| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
كان واضحاً تردد الرئيس دونالد ترامب في لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بسبب الأنظار المسلطة في الولايات المتحدة على التحقيقات في إمكانية وجود تواطؤ بين حملة ترامب الانتخابية وموسكو. وكان البيت الأبيض أعلن نية ترامب لقاء بوتين على هامش قمة «التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي»، قبل أن يعلن إلغاء اللقاء بحجة تضارب في مواعيد جدولي أعمال الرئيسين.
لكن على الرغم من إلغاء اللقاء، بدا وكأن ترامب عقد فعلياً اجتماعه مع بوتين من خلال دردشات متفرقة على هامش القمة، تلى ذلك إصدارهما بياناً مشتركاً حول الأوضاع في سورية.
وبدا جلياً أن ترامب حقق ما يشبه الانتصار بحمله بوتين على التخلي عن مشروع «مؤتمر الحوار الوطني السوري» (كان سابقاً اسمه «مؤتمر شعوب سورية»)، الذي كانت تطمح موسكو من خلاله الى تجاوز مقررات مؤتمر جنيف الأول، والذي تم تكريس بنوده في مؤتمرات لاحقة في جنيف وفي قرار مجلس الأمن رقم 2254.
وتنص مقررات جنيف على محورية عملية الانتقال السياسي في سورية، من النظام بشكله الحالي، إلى نظام يتوافق عليه السوريون، مع ما يرافق ذلك من كتابة لدستور جديد، قد يحوّل البلاد من نظام رئاسي إلى برلماني، ومع انتخابات بتنظيم وإشراف دوليين صارمين.
أما في «مؤتمر الحوار السوري» الذي كانت روسيا تخطط لعقده في مدينة سوتشي، فهدفه إلغاء بند الانتقال السياسي، واستبداله بدخول المعارضة، حتى المؤيدة منها للرئيس السوري بشار الأسد، في حكومة وحدة وطنية، تقوم بالإشراف على كتابة الدستور، وإجراء انتخابات، مع ما يعني ذلك من إبقاء الرئاسة السورية، وتالياً الأسد، خارج أي عملية تغيير سياسي تجري في سورية.
ويبدو أن لدى ترامب خطة تؤدي إلى تحسين العلاقات بين واشنطن وموسكو، وهو ما يخفف الاحتقان الاميركي ويسمح بالتخلص من التحقيقات التي تلاحق ترامب ومساعديه. خطة ترامب تقضي بإظهار فوائد العلاقة الجيدة مع موسكو، والتي ستكون باكورتها إنهاء الحرب السورية، والتوصل الى تسوية، كان سلف ترامب، باراك أوباما، فشل بالتوصل اليها، لأن «لا مواهب لديه»، حسب دردشة ترامب مع الصحافيين على متن طائرة الرئاسة في طريقها إلى هانوي.
وأبلغ ترامب الصحافيين أنه يمكن لتعاونه مع بوتين أن يؤدي الى حل الأزمة المتفاقمة مع كوريا الشمالية. وقال إن الصين فرضت أقسى العقوبات التي يمكنها فرضها على بيونغ يانغ، التي يبدو أنها استبدلت الرعاية الصينية الماضية لها برعاية روسية، وهو ما يعني أن الحل في كوريا الشمالية يمر في موسكو كذلك.
وسبق لوكالات الاستخبارات الاميركية أن أشارت إلى أن محركات الصواريخ التي استخدمتها كوريا الشمالية لاجراء تجارب تفجيرات رؤوس هيدروجينية هي محركات تمت صناعتها في معامل روسية.
هكذا راح ترامب يطلق وعوداً مفادها أن تعاونه مع بوتين، الذي لم يتمكن أسلافه من التوصل إليه على الرغم من محاولاتهم، سيثبت جدوى تحسين العلاقات مع روسيا، وتالياً لا جدوى للتحقيقات في امكانية تدخل موسكو في الانتخابات العام الماضي، وهو ما قاله ترامب ان بوتين نفاه أمامه بشكل متكرر.
وإذا كان الرئيس الروسي سيتراجع كرمى لعيون نظيره الأميركي في سورية وكوريا الشمالية، حتى يقدم ترامب إنجازاته في السياسة الخارجية للأميركيين، فماذا سيجني بوتين؟
الإجابة ان بوتين يسعى لأمرين: الأول هو قيام الولايات المتحدة برفع عقوباتها المفروضة على موسكو بسبب عملية الاغتيال التي تعرض لها المعارض سيرغي ماكغنيتسكي. أما الأمر الثاني، فسكوت الولايات المتحدة عن قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم الاوكرانية. وسبق لترامب ومساعديه أن حاولوا تلبية مطلبَيْ بوتين.
صحيح أن ترامب غير قادر على رفع عقوبات الكونغرس الحالية عن روسيا، الا أنه حاول نقض قانون صدر قبل اسابيع حمل عقوبات مشددة على موسكو، وقعه ترامب على مضض بسبب الإجماع في الكونغرس، وهو إجماع أطاح بمقدرة الرئيس على النقض. لكن على الرغم من توقيعه القانون، لم يقم ترامب بتنفيذ أي من بنوده، حتى بعد مرور الموعد النهائي الذي حدده القانون لفرض عقوبات جديدة.
حول أوكرانيا، قام مساعدو ترامب، العام الماضي، باستباق المؤتمر العام للحزب الجمهوري بشطب البنود في بيان الحزب، التي كانت تتحدث عن ضرورة انهاء الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم الاوكرانية، وهي احدى الخطوات التي تخضع للتحقيقات الجارية حالياً في واشنطن.
ترامب وبوتين يأملان أن تؤدي انفراجات الأزمات العالمية، مثل سورية وكوريا الشمالية، الى انفراجات في العقوبات الاميركية على روسيا، وفي اعتراف واشنطن بضم موسكو شبه جزيرة القرم، لكن لا يبدو أن بوتين ممسك بسورية بالشكل الذي يسمح له بإصدار وعود لترامب، إذ إن غالب القوات البرية المقاتلة تابعة لايران. وكان مستشار المرشد الايراني علي ولايتي زار حلب الاسبوع الماضي، ووعد باستعادة الأسد شرق سورية، من أميركا وحلفائها، وشمالها، من تركيا وحلفائها، وهو ما يخالف اتفاقيات خفض التصعيد التي ترعاها روسيا وتُسوِّق لها.
كذلك، من غير المؤكد أن يكون لبوتين تأثير يذكر على بيونغ يانغ لإقناعها بالتنازل عن حصولها على سلاح نووي.
وكما يبدو أن بوتين وعد أكثر مما يقدر على الايفاء به، كذلك لا مقدرة لترامب على إقناع أميركا بصداقة روسيا، فالرئيس الأميركي غارق في تحقيق لا قدرة له على إيقافه، حتى حزبه الجمهوري لم يلتفت الى تعليماته وصادق بالاجماع على عقوبات جديدة على موسكو في الكونغرس. كما يستبعد ان يقدر ترامب على منح ضم القرم شرعية لروسيا.
ومع تقديم الرجلين لوعود أكثر مما يمكنهما تحقيقها، من المرجح أن تتمخض التسوية التي أيداها في سورية عمّا سبق لها أن تمخضت عليه منذ بدايتها في العام 2011 حتى اليوم، أي استمرار الأوضاع على ما هي عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق