واشنطن - حسين عبدالحسين
يمضي الاقتصاد الأميركي في تسجيل أطول فترة تعاف تلي الركود، إذ نجح في إضافة وظائف للشهر الـ٩٩ على التوالي، لتنخفض نسبة البطالة من ١٠ في المئة في تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩ إلى ٤.١ في المئة الشهر الماضي.
ومنذ العام ١٩٥٤، كانت أطول فترة نمو مشابهة شهدها البلد حصلت في زمن الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي ورث نسبة بطالة بلغت ٧.٨ في المئة في حزيران (يونيو) ١٩٩٢، وقاد البلد على مدى ٩٤ شهراً من النمو، لتنخفض نسبة البطالة بعد ثلاثة اشهر على خروجه من الحكم، أي في نيسان (أبريل) ٢٠٠٠، إلى ٣.٨ في المئة.
ولفترة اقصر، نجح الرئيس الراحل رونالد ريغان في خفض البطالة، على مدى ٧٦ شهراً، من 8.1 في المئة في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٨٢، إلى ٥ في المئة بعد شهرين من خروجه من البيت الأبيض، أي في آذار (مارس) ١٩٨٩.
على أن فارقاً كبيراً بين أطول ثلاث فترات نمو اقتصادي وانخفاض للبطالة، يكمن في الفارق بين معدلات نمو الناتج المحلي، الذي بلغ ٤.٧ في المئة أثناء «طفرة ريغان» على مدى ٧٦ شهراً في ثمانينات القرن الماضي، و٣.٨ في المئة اثناء «طفرة كلينتون» على مدى ٩٤ شهراً في التسعينات، لكنه لم يسجّل اكثر من معدل ٢.١ في المئة في فترة الرئيس السابق باراك أوباما، والتي يمتد أثرها حتى السنة الثانية من رئاسة خلفه دونالد ترامب.
وتلقف الاقتصاديون من اليسار ومن الليبراليين، هذه الأرقام ليعتبروا أن التعافي الاقتصادي الأميركي، منذ العام ٢٠٠٩، مثابة «خدعة» في الأرقام. وقدم معهد روزفلت»، وهو مركز بحوث ذات ميول ليبرالية، دراسة قارن فيها نسب النمو المتوقعة التي أصدرها «مكتب موازنة الكونغرس» غير الحزبي منذ العام ٢٠٠٢. وأشار المركز إلى أن المكتب المذكور عمد إلى خفض توقعاته مع مرور الوقت، وأننا لو التزمنا توقعات المكتب منذ العام ٢٠٠٢، لوجدنا أن الاقتصاد الأميركي ينمو بنسبة ١٥ في المئة أدنى من المعدل الذي كان متوقعاً.
ويقول الليبراليون إن على رغم تدني نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها في عقد، لتصل الى ٤.١ في المئة، إلا أن جزءاً كبيراً من اليد العاملة يعمل إما بدوامات جزئية أو بوظائف متواضعة تتطلب أقل من مهاراتهم، وهذه من الأسباب التي زادت في اتساع الشرخ بين أصحاب المداخيل المرتفعة من الأميركيين ونظرائهم من أصحاب المتداخيل المتدنية.
ويشير المعهد إلى أن نسبة الأميركيين ممن يعتمدون على الرواتب لمدخولهم، تراجعت على مدى السنوات الـ15 الأخيرة، من ٦٣ في المئة إلى ٥٧ في المئة من الأميركيين، ما يعني في الوقت ذاته ارتفاعاً في نسبة الأميركيين ممن يعتمدون في مدخولهم على استثماراتهم، خصوصاً في أسواق المال، وهو انعكاس آخر لاتساع الشرخ بين الأثرياء والأقل دخلاً في عموم البلد.
ويرى الاقتصاديون من الوسط واليمين، مؤشرات إيجابية إلى نمو الناتج المحلي الأميركي المتواصل، ولو بنسبة متواضعة. ويشير هؤلاء إلى «توازن» في القطاعات التي تنمو، على عكس الطفرات الاقتصادية الماضية، التي كانت في الغالب مدفوعة بفقاعة مالية معينة، مثل فقاعة «دوت كوم» والإنترنت في زمن كلينتون، وفقاعة العقارات في زمن الرئيس السابق جورج بوش الابن.
هذه المرة، تستند مرحلة التعافي الاقتصادي المستمرة منذ ٢٠٠٩، إلى نمو متوازن بين أبرز القطاعات الاقتصادية، وفقاً لدراسة أعدّها اوليفييه بلانشارد وكولومب لاشارييه، من معهد «بيترسون» الاقتصادي مطلع السنة الجارية.
وقسّم الاقتصاديان القطاعات الاقتصادية الأميركية إلى سبعة قطاعات رئيسة هي الصادرات والواردات، والاستهلاك والعقارات الســـكنية، والعــقارات غير السكنية، وإنفاق الحكومة الفيديرالية. واعتبرا أن هذه القطاعات تنمو بنسب متقاربة لا تتعدى فارق ١ الى ٢ في المئة بينها، في طليعتها الصادرات، وتحلّ في المرتبة الأخيرة بينها، العقارات السكنية.
وكتب الباحثان أن مقارنة فترة النمو الحالية بفترة النمو الممتدة بين ٢٠٠١ و٢٠٠٩، تظهر تشابهاً، إذ إن الفترة الماضية كانت تبدو متوازنة، لكن ما لم يفطن له الكثيرون حينها هو انعدام التوازن في مداخيل المقبلين على شراء العقارات السكنية، إذ راحت البنوك تقرض بلا حسيب ولا رقيب، ما جعل الأميركيين يتساوون ظاهرياً في مداخيلهم، إلى أن وقعت الواقعة، وتبين أن عدداً كبيراً من المقترضين غير قادر على الوفاء بديونه. فانهارت السوق، وتبخرت السيولة فجأة، وأُجبرت الحكومة الفيديرالية على ضخ النقد في المؤسسات المالية والأسواق لمنع الانهيار التام والشامل.
وأضافا أن «غياب انعدام التوازن بين نمو القطاعات الاقتصادية، لا يضمن عدم الاصطدام بركود قريباً»، ليختتما بالقول إن «بعض الهزات قد تأتي، وبعضها قد يكون سيئاً، لكن النمو المتوازن هو خبر جيد على رغم أي شيء».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق