واشنطن - من حسين عبدالحسين
من المتوقع ان يصادق مجلس النواب في الكونغرس الأميركي، اليوم، للمرة الثالثة في تاريخ الولايات المتحدة، على خلع الرئيس دونالد ترامب بتهمتي «استغلال السلطة لتحقيق مآرب شخصية» و«عرقلة التحقيقات التي أجراها الكونغرس».
ويتهم مجلس النواب ترامب بممارسة ضغوط على اوكرانيا، بما في ذلك تجميد مساعدات عسكرية بقيمة 400 مليون دولار لحمل كييف على إعلان بدء التحقيقات بتهم فساد بحق هانتر بايدن، نجل المنافس الديموقراطي للانتخابات الرئاسية المقبلة نائب الرئيس السابق جو بايدن.
وكانت لجنة العدل في مجلس النواب، برئاسة الديموقراطي جيرولد نادلر، صادقت، أول من امس، على القرار الاتهامي، الذي تصوّت عليه الهيئة العامة للمجلس، اليوم. ومن المتوقع ان تتم المصادقة على القرار في مجلس تسيطر عليه غالبية من الحزب الديموقراطي المعارض لترامب وحزبه الجمهوري، على ان يتم تحويل القرار الاتهامي الى مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية من الجمهوريين.
ويحتاج ترامب الى تصويت 36 سناتوراً فقط ضد اخراجه من الحكم ليحافظ على منصبه، وهو امر تعتقد غالبية الخبراء انه سيكون يسيرا على الرئيس.
وفي وقت كان يسعى ترامب للاخذ بثأره وحفظ بعض ماء الوجه في مجلس الشيوخ الذي يترأسه السناتور الجمهوري ميتش ماكونيل، بدت عملية ثأر الجمهوريين أكثر تعقيداً مما كانوا يتصورونه، اذ بعدما أطلّ ماكونيل عبر قناة «فوكس» اليمينية ليقول إن محاكمة ترامب في مجلسه ستكون بالتنسيق مع البيت الابيض، اتضح ان تصريحات ماكونيل معارضة للدستور، اذ يتحول «الشيوخ» المئة الى هيئة محلفين، ويتم لهذا الغرض اجبارهم على حلف اليمين في قسم يختلف عن قسمهم كشيوخ، وهو قسم مخصص لدورهم كمحلفين حياديين، ما يعني ان تصريحات ماكونيل والسناتور الجمهوري المخضرم ليندسي غراهام، والذي قال انه لا يرى نفسه محايداً في محاكمة ترامب، هي تصريحات يمكنها ان تحرمهم التصويت.
وزاد في الطين بلّة للجمهوريين ان المحاكمة، المقررة ان تبدأ الشهر المقبل، لا يديرها ماكونيل، بل يترأسها رئيس المحكمة الدستورية العليا جون روبرتس، وهو ما يعني ان ماكونيل لن يحدد طول المحاكمة، على الرغم انه سبق ان اعلن انها ستكون محاكمة سريعة من دون شهود.
ولأن روبرتس هو القاضي في محاكمة ترامب، يعتقد الشيوخ الديموقراطيون ان بوسعهم الطلب اليه اصدار الامر بمثول بعض الشهود اثناء جلسات المحاكمة، بعدما كان ترامب منع العاملين في ادارته من المثول امام لجان الكونغرس، مخالفا بذلك الدستور الذي يعطي هذه اللجان سلطات احضار واجبار على الشهادة تضاهي في سلطتها سلطات المحاكم الاميركية.
كما انقلب على ترامب تمنّعه عن تسهيل تحقيقات الكونغرس والسماح بمثول اي شهود او ارسال أي محامين ليترافعوا عنه، اذ أطلّ زعيم الاقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السناتور تشاك شومر ليقول في مؤتمر صحافي إن واجب اي محاكمة ان تستمع الى شهود، وانه طالما ان هؤلاء الشهود لما يشاركوا في جلسات مجلس النواب، فلا مفرّ من مشاركتهم في المحاكمة في مجلس الشيوخ.
وطلب شومر في رسالة الى ماكونيل مثول شاهدين من ادارة ترامب، هما رئيس موظفي البيت الابيض ميك مولفاني ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون.
وسبق لمولفاني ان صرح بان ادارة ترامب قامت فعليا بممارسة ضغوط على اوكرانيا «لمقايضتها» في موضوع اعلانها التحقيق، وفي وقت لاحق تراجع عن كلامه واتهم الاعلام بتحويره.
أما بولتون، الذي تم اخراجه من البيت الابيض بطريقة مذلّة، فيبدو ان احد اسباب اخراجه كان رفضه بالضبط عملية المقايضة التي كان ترامب يسعى اليها. ويوم جاءت مسؤولة ملف اوكرانيا السابقة في مجلس الأمن القومي فيونا هيل الى بولتون تشكي اليه ما كان ازلام ترامب يقومون به في اوكرانيا، اقترح بولتون عليها ان تحمل شكواها الى المفتش العام للمجلس، مردفاً انه لا يقبل ان يشارك «في صفقة المخدرات» التي كان ترامب ومساعدوه يعملون عليها مع الاوكرانيين.
و«صفقة المخدرات»، تعبير يستخدمه السياسيون الاميركيون للدلالة على أي صفقة سياسية مخالفة للقوانين.
وكان لافتا ان شومر لم يطلب مثول عمدة نيويورك السابق رودي جولياني، الذي يعمل حالياً بصفة المحامي الشخصي للرئيس، والتي يُظهر نص المكالمة الهاتفية بين ترامب ونظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي ان جولياني كان المسؤول الاول عن ادارة وإتمام الصفقة مع الاوكرانيين. وفي تصريح له في مجلة «نيويوركر»، اعترف جولياني بانه اوعز لوزارة الخارجية بالاطاحة بسفيرة اميركا في اوكرانيا ماري يوفانوفيتش لانها كانت تقف عقبة امام الصفقة التي كان يسعى اليها، وهو تصريح بمثابة اعتراف جديد يضاف الى سلسلة التجاوزات غير القانونية التي قام بها ترامب وفريقه، وصارت معظمها موثّقة ومعلومة.
ويبدو ان جولياني بدأ يغرق قانونياً، مع قيام محكمة اميركية بادانة وسجن اثنين من شركائه الاميركيين من أصول اوكرانية، في وقت تتواصل التحقيقات بحقه.
ولعلمه ان العمدة السابق صار «مسموماً»، اجاب الرئيس اثناء سؤال احد الصحافيين له، ما إذا كان جولياني اخبره عمَا كان يقوم به في اوكرانيا، بالقول ترامب «القليل جداً»، وهو ما يشي بان ترامب ربما يستعد «لالقاء محاميه تحت عجلات الباص»، حسب التعبير الاميركي الشائع، اي انه سيحاول انقاذ نفسه حتى لو على حساب غرق محاميه.
وسبق لجولياني ان اعلن ان «لديه بوليصة تأمين»، أي عدد من القرائن، التي يمكنه اظهارها للعلن لحماية نفسه في حال تخلى عنه الرئيس الأميركي.
في المقابل (أ ف ب)، ساعدت البيانات الاقتصادية الجيّدة ترامب في حصوله على أعلى نسب تأييد منذ انتخابه.
ورغم أن استطلاع الرأي الذي أجرته «جامعة كوينيبياك» أشار إلى أن نسبة التأييد لترامب بلغت 43 في المئة، إلا أن الرقم لا يزال أقل بكثير من نسب التأييد لجميع رؤساء العهد الحديث في الولايات المتحدة تقريباً في الفترة نفسها من عهدهم.
وأظهر الاستطلاع الذي جرى بين 11 و15 ديسمبر أن 52 في المئة من الأميركيين لا يزالون غير راضين عن أداء ترامب. وبقيت نسب التأييد منخفضة نسبيًا على مدى عهده.
وتكشف الأرقام الأخيرة عن تزايد التأييد لترامب رغم اجراءات العزل التي تهدد رئاسته.
ويبدو أن معظم التأييد مرتبط بالنظرة الإيجابية للاقتصاد، الذي يشهد فترة نمو قوي وسط نسب بطالة منخفضة لمستويات قياسية.
وأظهر الاستطلاع الأخير أن نحو ثلاثة أرباع المستطلعين (73 في المئة) رأوا أن الاقتصاد في وضع جيّد أو ممتاز.
وأظهر الاستطلاع تغيّراً طفيفاً في الأرقام بشأن عزله الذي أيّده 45 في المئة مقابل 51 في المئة عارضوا الخطوة. وبلغت نسب تأييد ومعارضة عزله في أكتوبر 45 و48 في المئة.
وعند فرز الإجابات على أساس حزبي، بدت نتائج الاستطلاع مختلفة بشكل كبير إذ عارض 95 في المئة من الجمهوريين عزل ترامب بينما أيّد ذلك 86 في المئة من الديموقراطيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق