واشنطن - من حسين عبدالحسين
علّقت مصادر في الادارة الأميركية على الجدال الدائر في لبنان حول عودة اللاجئين السوريين، المقدر عددهم بحوالي مليون لاجئ، الى ديارهم، مع انحسار العمليات العسكرية بين القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد ومعارضيه، بالقول ان «الأسد نفسه لا يريد عودة هؤلاء اللاجئين».
ويطالب التحالف الذي يقوده «حزب الله»، والذي يشارك فيه الرئيس اللبناني ميشال عون وبطريرك الموارنة بشار الراعي، بعودة فورية للاجئين السوريين - وغالبيتهم من المسلمين السنة - الى بلادهم، تفادياً لاي اخلال بالميزان الطائفي اللبناني، حيث يتوزع اللبنانيون بالتساوي بين ثلاثة: سنة وشيعة ومسيحيين. اما رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، فهو يطالب بـ«عودة آمنة» للاجئين السوريين، وهو ما يفترق بعض الشيء عن مطالبات «حزب الله» وعون بالعودة الفورية وغير المشروطة.
على ان المصادر الأميركية ترى ان «الأسد نفسه ليس متحمساً لعودة السوريين المقيمين في لبنان الى سورية»، وان «السلطات السورية قامت بعرقلة عملية العودة بحجة التثبت من الملف الأمني لعدد كبير من اللاجئين السوريين في لبنان، ورفضت دمشق عودة عدد كبير منهم».
وتقول المصادر ان دمشق وحلفاءها في لبنان اقاموا آلية لتنظيم العودة، يقوم بموجبها اللبنانيون بارسال لوائح باسماء وبيانات اللاجئين المطلوب عودتهم الى السلطات السورية، التي تمنح موافقة على عودة البعض، وترفض عودة البعض الآخر.
وتتابع ان «الذريعة الأمنية هي واحدة من ذرائع كثيرة يقدمها نظام الأسد الى بيروت لرفض عودة لاجئين الى سورية»، وان «الاسباب الحقيقية لرفض عودة هؤلاء الى ديارهم مرتبطة بأمور اقتصادية متعددة، في طليعتها الضغط الاقتصادي الذي تفرضه عودتهم».
ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان سياسة الأسد تشير إلى ان عددا كبيرا من تم تهجيرهم من بلداتهم في سورية كان تهجيرا دائما، وان احد دوافع التهجير هو احداث تغيير ديموغرافي يسعى اليه نظام الأسد منذ زمن بعيد. وما يؤكد التغيير الديموغرافي الذي يصبو اليه النظام السوري هو قيام الرئيس الراحل حافظ الأسد باعادة توطين عدد كبير من السوريين المنتمين للطائفة العلوية، التي تنتمي اليها عائلة الاسد، في مناطق محيطة بالمدن الكبرى، وفي طليعتها دمشق وحمص واللاذقية. ويسكن العلويون تاريخياً شمال غربي البلاد.
على ان الجيب الذي حافظ الأسد عليه اثناء المواجهات العسكرية، على مدى السنوات الثمانية الماضية، خسر الكثير من الغالبية السنية، حتى ان «الأسد تحدث في احدى اطلالاته الاعلامية عن ان الشعب السوري صار اكثر تجانسا» بعد الثورة السورية والحرب التي تلتها.
ومن السياسات التي تؤكد تمسك الأسد بسياسة التغيير الديموغرافي سلسلة القوانين والمراسيم التشريعية التي اصدرها النظام بخصوص ملكية الاراضي. ويصف مسؤولون أميركيون القانون الرقم 10، والذي يفرض على كل سوري تثبيت ملكيته لعقاراته في مهلة عام تحت طائلة خسارتها لمصلحة مالكين جدد الارجح انهم من العلويين الموالين للنظام، على انه «اكبر عملية مصادرة غير شرعية للأراضي في منطقة الشرق الاوسط منذ عقود».
ويلفت المسؤولون الى ان مقربين من النظام بدأوا فعلا بالاستيلاء على عقارات تعود الى سوريين تم تهجيرهم قسرا في ايام المواجهات العسكرية. ويتوقع الاميركيون ان الملكية السنية للأراضي، في الجيب الذي يسيطر عليه الأسد، ستتراجع الى ادنى حدودها.
ختاما، يقول المعنيون الاميركيون ان من شأن عودة اللاجئين من لبنان والاردن وتركيا ان تساهم في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي تعاني منها حكومة الأسد، بسبب النقص الحاد في الموارد وفي العملات الصعبة، في ظل حصار اقتصادي دولي مفروض، «لن ينفرج من دون تخلي الأسد عن السلطة ودخوله في تسوية شاملة مع معارضيه».
لكل هذه الاسباب، يرى المسؤولون ان الأسد ليس في عجلة من أمره لاعادة اللاجئين الى ديارهم. اما النقاش الحاد المندلع في لبنان، «فمن باب الشعبوية التي يحرّض فيها السياسيون اتباعهم، ويحافظون فيها على ولائهم».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق