حسين عبدالحسين
فجّرت التظاهرات المناوئة للنظام في إيران نقاشاً أميركياً محتدماً، سارع فيه الجمهوريون وادارة الرئيس دونالد ترامب لاتهام الديموقراطيين وادارة الرئيس السابق باراك أوباما بالتخلي عن "الثورة الخضراء"، التي كانت اندلعت في ايران عام 2009 وقام النظام بقمعها بعنف، في ظلّ صمت اميركي مشهود.
التظاهرات الايرانية أعادت عقارب الساعة الاميركية الى تلك الواقعة، وقدمت فرصة ليشير فيها ترامب والجمهوريون الى ما يعتقدون أن أوباما والديموقراطيين فشلوا في القيام به حيال "الثورة الخضراء". لهذا السبب، سارع كل من ترامب ونائبه مايك بنس الى التعبير عن دعم الحكومة الاميركية للتظاهرات الايرانية.
وفي ما كتب مسؤول الشرق الاوسط السابق في مجلس الأمن القومي فيليب غوردن أن أفضل ما يمكن لترامب القيام به هو التزام الصمت، حتى لا تشكل تصريحاته رصاصة الرحمة التي يطقلها النظام الايراني على المتظاهرين بتهمة بالعمالة، شن الجمهوريون هجوماً عنيفاً على الديموقراطيين، وحاولوا تفنيد المقولات التي أطلقها أوباما وصحبه لصناعة السياسة الاميركية الحالية تجاه ايران.
وقال الجمهوريون إن التظاهرات الايرانية تثبت أن الشعب الايراني ليس مؤيداً للحكومة، ولا هو يلتف حولها من باب القومية الفارسية وخشية التهديدات الغربية. واشار الجمهوريون الى أن الاتفاقية النووية مع ايران لم تحقق أياً من وعود أوباما، فهي لم تدفع معتدلي ايران الى الواجهة، ولم تساهم في التخفيف من نشاطات ايران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، ولا هي ولّدت الايجابية المزعومة التي يمكنها ان تسمح لواشنطن استعادة علاقاتها الطبيعية، وربما تحالفها، مع طهران.
التشكي من سياسات أوباما تجاه ايران، وإطلاق الوعود بتبني سياسات معاكسة، هي من الامور اليسيرة. الصعب في الموضوع هو أن يقدم ترامب وادارته خطة متكاملة، بشكل اكثر جدية من التصريحات والتغريدات، لدعم أي تحركات شعبية ايرانية ضد النظام الحاكم، في مسعى لزعزعته، أو ربما للاطاحة به.
وحتى تتمكن الولايات المتحدة من التأثير في مجرى الاحداث الداخلية في ايران، على الاميركيين استيعاب الوضع الايراني، والتكهن بتطوراته، والتحسب لأحداثه، والتحرك بشكل يخدم المصالح الاميركية.
على أن المشكلة تكمن في استحالة التكهن بالاحداث الايرانية، فالخبراء الاميركيون من أصول ايرانية، من معارضي النظام الايراني ومن مؤيديه، أجمعوا على الطابع العفوي والمفاجئ للتظاهرات الايرانية، واعتبروا أنها لعفويتها، لا يمكن التكهن بما ستؤدي اليه.
هكذا، كتب ابرز داعمي النظام الايراني في واشنطن تريتا بارسي مقالة في موقع "سي ان ان"، أشار فيها الى صعوبة التنبؤ بما يمكن ان تؤدي اليه الاحداث الايرانية، وكذلك فعل المعارض الايراني الاميركي في مركز "كارنيغي" كريم سدجادبور، الذي كتب في "ذي اتلانتيك" مقالة قال فيها، إن المؤكد الوحيد في التظاهرات الايرانية ان أحداً من الخبراء لا يعرف لماذا اندلعت، وكيف ستتطور.
بدوره، أشار الباحث الايراني في "مركز الشرق الاوسط" اليكس فاتانكا، في تغريدة على "تويتر"، إلى أن "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي اي)، كانت كتبت تقريراً استبعدت فيه اندلاع ثورة في ايران في عام 1979، قبل ثلاثة اشهر من اندلاع الثورة الايرانية ورحيل الشاه رضا بهلوي عن البلاد. واعتبر فاتانكا أنه في عام 1979، كما اليوم، ماتزال ايران عصية على تنبؤات الخبراء ووكالات الاستخبارات.
في ظل العجز الاميركي شبه التام عن فهم اسباب التظاهرات الايرانية، وفي ظل العجز الاميركي عن التنبؤ بمجريات الاحداث المتوقعة، وفي ظل غياب قيادة واضحة للحركة الايرانية الاعتراضية في الشارع، تصبح تصريحات ترامب ونائبه ماسك بنس النارية الداعمة للتظاهرات الايرانية مجرد تصريحات هدفها مناكفة الديموقراطيين، والاشارة الى فشلهم في فهم ايران وواقعها، اكثر من كونها تصريحات تعكس تغييرات واضحة ومفهومة في السياسة الاميركية تجاه ايران.
قد تقدم واشنطن بعض الدعم للايرانيين المطالبين باسقاط النظام، لكن حتى ادارة أوباما كانت اوعزت الى موقع "تويتر"، عام 2009، بتطوير أساليب من شأنها أن تبقي الموقع متفوقاً على الرقابة الايرانية حتى تسمح للمعارضين بالاستمرار في "الثورة الخضراء". مع ذلك، قامت طهران بقمع الثورة المذكورة بعنف ووحشية، ولا سبب يجعلنا نعتقد ان ادارة ترامب ستقوم بأكثر مما قامت به سابقتها، عدا عن التصريحات النارية، التي تحاشها أوباما اعتقادا منه انها تضعف المعارضين الايرانيين بدلا من تقويتهم.
لهذا السبب، تشكل التظاهرات الايرانية اليوم مناسبة لتصفية الحسابات بين الجمهوريين والديموقراطيين داخل واشنطن، اكثر من تقديمها فرصة يمكن للادارة الحالية استغلالها لزعزعة نظام الجمهورية الاسلامية أو الاطاحة به، وهو ما يعني أن أي تراجع للنظام الايراني، سيكون بسبب اصرار المتظاهرين واتساع حركتهم الاعتراضية، لا بسبب التغيير في الادارة الاميركية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق