حسين عبدالحسين
بعد ان ورث بشار عرش ابيه حافظ الأسد رئيسا لسوريا، أوحى انه ينوي الانفتاح وتخفيف القيود. وقتذاك انتشرت فكاهة مفادها انه في احدى الجلسات التي كانت مخصصة للتباحث في شؤون الحرية، سأل احد المشاركين: "وين هي الحرية؟ وين ابي (المعتقل)؟ وين اخي (المعتقل)". آخر سؤال أدلى به المشارك المذكور كان: "وين آخذيني؟"
حضرتني هذه الفكاهة اثناء قراءتي كتاب تيموثي سنايدر "عن الطغيان"، الكتاب الذي تصدر قائمة الكتب الاكثر مبيعاW في الولايات المتحدة على مدى اربعين اسبوعا. وسنايدر يتمتع بشهرة كأحد أبرز المؤرخين المتخصصين بشؤون أوروبا، بما في ذلك المانيا في زمن النازية، وروسيا في زمن السوفيات. ويقول في مقدمة كتابه ان التاريخ لا يعيد نفسه، لكن يمكن الافادة من دروس الماضي، فكان العنوان الثانوي لكتابه "عشرون درساً من القرن العشرين".
يوحي عنوان الكتاب أن مؤلفه سيناقش تجربة عشرين من طغاة القرن الماضي، لكن الكتاب يقدم فعلياً عشرين بنداً يعتبر ان عدم التنبه لها يمكن ان يحوّل اي ديمقراطية في العالم، بما فيها الاميركية، الى ديكتاتورية.
ويبدو ان سنايدر استقى عشرين من ممارسات الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وقدم خطوات توازيها من التاريخ الاوروبي، للقول ان خطوات ترامب، الذي يتفادى سنايدر ذكر اسمه في الكتاب ويكتفي بالاشارة اليه بعبارة "الرئيس"، هي في معظمها خطوات تهدف الى تقويض الديمقراطية واستبدالها بديكتاتورية.
ويخرج سنايدر، البروفسور في جامعة يال المرموقة، عن دوره مؤرخاً، ويتحول الى ناشط، اذ يقدم مع كل واحدة من دروسه العشرين حلولا يدعو القراء الى تبنيها لحماية الديموقراطية الاميركية.
الدروس التي يقدمها سنايدر يستوحيها من تجربة الأوروبيين، الماضية والحاضرة، بما في ذلك ممارسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يتهمه الاكاديمي الاميركي بأنه نجح في اقامة ديكتاتورية على انقاض الشيوعية، وان بوتين يسعى الى تعميم نموذجه الروسي على حكومات العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة.
ويكتب سنايدر ان "التاريخ، الذي بدا لوهلة وكأنه ينتقل من الغرب الى الشرق"، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبدء برنامج الغرب لنشر الديمقراطية في الشرق، يبدو اليوم "وكأنه ينتقل من الشرق الى الغرب".
لكن الدروس الأوروبية في الطغيان ليست حصراً على أوروبا، بل يمكن دراستها في معظم دول العالم الاخرى، وفي طليعتها إيران والكثير من الدول العربية.
اول درس يقدمه سنايدر هو بعنوان "لا تطيعوا الأوامر مسبقا". ويستذكر سنايدر قصص بعض الاوروبيين ممن ساعدوا ضحايا اليهود من بطش النازيين. وفي درس آخر، يدعو سنايدر القراء الى "التمايز" عن الآخرين وعدم الانسياق خلف المجموعة بلا تفكير.
دعوات سنايدر هنا تعاني من انعدام خبرته في مدى بطش الطغاة، وهو اما يكتب على خلفية تمتعه بالحرية الاميركية، او متأثرا بافلام هوليوود التي تحول معارضي الطغيان الى ابطال اسطوريين.
لكن سنايدر لو عاش في دنيا العرب، مثلا، لأدرك ان عواقب التمايز تكون في الغالب السجن الفوري والتعذيب والقتل، لا بحق مرتكبها فحسب، بل في حق أهله وعشيرته وديرته والبلدة التي ينحدر منها بأكملها، مثلما حصل يوم قررت غالبية السوريين التمايز عن طاغيتها ونظامها، فدكّ الأسد بلدات المتمايزين فوق رؤوسهم.
لو كان لسنايدر معرفة بعالم طغاة العرب والفرس، لأدرك ان الاختلاف عن المجموعة ينجم عنه ضغط اجتماعي ومعيشي هائل يجعل من المستحيل على صاحبه الاختلاف عن محيطه.
الدروس الاخرى التي يقدمها سنايدر تصف الواقع الديكتاتوري الاوروبي، وتشير بدقة الى تماهيه مع بعض ممارسات ترامب وحزبه الجمهوري. من هذه الممارسات العمل على تقويض المؤسسات، مثل في الحرب التي يشنها ترامب ضد اجهزة الاستخبارات، التي تحقق في امكانية تورطه مع الحكومة الروسية للتلاعب بنتائج الانتخابات التي جعلته رئيسا في العام ٢٠١٦.
كما يحذّر سنايدر من التنظيمات العسكرية الخارجة عن سيطرة الحكومة، ويدعو الاميركيين الى التحقق مما يقرأونه، ويدعوهم الى الانفاق على المواد الاخبارية التي يستهلكونها، ويكتب ان المواطن يسدد تكلفة السمكري لاصلاح انابيب منزله وتكلفة ميكانيكي اصلاح جهاز التبريد، فلماذا يتوقع المواطنون الحصول على المواد الصحافية من دون تسديد ثمن الصحف وما تقدمه وسائل الاعلام؟
ويعتبر الاكاديمي الاميركي ان سعي المواطنين للوصول الى الحقيقة وحده يحمي الديموقراطية، وان مهمة أي طاغية تكمن في تمييع الحقائق وخلق عالم مزيف يمحي فيه الفارق بين المقبول والمرفوض.
كتاب سنايدر، وهو قصير وأقرب لكونه كتيب، ممتع ويصلح كبرنامج عمل في اي دولة يسعى مواطنيها للتخلص من الطغيان الذي يرزحون تحت نيره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق