حسين عبدالحسين
الحل في سوريا ليس تسوية سياسية بين نظام بشار الأسد ومعارضيه، حسبما يكرر مسؤولو الحكومة الاميركية. والحل في سوريا لا يبدأ بالتصدي لإرهاب داعش، على أهمية التصدي لهذا التنظيم الإرهابي، حسبما يقول مسؤولو روسيا وإيران. الحل في سوريا يبدأ وينتهي بخروج بشار الأسد من الحكم في سوريا، سياسيا ام عسكريا. كل ما عدا ذلك تفاصيل.
منذ العام 2011، لم يتوان المسؤولون الاميركيون والروس الإيرانيون في محاولاتهم تشتيت الانتباه عن مشكلة سوريا الأولى، وهي مشكلة ترتبط بشخصية رئيس أرعن ورث امبراطورية ابيه المحنك.
حافظ الأسد أمسك باللعبة السياسية الشرق أوسطية من أطرافها. زار حافظ موسكو مرار، لكنه لم يرتم بحضن حلفائه الروس، بل وازنهم مع الاميركيين، فاستقبل الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون في دمشق والتقى الرئيس السابق بيل كلينتون في جنيف. بشار ارتمى في أحضان روسيا وبدا في زيارته قبل أسابيع الى موسكو كالتابع القليل الحلية.
حافظ الأسد اقام حلفا مع إيران، لكنه استخدم القوة لإخضاع “حزب الله” في لبنان، ولم يقطع علاقاته يوما مع الخليج، بل تراجع امام المطالب العربية احيانا، واستند الى العرب حتى لا يبتلعه الإيرانيون. بشار ارتمى في أحضان إيران كليا وعادى العرب.
حافظ الأسد أدرك الموازين العشائرية في سوريا، وحافظ لها على دور، ومنحها امتيازات، وجنّبها وحشية اجهزته الأمنية. بشار أذّل العشائر وأطلق ايدي أجهزته الأمنية ضدها فثارت ضده في درعا، وامتدت الثورة.
حافظ الأسد فهم الموازين في بيروت، وحكم لبنان عن طريق حلفائه نبيه بري ورفيق الحريري ووليد جنبلاط، واستخدمهم لموازنة قوة “حزب الله” والتصدي لاعتراضات المسيحيين. اما بشار، فقتل الحريري، وهدد جنبلاط، ورمى بري ليصبح تحت رحمة غريمه “حزب الله”. ثم خرج بشار من لبنان مجبرا، وأصبح نفوذه فيه مرتبطا بقوة “حزب الله” حصرا، ثم حول الحزب من بطل في عيون العرب في مواجهاته ضد إسرائيل الى ميليشيا تغرق في اقتتال سوري داخلي للدفاع عن بشار ورعونته.
حافظ الأسد جاء بالاستقرار الى سوريا، ثم لبنان، ولم يعقه كبرياؤه يوما، بل تواصل مع عراق صدام حسين بما فيه مصلحة دمشق. بشار خلق أعداء في رئيس حكومة العراق نوري المالكي، الذي طالب بلجنة تحقيق أممية لإثبات تورط بشار في تفجيرات في بغداد.
لم يرث بشار فطنة ابيه حافظ، ولم يفهم كيفية استخدام القوة وحدودها، ودفعه غروره الى الارتماء في أحضان حليف واحد بدلا من موازنته مع أصدقائه الآخرين، في الداخل كما في الخارج.
لم تكن انتفاضة السياسيين اللبنانيين ضد بشار، بعد أقل من أربعة أعوام على تسلمه الحكم خلفا لأبيه حافظ في العام 2000، انتفاضة من باب المصادفة. في تسجيلاته الصوتية الصادرة بعد مقتله، راح الحريري يشرح لوزير خارجية بشار وليد المعلم كيف تكون السياسية، على أمل ان يعلم المعلم بشار، الذي لا يبدو انه تعلم.
وكما انتفض لبنان في وجه بشار في العام 2005 ولم يكن بدا من رحيله عن لبنان، لم تكن مفاجأة ان تنتفض سوريا في وجه بشار في العام 2011 في ثورة لن تنتهي ما لم يرحل بشار الأسد عن سوريا، كما رحل قبلها عن لبنان.
اما مؤتمرات جنيف وموسكو وفيينا، وتصريحات الاميركيين عن “تسوية” وتصريحات الإيرانيين والروس عن “مكافحة الإرهاب” فهي إضاعة للوقت بتكلفة هائلة من الدماء السورية.
على بشار ان يدرك ان لا مفرّ من رحيله عن الحكم، وان الروس والإيرانيين يتمسكون ببقائه بسبب ضعفه واعتقاد كل منهما ان الضعف يحول بشار الى رئيس عربي قاصر يمكنهما التحكم به تماما.
اما لو أراد بشار الأسد ان يستمع للموقف الفعلي لمن يسعون بصدق لإنهاء الحرب السورية، فعليه ان يقرأ تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي قال عشية توجهه الى مؤتمر فيينا ان بشار الأسد سيرحل عبر “عملية سياسية او هزيمة عسكرية”.
كلام الجبير هو التعبير الديبلوماسي عن هتاف مغني الثورة وحماة إبراهيم قاشوش، الذي غنى قبل ان تقتلع حنجرته قوات الأسد أغنية “يا الله ارحل يا بشار”.
الرحمة لقاشوش وكل ضحايا الحرب السورية، و”يا الله ارحل يا بشار”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق