واشنطن - من حسين عبدالحسين
لم يكد رئيس حكومة لبنان المستقيل سعد الحريري ينهي تلاوة استقالته من الرياض، التي قال فيها إن "أيدي ايران ستقطع وشرها سيرتد عليها"، حتى أطلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهو عماد التحالف الذي تبني عليه السعودية سياستها الاقليمية، تصريحات قال فيها إنه يعارض ضرب إيران أو "حزب الله" اللبناني.
ومن يعرف أمور المنطقة وشؤونها كان يدرك، حتى قبل تصريحات السيسي، استحالة ان تؤدي استقالة رئيس حكومة لبنان الى "قطع ايادي ايران"، وكان يعرف ان التصعيد السعودي ضد الايرانيين هو حملة مبنية على تصريحات الحريري المستقيل، وتغريدات الوزير السعودي ثامر السبهان، ونشرات اخبار قناة "العربية" الفضائية، التي يخال متابعها أن القوات السعودية صارت على مشارف طهران، وأن حرب اليمن تكاد تنتهي، وأن اقتصاد قطر قيد الانهيار.
لا استراتيجية سعودية، ولا اميركية، واضحة او مفهومة في الشرق الاوسط، وهو في الغالب ما دفع الايرانيين الى الاسراع في اقتحام المناطق الكردية في العراق والعمل على انتزاع شرق سوريا، من حلفاء أميركا، وشمالها، من معارضي الرئيس السوري بشار الأسد.
وكما كتب الزميل ساطع نورالدين، إن كانت المملكة تنوي مواجهة الايرانيين، فلماذا لا تبدأ من الجبهة السورية، حيث يقاتل "حزب الله" خارج أرضه، وحيث الميليشيات المحلية ذات قدرات قتالية أكبر منها في لبنان؟
لكن التصريحات والتغريدات وحدها لا تصنع سياسات، لا في واشنطن ولا في دول العرب، وكان واضحاً أن السعودية اعلنت حربها على ايران و"حزب الله"، فيما أقرب حلفاء الرياض من العواصم العربية، القاهرة وغيرها، تؤيد الأسد، شريك "حزب الله" في سوريا، وتدعم بقاءه، وهو ما يناقض بشكل جذري الموقف السعودي المطالب بالقضاء على الحزب.
من ينتقد سياسة السعودية في مواجهة ايران، لا يعني انه يؤيد ايران وسياساتها أو ميليشياتها في المنطقة، بل يعني أنه حريص على أن تقود الرياض سياسة واضحة الاهداف، والادوات، مع شركاء تجمعهم رؤية موحدة للاقليم، تجاه ايران وحلفائها والميليشيات الموالية لها، ان في لبنان، او في سوريا او العراق.
لكن التحالف العربي لمواجهة التمدد الايراني لا يبدو متناسقاً، ولا متفاهماً، بل على طراز التحالفات العربية المعقودة على مدى القرن الماضي لتحرير فلسطين، تبويس شوارب ولحى وبيانات عنيفة، من دون المقدرة على تحويل المواقف إلى افعال واهداف. أما نتائج التحالفات العربية على مدى القرن الماضي، فواضحة في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان.
لإيران نموذج مبني على "الشرعية الثورية"، يعطي الميليشيات غير الحكومية سلطة على الحكومة المنتخبة وجيشها، فتصبح الميليشيات ومرشدها خارج المحاسبة الشعبية. هذا النموذج اثبت فاعليته في الامساك بايران، فعمدت طهران الى استنساخه في لبنان أولاً، ثم العراق، والآن سوريا.
ومواجهة النموذج الايراني تكون على شكلين: إما قيام تحالف عربي برعاية وتمويل تنظيمات ثورية مناهضة للميليشيات الايرانية، وهي رعاية لا تتم في شهور او سنوات بل على مدى عقود، او التمسك بنموذج سيادة الدولة، وهو تمسك مكلف ويتطلب تمويلاً اكبر لفروع أمنية يمكنها التصدي للميليشيات الموالية لايران.
على أن العرب لا يقومون بهذه ولا بتلك، بل يكتفون بالصراخ، ويرفضون التقييمات الواقعية، ويتمسكون بالتقييمات الخيالية عن العنتريات والانتصارات والحزم وبعد الرؤية وحسن القيادة وما الى ذلك من صفات تشكل مادة ممتازة للدعاية الاعلامية، ولكنها تكون في الغالب خالية من أي تأثير على الأرض.
وأمام ذلك، تمضي إيران في انتصاراتها، ويغرق العرب في هزائمهم، فينقلب بعضهم على بعضهم الآخر ويحمله المسؤولية.. وعلى قول المثل الشعبي "من لا يقوى على حماته يستقوي على مرته".
ليت السياسة الدولية والاقليمية تسير على حسب الاهواء والتغريدات، لكن يستحيل ان يؤدي فرض حصار على الدوحة وإقالة رئيس حكومة لبنان إلى إخافة طهران أو التأثير في سياساتها، ناهيك عن التغلب عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق