حسين عبد الحسين
بعد يوم ونصف من الخطابات المملة التي كررت فيها الوفود في بغداد مواقفها من تخصيب ايران لليورانيوم، وامكانية حيازتها أسلحة نووية، أزاح فجأة رئيس الوفد الإيراني سعيد جليلي قنينة الماء التي كان يختبئ خلفها من أنظار الوفد الأميركي، وتوجه اليهم بالقول: “وماذا عن سوريا؟”
هذه الانعطافة في المفاوضات فاجأت الأميركيين وأعضاء وفود مجموعة دول “خمس زائد واحد”، روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، التي حضرت الى بغداد وفي جعبتها عرض دبلوماسي كانت تأمل ان يتلقفه الايرانيون كخطوة اولى في عملية “بناء الثقة” الهادفة الى التوصل الى حل سلمي للنزاع الدائر حول نشاط طهران النووي.
تقول المصادر الأميركية ان سؤال جليلي فاجأها، فالدبلوماسيين، ومعظمهم من الخبراء النوويين، لم يكونوا مستعدين للحديث في شؤون اقليمية اخرى، وهم أمضوا أسابيع طويلة يعملون على تحضير وتشذيب العرض الدولي لإيران، القاضي بوقف الأخيرة لتخصيب اليورانيوم الى درجات تتعدى الخمسة في المائة المطلوبة لانتاج الطاقة، واستبدالها مخزونها من المادة المخصبة الى نسبة 20 في المائة بقضبان يورانيوم جاهزة للاستخدام الطبي في مفاعل طهران، مع السماح لوكالة الطاقة الذرية بمراقبة نشاطات المفاعلات الايرانية الأخرى، وخصوصا “فردو” قرب قم.
في المقابل تعمد الدول الست الى رفع العقوبات المفروضة، منذ العام 1980، على بيعها طهران قطعا للغيار لأسطولها المتداعي من الطائرات المدنية، والذي صار يشكل خطرا على السلامة العامة. وتقول مصادر دبلوماسية اميركية ان الغرب كان مستعدا لتقديم تنازلات اكثر لناحية تأجيل فرض عقوبات على صادرات النفط الايرانية، والتي يتوقع ان تدخل حيز التنفيذ في الاول من تموز (يوليو) المقبل.
لكن حديث جليلي عن سوريا أوحى للوفود الغربية، وخصوصا الاميركي من بينها، ان اهتمام طهران ينصب على مبادلة اي تنازل في ملفها النووي بمكتسبات لنفوذها الاقليمي. ومنذ مفاوضات بغداد، عكف الدبلوماسيون الاميركيون على اعادة تقييم مسار مفاوضاتهم وعلى تغيير مفهومهم لما تعتبره طهران مطلوبا للمفاوضات النووية.
لكن انعطافة في العروض الاميركية والدولية الى طهران، من رفع عقوبات اقتصادية الى تقديم تنازلات اقليمية، يحتاج الى قرار سياسي من اصحاب قرار في مراتب اعلى من الدبلوماسيين المشاركين في الوفود. فهل تقدم واشنطن وعواصم العالم تنازلات لإيران في الشرق الاوسط، مقابل تخلي الأخيرة عن برنامجها النووي؟
هذا السؤال اشعل نقاشا في الاوساط الاميركية واظهر انقساما بين الاميركيين الى فريقين. فريق اول هو من المقربين الى الرئيس باراك اوباما، ويعتقد ان على واشنطن الدخول في حوارات مع طهران حول ملفات اقليمية كجزء من التسوية الكبرى حول مفلها النووي. ومن ابرز وجوه هذا الفريق الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” دايفيد اغناتيوس، المقرب من اوباما، والذي كان اول الداعين الى بدء الحوار مع الايرانيين حول مواضيع ثنائية يتصدرها الوضع في افغانستان.
الفريق الثاني، والذي يتصدره العاملون في صفحة افتتاحيات الصحيفة نفسها بقيادة الكاتب فرد هايات، رأى ان الوقت يداهم المجتمع الدولي، وان الجولة الثالثة من المفاوضات مع ايران، والمقررة في موسكو في 17 حزيران (يونيو) القادم، يجب ان تكون الفرصة الاخيرة لقبول ايران العرض الدولي، من دون تنازلات اقليمية، او يستعد العالم الى فرض حظر اوروبي على النفط الايراني، وربما الذهاب ابعد من ذلك في وقت لاحق.
اي فريق ينتصر في واشنطن، واي سياسة في التعامل مع ايران النووية. الاجابة ترتبط برؤية الاميركيين نحو المفاوضات، فإن اعتبروها مفاوضات بأي ثمن، فالارجح ان رؤية اوباما واغناتيوس ستنتصر، وان اعتبروها مفاوضات الساعة الاخيرة قبل تلقين طهران درسا، تغلب رؤية فريق هايات وصحبه.
والى أن يحين موعد مفاوضات موسكو، يبقى السؤال: هل يجد العالم نفسه اليوم امام خيارين لا ثالث لهما، ايران نووية أم طهران الزعيمة الاقليمية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق