حسين عبدالحسين
أمضى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما رئاسته وهو يسعى لمحو كلمة إرهاب، لاعتقاده أنها مسيئة للمسلمين، وحاول استبدالها بعبارة "العنف المتطرف". وراح الجمهوريون يتحدونه أن يتلفظ بكلمة إرهاب، على إثر جرائم سياسية ارتكبها مسلمون في الولايات المتحدة والعالم. ثم كان أول ما فعله الرئيس دونالد ترامب هو استخدامه كلمة الإرهاب مقرونة بجرائم المسلمين دون غيرهم، فيما تفادى ترامب إطلاق الكلمة على المتطرفين البيض، مثلا، على إثر مجزرة المعبد اليهودي في بنسلفانيا، على الرغم أنه وصف تلك الحادثة بـ"المجزرة شريرة".
في عالم السياسة، حاول رئيس إلغاء لفظة "إرهاب"، وحاول آخر إلصاقها بمسلمين دون غيرهم من المجرمين؛ لكن في عالم القانون، الإرهاب هو ممارسة فرد أو مجموعة غير حكومية، للعنف لأهداف سياسية، وهو لا يتضمن أي عنف تقوم به الحكومات، إذ يمكن محاسبة الحكومات في مجلس الأمن الدولي، أو عن طريق عقوبات وما شابه. أما المجموعات غير الحكومية وعنفها العابر للحدود، فمحاسبتها صعبة، وتتطلب قيام الدول المضيفة بضبط المجموعات الإرهابية، أو يقوم المجتمع الدولي بذلك، مثل في أفغانستان، وبعدها في العراق مع ظهور داعش.
ويعتقد عدد من الغربيين أن مشكلة الإرهاب تكمن في الدين الإسلامي ونصوصه، بما فيها القرآن، وأنها نصوص تحرّض على العنف، وأن المطلوب إلغاؤها، وذلك بربطها بسياق الوقت الذي نزلت فيه، والجماعة الذين خاطبتهم، ما ينفي وجوب التزام مسلمي اليوم بها.
لكن إلقاء لائمة الإرهاب على نصوص المسلمين لا يفسر الإرهاب الذي يمارسه غير المسلمين، مثل أصحاب نظرية "تفوق البيض" ممن استهدفوا معبدا لليهود في بنسلفانيا، ومسجدين للمسلمين في نيوزيلندا.
الإرهاب اليوم يرتبط في الغالب بصعود الهويات العابرة للحدود. في الماضي، كانت هوية الأفراد تقتصر على دولهم: نيجيريون، كويتيون، هنود، بولنديون، أميركيون، وغيرهم. ثم جاءت العولمة، وترافقت مع كثافة في الهجرات، فامتزجت الشعوب، وتحللت الهويات القومية والطبقية، وصعدت مكانها الهويات العرقية والدينية، التي وجدت نفسها في مواجهة بعضها البعض في معظم دول العالم: المهاجرون يشكون التهميش، والمضيفون يشكون استيلاء المهاجرين على موارد رزقهم وأعمالهم، ويحاول كلا الطرفين فرض ثقافته ـ قدر الإمكان ـ على الحيز العام، الذي يفترض أن يكون حياديا بلا هوية.
وبسبب الهويات العابرة للقارات، صارت مهاجرة صومالية مسلمة إلى الولايات المتحدة، مثلا، تقود حملة ضد إسرائيل، للمطالبة بإعطاء السيادة للمسلمين وتسمية الدولة فلسطين. الأرجح أن المهاجرة الصومالية المذكورة بالكاد تعرف فلسطين وأهلها وثقافتها، وأنها لا تعرف الفارق بين المقلوبة والمدردرة، وهما أكلتين مشرقيتين، وأنها نشأت على أكل الكانجيرو والمرق، تماما مثل الأثيوبيين ذوي الغالبية المسيحية. لكن الهويات لم تعد محلية أو إقليمية، بل صارت هويات متخيلة عابرة للقارات، فاعتبار أن المسلمين ثقافة واحدة، أو حتى دين واحد، هو كقول إن كاثوليك البرازيل هم دين واحد وثقافة واحدة مع بروتستانت ألمانيا، فقط لأن الطرفين يصنفان نفسيهما في خانة المسيحيين.
خلال خطاب حال الاتحاد الأخير للرئيس دونالد ترامب، غرّدت مواطنة أميركية مسلمة صورة لعضوتي الكونغرس من أصول مسلمة، رشيدة طليب وإلهان عمر، وهما تستمعان للخطاب. كتبت الأميركية المسلمة، وهي من ولاية فيرجينيا، أنها للمرة الأولى في حياتها تشعر أنها ممثلة في الكونغرس. طبعا طليب تمثل الدائرة 13 في ولاية ميشيغان، بمسلميها ومسيحييها ويهودييها وملحديها، ومثلها عمر تمثل أميركيي الدائرة 5 في ولاية مينيسوتا، أي أن أيا منهما لا تمثلان الأميركية المسلمة ولا تمثلان مصالحها.
في غياب الهويتين القومية والطبقية، تصبح الهوية الوحيدة المتاحة هي الهوية العرقية أو الدينية، وهذه لا مصالح واضحة لها ولا أهداف، بل ادعاء متواصل للمظلومية، وتحميل أسباب الفشل للمجموعات الأخرى، وهو ما يؤدي إلى تنافس عقائدي خرافي، نصفه في الأرض، ونصفه الآخر في السماء، وفيه من التاريخ المتخيل أكثر من الحاضر الحقيقي.
أما أبرز الحلول للقضاء على آفة الارهاب، الذي يمارسه الغلاة والمتطرفون في كل مجموعة سكانية في العالم، فيكمن في تبني أفكار عصر التنوير الأوروبي، المبنية على أن كل فرد لنفسه ولمصلحته، في إطار قومي أو طبقي، وأن لكل من الأفراد حول العالم حقوق متساوية، وعليهم واجبات، وأن المساواة تتحقق في صناديق الاقتراع، حيث يمكن لكل فرد أن يدلي برأيه حول شكل الحيز العام وسياسات الدولة.
كل ما عدا ذلك، من قبيل التنوع، وتقبل الآخر، والتعايش، يعني في الواقع تعزيز الهويات الجماعية العرقية والدينية على حساب حقوق الأفراد والمساواة بينهم كأفراد لا كمجموعات، ويعني تغذية الصراع الحالي ـ بشقيه السلمي، والعنفي الإرهابي ـ اليوم وفي قادم الأيام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق