات التي تساهم في تجاوز القانون الدولي عبر الحدود، والتي صارت تشكل تهديدا للسلم العالمي واستقرار الدول تحت حكم القانون.
“في دول العصابات مثل بلغاريا، مونتينيغرو، بورما، اوكرانيا، وفنزويلا، صارت المصالح الوطنية ومصالح الجريمة المنظمة مرتبطة ارتباطا لا ينفصم”، يكتب نعيم، الذي يقتبس من تقرير صادر عن “مجلس اوروبا” قوله ان “رئيس حكومة كوسوفو هاشم تاجي وحلفاءه السياسيين يمارسون سيطرة عن طريق استخدامهم العنف على تجارة الهيرويين والمخدرات الاخرى في البلاد، وهم يحتلون مراكز مهمة في تنظيمات مافيا كوسوفو للجريمة المنظمة”.
ويتابع نعيم: “في دول العصابات، يعمل المسؤولون والمجرمون سويا، من خلال تكتلات تجارية ذات ارتباطات وثيقة بكبار المسؤولين وعائلاتهم واصدقائهم”.
وكانت المراسلات الرسمية لوزراة الخارجية الاميركية، التي سربها موقع ويكيليكس، اظهرت قلق واشنطن من دعم بعض حكومات العالم للجريمة المنظمة العابرة للحدود. وتظهر احدى المراسلات مع مدع عام اسباني اسمه خوسيه غريندا حديثه عن روسيا وقوله ان موسكو توظف باستمرار العصابات، على سبيل المثال عندما كلفت “الاستخبارات العسكرية الروسية” احدى تنظيمات المافيا بتزويد السلاح لثوار من الكرد داخل تركيا.
نعيم يعتقد ان سفينة روسية، كانت موسكو ادعت انه تم اختطافها على ايدي قراصنة مقابل السواحل السويدية في العام 2009، كانت في الواقع تحمل سلاحا لتقوم بتهريبه بأوامر من “الاستخبارات العسكرية الروسية”، الا ان نجاح اجهزة الاستخبارات المنافسة في تحديد مهمة السفينة ووجهتها فرض على موسكو تلفيق قصة القرصنة وارسال البحرية الروسية لتنفيذ مسرحية انقاذ مزعومة لاخفاء معالم الجريمة.
ومن كوسوفو وروسيا الى افغانستان، حيث تم اغتيال شقيق الرئيس حامد كرزاي احمد ولي، الذي يعتقد انه كان متورطا في تجارة الافيون المزدهرة في البلاد. ومما يزيد قلق حكومات العالم الساعية الى حماية مواطنيها دول مثل كوريا الشمالية، التي يطلق عليها الديبلوماسيون الاميركيون لقب “دولة السوبرانو”، نسبة الى المسلسل التلفزيوني الاميركي حول نشاط المافيا الايطالية في ولاية نيوجيرزي.
ويعتقد الاميركيون ان الجريمة المنظمة حكوميا مزدهرة في كوريا الشمالية، ويخشون من ان يخطر في بال بيونغ يانغ يوما تمرير تقنية نووية الى شبكات ارهابية، او كما حدث في باكستان حيث تحول ابو البرنامج النووي هناك عبدالقادر خان الى خبير نووي مأجور باع التقنية النووية الى حكومات تسيطر عليها عصابات كما في ايران.
وعلى الرغم من ان مقالة “فورين افيرز” تلقي الضوء على خطر الجريمة المنظمة على الاستقرار الدولي ومقدرة اجهزة البوليس في دول العالم على مواجهتها، الا انه يسهل التوصل الى نتيجة مفادها ان “حكومات الجريمة المنظمة” غالبا ما تعمد الى استخدام شبكاتها لاهداف الارهاب السياسي، فهذه روسيا حاولت اغتيال الرئيس الاوكراني المعارض لسياساتها فيكتور يوتشينكو بدسها للبولونيوم في وجبة طعام تناولها في لندن، وهذه سوريا حليفتها المشتبه بتورط ذراعها الاستخباراتية الطويلة في عملية اغتيال رئيس حكومة لبنان الاسبق رفيق الحريري في بيروت في العام 2005 وسياسيين لبنانيين آخرين معارضين لنفوذها في بلادهم، وهذه ايران التي كانت تسعى مؤخرا عبر كارتيل المخدرات المكسيكي الى اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير اثناء تواجده في مطعم في العاصمة الاميركية.
ان الخط الفاصل بين نشاط حكومات الجريمة المنظمة من ناحية الفساد المالي وتهريب السلاح والمخدرات وبين نشاطها السياسي التخريبي ومحاولاتها تصفية سياسيين من خصومها صار ينعدم اليوم، وصارت الحكومات نفسها التي تهدد القانون الدولي بتقديمها ملاذا آمنا للعصابات، مثل روسيا وسوريا وايران، هي التي تلجأ الى استخدام هذه العصابات نفسها للاغتيالات السياسية.
والمفارقة ان ما يجمع هذه الدول سياسيا يتشابه في الغالب، ففي ايران كانت الثورة الخضراء في العام 2009 وقيام طهران بقمعها دمويا، وفي سوريا الثورة المطالبة برحيل بشار الاسد في العام 2011 والتي مازال النظام السوري يعمل بوحشية على اخمادها، وفي روسيا ثورة الشرائط البيضاء ضد استمرار حكم فلاديمير بوتين التي تزداد قوة مع مرور الوقت وتواجه ازديادا في المقابل في شراسة الرئيس الروسي واجهزته الامنية في القضاء عليها.
هناك تعليق واحد:
الله يهدى الاحوال .. ويصلح حال بلدكم
إرسال تعليق