واشنطن - من حسين عبدالحسين
عانى الرئيس دونالد ترامب من أسوأ يوم له في مواجهة العدالة الأميركية، حتى الآن، مع سقوط اثنين من أبرز أركان فريقه. الأول محاميه الخاص مايكل كوهن، الذي اعترف بجرائم تهرب من الضرائب وتحايل على الحكومة وبعض المصارف، وتسديد أموال لحمل عارضة خلاعية سابقة على الالتزام بالصمت حول علاقة عاطفية لها بترامب. وقال كوهن انه اقدم على فعلته بتعليمات من المرشح الرئاسي في حينه دونالد ترامب. وجاءت اعترافات كوهن على أمل حصوله على حكم مخفف، لكن من شأن توريطه لترامب في موضوع تسديد الأموال للعارضة الخلاعية أن يُعرِّض الرئيس الأميركي لمسؤولية قانونية تتعلق بإمكانية مخالفة قوانين تمويل الحملات الانتخابية.
وفي هذا السياق، اعترف كوهن الذي بدا محبطاً وفي بعض الأحيان متلعثماً، بأنه دفع مبلغي 130 و150 ألف دولار لامرأتين تقولان إنهما أقامتا علاقة مع ترامب لقاء لزومهما الصمت، مؤكداً أن ذلك تم «بطلب من المرشح» ترامب وكان الهدف تفادي انتشار معلومات «كانت ستضر بالمرشح».
وقال كوهن إنه تصرف «بالتنسيق مع ترامب وبتوجيهات منه»، مضيفاً «شاركتُ في هذا السلوك بهدف التأثير على الانتخابات».
ويشكل هذا الاعتراف قنبلة حقيقية لترامب لأن ذلك يفترض أنه قد يكون هو نفسه ارتكب جرماً.
أما الثاني من رجال ترامب ممن سقطوا في قبضة العدالة فهو مدير حملته الرئاسية الانتخابية بول مانافورت، الذي وجدته هيئة المحلفين مذنباً في ثمانية من 18 اتهاماً، تنوّعت بين التهرب من الضرائب، والتزوير، والتحايل على الحكومة وعلى بعض المصارف، وهي جرائم من المرجح أن تؤدي الى صدور حكم سجن بحقه يصل الى عشر سنوات.
ولا يزال مانافورت في انتظار محاكمة ثانية، مقررة الشهر المقبل، وتتعلق بعدم تصريحه عن العمل كـ«عميل خارجي» وتسلمه أموالاً من حكومة أجنبية، هي حكومة أوكرانيا السابقة المؤيدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من أجل القيام بحملة علاقات عامة (لوبي) لمصلحة هذه الحكومة.
وكان لافتاً التزامن القضائي المذهل (أول من أمس الثلاثاء) لتلقي ترامب الضربة المزدوجة مع قيام كوهن بتوريطه، وإدانة مانافورت في ختام محاكمته.
ويتم النظر في القضيتين المنفصلتين أمام محكمتين مختلفتين، غير أن الظل نفسه يُخيّم فوق المحاكمتين في ألكسندريا قرب واشنطن ونيويورك، هو ظل ترامب الذي تواجه ولايته مسائل قضائية كثيرة تكبلها، إذ تطول العديد من المقربين منه وباتت تهدد بتلطيخه مباشرة.
وبين سقوط محاميه ومدير حملته في قبضة العدالة، أثار لقاء عقده محامي البيت الأبيض دون ماغان مع فريق المحقق الخاص روبرت مولر، واستغرق 30 ساعة، قلق الرئيس الاميركي من إمكانية أن يقوم ماغان بإفشاء أسرار معلّمه، فغّرد ترامب وشبه ماغان بـ «الجرذان»، وهي التسمية التي تطلقها المافيا الايطالية على أي من اعضائها ممن يفشون أسرارها الى السلطات.
وبين وقوع كوهن ومانافورت وتقهقر ماغان وامكانية تعاونه مع مولر بهدف الحصول على حكم مخفف مثلما فعل كوهن، تابعت العاملة السابقة في البيت الابيض اوماروسا نيومان نشر محادثات كانت سجلتها سراً أثناء عملها في الفريق الرئاسي، الذي وفدته من برنامج تلفزيون الواقع «ابرنتيس»، الذي كان يقدمه ترامب.
ومن التسجيلات التي قدمتها اوماروسا، تسجيل يُظهرها في حوار مع زوجة ابن ترامب، لارا، عرضت فيه الاخيرة راتباً قدره 15 ألف دولار شهرياً، من أموال المانحين الانتخابيين لحملة ترامب الانتخابية، بهدف شراء صمت العاملة السابقة في البيت الابيض. وفي تسجيل آخر، تُحاور أوماروسا اثنين من الفريق الرئاسي حول قيام ترامب باستخدام كلمة «زنجي»، وهي كلمة محظور استخدامها على البيض الأميركيين بسبب تاريخ البلاد في العبودية وحساسية الموضوع سياسياً.
إقرار كوهن بالذنب سيثير المزيد من مخاوف ترامب، فكوهن هو اليد اليمنى سابقاً له، وهو الذي قام بعمليات «تنظيف»، من قبيل إسكات العارضة الخلاعية قبيل الانتخابات، وهي جريمة يُحاسب عليها القانون، لا بسبب العلاقة الجنسية والمال لإسكات صاحبتها، بل لاستخدام كوهن أموالاً تتعلق بالانتخابات من دون التصريح عنها إلى هيئة مراقبة تمويل الانتخابات.
ويعتقد بعض الخبراء أن كوهن هو بمثابة «أمين أسرار» ترامب، وأن موافقته على التعاون مع التحقيق (بعد اعترافه) قد تفيد المحققين، وبعدهم المدعون العامون ممن سيترافعون في القضية، بأدلة كثيرة يمكن استخدامه في ملاحقة ترامب نفسه في وقت لاحق.
كما يمكن أن تتحول ملاحقة مولر لمانافورت، عن طريق ضرائبه أولاً قبل ملاحقته بموضوع التعامل مع أوكرانيا، إلى نموذج لملاحقة مولر لترامب بمواضيع تتعلق بضرائبه، التي يصر الرئيس الأميركي على إخفائها ليصبح أول رئيس لا يفصح عن ضرائبه منذ منتصف السبعينات.
كذلك، اعتبر الخبراء أن ثبوت الاتهامات في حق مانوفورت هو بمثابة انتصار لمولر وفريق التحقيق. وعلى الرغم من أن أياً من الأحكام بحق مانافورت أو اعترافات كوهن لا ترتبط بروسيا ولا بالتحقيق الساعي إلى البحث عن تواطؤ بين ترامب وأفراد حملته وبين موسكو، أثناء الحملة الرئاسية الانتخابية قبل سنتين، إلا أن هذه «الانتصارات» تفتح أبواباً واسعة لمولر، وتُثبت أن هجمات ترامب ضد المحقق الخاص، واتهامه بأنه يمارس «صيد ساحرات» وأن التحقيق «مسيس»، هي هجمات واتهامات فارغة هدفها عرقلة مهمة مولر، ربما لخوف الرئيس من أن تطوله نفس الكأس المرة التي طالت المقربين منه.
وبدا التوتر ظاهراً على ترامب، في تغريداته، منذ فترة، فهو بالكاد يمر يوم من دون أن يوجه سهام انتقاداته اللاذعة إلى التحقيق، ومولر، ووزارة العدل وأركانها، بمن فيهم الوزير جيف سيشنز ووكليه رود روزنستاين، علماً أن الاثنين عيّنهما ترامب في منصبيهما. كما يوزع ترامب انتقاداته على الديموقراطيين، ويكرر أنه لم يكن هناك أي تواطؤ مع روسيا، وأنه حتى لو كان يوجد أي تعامل، فإن التعامل لا يتعارض مع القانون. كما أبدى ترامب حزنه لصدور حكم بحق مانافورت، ووصفها بالقصة الحزينة، ولكن التي لا تتعلق به في الوقت نفسه.
على أن المشاكل القانونية التي يعاني منها ترامب وفريقه لا تبدو وكأنها تؤثر كثيراً في شعبيته، التي تقف عند 42 في المئة، حسب موقع «فايف ثيرتي ايت» المتخصص. ويلفت الخبراء الى أنه في السنوات التي كان فيها الاقتصاد منتعشاً، كما هو الآن، وسوق المال في أعلى مستوياتها، كانت معدلات تأييد الرئيس لا تنخفض عن 50 في المئة، وانه بسبب شخصية ترامب ومشاكله القانونية، فإن شعبيته تنخفض الى معدلات غير مسبوقة بالنسبة لرئيس في هذا الوقت من رئاسته ومع أداء اقتصادي قوي.
لكن نسبة 42 في المئة لا تبعد كثيراً عن الـ46 في المئة التي أوصلت ترامب إلى البيت الابيض، وهو ما يعني أنه على الرغم من مأزقه القانوني، لا تزال حظوظ ترامب في الفوز بولاية ثانية في سنة 2020 مرتفعة، إلا في حال نجح مولر بالاطاحة بالرئيس قبل موعد انتخابات 2020.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق