واشنطن - من حسين عبدالحسين
للمرة الثالثة منذ دخوله البيت الأبيض مطلع العام الماضي، مدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإعفاء الذي منحته إدارة سلفه باراك أوباما لإيران، بموجب الاتفاق النووي الموقع بين طهران والدول الست الكبرى في يوليو 2015.
لكن الجديد هذه المرة، إعلان إدارة ترامب أن التمديد سيكون «الأخير»، ما لم يتم التوصل خلال 120 يوماً إلى إدخال تعديلات على الاتفاق الذي يصفه الرئيس الاميركي بـ «الأسوأ في التاريخ».
وتزامناً مع إعلان ترامب ليل أول من أمس، فرض «مكتب مكافحة الأصول الإرهابية» التابع لوزارة الخزانة عقوبات جديدة على 14 فرداً وكياناً إيرانياً (أبرزهم رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني) بتهم متنوعة، تراوحت بين انتهاكهم حقوق الانسان ومشاركتهم في جرائم معلوماتية.
«النظام الإيراني هو أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم»، قال ترامب في بيان صادر عن مكتب الناطق باسم البيت الابيض، وحدّد رعايتها الإرهاب بقوله انها تدعم «حزب الله» اللبناني و«حركة حماس» الفلسطينية، و«تموّل وتسلّح وتدرّب 100 ألف مسلح ينشرون الدمار في عموم الشرق الأوسط»، وتدعم «النظام المجرم لـ (الرئيس السوري) بشار الأسد، وساعدته في ارتكاب مذابح بحق شعبه».
وإذ لفت إلى أن صواريخ إيران تهدد «دول الجوار والملاحة العالمية»، اعتبر ترامب انه في «داخل ايران، يقوم المرشد الاعلى (علي خامنئي) و(الحرس الثوري) باعتقال وتعذيب وقمع وإسكات شعب ايران». ثم هاجم أوباما لعدم دعمه «الثورة الخضراء» في العام 2009، ولسكوته عن مواصلة إيران دعم الإرهاب والتجارب الصاروخية.
وبعد المقدمة الطويلة، أشار بيان ترامب الى الاتفاق النووي، وقال انه على الرغم من معارضته له، فهو لم ينسحب منه بعد، بل قدم خياراً يقضي «إما بإصلاح الثغرات الكارثية فيه (خلال 120 يوماً)، وإما تنسحب الولايات المتحدة» منه، وتعيد فرض العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي، الأمر الذي يعني نهاية الاتفاق.
وحدد بيان ترامب مطالب بلاده على الشكل التالي:
أولاً، يطالب الأميركيون بأن تسمح ايران بتفتيش «سريع وكافٍ وفوري» لكل المنشآت النووية التي تطلب وكالة الطاقة النووية الذرية الكشف عليها.
ثانياً، على إيران التأكيد، بشكل مستمر، بقاء برنامجها النووي على بعد أكثر من عام من صناعة سلاح نووي.
ثالثاً، تطلب الولايات المتحدة إلغاء البند الذي يسمح بانقضاء التفتيش الدولي على البرنامج النووي الايراني في مهل تتراوح بين 10 و15 عاماً، حتى يصبح الاتفاق ساري المفعول الى الأبد.
رابعاً، تطلب إدارة ترامب تعديل نص الاتفاق النووي ليصبح مطابقاً للقوانين الأميركية، التي لا تفصل بين برنامج إيران للصواريخ البالستية طويلة المدى وبرنامجها النووي.
تحذير ترامب من أن تمديده الاعفاءات هذه المرة سيكون الأخير، بالتزامن مع العقوبات الجديدة، ربما بدا وكأنه تصعيد أميركي ضد طهران. لكن المتابعين في العاصمة الاميركية لم يسعهم إلا ملاحظة التخبط الذي تغرق فيه إدارة ترامب، التي - على جاري العادة - عقدت جلسة مغلقة للصحافيين قبل إصدار البيان الرئاسي. والجلسة التي كانت مقررة لمدة 45 دقيقة، استغرقت 11 دقيقة فقط، إذ بدا المسؤولون مرتبكين، ومعلوماتهم حول الموضوع الايراني وكيفية مواجهته ضعيفة ومفككة.
بداية، افتتح المسؤول الأول الجلسة بالقول ان وزارة الخزانة ستفرض عقوبات على 14 كياناً إيرانياً، من دون أن يقدم أسباباً للعقوبات الجديدة، قبل ان ينتقل الى الحديث عن الاتفاق النووي، الذي قال ان اميركا ستطلب من الاوروبيين - من دون أن تشارك في مفاوضات مباشرة مع ايران - أن يتوصلوا الى اربعة تعديلات في بنوده. ثم أدلى المسؤول حرفياً بالمطالب الاربعة التي وردت في الخطاب الرئاسي.
والحال انه إذا كانت هذه مطالب الولايات المتحدة، فإن قيام واشنطن بفرض عقوبات جديدة على ايرانيين بتهم تجاوز حقوق الانسان وزعزعة استقرار منطقة الشرق الاوسط لا تتناسب ومطالبة أميركا بتعديل الاتفاق النووي. كذلك لا تتناسب العقوبات الاميركية الجديدة مع نفسها، فالجهة الاميركية التي قامت بفرض العقوبات على الايرانيين هي «مكتب مكافحة تمويل الارهاب» في وزارة الخزانة، في وقت لا يبدو أن أياً من الايرانيين ممن تعرضوا لعقوبات متهمون بارتكابات تتعلق بالارهاب.
وهنا يصبح السؤال: هل تسعى أميركا الى تعديل الاتفاق النووي مع نظام طهران؟ أم أنها تسعى للاطاحة بالنظام الايراني الذي يقمع المتظاهرين؟ إذ ذاك لا جدوى من تعديل الاتفاق النووي مع النظام نفسه. وما علاقة «مكتب مكافحة الارهاب» بالاتفاق النووي مع ايران او بتجاوزات مسؤولين ايرانيين لحقوق الانسان، مثل رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، شقيق رئيس البرلمان علي لاريجاني، الذي ورد اسمه من بين من فرضت عليهم واشنطن عقوبات جديدة.
«العقوبات اليوم ستصل سياسياً لقمّة النظام، وسترسل رسالة قوية جداً (مفادها) أن الولايات المتحدة لن تتحمل استمرار تجاوزاتهم واختراقهم لحقوق مواطنيهم»، ختم أحد المسؤولين الأميركيين الجلسة المغلقة.
من جهته، قال المحلل ريتشارد نيفيو إن تحقق شروط ترامب سيعتمد على ما إذا كان يريد سبيلاً لحفظ ماء الوجه مع الإبقاء على الاتفاق النووي بغطاء سياسي يتمثل في تشريع أميركي صارم من الكونغرس أم أنه يريد حقاً إعادة صياغة الاتفاق.
واعتبر نيفيو، وهو خبير سابق في عقوبات إيران بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية، أن من المستحيل أن تقبل إيران بعمليات تفتيش دولية غير مقيدة أو بعدم وجود حدود زمنية لقيود الاتفاق النووي، مضيفاً «إذا كنا نسير على الحافة من قبل فإننا الآن نسير على حبل مشدود».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق