| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومناصروه في حزبه الجمهوري، التظاهر وكأن الضربة القضائية التي وجهها لهم المدعي الخاص روبرت مولر لا تعني الرئيس ولا تؤثر فيه، فقدموا سلسلة من التبريرات والالتفافات، التي بدت غير مقنعة ولكن كافية لتطمين القاعدة الموالية للرئيس والجمهوريين.
وكان مولر افتتح الأسبوع بتوجيه الاتهام لمدير حملة ترامب الانتخابية الرئاسية بول مانافورت، وشريكه ريك غيتس، بتبييض الأموال والتهرب من الضرائب، والقيام بنشاط لوبي لمصلحة حكومة أجنبية، من دون تقديم بيانات الى وزارة العدل حسبما ينص القانون الاميركي.
وتزامن إعلان قرار مولر الاتهامي مع إعلان محكمة في واشنطن ان جورج بابادوبولوس، وهو كان واحداً من مستشاري ترامب أثناء الحملة الرئاسية، اعترف باتصاله وروس مقربين من الكرملين، بهدف تنسيق نشر معلومات من شأنها أن تساعد ترامب والجمهوريين، اثناء الانتخابات، وتؤذي خصومهم الديموقراطيين. وكرر ترامب والجمهوريون روايتهم، التي يبدو أنهم يستخدمونها لتشتيت الانظار عن تواطؤ محتمل للرئيس مع الحكومة الروسية، وأصر الجمهوريون على أن التعاون، الذي يقارب الخيانة بين اميركيين وموسكو، جرى فعلياً يوم كانت منافسة ترامب الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية، ووافقت وزارتها على قيام روسيا بشراء ما يوازي 20 في المئة من احتياطي أميركا من اليورانيوم، المادة المستخدمة في تصنيع الأسلحة النووية.
كما حاول ترامب والجمهوريون الاشارة الى ان ما ورد في قرار ادعاء مولر يدين مانافورت وشريكه غيتس بتهم جرائم مالية وتعامل مع حكومات أجنبية حصلت قبل انضمام مانافورت الى حملة ترامب في مارس 2016، وأن لا علاقة لترامب أو حملته بما ارتكبه مانافورت أثناء عمله قبل ذلك التاريخ.
ويبدو أن مولر كان يأمل أن يتوصل مانافورت (كما فعل بابادوبولوس)، لاتفاقية مع الادعاء، يعترف بموجبها بذنبه، وينال عقوبة مخففة، على شرط تعاونه مع التحقيق، وقيامه بالوشاية على متورطين آخرين. لكن بعد ساعات من التحقيقات وخروج مانافورت وغيتس متمسكين ببراءتيهما، يبدو أن مولر لم ينجح في إقناعهما بالتعاون، فأخذت الأمور منحى تصعيدياً، وسار كل من الطرفين في اتجاه المواجهة امام المحكمة.
حصيلة المواجهة القضائية في العاصمة الاميركية، حتى الآن، هو إجماع الخبراء الاميركيين أن إدانة مانافورت ليست بمثابة «الجرم المشهود». لكن غالبية الخبراء أشاروا في الوقت نفسه الى ان مولر يمشي في طريق لا بد أن تؤدي إلى إدانة ترامب نفسه، فالأحداث التي تشير إلى تورط الرئيس وحملته مع الروس كثيرة، وقد لا تشكل أي منها إدانة لوحدها، ولكن وضعها جميعها في سياقها يشير، بما لا يقبل الشك، الى تواطؤ بين ترامب وحملته، مع الروس، ضد الديموقراطيين وكلينتون، وهذا ما يصنفه القانون الاميركي خيانة وطنية، التي تعد إحدى الاسباب الموجبة لإزاحة الرئيس عن رئاسته.
وعلى عكس الجمهوريين الذين يتصرفون وكأن قرار مولر الاتهامي بحق مستشاري ترامب الثلاثة كان بمثابة نهاية التحقيق، يعتقد الديموقراطيون أن القرار الاتهامي يشكل نقطة البداية، ويتوقعون أن يتوسع تحقيق المحقق الخاص ليطول عدداً أكبر من الشخصيات، وقد يصل إلى ترامب نفسه.
ويلفت المراقبون في هذا الإطار إلى تفادي مولر، حتى الآن، إجراء أي تحقيقات مع العاملين في الحكومة، باستثناء وكيل وزير العدل رود روزنستاين، إذ اكتفى مولر وفريقه، حتى الآن، بسلسلة من التحقيقات مع المسؤولين ممن خرجوا من إدارة ترامب، وهم كثر، من بينهم رئيس موظفي البيت الابيض السابق رينس بريبس، والناطق السابق باسم البيت الابيض شون سبايسر.
وفي وقت قال مقربون من البيت الابيض ان ترامب تنفس الصعداء عندما سمع أن القرار الاتهامي طال مانافورت من دون مستشاره السابق لشؤون الأمن القومي مايكل فلين، يتوقع الخبراء أن يصدر مولر قرارات اتهامية بحق آخرين، قد تشمل فلين، الذي تبين أنه تقاضى أموال لوبي من الحكومة التركية، من دون أن يُصرّح عنها أمام وزارة العدل، وهي التهمة نفسها التي طالت مانوفورت على خلفية تلقيه أموالاً من الحكومة الأوكرانية.
ولأن تحقيق مولر مازال في بدايته، فهو ترك أسئلة كثيرة حتى الآن من دون إجابة، مثل الرسالة التي وقعها المرشح الرئاسي في حينه دونالد ترامب من أجل الحصول على موافقة وتمويل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل بناء فندق برج ترامب في موسكو. كذلك، ينتظر الاميركيون معرفة عواقب قيام ترامب بطرد مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) السابق جيمس كومي، خصوصاً إثر تصريح ترامب أن سبب خطوته كان تحقيقات كومي في امكانية تورط حملة ترامب مع الروس، وهذا ما يعتبره القضاء الاميركي محاولة من الرئيس لعرقلة مجرى العدالة.
كذلك، ينتظر الاميركيون معرفة العواقب القانونية للقاء أجراه دونالد جونيور، نجل ترامب، وصهره جاريد كوشنر مع روس مقربين من الكرملين كانوا وعدوا بتزويد حملة ترامب بمعلومات من شأنها أن تشوه من سمعة كينتون وتؤدي لتفوق ترامب انتخابياً.
التجاوزات التي قام بها ترامب وحملته، حسب التقارير الاعلامية، كثيرة، ويبدو أن باكورة الملاحقات القضائية لترامب بدأت هذا الاسبوع مع القرار الاتهامي بحق ثلاثة من مستشاريه. أما مصير ونتائج التحقيقات، فمازالت غالبية الاميركيين تحبس أنفاسها في انتظار وصول التحقيق والمحاكمات التي ستنتج عنه، إلى الخاتمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق