واشنطن - من حسين عبدالحسين
في ما بدا تحولاً في الاستراتيجية الأميركية في سورية، أعلن وزير الخارجية ريكس تيلرسون أن القوات الأميركية لن تبقى في سورية بهدف تحقيق الهزيمة الكاملة لتنظيم «داعش» فحسب، بل أيضاً لمواجهة نفوذ إيران والمساعدة في نهاية المطاف على دفع الرئيس السوري بشار الأسد خارج السلطة.
وكرر التأكيد أن قوات بلاده، وقوامها ألفي مستشار عسكري، باقية في الأراضي السورية شرق الفرات، إلى أن يختار السوريون حكومة جديدة، تحوز على مصداقية دولية، بعدما تحول الأسد وحكومته إلى ألعوبة في أيدي إيران.
وجاءت تصريحات الوزير الاميركي في خطاب، عن السياسة الاميركية حيال الازمة السورية، ألقاه بجامعة ستانفورد المرموقة بولاية كاليفورنيا، مساء أول من أمس، تلته جلسة أسئلة وأجوبة أدارتها وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس.
وإذ اعتبر أنه «أمر حاسم لمصلحتنا الوطنية أن نحافظ على وجود عسكري وديبلوماسي في سورية»، أوضح تيلرسون أن الهدف الاول للمهمة العسكرية سيبقى متمثلاً بمنع «تنظيم (داعش) من الظهور مجدداً»، لافتا الى أن «إحدى قدمَي التنظيم باتت في القبر، ومن خلال الحفاظ على وجود عسكري اميركي بسورية، ستُصبح له قدَمان» في القبر.
ودعا تيلرسون الى عدم «ارتكاب الخطأ نفسه كما في العام 2011» عندما «سمح الخروج المبكر من العراق لتنظيم (القاعدة) بأن يبقى على قيد الحياة» في هذا البلد.
ورأى أن «عدم الالتزام من جانب الولايات المتحدة» من شأنه أن يوفر لإيران «فرصة ذهبية من أجل أن تعزز بشكل إضافي مواقعها في سورية».
وقال في هذا السياق: «يجب أن نتأكد من ان حل هذا النزاع (السوري) لن يسمح لإيران بالاقتراب من هدفها الكبير وهو السيطرة على المنطقة»، مضيفاً ان «الانسحاب التام» للأميركيين من سورية «في هذه المرحلة سيساعد الاسد على مواصلة تعذيب شعبه».
وتابع انه «لسنوات، كانت سورية تحت حكم بشار الأسد دولة تابعة لايران»، وان «حكومة مركزية سورية لا يسيطر عليها الأسد سيكون لديها شرعية لتكرس سلطتها على البلد»، معتبرا ان «استعادة السيادة الوطنية (السورية) على أيدي حكومة جديدة، فضلاً عن خفض التوتر وتدفق المساعدات الدولية، مع عنف أقل، يعني شروطاً أفضل للاستقرار، وتسريع انسحاب القوات الاجنبية».
ولفت تيلرسون، إلى أن التدخل العسكري الأميركي في ليبيا، على نبالته، تسبب بمشكلة لأنه جاء من دون أن تواكبه أي خطوات سياسية وإنمائية تساهم في نقل الأمور من حالة المعارك الى حالة الاستقرار.
وشدد على أن قيام «سورية مستقرة وموحدة ومستقلة يتطلب بنهاية المطاف قيادةً لما بعد الأسد»، معتبراً أن «رحيل» الرئيس السوري في اطار عملية السلام التي تقودها الامم المتحدة «سيخلق الظروف لسلام دائم».
وكرر تيلرسون في خطابه مراراً الحديث عن ضرورة «رحيل» الرئيس السوري وعن سورية «ما بعد الاسد»، مؤكدا أن الولايات المتحدة لن تعطي دولاراً واحداً لإعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري وأنها تشجّع حلفاءها أن يحذوا حذوها. وأضاف: «في المقابل سنشجّع على مساعدة دولية من أجل إعادة اعمار المناطق التي حرّرها» التحالف بقيادة واشنطن وحلفائها من قبضة تنظيم «داعش».
وعبّر عن أمل بلاده بأن تكون «الرغبة بالعودة الى الحياة الطبيعية»، دافعاً للسوريين ومَن هم في داخل النظام، إلى دفع الاسد خارج السلطة.
ورغم أن رحيل الأسد لم يعد شرطاً مسبقاً للولايات المتحدة، فإن تيلرسون شدد على أنه مقتنع بأن انتخابات حرة وشفافة بمشاركة المغتربين وجميع الذين فروا من النزاع السوري «ستؤدي الى رحيل الاسد وعائلته من السلطة نهائيا»، لافتاً إلى أن ذلك سيستغرق «وقتا» و«لكن هذا التغيير سيحدث في نهاية المطاف».
ودأب مسؤولو إدارة الرئيس دونالد ترامب على القول انهم يمولون عمليات «تثبيت الاستقرار» في سورية، وهي عمليات تُعنى برعاية الشؤون المدنية للمناطق المحررة من «داعش». لكن المسؤولين الأميركيين يتفادون الحديث عن تمويل إعادة الإعمار خشية أن توحي تصريحاتهم للأميركيين بأن واشنطن عادت الى مشروع «بناء الأمم» الذي حاولت القيام به، مع فشل ذريع ما زال يفرض تراجعاً على الدور الاميركي حول العالم.
وفي قراءة لخطاب تيلرسون، قال الزميل في قناة «سي ان ان» مايكل وايز أن ما قاله الوزير الأميركي فعلياً هو التالي: «الأسد صار بضاعة منتهية الصلاحية، ونحن لم نقم بتنظيف الفوضى التي خلقها لنا (الأسد) حتى نسلمه سورية مجدداً ليخلق لنا فوضى. وكذلك لم نهزم (داعش) حتي يقيم (قائد«فيلق القدس»في«الحرس الثوري»الإيراني قاسم) سليماني جسراً برياً (من ايران الى لبنان)».
واضاف وايز انه فهم من خطاب تيلرسون ان أميركا تركت العراق فعاد تنظيم «القاعدة»، وأنها «لن تكرر هذه الغلطة مجدداً»، لافتاً إلى أنه على عكس الرئيسين السابقين جورج بوش الاب والابن، اللذين استخدما القوة العسكرية في محاولة لاعادة هندسة الشرق الاوسط، تلجأ إدارة ترامب الى نشر قوات أميركية للإبقاء على «آذان وعيون» الأرض، ولدعم الحلفاء، وللدفاع عن المصالح الاميركية، بغض النظر عن مجريات الأحداث الأخرى على الأرض السورية أو العراقية أو غيرها.
وفي أول رد فعل، رحب القيادي في المعارضة السورية هادي البحرة بخطاب تيلرسون، قائلاً لوكالة «رويترز» إن هذه هي المرة الأولى التي تصرح فيها واشنطن بأن هناك مصالح أميركية في سورية وأنها مستعدة للدفاع عنها.
لكنه أشار إلى الحاجة لمزيد من الوضوح بشأن كيفية فرض واشنطن تنفيذ العملية السياسية وكيف ستجبر نظام الأسد على القبول بتسوية سياسية تؤدي إلى توفير مناخ آمن ومحايد يؤدي إلى انتقال من خلال انتخابات حرة ونزيهة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق