حسين عبدالحسين
«إذا كان الإخوان أضعف فإنهم لا يفيدون مصالح الولايات المتحدة في مصر، وأي قوة سياسية قد يخسرها الإخوان ستنتقل على الأرجح إلى الإسلاميين المتطرفين، الأقل تقبّلاً للولايات المتحدة، والثقافة الغربية، والعلاقات المصرية - الاسرائيلية». بهذه النتيجة تخلص دراسة سرية أجرتها «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية (سي آي إي) في سنة 1986، وتم الافراج عن معظم أجزائها في 2011 لمرور 25 سنة على صدورها، قبل أن تُنشر كاملة قبل أيام.
وتعلّق المصادر الأميركية على الدراسة بالقول إن أجزاء واسعة منها لا تزال تنطبق على «تنظيم الاخوان المسلمين» في مصر والدول العربية، وإن أجزاء أخرى لم تعد صالحة بسبب التجارب السياسية والأحداث على مدى العقود الثلاثة الماضية.
وتقول المصادر إنه يوم أجريت تلك الدراسة، لم تكن لدى «تنظيم الإخوان» تجارب تذكر في الحكم، حتى التجربة الإيرانية كانت لا تزال فتية وإيران مشغولة في حربها مع العراق، «لكن اليوم، صار أمام المسلمين تجارب حكم إسلامي متعددة، بعضها متطرف والآخر أكثر اعتدالاً».
وتضيف: «من دولة طالبان وبن لادن الاسلامية المتطرفة في أفغانستان، إلى جمهورية إيران الإسلامية الديكتاتورية، فالتجربة التركية المهزوزة، وكارثة حكم حماس في غزة، والفترة القصيرة التي قضاها الإخوان في حكم مصر، كلها تجارب كارثية، لم تقدم للمسلمين أي حلول لمشاكلهم، بل زادت في تعقيدها، وعمّقت من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية».
وتعتبر المصادر الأميركية أنه يمكن استخلاص بعض الملاحظات حول حكم الإسلاميين وتجاربهم المختلفة على مدى العقود الثلاثة الماضية، أولها أنهم ليسوا أكثر نزاهة من الحكومات القائمة. ويضرب المسؤولون الاميركيون المثال بحكومة «حماس» في غزة، ويقولون إنها أثبتت أنها ليست من العقائدية بشيء، وأنها لا تمانع الاستغلال السياسي والتقلب بسرعة حسب مصالحها.
ويضيفون ان «حماس» أيّدت معارضي الرئيس السوري بشار الأسد بعد اندلاع الثورة السورية في 2011، ثم ما لبثت قيادة الحركة أن تراجعت عن موقفها وانقلبت عليه، وأعادت علاقاتها مع الأسد وإيران.
وكما في غزة، كذلك في مصر، لم يلتزم «الإخوان» بالعقائدية، بل سارعوا للتواصل مع واشنطن أثناء تبوأهم الحكم في مصر، ولعبوا دوراً أساسياً في الوساطة بين إسرائيل و«حماس» أثناء اندلاع الحرب في غزة. كما حاولت حكومة «الإخوان» وفريق الرئيس المعزول محمد مرسي إقامة علاقة مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما من دون الجيش المصري، والأخير هو عماد العلاقة الأميركية - المصرية على مدى العقود الماضية. وقبل أن يتم لقاء القمة الذي جرى الإعلان عنه بين أوباما ومرسي، تراجعت واشنطن، وبعدها سقط مرسي ومعه حكم «الإخوان».
و«الواقعية السياسية» البعيدة عن العقائدية واضحة في سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي هذا السياق، تقول المصادر الاميركية انه على الرغم من «إسلامية» أردوغان وإصداره تصريحات متواصلة ضد إسرائيل، إلا أن أنقرة حافظت على علاقات جيدة بالإسرائيليين، بما في ذلك تبادل استخباراتي رفيع المستوى، وشراء طائرات إسرائيلية من دون طيار.
في الحُكم، لم يقدم «الإخوان» أداء أفضل من الحكومات غير الاسلامية، فعيّنوا أقاربهم في الحكم، وأثروا إثراء غير مشروع، فيما تدهورت موازنة الحكومات التي أداروها، ووظفوا خطاباً شبيهاً بخطاب غير الإسلاميين، لناحية محاولة إلقاء اللوم على قوى خارجية مزعومة لتبرير فشلهم، حسب المصادر الأميركية.
هل لا تزال الولايات المتحدة ترى أن «الإخوان» أفضل لمصالحها من الفصائل الإسلامية الأكثر تطرفاً؟ تجيب المصادر الأميركية أن الادارات الأميركية المتعاقبة على مدى العقدين الماضيين، لم تعد ترى إيجابيات تُذكر في مقارنة «الإخوان» بالفصائل الأكثر تطرفاً.
وتشير إلى جزء من دراسة سنة 1986 ورد فيها أن من تأثير «الإخوان» على مصر هي الأسلمة التي شهدتها البلاد. وتفيد دراسة «سي آي إي» أن علامات «انحراف» مصر تجاه «الإسلام المحافظ» يمكن ملاحظتها في قيام طالبات في «الجامعة الأميركية في القاهرة» بارتداء الحجاب، وإطلاق الطلاب لحاهم، وارتدائهم «الجلابية» كرمز للتدين. وتضيف ان الزي بشكل عام أصبح «محافظاً» أكثر بين أفراد الطبقة المتوسطة والعليا، وأن عدداً لا بأس به من الصفوف في الجامعة تم فصلها بين الجنسين.
وتلفت الدراسة أيضاً إلى أن عدداً من المؤسسات التعليمية والشركات والمكاتب باتت تتوقف عن العمل وقت الأذان، فيما انخفضت نسبة احتساء الكحول علناً، وألغت الحكومة بث مسلسل «دالاس» الاميركي، رغم شعبيته، أثناء شهر رمضان، على اعتبار أن المسلسل مسيء للمبادئ الاسلامية.
اتجاه مصر ودول عربية وإسلامية نحو الأسلمة ليس مشكلة في ذاته، ولكنه «يجعل الأرض أكثر خصوبة للتنظيمات الاسلامية المتطرفة لتجنيد مقاتلين ومؤيدين لها بين السكان»، وفقاً للمصادر الاميركية، وهو السبب الذي دفع الإدارات الأميركية المتعاقبة، بالتنسيق مع حكومات بعض الدول العربية والإسلامية، إلى إعادة تنقيح بعض البرامج التعليمية والإذاعية، وإلى دفع الخطاب الاسلامي نحو الاعتدال السابق لانتشار خطاب «تنظيم الاخوان المسلمين» والتنظيمات المنشقة عنه، أو الإسلامية المتطرفة المنافسة له.
تقول المصادر الاميركية إن هجمات 11 سبتمبر 2001 غيّرت كثيراً في الرؤية الاميركية تجاه التنظيمات الاسلامية حول العالم وكيفية التعامل معها، فعلى عكس سنة 1986، لم يعد «الإخوان» تنظيماً محلياً في مصر، بل صار منظومة حكم بأشكال مختلفة في دول متعددة، وراح بعضها يهدد وجود بعض الدول الإسلامية نفسها، وأحيانا يتمدد هذا الخطر ليطول مصالح الولايات المتحدة، حول العالم وفي القارة الاميركية نفسها.
وتختم المصادر: «لكن كغيره من أنظمة الحكم، تتراجع هالة التنظيم كلّما تقدم الزمن، ولا يعود الحكم الاسلامي طموحاً مثالياً وجميلاً، بل يُصبح تجربة واقعية ومريرة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق