واشنطن - من حسين عبدالحسين
انشغلت الاوساط الاميركية بقيام وزارة الخارجية، في تقريرها السنوي عن حقوق الانسان، الصادر أول من أمس، بإسقاط كلمة «احتلال» في وصفها الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، على غرار ما دأبت فعله الوزارة في تقاريرها المتوالية عبر السنوات الماضية. كذلك، لم تشر الوزارة الى الجولان السوري كأرض محتلة، بل اكتفت بوصفه على انه تحت «السيطرة الاسرائيلية».
وفيما اعتبر مراقبون أميركيون ان الخطوة الحكومية هي الاولى على طريق اعتراف الولايات المتحدة بسيادة اسرائيل على القدس الشرقية، والجولان السوري، بالمستوطنات الاسرائيلية في الضفة، رأى كثيرون ان هذه الخطوة تشبه تظاهر الرئيس دونالد ترامب باعتراف ادارته بالقدس عاصمة لاسرائيل.
وكان ترامب قام بنقل السفارة من تل ابيب الى القدس الغربية، في محاولة منه للايحاء ان بلاده اعترفت بالقدس عاصمة لاسرائيل. لكن ما لم يقله ترامب هو ان واشنطن نقلت سفارتها الى القدس الغربية فقط، فيما اكتفى هو بالاشارة الى القدس بشكل عام كعاصمة لاسرائيل، من دون ان يتلفظ هو، او اي من المسؤولين في ادارته، بعبارة «القدس الموحدة»، أي الغربية والشرقية.
وتنص القرارات الدولية على ان القدس الغربية تكون تحت السيادة الاسرائيلية، فيما الشرقية تحت سيادة عربية، اردنية في الماضي، وفلسطينية في حال التوصل الى تسوية تفضي الى قيام دولة فلسطين.
لكن رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي لا تختلف شعبويته عن شعبوية ترامب، تلقف اعلان نقل السفارة الاميركية الى القدس، وراح يكرر ان اميركا اعترفت بـ«القدس الموحدة عاصمة ابدية» لدولة اسرائيل، وهو ما لم يحصل قط.
وكما في موضوع القدس، كذلك في الضفة والجولان، راح نتنياهو يعلن على الملأ انه يسعى لدى اصدقائه في واشنطن لنيل اعتراف اميركي بالسيادة الاسرائيلية عليهما. وضاعف من تصريحاته في هذا السياق مع اقتراب موعد الانتخابات في 9 ابريل المقبل.
وزار الدولة العبرية، السناتور الجمهوري المخضرم ليندسي غراهام، وجال في الجولان السوري، وصرّح بأنه سيسعى لدى الادارة لحملها على الاعتراف بسيادة اسرائيل على الاراضي السورية المحتلة.
وفي السياق نفسه، واصل سفير الولايات المتحدة في اسرائيل دايفد فريدمان، وهو من اكثر اليهود الاميركيين الداعمين للاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية، مساعيه لدى حكومة بلاده لحملها على الاعتراف بشرعية المستوطنات، والتخلي عن الموقف الاميركي الرسمي القائم منذ عقود، والمبني على اعتبار ان الضفة والقدس الشرقية اراض فلسطينية تحتلها اسرائيل.
والتغيير في الموقف من الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان السوري طاول الدولة العبرية نفسها، التي تكرر حكومتها اليوم ان هذه الاراضي إسرائيلية، وانه على العالم الاعتراف بإسرائيليتها. لكن حتى الماضي القريب، لطالما كان موقف اسرائيل مبنيا على اعتبار اليمين انها «اراض متنازع عليها»، فيما كان اليسار يسميها محتلة. حتى رئيس الحكومة الراحل، ومطلق الحركة الاستيطانية بعد حرب 1967، ارييل شارون، وصف قبل مماته الضفة الغربية بالاراضي المحتلة، وقال ان مستقبل اسرائيل في خطر ما لم تنسحب من هذه الاراضي وتتخلى عن حكم اكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة.
الاندفاعة اليمينية في اسرائيل والولايات المتحدة، هي التي دفعت المسؤولين في الخارجية الى الاطاحة بتسمية محتلة للاراضي الفلسطينية والجولان، لكن هذه الاطاحة لا تزال بعيدة كل البعد عن الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على هذه الاراضي، ما يعني ان التعديل في الصياغة الذي طال تقرير حقوق الانسان الصادر عن وزارة الخارجية هو - كما عملية نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس - مناورة سياسية موجهة الى القواعد الانتخابية، وهي مناورة لم تؤثر في وضع القدس القانوني، ولا هي ستؤثر في الموقف الرسمي للولايات المتحدة تجاه الاراضي الفلسطينية او الجولان، او اعتبار ان أيا منها خاضعة للسيادة الاسرائيلية، ما لم يتخل السوريون انفسهم او الفلسطينيون عن جزء من، او كل، هذه الاراضي، في تسوية سياسية مع الاسرائيليين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق