حسين عبدالحسين
ينقل مسؤولون في الكونغرس عن نظرائهم في الحكومة، إن مسؤولي إدارة الرئيس باراك أوباما يتباهون بما يبدو تعثر الحملة العسكرية الروسية في سوريا. ويعتبر مسؤولو الإدارة ان أوباما سبق وتنبأ بهذه النتيجة، وانه حذر الروس منها، وأن التعثر الروسي يثبت ان الحل الوحيد في سوريا هو الحل السياسي عبر تسوية تؤدي الى خروج الأسد من الحكم والإبقاء على نظامه.
تباهي أوباما ومسؤوليه بانتصارات المعارضة السورية المسلحة في وجه الجحيم الروسي يختصر تخبط سياسة أوباما تجاه سوريا وانعدام الاخلاق الذي يشوب هذه السياسة، فأوباما شخصياً عارض كل محاولة تسليح للمعارضين السوريين، وفي أوقات أوعز لدول حليفة بقطع طرق الامدادات عن المعارضين، عندما بدا أن هؤلاء كانوا في طريقهم لتحقيق انتصارات محققة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، والقوات التي تقاتل دفاعا عن بقائه في الحكم. وغالباً ما وصف أوباما المعارضين السوريين بالهواة ممن لا يمكنهم القتال أو مواجهة قوات الأسد.
ولذر الرماد في العيون وامتصاص حماسة حلفاء أميركا المؤيدين للإطاحة بالأسد، أعلن أوباما عن برنامج لتدريب المعارضين السوريين، لكن البرنامج حاول حصر قتال المعارضين بالمواجهات ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهي محاولة أدت الى القضاء على البرنامج بأكمله.
وعلى إثر التدخل الروسي، أطل المسؤولون الاميركيون ليقولوا إن واشنطن "تعلمت" من التجربة الماضية وأنها قررت تسليح المعارضين، لا لقتال "داعش" فحسب، وإنما لمواجهة الأسد، ليتبين في ما بعد أن واشنطن تكذب، وأن الامدادات العسكرية التي ألقتها الطائرات الأميركية خصصتها للميليشيات الكردية، طالبة من الأخيرة "توزيع" الإمدادات على القوات العربية، ما يؤسس لتبعية المقاتلين العرب لنظرائهم الأكراد.
لكن على الرغم من التحامل الأميركي الموصوف ضد المعارضين العرب والانحياز لقوات الأسد والاكراد، نجحت "المعارضة العربية" في صد تقدم قوات الأسد المدعومة بغطاء جوي روسي. ومع نجاح المعارضة في استعادة المناطق التي استولى عليها الأسد في الأيام الأولى المرافقة للحملة الروسية، صار مسؤولو أوباما يلفتون الى الأداء المسلح لمعارضين سبق أن استخفوا بإمكانياتهم القتالية ومنعوا عنهم التسليح.
لا تفسير لتهليل واشنطن لثوار سوريا بعد تحاملها ضدهم على مدى السنوات الأربع الماضية. التفسير الوحيد الممكن هو إنه في الحرب السورية الدائرة، أميركا مع الفائز: تبدأ المقاتلات الروسية بدك مناطق المعارضة، فتسارع واشنطن لتبني الحل الروسي للأزمة السورية، وتحاول التملص من إصرارها على ضرورة رحيل الأسد بالقول إن رحيله واجب، ولكن توقيت الرحيل خاضع للمساومة. ثم تحاول أميركا اللعب على السباق بين إيران وروسيا اللتين تسعيان لتثبيت سيطرتها على سوريا في مرحلة ما بعد الحرب السورية.
وبعدما تبين أن إيران حضرت إلى فيينا لاستلام صك تطويب أميركي لها للاستيلاء على سوريا، وبعدما تصدت الدول الداعمة للمعارضة السورية لهذا التطويب، وبعدما بدا ان موسكو تريد مخرجا من حملتها العسكرية في سوريا لكنها تعتقد ان مخرجها هو فرضها رؤيتها بإبقاء الأسد الذي تعتقده تابعاً لها تماماً، ظهر أن الديبلوماسية الأميركية، على طراز سياسة أوباما عموماً، ديبلوماسية يديرها هواة دبجوا نصاً ختامياً للقاء فيينا جاء باهتاً الى درجة ان الاعلام العالمي والعربي والإيراني والروسي لم يتكلف عناء نقله أو التعليق عليه.
فشل لقاء فيينا الأول جاء بعد فشل البرنامج الأميركي لتسليح وتدريب المعارضة المعتدلة، الذي جاء أيضاً فشل مؤتمر جنيف الثاني، وفشل مبادرات الأمم المتحدة ومبعوثيها المتعاقبين على حل الأزمة السرية، كوفي أنان، والاخضر الابراهيمي، وستيفان ديمستورا.
في وسط سلسلة الفشل الديبلوماسية في انهاء الازمة السورية، بدا أن النجاح الوحيد هو في الأداء العسكري للمعارضة السورية في حلب وحماة، كما في الزبداني وداريا.
روسيا، غريم الولايات المتحدة الاستراتيجي، تغرق في المستنقع السوري الى جانب إيران. ربما كان على الاميركيين أن ينصحوا الروس ان القوة الجوية وحدها لا تكفي، وانه بعد عام على الجحيم الأميركي غرب العراق، تابع "داعش" التمدد واستولى على الرمادي. بالأسلوب نفسه، استعادت المعارضة مورك ولم تنجح القوة الجوية الروسية في منع انهيار قوات الأسد وانسحابها. لكن غرق روسيا وإيران، وتهليل أميركا لهذا الغرق واعتبار انه غرق يثبت صواب رأي أوباما، هو غرق بفضل مقاتلي المعارضة السورية، ولا يحق لأميركا التباهي به.
على أن التباهي الأميركي بإنجازات الآخرين وفشل الغير يشي بأنه في الأزمة السورية، موقف أميركا هو الوقوف الى جانب الفائز، وهو موقف لا ينتظر جلاء غبار المعركة، بل يتغير مع كل مدّ وجزر في ساحات القتال، وهو موقف أميركي، أقل ما يقال فيه إنه لا أخلاقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق