| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
في العاصمة الأميركية، يقدم ديبلوماسيون أوروبيون رفيعو المستوى انطباعاتهم عن الفارق في الموقف تجاه الأزمة السورية بين إدارتي الرئيسين الحالي دونالد ترامب، والسابق باراك أوباما. ويقول هؤلاء الديبلوماسيون إنه على الرغم من أن إدارة ترامب تبدو أكثر تقاعساً في تعاطيها مع الموضوع السوري، بيد أنها أكثر تصلباً من سابقتها، التي كان الأوروبيون يخشون دائماً أن تقوم بالالتفاف عليهم والتوصل لاتفاق مع روسيا من دونهم.
وكانت حكومة الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند من أكثر المنتقدين لأوباما، بعد قيام الأخير بوقف الضربة التي كان يعتزم توجيهها الى قوات الرئيس السوري بشار الأسد، إثر مجزرة الغوطة الكيماوية صيف العام 2013. وبعدما وضع الفرنسيون قواتهم في حال تأهب، اكتشفوا أن الأميركيين كانوا توصلوا مع الروس سراً، بوساطة إسرائيلية، لتعليق الضربة مقابل قيام الأسد بتسليم ترسانته الكيماوية. وكرر الفرنسيون يومذاك أنهم تلقوا «صفعة سياسية من أوباما».
مع ترامب، يبدو أن الموقف الأميركي تجاه الحلفاء الأوروبيين وروسيا وسورية يختلف عن سلفه. صحيح أن هناك صداقة ظاهرة ومحاباة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، إلا أن ترامب يخشى أن يظهر في موقف المتلقي أمام نظيره الروسي، خصوصاً في موضوع، مثل سورية.
يضيف الأوروبيون انه قد يكون للتغيير الطارئ على موقف إسرائيل من روسيا بعض التأثير في موقف ترامب تجاه الأزمة السورية، ففي زمن أوباما، طلب الاسرائيليون من واشنطن مراراً عدم السماح بانهيار نظام الأسد، خشية صعود المجموعات الاسلامية المتطرفة وحلولها مكانه في الحكم في دمشق.
لكن يبدو أن إسرائيل لم تتحسب لاحتمال أن بقاء الأسد سيفتح باب الجنوب السوري، المحاذي لحدودها الشمالية الشرقية، لأعدائه من المجموعات الشيعية والميليشيات الموالية لإيران.
كذلك، يبدو أن الاسرائيليين استبشروا بدخول روسيا الحرب السورية، لاعتقادهم أن موسكو ستحل محل إيران كراعية للأسد، ليتبين في وقت لاحق أن طهران هي «الشريك الأكبر» في تحالف إيران وروسيا مع الأسد، وأن الأخير لا يمكنه الصمود والبقاء في الحكم بلا الميليشيات الموالية لإيران.
هكذا، لم تعد إسرائيل ترى فارقاً في بقاء الأسد أو رحيله، على الرغم من أن تل أبيب - تقول المصادر الاوروبية - لا تسعى لانهيار الأسد، وهي لا ترى أن للرجل تأثيراً متبقياً في مجريات الأوضاع في سورية.
وتتابع المصادر الأوروبية أن روسيا لا تزال تعد الاسرائيليين بأنه لو قيّض لها إتمام عملية إعادة تأهيل الأسد سياسياً ودولياً، يمكنها حينذاك إخراج إيران من الصورة، لكن إسرائيل لا يبدو أنها تصدق الوعود الروسية، بل تعتقد أن سورية انتهت كدولة موحدة مركزها دمشق، وأن على كل من الدول المحيطة بها الدفاع عن مصالحها داخل الأراضي السورية وحدها، وهو ما يفعله الاسرائيليون، بشكل متواصل، من خلال الغارات المتكررة التي تشنها مقاتلاتهم ضد أهداف تابعة لـ «حزب الله» اللبناني داخل سورية، لمنعه من إقامة بنية عسكرية تحتية في الجنوب يمكنه من خلالها تهديد إسرائيل.
ومع قيامها بما تعتقده دورها في الدفاع عن نفسها، رصد الأوروبيون خيبة أمل إسرائيلية من واشنطن، خصوصاً بعد وصول صديق اسرائيل، أي ترامب، إلى البيت الابيض، فإسرائيل كانت تعتقد أن أميركا ستوسع حربها غرب العراق لتشمل شرق سورية، وتقطع - بالاشتراك مع أكراد سورية والعراق - الجسر الإيراني الممتد من طهران إلى بيروت، عبر العراق وسورية.
لكن إدارة ترامب لم تقم بما توقعه الاسرائيليون. مع ذلك، يعتقد الأوروبيون أن إدارة ترامب ستتمسك بموقفها الرافض لبقاء الأسد في السلطة، وهو ما يقوي من موقف الأوروبيين المتمسكين بالموقف نفسه، والمصرّين على أن أي حل سوري سيكون وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الصادر نهاية العام2015.
وينص القرار المذكور على مرجعية مقررات مؤتمر جنيف الأول، والتي تلزم السوريين، بمن فيهم الأسد ونظامه، بالانخراط في عملية انتقالية، تفضي لانتخابات ودستور جديد.
ويختم الديبلوماسيون الأوروبيون أنه خلال «جنيف 1»، كان الأسد في موقع ضعيف، واضطرت روسيا للتنازل لإنقاذه، ولكن الأمور على الارض انقلبت لمصلحته اليوم، وهو ما يدفع موسكو للسعي لتقويض قرارات التسوية الماضية ومحاولة استبدال الحكومة الانتقالية بحكومة «وحدة وطنية»، وكتابة دستور جديد وإجراء انتخابات، أي أن التغييرات التي تقترحها روسيا شكلية فقط وتؤدي إلى تثبيت الأسد في الحكم، بدلاً من فتح الباب أمام بدلاء.
بالنسبة لأوروبا، أي فرنسا وبريطانيا وألمانيا خصوصاً، فهي متمسكة بالقرار 2254، ومقررات جنيف، والتسوية المبنية على عملية انتقالية وانتخابات بإشراف دولي صارم. أما مؤتمرات روسيا، في سوتشي وغيرها، فهي لا تُغيّر في وضع الأسد كثيراً، إذ يبقى معزولاً دولياً، وعلاقاته الدولية مقتصرة على حفنة حلفائه نفسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق